صوّتت يوم الخميس الماضي، لجنة الكونغرس الأمريكي، المكلّفة بالتحقيق في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في الـ06 يناير 2021، بالإجماع على إصدار مذكرة استدعاء رسمية للرئيس السابق دونالد ترامب، للإدلاء بالشهادة حول اتهامات تشير إلى احتمالية تورطه في تحريض مناصريه ودفعهم للقيام بأعمال شغب أدت إلى مقتل 4 أشخاص بينهم امرأة، وجرح العشرات وسط المتظاهرين ورجال الشرطة.
قرار لجنة الـ06 يناير، الذي جاء بعد أكثر من سنة من التحقيقات والمقابلات مع أكثر من 1000 شاهد، يثير الكثير من الأسئلة حول الإجراءات القانونية التي سيتم اتباعها بعد هذا التصويت؟ احتمالية استجابة الرئيس السابق دونالد ترامب لمذكرة الاستدعاء من عدمها؟ خطورة هذه القضية مقارنة مع القضايا الأخرى التي يواجهها على المستويين الفدرالي والولائي؟ وأثر المتابعات القانونية له على الوضع السياسي والأمني في البلاد؟
ليس أول رئيس يستدعيه الكونغرس للتحقيق
قال المحامي المعتمد لدى المحكمة الأمريكية العليا والناشط في الحزب الجمهوري كمال نعواش، أن إصدار مذكرة استدعاء للشهادة من طرف الكونغرس للرئيس السابق دونالد ترامب، ليست الخطوة الأولى من نوعها، فقد سبق للكونغرس استدعاء الرئيس بيل كلينتون لسماع أقواله في ما سمي بـ”فضيحة لوينسكي” (فضيحة جنسية سياسية طالت الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة بيل كلينتون، والمتدربة الشابة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي عام 1998)، وكذلك سبق استدعاء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عام 2004 لسؤاله حول إساءة معاملة الأسرى والمساجين العراقيين في سجن أبو غريب، والمعلومات التي اُتخذ على أساسها قرار غزو العراق.
في الحالتين سابقتي الذكر ـ يقول الأستاذ نعواش في مقابلة مع «الأيام نيوز» ـ إن استخدم كل من بوش وكلينتون ما يسمى بـ “The Executive Privilege”أو الامتياز التنفيذي الذي يحمي الرؤساء من التحقيق معهم كباقي المواطنين العاديين، وبعد لغط سياسي وإعلامي كبيرين، انتهى الأمر إلى قبولهما الإجابة على أسئلة لجنة الكونغرس بشروط، فمثلا تم اشتراط الإجابة على أسئلة معينة فقط، أو السماح بطرح سؤالين فقط في اليوم مثل ما اشترط الرئيس جورج بوش الابن، يضيف المتحدث.
يترتب على عدم الاستجابة لاستدعاء لجنة التحقيق في الكونغرس الحكم بالسجن من شهر إلى 12 شهرا، وفي ظل عدم إيضاح المحاكم حد الحماية التي يفرها الامتياز التنفيذي للرؤساء، يتوقع المحامي الأمريكي من أصول فلسطينية، كمال نعواش، أن يدخل الرئيس السابق دونالد ترامب في مساجلات قانونية مع الكونغرس حتى نهاية السنة، أي بعد مرور انتخابات التجديد النصفي المزمع إجراؤها في الـ08 نوفمبر المقبل، وحتى لو استجاب للاستدعاء ـ يضيف محدثنا ـ فإنه سيستعين بالتعديل الخامس للدستور الأمريكي الذي تحدث عنه مرارا، والذي يقضي بمنع التحقيق معه دون موافقته، وبالتالي يمكنه الإجابة على كل سؤال بالقول، أنا أمارس حقي في التعديل الخامس ضد أي شيء يمكن أن يورطني في مشكلة جنائية.
وعلى خلاف باقي دول العالم، يقول الأستاذ نعواش، فإن التعديل الخامس للدستور الأمريكي يعطي لكل مواطن حق الحرية في الإجابة من عدمها على أسئلة المدعي العام أو الكونغرس في هذه الحالة، للحيلولة دون تهديد أو تعذيب الأشخاص لإجبارهم على اعترافات تورطهم في مخالفات وجرائم جنائية.
ما هي أخطر قضية تواجهه وكيف سيكون الحكم فيها؟
يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب عدة قضايا منها ما هو على المستوى الولائي كالقضية المرفوعة ضده في ولاية جورجيا، والتي تتعلق بمزاعم تدخله لتغيير نتائج رئاسيات 2020، وقضية التهرب الضريبي والاستفادة من قروض بنكية بناءا على تقديم معلومات مغلوطة، المرفوعة ضده بولاية نيويورك، وقضايا على المستوى الفدرالي، كدعوى احتفاظه بوثائق حكومية سرية بعد مغادرته البيت الأبيض، والتي اقتحم عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي» إقامته في «مار إيه لاغو» بولاية فلوريدا، للبحث عنها، والآن تصويت لجنة الـ06 يناير بالكونغرس الأمريكي بالإجماع لإصدار مذكرة استدعاء في حقه.
