تغيّرت توجهات الرّأي العام الأمريكي حيال الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وتبدّلت مواقف شريحة واسعة من أعضاء الكونغرس تجاه دعم كييف، فبعد أن كان الأمريكيون يرون في الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، البطل الشجاع الذي على واشنطن دعمه بسخاء لهزيمة روسيا، أصبحوا يرون أن المساعدات المقدمة لبلاده مبالغ فيها، وأن سياسة رئيسهم تجاه الصراع غير موفّقة.
وبعد أن استقبل المشرّعون زيلينسكي وفسحوا له المجال لإلقاء خطاب ملحمي، وسط تصفيقاتهم وهتافاتهم شهر ديسمبر 2022، أصبح البعض منهم يرى في زيارة هذا الأخير لواشطن – الثلاثاء – وطلب المزيد من المساعدات – 61 مليار دولار – التي تُدفع من عائدات دافعي الضرائب الأمريكيين “مهزلة مخزية”، مثل ما وصفها عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري، جيمس فانس، الذي قال غاضبا: إنه “أمر مخز تماما حينما يأتي زيلينسكي لدافع الضرائب الأمريكي مطالبا إياه بمنحه 61 مليار دولار أخرى”!
وفق استطلاع نشره “Pew Research Center” أو مركز بيو للأبحاث، يقول حوالي ثلاثة من كل عشرة أمريكيين أي 31℅ من الشعب الأمريكي، إن الولايات المتحدة تقدّم الكثير من المساعدات لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، بينما يقول حوالي نصفهم إن الولايات المتحدة تقدّم المساعدة اللازمة، ويرى 29 ℅ منهم أن بلادهم تقدّم القدر المناسب من الدعم، ويقول 18 ℅ فقط من المستجوبين إن بلادهم لا تقدّم ما يكفي من المساعدات العسكرية والمادية لدعم كييف.
ومع اقتراب الحرب “الأوكرانية – الروسية” بلوغ عامين من الاقتتال، تزايدت نسبة الأمريكيين الذين يقولون إن الولايات المتحدة تقدّم الكثير من الدعم لأوكرانيا بشكل مطرد على مدار الحرب، وخاصة وسط الناخبين الجمهوريين. وحسب الاستطلاع الجديد الذي أجراه مركز بيو للأبحاث، خلال الفترة الممتدة من الـ 27 نوفمبر إلى الـ 3 ديسمبر الجاري، نُشر مؤخرا، فإن 48 ℅ من الناخبين الجمهوريين والناخبين المستقلين ذوي الميول الجمهورية يرون أن الولايات المتحدة تقدّم مساعدات أكثر من اللازم لأوكرانيا.
وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل طفيف عما كانت عليه في شهر جوان الماضي، عندما قال نحو 44 ℅ من الناخبين الشيء ذاته، وهي أعلى بكثير مما كانت عليه في المراحل السابقة من الحرب، التي اندلعت قبل ما يقارب السنتين. وعلى النقيض، يرى 16 ℅ فقط من الناخبين الديمقراطيين والناخبين المستقلين ذوي الميول الديموقراطية أن المستوى الحالي للمساعدات الأمريكية مبالغ فيه، بينما يقول حوالي أربعة من كل عشرة ديمقراطيين أو ما نسبته 39 ℅ إن الولايات المتحدة تقدّم القدر المناسب من المساعدات، ويقول حوالي الربع أو 24 ℅ منهم إن واشنطن لا تقدّم ما يكفي من المساعدات لكييف.
واتسعت دائرة الخلافات الحزبية بشأن المساعدات الأمريكية المقدّمة لأوكرانيا خلال الأسابيع الأولى من الحرب، حيث كان الجمهوريون أكثر احتمالا بنسبة 4 ℅ فقط من الديمقراطيين للقول إن الولايات المتحدة تقدّم مساعدات أكثر من اللازم لأوكرانيا، واليوم، أصبح الجمهوريون أكثر احتمالا بـ 32 نقطة لقول ذلك.
