لا يُمثّل عيد الشكر للأمريكي من أصول سورية «عقيل هنانو» ـ وهو طيار سابق ـ سوى مناسبة للاجتماع مع العائلة والأحباب بحكم أنه يوم عطلة وطنية، فالرمزية الأمريكية للمناسبة، لا تعني له شيئا لأنه يعلم حقيقة ما حدث من خداع المستعمرين البيض للأمريكيين الأصليين أصحاب الأرض، وإظهار المودة والصداقة للاستيلاء على بلادهم.
ويتحدّث «هنانو» ـ المقيم بولاية جورجيا جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية ـ لـ«الأيام نيوز»، عن حرصه على تلقين أبنائه المولودين في الولايات المتحدة القصة الحقيقية للمناسبة، والأخطاء التي اُرتكبت في بدايات قدوم الأوروبيين إلى العالم الجديد.
يتعلم تلاميذ المدارس الأمريكية عادة أن قصة الـ Thanksgivingوعيد الشكر تعود إلى رغبة سكان المستعمرات البريطانية في بليموث عام 1621 في الاحتفال بعيد الحصاد، حيث خرجوا يصيدون الطيور لإعداد عشاء يليق بالاحتفال.
عندما سمع السكان المحليون الصوت، وكانوا من قبيلة اسمها «وامبانواغ»، توافدوا إلى أسوار المستعمرة، وكان عددهم 90 شخصا في مقابل 50 من سكان المستعمرة الذين استقبل وفود السكان الأصليين، فتشارك الجانبان في أول مائدة لعيد الشكر، إذ جلب السكان الأصليون معهم لحم الغزلان، وطُهيت أصناف كثيرة من الطيور والأسماك والقشريات والخضروات، واستمرت الاحتفالات على مدار يومين، وصلت خلالهما أصداءه إلى المستعمرات المجاورة.
روايات أخرى لأصل الاحتفال
لم يكن عيد الشكر في بليموث عام 1621 هو الأول هو الاحتفال الأول حسب ما جاء على موقعInsider (إنسايدر) ـ وهو موقع إلكتروني مختص في التحقيقات ـ حيث احتفل المستوطنون بعيد الشكر في Berkeley Hundred (بيركلي هاندرد) أو ما يُعرف الآن بفيرجينيا عام 1619، وكانت الوجبة قليل من المحار ولحم الخنزير الذين تم جمعهما معًا، ويذكر الموقع أيضا كيف قام المستوطنون الإسبان وأفراد قبيلة تُعرف باسم «سيلوي» بفلوريدا بتفتيت الخبز وخلطه مع لحم الخنزير المملح، وحبوب الحمص للاحتفال عام 1565.
وإضافة إلى ما سبق، يشير آخرون إلى أن عام 1637 هو الأصل الحقيقي لعيد الشكر، الذي يُعد تاريخ إعلان حاكم مستعمرة خليج ماساتشوستس «جون وينثروب» يومًا للاحتفال بالجنود الاستعماريين بعد أن ذبحوا المئات من رجال ونساء وأطفال في المنطقة المعروفة حاليا بولاية كونيتيكت.
وبغض النظر عن التاريخ الحقيقي لبداية الاحتفال بعيد الشكر، فإن إحياءه من طرف سكان المستعمرات البريطانية، أو ما عُرف بـ«نيو إنغلاند»، استمر سنويا رغم الصراعات مع السكان الأصليين، حيث حرص المستعمرون على الصلاة لتأدية الشكر لله على كل النعم، مثل حصاد المحاصيل وانتهاء فترات الجفاف الصيفية، أو الانتصارات العسكرية في المعارك التي كانت تُشن ضد السكان الأصليين.
قصة الرئيس روزفلت مع عيد الشكر وكيف رُسمت المناسبة
في خضم الحرب الأهلية التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الممتدة ما بين 1861 إلى 1865، أعلن الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لنكولن عام 1863 عيد الشكر كمناسبة احتفال وطني، يتم إحياؤه كل عام في يوم الخميس الأخير من شهر نوفمبر.
ودعا لنكولن جميع الأمريكيين أن يثنوا على الله ويشكروه على رعايته كل أولئك الذين أصبحوا أرامل أو أيتاما ومن هم في حداد على فقدان أهلهم في الحرب الأهلية، وكان يتم الاحتفال به في ذلك اليوم من كل عام حتى عام 1939.
