تتباين وجهات نظر الأمريكيين، حول الاحتجاجات الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية التي عمّت الجامعات الأمريكية، وتختلف آراءهم حيال تعامل أعوان رجال الأمن مع المتظاهرين، لكن مشاهد قمع المحتجين وسحلهم التي تُلتقط بساحات الكليات الأمريكية، وصور الموت والدمار التي تُنقل من الأراضي الفلسطينية، تدفع الرأي العام إلى الاتفاق على أنّ الرئيس جو بايدن، بتعاطيه مع الحرب الصهيونية على قطاع غزة، خلق أزمات سياسية وإنسانية داخلية وخارجية قد تُحدّد مستقبله السياسي.
قال معظم المستجوبين في استطلاع جديد، إنّ لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين، التي تحدث في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “يوغوف” – مؤسسة خاصة تُعنى برصد توجهات الرأي العام – أنّ 50℅ من المشاركين قالوا إنّهم يعارضون الاحتجاجات الأخيرة، بينما قال 26% إنهم يؤيّدونها، وقال 25% إنهم غير متأكدين من شعورهم تجاهها.
تباين في وجهات النظر حول تدخل الشرطة لفك الاعتصامات
في حين قال معظم الأمريكيين إنهم سمعوا عن الاعتقالات التي حصلت في الحرم الجامعي، فقد أثبتت نتائج الإستطلاع أنّ المشاركين يميلون إلى أن يكونوا “غير متأكدين”، بشأن ما يشعرون به تجاه العديد من الجوانب المختلفة للاحتجاجات، حيث قال 38% إنهم يعتقدون أنّ الاحتجاجات غير عنيفة، بينما قال 30% إنهم يعتقدون أنها عنيفة، وقال 32% إنهم غير متأكدين.
وعندما سئلوا عن كيفية استجابة مديري الجامعات للاحتجاجات المناصرة للقضية الفلسطينية، قال 33% إنهم غير متأكدين، وقال ثلث آخر إنّ ردود المسؤولين لم تكن قاسية بما فيه الكفاية، في حين قال 16% إنّ ردود الفعل كانت قاسية للغاية، بينما أكد 18℅ من عينة الاستطلاع أنّ ذلك غير صحيح.
وبينما استنكرت شريحة واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي، صور تعنيف الطلبة وسحل أساتذتهم من قبل أعوان الشرطة، الذين استدعاهم رؤساء الجامعات، وفي مُقدمتهم رئيسة جامعة كولومبيا بولاية نيويورك، الأمريكية ذات الأصول المصرية، نعمت مينوش شفيق، قال 29% من المشاركين في الاستطلاع، إنهم غير متأكدين مما يجب أن يفكّروا فيه بشأن رد الشرطة الأمريكية على الاحتجاجات، وقال 25% إنّ ذلك لم يكن قاسيا بما فيه الكفاية، بينما قال 25% آخرون إنه كان بالفعل مشهدا قاسيا، وقال حوالي 21% إنّ ردّ الشرطة، الذي شمل استخدام رذاذ الفلفل في بعض الكليات، كان قاسيا للغاية.
وبدأت الاحتجاجات شهر أفريل الماضي في جامعة كولومبيا وامتدت إلى أكثر من 400 كلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث دعا الطلبة، جامعاتهم إلى سحب استثماراتها من الشركات الإسرائيلية أو الشركات التي تزوّد الكيان الإسرائيلي بالأسلحة، وقطع العلاقات الأكاديمية والتبادل العملي، مع سلطة الاحتلال، كما نددوا بالدعم الذي تُقدّمه الإدارة الأمريكية، للجيش الإسرائيلي الذي يواصل ممارسة الإبادة الجماعية في حق المدنيين الفلسطينيين.
ما يحدث على الأراضي الفلسطينية من مذبحة بشعة في حق المدنيين، وصل صداه إلى الشارع الأمريكي، وتحديدا إلى القاعدة الانتخابية للرئيس جو بايدن، حيث أصبح يُنظر للرئيس الثمانيني الساعي إلى الفوز بعهدة ثانية، على أنه سياسي ضعيف فشل في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وهنا يُطرح السؤال حول مدى تأثير ما يحصل في غزة على فرص فوز الرئيس جو بايدن بعهدة ثانية في الـ 5 نوفمبر المقبل؟
إلى أي مدى ستؤثر غزة على فرص إعادة انتخاب جو بايدن؟
من المعروف في السياسة الأمريكية، أنّ القضايا التي توحّد الحزب تُساعد الحملات الانتخابية، والقضايا التي تخلق الإنقسام لا تفعل ذلك، وغزة، لسوء حظ بايدن، تقسم الديمقراطيين، ويظهر ذلك جليا من خلال معارضة شخصيات ديمقراطية بارزة لسياسة بايدن تجاه حكومة نتنياهو، كما يفعل السيناتور ذو الأوصل اليهودية، بيرني ساندرز.