لم يتغيّر الاهتمام العام في الشارع الأمريكي بالصراع “الروسي – الأوكراني” إلا قليلا في الأشهر الأخيرة، حيث يقول ستة من كل عشرة أمريكيين، بما في ذلك نسب مماثلة من الجمهوريين ( 62 ℅) والديمقراطيين (61 ℅) إنهم يتابعون أخبار الحرب عن كثب.
تدني نسبة الأمريكيين الذين يرون أن الصراع “الروسي – الأوكراني” يهدّد مصالح بلادهم
حسب البيانات التي نشرها مركز “بيو للأبحاث”، وهو من بين المراكز الأكثر مصداقية في واشنطن، يقول أن ثلث الناخبين الأمريكيين إن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تشكّل تهديدا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة، وتقول نسبة مماثلة (34 ℅) إنها تشكّل تهديد بسيطا، بينما يقول 10 ℅ فقط منهم إنها لا تشكّل أيّ تهديد لمصالح واشنطن.
ولم تتغير وجهات النظر هذه إلا بشكل متواضع منذ شهر جوان الماضي، لكن في شهر مارس من عام 2022، قال نصف الأمريكيين إن العملية العسكرية الروسية تشكّل تهديدا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة، وكما كان الحال من خلال الاستطلاع الذي أجراه المركز العام الماضي، فإن الديمقراطيين أكثر ميلا من الجمهوريين بنسبة 40 ℅ مقابل 27 ℅ إلى القول بأن العملية العسكرية الروسية تمثّل تهديدا كبيرا لمصالح البلاد.
كيف ينظر النّاخبون إلى تعاطي بايدن مع الحرب؟
يقول حوالي أربعة من كل عشرة بالغين أمريكيين (39 ℅) إنهم يوافقون على رد إدارة بايدن على العملية الروسية في أوكرانيا. في حين، لا يوافق 41 ℅ من المستجوبين على تعاطي الإدارة الحالية الديموقراطية مع الصراع “الروسي – الأوكراني”، ويقول اثنان من كل عشرة منهم إنهم غير متأكدين من وجهة نظرهم حيال سياسة الرئيس الأمريكي الحالي تجاه الحرب. وارتفعت نسبة عدم الموافقة على رد إدارة بايدن بست نقاط، منتقلة من 35 ℅ إلى 41 ℅ ، مقارنة بنتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز “بيو للأبحاث” شهر جوان الماضي.
وعند تقسيم المستجوبين وفق الانتماء الحزبي، وجد المصدر أن أغلبية الديمقراطيين أو 59 ℅ منهم يوافقون على رد إدارة بايدن، مقابل 22 ℅ منهم قالوا إنهم لا يوافقون على ما قام به. أما بالنسبة إلى الناخبين المستجوبين الجمهوريين، فإن 21 ℅ فقط منهم قالوا إن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فعل ما يجب فعله، بينما عبّر 63 ℅ منهم عن معارضتهم لسياسة الإدارة الأمريكية تجاه الصراع.
وبشكل عام، وبغض النّظر عن التوجه الحزبي، فإنه سجل ارتفاع في عدد المواطنين الأمريكيين الذين لا يوافقون على ما تقوم به إدارة بايدن بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مقارنة بما كان عليه الوضع في شهر جوان الماضي، حيث قال 57 ℅ من الجمهوريين و16 ℅ من الديمقراطيين إنهم لا يوافقون على قرارات الرئيس بالشأن الصراع “الروسي – الأوكراني”.
بينما يشدّد البيت الأبيض على التزام الولايات المتحدة بما يصفه بـ “دعم الشعب الأوكراني في الدفاع عن نفسه ضد الغزو الروسي”، يواجه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تحديا كبيرا في إقناع المشرعين المعارضين بضرورة إقرار مبلغ الـ 61 مليار دولار الذي طلبه الرئيس جو بايدن من الكونغرس، الذي يشهد انقسامات داخلية عميقة وسط المشرعين الجمهوريين الذين تربط شريحة واسعة منهم ملف تمويل أوكرانيا بملف تأمين الحدود الأمريكية الجنوبية، والحد من الهجرة غير القانونية، وهي إحدى أصعب القضايا التي فشلت كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1986 – شهد سن آخر قانون للهجرة – في التوصل إلى اتفاق بين الحزبين بشأنها.