سجّلت الجزائر ارتفاعًا لافتًا في معدلات الخُلع خلال السنوات الأخيرة، إذ تجاوزت الأرقام 10 آلاف حالة خُلع، مقابل 44 ألف حالة طلاق في ظرف الأشهر الـ6 الأولى من السنة الجارية، حسب إحصائيات رسمية، فيما كان الطلاق إلى وقت قريب أمرًا غير مرغوب فيه في المجتمع الجزائري، إذ كان الطرفان يُحاولان تفاديه بشتى الطرق، بسبب ما يترتّب عنه من تبعات خَطيرة على الأطفال والأُسرة وتَركيبة المُجتمع كَكُل.
في رده على سُؤال لعضو بمجلس الشيوخ الجزائري قبل أيام، بخصوص ارتفاع مُعدلات الخُلع وإمكانية إعادة النظر في القوانين التي تُنظم الأمر، قال وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي: “إن الإحصائيات تُشير إلى نسب متفاوتة لحالات الخُلع، مُقارنةً مع حالات الطلاق بالتراضي أو التطليق أو تطليق الزوج”، مؤكدًا أن “أي تقييد لأحكام الخُلع سيجعل منه تطليقا”.
هذا، ودعَا الوزير طبي، المُختصين إلى “دراسة الأسباب التي تَقف وراء تفشي ظاهرة الطلاق عامةً في وقت ارتبطت حالات الخُلع بالزيجات الحديثة” ـ حسب قوله ـ داعيًا في الوقت ذاته إلى ضرورة “تفعيل الدور التوعوي الذي يُمكن أن تلعبه الجمعيات التي تهتم بشؤون الأسرة والمرأة لأجل مرافقة المقبلين على الزواج”.
ظاهرة كامنة في المجتمع
قال الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي: “إن “الخُلع” هو عبارة عن ظاهرة كامنة في المجتمع الجزائري، إلى أن جاء هذا التشريع الجديد ليجعلها تخرج إلى اللعيان في المجتمع، وأوضح بن دريدي في تصريح لـ “الأيام نيوز”: “أنه من خلال مقارنة إحصائية بسيطة، بين فترة ما قبل صدور تشريع الخُلع وما بعده، يتجلى لدينا أن الاختلالات والصراعات كانت موجودة من قبل وربما دامت لسنوات طويلة بين الزوجين، وجاء هذا التشريع ليضع حدًّا لهذه المسائل العالقة، وهذا ما يُفسّر تضخم معدل حالات الخلع في فترة ما، ثم استقرارها في مرحلة أخرى”.
وتابع: “إن اتخاذ قرار (الخُلع)، من المفروض أن يكون آخر ما يفكر فيه الطرفان، خاصةً أنه في معظم الحالات نجد أن الفترة الزمنية التي يقضيها الزوجان معًا قصيرة جدًّا، قبل التفكير في قرار الانفصال، الذي غالبا ما يكون شيء مستجد لحظي، يُؤخذ في لحظة غضب، فيما بعد يكون هناك ندم على هذا الفعل لما يخلفه من آثار نفسية واجتماعية وخيمة”.
وفي حديثه، عن آثار تنامي هذه الظاهرة على المجتمع الجزائري، قال بن ديردي: “إن هناك آثارا جسيمة لارتفاع معدل حالات الخلع على الأسر الجزائرية، خاصةً فيما يتعلق بفئة الأطفال، حيث أثبتت الدراسات السيكولوجية أن ضحايا التفكك الأسري، دائما ما نجدهم يسلكون طريق الانحراف والإجرام، وهذا ما قد يهدد الأمن العام واستقرار المجتمعات، باعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمع وتفككها يعني تفكك المجتمع”.
في سيّاق متصل، أكدّ الخبير في علم الاجتماع: “أن الخُطوة الأولى في مسار البحث عن حلول أو مقترحات للتخفيف من حدّة الظاهرة، يقتضي بالضرورة محاولة فهم طبيعة المشاكل والصراعات التي تحدث داخل أسوار الأسرة الجزائرية، وهل ترتبط بأبعاد اقتصادية، اختلاف السن، اختلاف المستوى الثقافي، أم ترتبط بضغط عائلي مُعين أدّى فيما بعد إلى إحداث شرخ في العلاقة بين الزوجين”.
هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أشار الخبير الاجتماعي، إلى “أن الخُلع هو مسألة معنوية في المجتمع الجزائري، ففي ثقافة مجتمعنا، نجد أن الرجل الجزائري لا يتقبل أن تقوم المرأة بخلعه، وعليه من المستحسن أن يكون هذا التشريع آخر ما يلجأ اليه الزوجان لأنهاء العلاقة في حال وصولها إلى طريق مسدود، حتى لا تكون هناك آثار جانبية على الأسرة والمجتمع”.
الأسباب الحقيقية لا يتم الإفصاح عنها
من جانبه، قال المحامي أمين سيدهم: “إن معدل حالات الخلع في الجزائر عرف خلال السنوات القليلة الأخيرة ارتفاعًا قياسيًا، وذلك يرتبط بجملة من الأسباب والخلفيات تتعلق في غالب الأحيان بتركيبة وطبيعة المجتمع، أما من الجانب القضائي فيبقى الخُلع مجرد إجراء قانوني يتيح للمرأة أن تخلع نفسها بدون تبرير مقابل مبلغ مُحدد من المال”.
وفي هذا الصدد، أوضح سيدهم في تصريح لـ “الأيام نيوز”: “أنه بالتزامن مع جائحة كورونا شهدت الأرقام ارتفاعًا لافتًا، بسبب تداعيات الأزمة، الأمر الذي ولّد ضغطًا اقتصاديًا وتباعدًا اجتماعيًا أفرز عنفًا انعكس على الروابط الأسرية وأدى إلى تفككها في أحيان كثيرة”.
وتابع: “من خلال الاحتكاك المباشر مع النساء اللاتي يلجأن إلى طلب الخلع، سجلنا أن اليوم المشكل تحول إلى مشكل استحالة التعايش بين الطرفين، وهنا تتعدد الأمور بين مسائل اجتماعية، ومسائل مادية وعدة مسائل أخرى، إلا أن الأسباب غالبًا ما تتمحور حول صغر السن”.
هذا، وأشار الخبير القانوني، إلى أن الأسباب الحقيقية التي تدفع المرأة لرفع قضية خلع ضد شريكها، في كثير من الأحيان لا يتم الإفصاح عنها، وتبقى سرية، خاصةً وأن القانون يتيح ذلك، فالمرأة ليست ملزمة بتبرير سبب لجوئها إلى الخلع”.
في السيّاق ذاته، أفاد تقرير لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية، صادر في سبتمبر/أيلول الماضي، أن أحد أسباب ارتفاع هذه الأرقام هو نتيجة تسهيل إجراءات تقديم المرأة لطلب الطلاق في العديد من البلدان العربية كالجزائر ومصر والأردن والمغرب، ومن بين الأسباب كذلك وفقا للمجلة هو تراجع تأثير الأهل على إدامة الزيجات غير السعيدة وزيادة الزيجات التي تعتمد على الحب وليس على الزواج الذي يرتبه الأهل.
وفى الجزائر ارتفعت حالات الطلاق إلى 64 ألف حالة سنويا، أي بمعدل حالة كل 12 دقيقة، حسب المصدر ذاته، وبالنسبة لإحصاءات النساء اللواتي خلعن أزواجهن، فقد كانت لا تتعدّى 13 ألف حالة في 2019، لكنها ارتفعت إلى 15 ألف في 2020.
وفي 2005 قامت الجزائر بتعديل قانون الأسرة الصادر في 1984، وألغى بند “الرجل رب الأسرة”، وكذلك “حق الرجل في الطعن أو الاستئناف في أحكام الطلاق والخلع التي كانت موجودة في القانون الأول”.
وجاء في نص المادة 54 من القانون الجديد، “يجوز للزوجة من دون موافقة الزوج، أن تخلع نفسها بمقابل مالي، وإذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم”.
كما تنص المادة 53 على أنه يجوز للزوجة أن تطلبه لأسباب 10 حددها النص، منها الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر، والحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة، وارتكاب فاحشة، والشقاق المستمر بين الزوجين.