تحلّ، غدا الجمعة، ذكرى رحيل الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، الذي أُعدم إثر حكم قضائي أصدرته محكمة في بغداد، أقيمت تحت إشراف القوات الأمريكية خلال احتلال للعراق، وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقا فجر يوم الـ 30 من ديسمبر 2006، في مشهد مروع افتتح فترة حكم مظلمة في تاريخ العراق.
قبل 17 سنة، تم إعدام الراحل صدام حسين في عملية استغرقت 35 دقيقة، وقد امتنع – حينها – عدد من القضاة عن التوقيع على تنفيذ الحكم الذي جاء بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إلقاء القبض على صدام.
وقد قيل إن سائقه أو أحد حراسه وشى به إلى الأمريكيين، وحصل على المكافأة السخية التي قدرت بـ 25 مليون دولار أمريكي، في حين يبقى الثابت أن صدام حسين بعد المحاكمة، نُفذ فيه حكم الإعدام في 30 ديسمبر عام 2006.
إثر اعتقاله، تم وضع صدام حسين في زنزانة أبعادها 4 أمتار على 3 أمتار بمكان مجهول قرب بغداد، وقيل في وصفها إنها كانت تحتوي على طاولة وكرسي بلاستيكي بلون وردي، إضافة إلى سرير، فيما كانت كل حركاته بلا استثناء في الغرفة الصغيرة تحت مراقبة الكاميرات على مدار الساعة!
الغرب، وفي طليعتهم الأمريكيون، لم يقرروا التخلص من صدام حسين ومهاجمة العراق واحتلاله في سياق الانتقام من هجمات 11 سبتمبر، التي لا دخل لبغداد فيها لا من قريب ولا بعيد، ولا بسبب الأسلحة النووية والجرثومية التي اتضح أنها مجرد أكذوبة، بل أُعدم صدام لأنه كان معادينا حقيقيا للكيان الصهيوني.
قبل أن يلاحقه الأمريكيون، بعد الهجوم على العراق واحتلال بلاده في عام 2003، ويتمكنوا منه، تعرض صدام حسين للعديد من محاولات الاغتيال الداخلية، جرى أخطرها في 8 جويلية عام 1982، بهجوم مسلح بالقرب من قرية الدجيل، نجا منها فيما قتل 11 فردا من حراسه.
استبدال صاروخ تدريب بآخر حقيقي
محاولات اغتيال مماثلة فاشلة جرت في العام 1987، تلتها أخرى في نهاية العام 1988، وثالثة في سبتمبر 1989، فيما نظمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية محاولة انقلاب عسكري فاشلة العام 1996، خصص لها مبلغ 120 مليون دولار أمريكي.
اللافت أن مسؤولين صهاينة كانوا قد اعترفوا، في ديسمبر العام 2003، بعد أيام من اعتقال الأمريكيين لصدام حسين، بأن سلطة الكيان كانت خططت لاغتيال صدام حسين في العام 1992، إلا أن المحاولة ألغيت بسبب مقتل خمسة جنود أثناء تدريبات على تنفيذ العملية، وكان الجنود الخمسة يمثلون دور صدام حسين وحاشيته، وقد قتلوا فيما أصيب ستة آخرون على خلفية استبدال صاروخ تدريب معطوب بآخر حقيقي عن طريق الخطأ.
شبكة “سي أن أن” كانت نقلت في ذلك الوقت عن مسؤولين صهاينة أن محاولة اغتيال صدام حسين كان من المفترض أن تنفذ بواسطة كوماندوز، من خلال استهدافه بصاروخين أثناء حضوره جنازة أحد أقاربه في مدينة كريت، مسقط رأسه.
إفرايم سنيه، وهو سياسي من حزب العمال وكان عضوا في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست في العام 1992، أبلغ الشبكة الإخبارية الأمريكية بأن دافع الكيان الصهيوني للتخطيط لقتل صدام كان مشابها “لدافع الولايات المتحدة إلى احتلال العراق في عام 2003، والكنيست الإسرائيلي يُشبه مجلس النواب الأمريكي”!
مسؤولون صهاينة كبار وصفوا بأنهم كانوا قريبين من عملية التخطيط لمحاولة الاغتيال زعموا أن تلك المحاولة لم تكن “انتقاما من إطلاق العراق صواريخَ سكود الـ39 على الكيان الصهيوني في العام 1991 خلال حرب الخليج، والتي ضرب معظمُها “تل أبيب” والأحياء المحيطة بها”.
