قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مقابلة مع شبكة «سي.أن.أن» أنّ قرار خفض إنتاج النفط الذي اتخذته منظمة «أوبك+» الأسبوع الفارط ستكون له عواقب على المملكة العربية السعودية، وتجنّب بايدن الخوض في تفاصيل القرارات التي ستتخذها واشنطن للرد، ولكنه قال إن الوقت قد حان “لإعادة التفكير” في العلاقة بين البلدين، مؤكدا أنّ المملكة سترى ـ على حد قوله ـ عواقب موقفها الذي يخدم المصالح الروسية، وقد جاء هذا مع بداية أشغال مجلسي النواب والشيوخ بعد انتخابات التجديد النصفي، التي سيتم إجراؤها في الـ08 نوفمبر المقبل.
قرار منظمة «أوبك+» الذي كشفه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال مؤتمر صحفي للمنظمة عقب اجتماع أعضائها بالعاصمة النمساوية فيينا في الـ04 أكتوبر الجاري، والذي قال البيت الأبيض إنه خيّب ظن الرئيس شخصيا، دفع عددا من المشرّعين في الكونغرس إلى رفع مطالب وتقديم مشاريع قوانين تهدف إلى معاقبة المملكة العربية السعودية وإعادة صياغة العلاقة التي تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية.
لكن الهجوم الإعلامي والتصريحات السياسية الحادّة التي طالت المملكة العربية السعودية ـ على خلاف باقي الدول الأعضاء في المنظمة والمقدّر عددهم بـ22 دولة ـ يطرح عدّة تساؤلات حول السبب الحقيقي للنقاش الدائر في واشنطن بشأن العلاقة مع الرياض.
والسؤال المطروح حاليا: ما حجم الضرر الذي ألحقته المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية بسبب قرار «أوبك+»؟ وهل التخوّف من تأثيرات تقليص إنتاج النفط واحتمالية ارتفاع أسعاره على انتخابات التجديد النصفي هو السبب الوحيد لإعلان البيت الأبيض عزمه مراجعة العلاقة مع المملكة؟
مفاتيح الطاقة العالمية في يد المملكة
يعتقد المحلّل الاقتصادي السعودي، الدكتور عبد الحفيظ محبوب، أن سبب مهاجمة المملكة العربية السعودية دون غيرها من أعضاء منظمة «أوبك+»، يكمن في امتلاكها مفاتيح الطاقة العالمية، الأمر الذي يثير غيظ أعدائها الذين ـ يقول المتحدث لـ«الأيام نيوز» ـ تزعجهم مسؤولياتها التي تأتي في اتجاه يخدم مصالح الشعوب في العالم، ويهدف إلى تحقيق أمن الطاقة واستدامتها.
المعروف أن المملكة العربية السعودية تمتلك 20℅ من احتياطي النفط في العالم ـ يقول الدكتور محبوب ـ وبالتالي تساهم في تعزيز قوتها الجيوسياسية والدولية، وتجعل من موقفها فاصلا في الكثير من القرارات المتعلقة بالأحداث الإقليمية والعالمية، خاصة وأنها ترعى الحرمين الشريفين، وتلعب دورا في العاملين الإسلامي والعربي، وقد فشلت ـ على حد تعبيره ـ كل من إيران وتركيا في منافستها في لعبه.
بالأرقام.. القرار لا أثر له في الولايات المتحدة
قال الدكتور أنس الحجي الخبير في الطاقة ومستشار التحرير بمنصة “طاقة” (منصة مختصة في أخبار الطاقة، مقرها العاصمة واشنطن) إن قرار منظمة «أوبك+» بتخفيض إنتاج النفط سيكون فعليا في حدود المليون برميل يوميا فقط، وسيتعلق بتخفيض الإنتاج المخصص للاستهلاك الداخلي للدول الأعضاء فقط، وبالتالي فلن تتأثر الصادرات والإمدادات العالمية بأي شكل من الأشكال، كما يُستبعد أن يحدث ارتفاع الأسعار.
وحتى لو كان التخفيض يمسّ الصادرات وليس الاستهلاك الداخلي فإن نسبة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على واردات النفط السعودية من إجمالي واردات النفط بشكل عام تقدر بـ7.5℅ فقط، ونسبة اعتماد المملكة العربية السعودية على التصدير إلى الولايات المتحدة لا تتجاوز حدود الـ7℅ فقط من إجمالي صادرات النفط الخام السعودي، أما الحصة المقرّرة التي يجب تخفيضها بناءً على القرار الأخير بالنسبة للسعودية فهي في حدود 440 ألف برميل يوميا.
إذن فحتى لو فرضنا أن التخفيض سيأتي من الصادرات وليس من الإنتاج الموجه للاستهلاك ـ وهذا غير ممكن يوضح المتحدث ـ فإن حصة الولايات المتحدة التي سيمها التخفيض تقدر بـ29 ألف برميل يوميا فقط، وهذا يعني أن الكمية المخفضة لا أثر له أمام المليون برميل الذي تقوم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحبها يوميا من الاحتياطي الاستراتيجي.
خفض إنتاج النفط ليس سوى الغطاء
وفي إجابة على سؤال «الأيام نيوز» للخبير في الطاقة الدكتور أنس حجي ـ خلال نقاش على منصة بتويتر مخصصة لأسئلة الصحافة ـ حول ما إذا كان التخوف من تأثير قرار أوبك على نتائج انتخابات التجديد النصفي، هو السبب الوحيد لردة فعل الإدارة الأمريكية، قال الخبير إن الانتخابات ليست سوى غطاء يضعه البيت الأبيض على السبب الحقيقي لمهاجمة المملكة العربية السعودية.
ويرى المتحدث أن عدم إمكانية تأثير القرار على الداخل الأمريكي، كما تؤكده الأرقام المذكورة سابقا، يؤكد فرضية وجود أسباب أخرى لا علاقة بالنفط، وقدم الخبير في الطاقة الدكتور أنس الحجي ـ إلى جانب المعطيات المتعلقة بنسبة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على النفط السعودي ـ تغير الخطاب الأمريكي من التركيز على الاقتصاد وتوجيه الرأي العام إلى أن المملكة العربية السعودية تستهدف جيب المستهلك الأمريكي بدفعها لرفع أسعار الوقود، إلى اتهام الرياض بالتحيّز والاصطفاف مع موسكو، كما أن التركيز على المملكة العربية دون غيرها من أعضاء منظمة «أوبك+» يضيف المتحدث، يدل على وجود أزمة سياسية أخرى لا يعلمها الرأي العام بعد.