تعيد الذكرى التاسعة والأربعين لحرب أكتوبر 1973، إلى ذهن المواطن العربي، إحدى أهم الانتصارات التي حققتها الإرادة السياسية والعسكرية العربية، عندما توحدت وتلاحمت، لتهزم أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.
يرى الدكتور «معتز سلامة» (نائب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي) ـ في حديثه مع «الأيام نيوز « ـ أن “أهم ما حققته حرب 6 أكتوبر عام 1973، أنها أعادت للإنسان العربي ثقته في نفسه، وفي وحدة مصير أمته العربية من المحيط للخليج”، مضيفا أن: “الانتصار لم يكن عسكريا بحتاً، بل كان انتصارا على عدة أصعد، بعد سنوات من الانكسار والهزيمة النفسية والعسكرية دامت ست سنوات”.
ويوضح «سلامة» أن: “هذه الحرب كشفت أن العرب قادرون على التعامل مع العصر، سواء على مستوى التخطيط الاستراتيجي الدقيق، أو على مستوى استخدام التكنولوجيات الحديثة في إدارة الحروب”، والأهم ـ يضيف المتحدث ـ أنهم (العرب): “قادرون على التوحد، وتأجيل الخلافات البينية العربية، من أجل تحقيق الهدف الأسمى والأهم، وهو تجاوز ذهنية المهزوم والمنكسر، والعودة منتصرين في حرب لم تكن ضد دولة واحدة، بل ضد فكرة وذهنية وكذلك ضد دعم إحدى أقوى الدول العظمى التي تقف خلف الكيان الصهيوني”.
براعة التخطيط والتفكير العربي
ويصف سلامة الحدث ـ في إفادته لـ«الأيام نيوز» ـ بأنه عبارة عن: “لحظة تاريخية فارقة في العصر الحديث، وهي قمة جبل التلاحم العربي، التي كشفت عن براعة في التخطيط الاستراتيجي، وفي تحقيق الانتصار وكسر الأساطير التي كان يروجها الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية عن استحالة الانتصار على (الجيش العصري) الصهيوني المجهز بأحدث العتاد والمدعوم سياسيا واقتصاديا وماديا من الدول الغربية”.
ويُفصّل «سلامة» تلك البراعة التي تحقّقت على أرض المعركة بعد نصف عقد من الزمن أنها: “خلاصة الدقّة في التفكير والتخطيط، والتجهيز، ثم في تنفيذ الخطّة عبر توافر عناصر إنجاحها المتمثلة في توحيد عقيدة الجيوش العربية، بالإضافة إلى مستوى وعي الشعوب التي كانت تلامس سقف ذلك التحدي”، ويؤكد سلامة أن: “نكسة 1967 كانت قد ساهمت في بروز أزمة ثقة بين الشعوب العربية وحكامها من جهة، وساهمت من جهة أخرى في خلخلة ثقة المواطن العربي في نفسه”.
ويرى «سلامة» أن: “من بين الدروس المستفادة من تجربة حرب أكتوبر، هو أن النصر والهزيمة ليسا حبيسي فكرة الصوت العالي، أو محاولة تثبيت الأساطير، من خلال الحملات الدعائية التي اعتمدها الغرب للنيل من الروح المعنوية للشعوب العربية، وتكريس فكرة أن العرب ليسوا جزءًا من العصر الحديث، وأنهم شعوب وقبائل متناحرة، ولا يستطيعون مواجهة قوة كانت توصف بالعصرية والحديثة”.
ماذا تبقى من انتصارات أكتوبر؟
في رده على هذا السؤال يرى «سلامة» أنه: “بالرغم من الراهن العربي المنقسم، فإن ما يوحد الشعوب العربية بالإضافة إلى التاريخ واللغة وغيرها من العناصر، فإن أهم ما يربطهم اليوم هو روح أكتوبر التي أعادت لهم الثقة في ماضيهم وحاضرهم وفي وحدة مصيرهم المشترك”.