مع أن الكشف عن محاولة اغتيال صدام حسين قد جرى بعد القبض عليه، إلا أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية ذكرت أن رئيس أركان الجيش الصهيوني، موشيه يعالون – حينها، انتقد نشر تفاصيل الخطة، وقال للصحيفة: “هناك أمور يجب أن تظل داخلية لأسباب أمنية، ولا ينبغي الكشف عنها بطريقة غير مسؤولة للعالم أجمع”.
وسبق للقاضي العراقي منير حداد أن نشر صورة نادرة للرئيس صدام، لحظة قراءة قرار التمييز بإعدامه، وقال القاضي حداد إن الصورة التقطت في جوان 2006، أي قبل نحو ستة شهور من إعدام الرئيس الراحل. ويظهر صدام حسين في الصورة وهو ممسك بمصحف كبير، رغم تقييد يديه وأمامه القاضي حداد، وبجانبه المدعي العام، منقذ آل فرعون.
ونشر القاضي حداد الصورة في إطار هجومه المستمر على رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي أقاله من منصبه، وسحب الحماية الأمنية عنه، ما دفع الأخير لاتهامه بمحاولة التسلق على إنجاز إعدام صدام حسين.
كما نشر القاضي حداد صورة لمحضر إعدام صدام حسين الموقع عليه من قبل الطبيب الشرعي، والقاضي الحاضر، ومندوب عن المالكي. وبدورها، نشرت رغد صدام حسين فيديو بمناسبة عيد الأضحى ـ 2023 ـ وهو الوقت الذي جرى إعدام والدها فيه.
ونشرت رغد صدام فيديو لحظة إعلان الحكم بإعدام والدها في المحكمة. وحينها، رد صدام حسين بالقول: “يعيش الشعب، تعيش الأمة، يسقط العملاء، يسقط الغزاة”. وعلقت ابنة صدام حسين على الفيديو: “أضحى مبارك، وكل عام وأهلنا في العراق وإخوتنا في الدول العربية والإسلامية والعالم أجمع بخير”.
وأضافت: “أبي، سيادة الرئيس الشهيد صدام حسين لن ينسى محبوك في كل العالم وقفتك البطولية ضد الباطل المحمي بقوات الاحتلال، واليوم نستذكر وصاياك لنا في تلك اللحظات. عاش العراق وشعبه موحدا معززا والنصر لنا إن شاء الله.. وهنيئا لك الشهادة في هذا اليوم المبارك”.
ما كان مصير جثة صدام؟
وقال رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، إن جثة الرئيس الراحل صدام حسين ألقيت بين بيته وبيت رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في المنطقة الخضراء، بعد إعدامه عام 2006. وفي مقابلة صحفية، أوضح الكاظمي أنه رأى صدام مرتين: الأولى في أول جلسة لمحاكمته، واصفا إياها “بلحظة تاريخية صعبة جدا ومفصلية بتاريخ العراق”.
أما المرة الثانية فيقول الكاظمي إنها كانت “عندما رموا جثته (صدام) بين بيتي وبيت السيد نوري المالكي في المنطقة الخضراء (وسط العاصمة بغداد) بعد إعدامه”. وأضاف: “رفضت هذا العمل، لكنني رأيت مجموعة من الحرس متجمعين، وطلبت منهم الابتعاد عن الجثة احتراما لحرمة الميت”.
وفي 2003، أطاحت قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة بحكم صدام، بزعم امتلاكه أسلحة دمار شامل ووجود روابط بين العراق وتنظيم القاعدة، وهو ما لم تتمكن واشنطن من إثباته. وبتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أُعدم صدام فجر يوم عيد الأضحى 30 ديسمبر 2006، وأثار إعدامه في ذلك اليوم غضبا كبيرا بين المسلمين.
وبشأن إن كانوا قد أحضروا الجثة إلى قرب منزل المالكي، أجاب “نعم أحضروها، والمالكي أمر في الليل بتسليمها إلى أحد شيوخ عشيرة الندا، وهي عشيرة صدام حسين، فاستلموها من المنطقة الخضراء”.
وأضاف: إنه “دُفن في تكريت، وبعد 2012 عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على المنطقة، تم نبش القبر، ونُقلت الجثة إلى مكان سري لا يعرفه أحد حتى الآن، وتم العبث بقبور أولاده”.
وكان المالكي رئيسا للوزراء بين ماي 2006 وسبتمبر 2014، وهو الذي وقّع الحكم بإعدام صدام حسن، لأن رئيس الجمهورية – آنذاك – جلال طالباني كان ملتزما باتفاق دولي معارض لعقوبة الإعدام.