قام الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت بتمديد العطلة لمدة أسبوع في محاولة لتحفيز المبيعات التجزئة خلال فترة الكساد الحاد التي عرفتها البلاد آنذاك، ولكن خطة روزفلت، التي اصطلح عليها بسخرية اسمFranksgiving أو عطاء فرانك بدل Thanksgiving عيد الشكر، قوبلت بمعارضة شديدة، وفي عام 1941 وقع الرئيس على مرغما مشروع قانون يجعل عيد الشكر كما كان يوم الخميس الأخير من شهر نوفمبر كل سنة.
ومن ضمن الطقوس التي تصاحب عيد الشكر الذي يُعد طبقه الرئيس ديك رومي محمّر، تقليد يتبعه البيت الأبيض منذ عام 1989، حيث يقوم الرئيس الأمريكي بما يسمى «العفو» عن ديك رومي رئاسي يعتقه من الذبح ليلة عيد الشكر أمام حشد من الصحفيين والمصورين لالتقاط صورة الديك الرومي الناجي من ولائم عيد الشكر، وهو ما قام به الرئيس الحالي جو بايدن الاثنين الماضي.
مطالب بوقف تجاهل الدموية المصاحبة للذكرى
إضافة إلى احتفال الأمريكيين خلاله بعيد الشكر، يعتبر شهر نوفمبر كذلك شهر تراث الأمريكيين الأصليين، وهذه ليست مصادفة، إذ يقول أستاذ التاريخ بجامعة فورمان بولاية ساوث كارولينا البروفيسور جون بارينجتون، إنه في حين يستذكر البعض صور موسم الحصاد وخيراته، ومعاني النية الصادقة والوحدة، حسب مقال بارينجتون، تحت عنوان إعادة النظر في عيد الشكر وتراث الأمريكيين الأصليين، يُعتبر الاحتفال بالنسبة لآخرين ـ يقول المتحدث ـ تذكيرا بالقسوة والاستغلال والمعاناة التي تسبب بها المستعمرون الأوروبيون للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية.
البروفيسور جون بارينجتون، ليس الوحيد الذي ثار ضد تجاهل الجرائم والتركيز على الاحتفاء والاحتفال، فارتباطها بالمجازر المرتكبة ضد السكان الأصليين، جعل الكثيرين يطالبون بإعادة تقييم معاني عيد الشكر، والتركيز أكثر على تقييم العدالة العرقية، حيث عبر بعض المثقفين والباحثين الأمريكيين الأصليين لصحيفة نيويورك تايمز عام 2020، عن رغبتهم في إعادة تقييم إحياء المناسبة، التي همشت ـ حسب رأيهم ـ العنف والقسوة والجرائم المرتكبة ضد أجدادهم، واقترحوا تغيير التسمية إلى Takesgiving «تايكس غيفينغ» أو عيد الأخذ في إشارة لسلب الأرض من ملاكها الأصليين، وتسمية The Thanksgiving Massacre (ذو ثانكس غيفينغ ماساكر)، أو مذبحة عيد الشكر، تعبيرا عن الدموية والجرائم المرتكبة في حق السكان الأصليين
وتجدر الإشارة إلى أن المطالبة بإعادة التفكير في الاحتفاء بمناسبات وشخصيات ارتبطت بالعنف والدموية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقتصر على السكان الأصليين والمتعاطفين معهم، فبعد مقتل الأمريكي من أصول إفريقية «جورج فلويد» شهر ماي 2020 في مينيابوليس بولاية مينيسوتا، استهدف متظاهرون غاضبون في عدة مدن أمريكية، تماثيل ونصبا تذكارية لشخصيات اعتبرها المحتجون كان لها دور كبير ـ حسب المحتجين ـ في تكريس العنصرية وتجارة الرق، أبرزها تمثال كريستوفر كولومبوس، الذي قُطع المحتجون رأسه في بوسطن بولاية ماساتشوستس، كما قام متظاهرون في نيو أورلينز بولاية لويزيانا بتحطيم تمثال جون ماكدونو المعروف بـ»مالك العبد»، ورميه في نهر المسيسيبي.