اختلفت التواريخ والأماكن والشعوب، لكن القصة واحدة.. شعب مظلوم وجيش همجي ظالم، ثم نضال وكفاح وتضامن ونصر، هي الرسالة التي أراد الإتلاف الطلابي بجامعة جورج واشنطن من أجل فلسطين، إيصالها إلى الطلبة المعتصمين، من خلال عرض فيلم “معركة الجزائر”، الذي يروي صور كفاح الشعب الجزائري لنيل الاستقلال، بهدف بعث الأمل في قلوب الطلبة بأنّ الاحتلال الإسرائيلي مهما طال، سينتهي بتحرير فلسطين.
بعد يوم حافل بالنشاطات والندوات والوقفات المنادية بفك الإرتباطات الإقتصادية والأكاديمية، ووقف إرسال المساعدات العسكرية، ونزع الغطاء الدبلوماسي، الذي توفّره الولايات المتحدة الأمريكية، للكيان الإسرائيلي، جلس طلبة جامعة جورج واشنطن، وسط مخيم ساحة الشهداء أو “Martyrs Yard”، وهي التسمية الثانية التي أطلقها طلبة جامعة جورج واشنطن على ساحة “U-Yard”، بعد تسميتها مع بداية الاعتصام بالمنطقة المحرّرة أو “Liberated Zone”، أمام شاشة كبيرة لمشاهدة فيلم “معركة الجزائر”، الملحمة السينمائية التي أخرجها الإيطالي جيلو بونتيكروفو، ونقلت قوة وصبر الشعب الجزائري، الذي هزم الاستعمار الفرنسي، وصنع ثورة نُصبت الأهم في القرن العشرين.
وقع الاختيار على فيلم “معركة الجزائر”، من قبل فريق من الطلبة المختصين في انتقاء العروض السينمائية التي تنقل رسائل عن التحرّر من الاحتلال والاستعمار، وتُبرز أهمية تكتل المجتمع ووحدته للوقوف في وجهه وتحرير الوطن، تقول الطالبة ذات الأصول الفلسطينية، ميساء، التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل خوفا من الإعتقال والفصل عن الدراسة، مثل ما حصل مع العديد من زملائها المعتصمين بمخيم جامعة جورج واشنطن، مناصرة للقضية الفلسطينية.
فيلم “معركة الجزائر” الذي عُرض كمقاربة بين معاناه الشعب الجزائري، من بطش الاستعمار الفرنسي بالأمس، وما يتكبده الشعب الفلسطيني من همجية الاحتلال الإسرائيلي اليوم، اجتذب اهتمام أولئك المنتمين للشعبين الجزائري والفلسطيني الاستثنائيين في القوة والكفاح.
ومن بين هؤلاء رُهيفاء الإفرنجي، مواطنة أمريكية من أم جزائرية وأب فلسطيني، وفي مقابلة مع “الأيام نيوز”، قالت رُهيفاء التي ذرفت الدموع حين انتهى العرض، إنّ اختيار فيلم “معركة الجزائر” كان موفقا لأنّ النهاية ورغم المآسي التي حصلت، وعدد الشهداء الذين سقطوا، كانت نهاية سعيدة بنجاح النضال ضد الاستعمار الفرنسي، واستقلال الجزائر، وهو ما يمنح أملا للطلبة المعتصمين بأنّ النصر قادم مهما طال الكفاح، وبأنّ اعتصامهم يُمكن أن ينتهي بتلبية المطالب، وقطع العلاقات الأكاديمية والإقتصادية، بين الجامعات الأمريكية والكيان الصهيوني.
وقالت رُهيفاء الإفرنجي إنّ والدتها الجزائرية جعلت من مشاهدة فيلم “معركة الجزائر”، تقليدا تحييه العائلة في الـ 5 من جويلية من كل عام احتفالا بعيد الاستقلال الجزائري، ما يجعلها دائما تشعر بالغضب والظلم الذي مرّ على جيل الثورة الجزائرية، وتُحس بأنّ الآثار التي تركها الاستعمار الفرنسي لا تزال واضحة على نفسية والدتها. وتتأسف مُحدثتنا عن استمرار أشكال الظلم والعدوان الشبيهة بتلك التي مارسها الجيش الفرنسي على الجزائريين، في الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
لا مفرّ من اندثار جيل الأيادي المُلطّخة بـ”الدماء”
العرض الذي نظّمه الإتلاف الطلابي بجامعة جورج واشنطن من أجل فلسطين “Student Coalition for Palestine at GW”، بمخيم ساحة الشهداء، على بعد أقل من كيلومتر واحد عن البيت الأبيض، جذب الكثير من العرب والفلسطينيين الأمريكيين، مثل الأخوين راما ويوسف اللذان جلبا علبة من الحلويات التقليدية الفلسطينية للطلبة المعتصمين، تعبيرا عن شكرهما وامتنانهما لصور التضامن العالمي التي رسمها الحراك الطلابي في جامعة جورج واشنطن، وعشرات الجامعات الأمريكية بمختلف الولايات.
وقال يوسف، لـ”الأيام نيوز”: “نحن في الولايات المتحدة نعيش تغييرا في توجّه الرأي العام، الحمد لله هذا التغيير يأتي من الشباب، ما ينم عن مستقبل للتضامن الإنساني مع فلسطين.. الجيل القديم من السياسيين الملطخة أيديهم بالدماء سينتهي وسيأتي بعده هذا الجيل المدرك لمعنى التعايش.. ومعنى أنّ الكل له الحق في المعاملة بإنسانية وأنه لا يوجد عرق أحسن من عرق آخر”.
واعتبر يوسف، الحراك الطلابي والاعتصامات التي هزّت الجامعات الأمريكية، دليل على أنّ الشعوب بدأت تشعر بوجع الفلسطينيين، وتقف على الجانب الصحيح للتاريخ، ليعرف الكل أنّ قضية فلسطين ليست قضية عادلة فقط، بل هي قضية إنسانية تُمثّل كل إنسان حر في العالم.
وبدورها راما، عبّرت عن سعادتها بظهور جيل أمريكي جديد، مُختلف عن الجيل الذي وقف ضد كل القرارات الأممية والدولية التي كانت في صالح الشعب الفلسطيني، وهو جيل تقول المتحدثة، يرفض أن يكون جزءا من المجازر والإبادة التي تمارس في حق الفلسطينيين وأي شعوب أخرى سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا أو أي مكان آخر في العالم.
“القضية الفلسطينية لم تعد قضية عربية فقط.. القضية توسّعت لتشمل كل إنسان شريف في العالم، يؤمن بأنّ الحياة حق لكل البشر.. حق الحياة حق للكل، وليس لأنّ أحدهم ادعى إدعاء معيّنا يكون له الحق في أرض على حساب شخص آخر” بهذه الكلمات عبّرت الفلسطينية الأمريكية راما عن سعادتها بالصحوة العالمية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني.
تجدر الإشارة إلى أنّ اعتصام طلبة جامعة جورج واشنطن، تم فضه وإزالة خيم الطلبة، ليلة عرض فيلم “معركة الجزائر”، التي شهدت اقتحام عناصر شرطة العاصمة واشنطن، لساحة الشهداء، واعتقال عدد منهم، ثم إطلاق سراحهم في الصباح الموالي، لكن نضالهم مُستمر من خلال تنظيم مسيرات ومظاهرات يومية في شوارع العاصمة الأمريكية.