وعلاوة على الإنقسام الحاصل على مستوى الطبقة السياسية الديموقراطية، أثبتت الاحتجاجات الطلابية الأخيرة، نُفور شريحة واسعة من جيل الشباب، الذي يصوّت عادة بأشكال كبيرة للحزب الديمقراطي، حيث اتضح أنها غير راضية على تعاطي الرئيس مع الصراع الدائر في الشرق الأوسط، كما أظهرت استطلاعات للرأي أنّ حوالي 60% من الأمريكيين – بغض النظر عن انتمائهم الحزبي – لا يوافقون على طريقة تعامل الرئيس جو بايدن مع الحرب الإسرائيلية على غزة.
التغطية الإعلامية المستمرة لمشاهد الموت الجماعي والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة، إلى جانب مشاهد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين والمناهظين لهم، الذين يشتبكون مع بعضهم البعض ومع أفراد الشرطة، خلقت شعورا لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي، بأن الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، وهو ما يضر عادة بأي رئيس.
وما يزيد الأمر سوءا بالنسبة لحملة الرئيس جو بايدن، هو تركيز الجمهوريين بقيادة خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، على تصوير البلاد في عهده على أنها تغرق في فوضى الحدود بسبب الأعداد المتزايدة للمهاجرين غير النظاميين، وفوضى الجرائم والسرقات التي تحدث في المدن الكُبرى، تُضاف إليها الفوضى ومشاهد الدمار الحاصلة في الشرق الأوسط.
لكن كل ما سبق ذكره، لا ينفي حقيقة تركيز الأمريكيين على قضايهم الداخلية، أكثر من اهتمامهم بما يحدث خارج حدود بلادهم، حين يتعلق الأمر باختيار الرئيس، ما يعني أن غزة، ورغم كونها نقطة سلبية ومحل ضعف بالنسبة لبايدن، فهي لن تكون بالضرورة مسألة انتخابية على قدر كبير من الأهمية.
وفي هذا السياق أظهر استطلاع للرأي أجرته ” ABC/Ipsos ” أو شركة “أيبوس وشبكة أي بي سي” في الـ 5 ماي الجاري، أنّ الناخبين صنّفوا الحرب الإسرائلية على غزة، في المرتبة الأخيرة من حيث الأهمية من بين عشر قضايا، بعد الاقتصاد والجريمة وحماية الديمقراطية والهجرة والإجهاض وغيرها من المساءل المُتعلقة بالشأن الأمريكي الداخلي.
وحتى البيانات المُتعلقة بمستويات الرضى عن آداء جو بايدن كرئيس للبلاد، لم يظهر عليها تغيير واضح مُتعلق بما يحدث على الأراضي الفلسطينية، ففي الـ14 أكتوبر الماضي، أي بعد أسبوع واحد من هجوم حركة حماس الفلسطينية، على الكيان الإسرائيلي، بلغت نسبة تأييد بايدن 39.4%. وفي الـ 3 ماي الجاري، أي بعد أكثر من 7 أشهر عن بداية الحرب، بلغت نسبة تأييد بايدن 39.1 بالمئة.
لكن تصنيف الموافقة على آداء الرئيس يبقى مقياسا واسع النطاق، وحين يتم تقسيم الناخبين وفق فئات مختلفة، يتبين أنّ دعم الأمريكيين للكيان الإسرائيلي، يختلف باختلاف الفئات العمرية، لذلك يُفترض في كثير من الأحيان أنّ سياسة الرئيس جو بايدن تجاه الحرب على غزة، تضر به على مستوى الناخبين الشباب، وفي نهاية المطاف، فإنّ الاحتجاجات المناصرة للقضية الفلسطينية، التي جذبت الاهتمام الوطني والدولي، تحدث في الجامعات ويقودها شباب يُشكّل معظمهم قاعدة حزب الرئيس، ومن شأنهم خلق تأثير كبير على نتائج الرئاسيات المُقبلة، ومنع بايدن من البقاء في البيت الأبيض.