وضعت الجزائر جهازا متكاملا لتشجيع الصادرات خارج المحروقات تساهم فيه العديد من القطاعات الواعدة، على غرار الفلاحة والصناعة بشعبها المختلفة، وبالمقابل فإن قرار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، المتعلق باستحداث مجلس أعلى للمصدرين، كـ”إطارا تنظيمي وقوة اقتراح”، سيساهم في رفع أكبر لصادرات الجزائر خارج المحروقات، وكل هذا يأتي في إطار المسعى الرامي إلى تنويع الاقتصاد الذي يمثل الدرجة الأساس ضمن مفهوم أشمل يقوم على استراتيجية تنويع الشركاء الاقتصاديين وهو ما تحققه الجزائر في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، خاصة أن الرئيس نفسه يشرف على العناوين الكبرى لهذا الملف عبر زياراته لمختلف العواصم العالمية: أنقرة، روما، لشبونة، موسكو الدوحة.
وأكثر ما يعبّر عن أن تنويع الشركاء الاقتصاديين إنما هو اختيار صميمي يقوم على رؤية مدروسة في مجال الشراكات الدولية بدءا بمساعي الجزائر للانضمام إلى مجموعة «بريكس» ـ التي تضم كلا من البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا ـ ومرورا بإعادة رسم خطوط التموضع ـ عبر إحداثيات اقتصادية جديدة، إذ بدلا من باريس – مدريد، ترسم الجزائر خط (روما – لشبونة) ـ ثم انتهاءً بتعميق حضور الجزائر عربيا وإسلاميا، من خلال معادلة شراكة طرفاها أنقرة – الدوحة، هذه الأخيرة التي وصلها الرئيس تبون أمس السبت في إطار زيارة دولة تستمر إلى اليوم الأحد وذلك بدعوة من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد يوم الثلاثاء الماضي ـ خلال إشرافه على احتفالية الطبعة الأولى للوسام الشرفي للتصدير ـ أن الجزائر على وشك الوصول إلى 13 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، بما يعني أن الرقم المسطر كهدف للسنة الجارية هو على “وشك التحقيق” وأن الأمور ـ وفق تعبير الرئيس ـ “رجعت إلى نصابها كون الجزائر لا مديونية لها وهي حرة في قراراتها السياسية والاقتصادية”.
وقال بهذا الخصوص إنه “بفضل السياسة الاقتصادية الجديدة بدأت صادراتنا في الارتفاع وما حققناه يُعد معجزة حيث ارتفعت هذه النسبة بخمس مرات عما كنا نسجله منذ 40 سنة”، ذلك أن الجزائر “التي لم تتجاوز صادراتها خارج المحروقات في 2018 و2019 ما نسبته 3 بالمائة من إجمالي الصادرات تحقق اليوم 11 بالمائة وبنهاية 2023 أو بداية 2024 ستصل هذه النسبة إلى 16 بل إلى 22 بالمائة”.
وفي تطرقه إلى مسعى الجزائر في تنويع الاقتصاد والخروج من التبعية لمنتج وحيد يتم تصديره (المحروقات)، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر “دخلت مرحلة جديدة بعيدة عن منطق الاقتصاد الريعي الذي يقتل المبادرة ويقوم على الاتكال على برميل النفط ودخلنا سياسة الابتكار”، وأعرب في هذا الشأن عن تفاؤله بقدرات المؤسسات الجزائرية في مجال التصدير مستقبلا، مبرزا دور المؤسسات الناشئة في هذا الإطار.