ويستطرد سلامة: “صحيح، هناك توجه جديد لبعض الأنظمة العربية التي شقت طريقها نحو التطبيع، لكن لا تزال الشعوب العربية تعتز بروح أكتوبر ورفضها للتطبيع يستند إلى هذا الماضي المشرق، الذي تعتد وتفخر بانتصاراته، بجانب دفاعها وتضامنها مع القضية الفلسطينية”.
ولعل من يرفضون التطبيع من الشعوب العربية حسب محدثنا: “يشحنون إرادتهم وطاقاتهم من روح انتصارات أكتوبر التي أسقطت فرضية الجيش الذي لا يقهر”، وبالتالي ـ يرى «سلامة» ـ أن “المطلوب هو كيف نعزز روح أكتوبر، بعيدا عن بروتوكولات الاحتفال السنوي، وكيف نُفّعل تلك الروح من اجل الانتصار في ميادين الحياة المدنية، سواء في المجالات العلمية العربية أو تحديات التنمية”.
ويعترف «سلامة» أن الراهن العربي مأزوم سياسياً وأن: “هناك أزمات كبيرة في عدد من الدول العربية منها: اليمن، سوريا، ليبيا، العراق وغيرها.. لكن بالمقابل هناك دول عربية تعرف نمواً اقتصاديا واستقرارا سياسيا، كمصر والجزائر ودول الخليج العربي”، مؤكداً: “هناك إدراك حقيقي عند العرب أنهم بحاجة إلى التماسك وتجديد روح أكتوبر للعودة إلى الساحة الدولية كقوة فاعلة ومؤثرة، وأن الانقسامات الداخلية وكذلك الخلافات البينية العربية قد ساهما في خلق الوضع الحالي”.
ويقول المتحدث: “هذا الإدراك وحده لا يكفي إذا لم يرتبط بإرادة حقيقية لتجاوز الخلافات”، مشيرا إلى: “أن هناك فرصة تاريخية الآن لإعادة دراسة العمل العربي المشترك في قمة الجزائر التي ستنعقد في الأول من نوفمبر، وهو يوم له دلالة تاريخية ليس للجزائريين فحسب بل للإرادة العربية التي هزمت أحد أعتى الجيوش الاستعمارية”.
ضد المهرولين
من جهته يرى الكاتب الصحفي «محمود خالد»، أن: “ذكرى حرب أكتوبر تمثل عقدة تاريخية للكيان الصهيوني اليوم بالرغم من مرور خمس عقود”، ويؤكد محمود في إفادته لـ«الأيام نيوز» أن: “إحدى الشروط الأساسية التي كان ممثلو الكيان الصهيوني يتمسكون بها أثناء مفاوضاتهم في كامب ديفيد مع نظام أنور السادات، هي ما تم تثبيته في المناهج الدراسية عن هذه الحرب”.
ويرى «محمود»: “أن محاولات الكيان الصهيوني كانت تهدف إلى وأد الروح العربية التي تشكلت كنتاج لما حققته هذه الحرب من نتائج ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على مستوى الروح المعنوية، والوعي العربي القائم على إمكانية الانتصار على إسرائيل، وهذا ما يكشف أن الانتصار لم يكن فقط على المستوى العسكري”.
ويؤكد المتحدث أنه: “بالرغم من التراجع الكبير الذي فرضته سياسات السادات عن البناء على انتصارات أكتوبر، وما تبع ذلك من مظاهر الهرولة الحالية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن حرب أكتوبر لازالت حاضرة في وعي المجتمعات العربية وذاكرتها”.
ويدلل «محمود» على ذلك بالقول: إن “المكونات الشعبية، من أحزاب سياسية، نقابات مهنية، ومؤسسات المجتمع المدني، لا تزال متمسكة برفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي تضع مسافة ينبغي قياسها جيدا بين سياسات بعض الأنظمة ومواقف شعوبها المحافظة على ذاكرة أكتوبر وروحها”.