من الصعب يقول الأستاذ كمال نعواش، تحديد أي من القضايا المذكورة سابقا ستكون الأخطر على الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالنظر إلى تفاصيلها ونوعيتها، يرى المتحدث أن قضية التهرب الضريبي والاستفادة من قروض بنكية على أساس تقديم معلومات خاطئة، لا تعني ترامب كشخص، بل تعني «مؤسسة ترامب» وبالتالي فإن الأحكام الصادرة ستعاقب المؤسسة وليس الشخص، والحكم فيها قد يكون فرض غرامة مالية، وهنا يعطي الأستاذ نعواش، مثالا بقضية رُفعت قبل سنوات على شركة «فولسفاغن» للسيارات، التي اتهمت بتقديم معلومات مغلوطة حول تلويث الجو، وفي حين عوقبت الشركة بدفع 30 مليار دولار غرامة مالية، لم تصدر أية عقوبة قانونية في حق الأشخاص.
قضية التدخل لتغيير نتائج الانتخابات أيضا ستكون خطيرة، ولكن يرى المتحدث أن الأخطر إن ثبت تورطه فيها قد تكون الاحتفاظ بوثائق مصنفة سرية في إقامته بفلوريدا، وعدم تسليمها للجهات المهنية في الوقت المحدد، وهنا كذلك أعطى المحامي كمال نعواش مثالا يتعلق مشابها، تتعلق بساندي بيرغر، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ما بين 1997 و2021، الذي حققت معه وزارة العدل الأمريكية بسبب الإزالة غير المصرح بها لوثائق سرية تتمثل في نسخ سرية وبعد التحقيق معه أقر بأنه مذنب في تهمة جنحة إزالة الوثائق السرية والاحتفاظ بها من الأرشيف الوطني في واشنطن العاصمة، ولكن لم يُحكم عليه بالسجن بل غُرّم بيرغر بخمسين ألف دولار، وحُكم عليه بقضاء عامين تحت المراقبة و100 ساعة في خدمة المجتمع.
هل سجن ترامب يخدم أمريكا؟
يعتقد المحامي المعتمد لدى المحكمة الأمريكية العليا والناشط في الحزب الجمهوري كمال نعواش، أن الحكم بالسجن أو أية عقوبة أخرى قاسية تمس شخص الرئيس السابق دونالد ترامب، في أية قضية من القضايا المرفوعة ضده، ستكون بالنسبة لمناصريه الذين يصل عددهم إلى حوالي سبعين مليونا أعطوه أصواتهم في رئاسيات 2020، بمثابة تصفية حسابات سياسية، لذا يرى الأستاذ نعواش أنه من الأحسن للوضع السياسي والأمني في البلاد، أن يتم العفو عنه، لأن محاسبته قد تنجر عنها انزلاقات مثل ما حدث في يناير 2021، وقال الأستاذ نعواش،أن هناك احتمالا كبيرا بأن يفوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في انتخابات التجديد النصفي، وبالتالي سيتم وقف التحقيق مع ترامب في الكونغرس، كما توقع أن يتم العفو عنه عام 2024، إن ربح الانتخابات مرشح جمهوري.
وانتقد محدثنا الطريقة التي تعامل بها الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي، لأنه حسب رأيه يتعامل مع ترامب بكراهية غير مدرك للخطر الذي قد يلحق بالبلاد في حال ثار أنصار ترامب دفاعا عنه، ورغم استبعاد حدوث حرب أهلية ووعي الأمريكيين بضرورة الحفاظ على أمن بلادهم – يضيف المتحدث – إلا أن هناك انقسام كبير في البلاد بسبب ما حدث بعد انتخابات 2020، الأمر الذي يبقي احتمالية حرب اهلية موجودة ولو كانت ضئيلة.
وختم المحامي كمال نعواش، بالتأكيد أنه شخصيا ضد إصدار أي عقاب على الرئيس السابق دونالد ترامب، ومع إصدار عفو رئاسي مثل ما فعل الرئيس جيرالد رودولف فورد الابن الذي حكم الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1974 و1977، واصدر عفوا عن الرئيس الذي سبقه ريتشارد ميل هاوس نيكسون، الذي اضطر للتنحي من منصبه عام 1974 خوفًا من أن توجه له تهمة التستر على نشاطات غير قانونية لأعضاء حزبه الجمهوري في فضيحة ووترغيت بعد تهديد الكونغرس بإدانته.