ويبدو أن جزائر اليوم لم تكتف بالتفكير خارج برميل برميل النفط بل تقدمت إلى آفاق أرحب من خلال التفكير خارج الرواق الذي يفرضه منطق الشريك الأساسي، إذ أن معظم المحللين الرواقيين ظنوا في وقت سابق أن الجزائر لن تستطيع إنزال فرنسا إلى الخانات الأدنى في جدول أولوياتها، لكن ما حدث بالفعل أن قطار الاقتصاد الجزائري يمر بسرعة على جميع المحطات ولا يتوقف إلا لتبادل المصالح بندية كاملة، ومن بين تلك المحطات التي تم تجاوزها تلك المحطة الفرنسية التي تبدو الآن كئيبة بالمقارنة مع عالم يتجدد في كل لحظة.
وبعد أن ينهي الرئيس تبون زيارته إلى قطر، سيكون له موعد مع عاصمة عالمية في الطرف الآخر من الخارطة المرسومة بعيدا عن عقدة المركزية الغربية، فقد جاء في بيان لرئاسة الجمهورية: أنه “بدعوة من فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية, السيد شي جين بينغ, يشرع رئيس الجمهورية في زيارة دولة إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة ابتداء من الاثنين الـ17 جويلية 2023”.
وتابع بيان رئاسة الجمهورية: أن “الزيارة تدخل في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين الصديقين”، وقد جرى الترتيب لهذه الزيارة منذ مارس الماضي، حيث عُقدت اجتماعات تقنية بين المسؤولين الجزائريين والصينيين لإعداد الملفات السياسية والاقتصادية المقرر مناقشتها خلال الزيارة المرتقبة.
وتأتي زيارة الرئيس تبون إلى بكين بعد شهر من زيارته إلى موسكو، وفي اليوم الموالي بعد إنهاء زيارته إلى قطر ما يعزز توجهاً سياسياً واقتصادياً نحو تحقيق مبدأ تعدد الشركاء الاقتصاديين، ذلك أن الرئيس تبون يستهدف ـ بالتأكيد ـ من خلال هذه الزيارة المترقبة تطوير اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين الجزائر وبكين عام 2014، خاصة بعد التطورات الإيجابية الكبيرة في العلاقات الثنائية في المجال الاقتصادي منذ تلك الفترة، ففي نوفمبر الماضي وقع البلدان على الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية 2022-2026.
والمعلوم أن الجزائر تسارع الخطى لتنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية الحيوية، بتمويل وشراكة صينية، بينها مشروع استغلال منجم الحديد بغارا جبيلات، جنوبي البلاد (ظفرت به ثلاث شركات صينية لاستخراج مليوني طن من خام الحديد سنويا)، ومشروع الفوسفات المدمج ببلاد الهدبة بولاية تبسة قرب الحدود مع تونس (استثمار صيني بقيمة سبعة مليارات دولار لإنتاج 5.4 ملايين طن من الأسمدة بمختلف أنواعها سنوياً)، ومشروع استغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور بولاية بجاية، وتطوير حقل نفطي جنوبي الجزائر ومحطات للطاقة الشمسية.
ومن المتوقع أيضا أن للرئيس تبون سيقوم بزيارة إلى إيطاليا، فقد سبق للسفير الجزائري لدى روما عبد الكريم طواهرية أن كشف لوكالة الأنباء الإيطالية ـ ماي الماضي ـ أن الرئيس تبون يعتزم زيارة إيطاليا في نوفمبر المقبل، في زيارة تدوم يومين، كضيف شرف على النسخة التاسعة من المؤتمر الدولي “حوارات المتوسط”، الذي أطلقته إيطاليا منذ عام 2015.
ووصف السفير طواهرية زيارة الرئيس تبون المقبلة بأنها تأتي في سياق “فترة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين تدلّ على التفاهم المتبادل والعلاقات الودية بين رئيسي البلدين”، مشيراً إلى أنه يجرى العمل على ضمان أن تتزامن زيارة الرئيس تبون مع إقامة أسبوع الثقافة الجزائرية في إيطاليا، الذي سيقام في أربع مدن: ميلان وروما ونابولي وفلورنسا، والتي تأتي أيضاً مع احتفالات العيد الوطني لثورة الجزائر.