عشيّة ما يسمى بثورات الربيع العربي التي بدأت بياسمين تونس كجسر اختراق هشّ تم من خلاله العبور إلى بقية الأقطار العربية بهدف تقويض ما هو مُقوّض فيها أصلا، وإعادة تشكيله وفق القادم من مخططات وأجندات مُسَطْرة مسبقا، وفي سياق إستراتيجيّة “التثوير” والنفخ وعملقة “الهوام ” من عوام القوم لتحويلهم لأدوات خراب بالوكالة عما أنتجته مخابر “الفوضى الخلاقة” من إعادة صياغة للعالم العربي خرائطَ ومكوّنًا إنسانيا، وقف الرئيس الأسبق “باراك أوباما” متأثرا بمقر وزارة الخارجية في 19 ماي 2011، ليذرف دموع التّماسيح باكيا على مآل “بوعزيري” متجول بتونس أحرق نفسه بسبب القهر، ليخاطب أوباما الشعب العربي بلسان المحتوي لطموحاته ومواجعه قائلا: “نواجه فرصة تاريخية لإظهار أن أمريكا تثمّن كرامة بائع متجول في تونس أكثر من القوة الغاشمة لدكتاتور.”
المضحك في بكائية أوباما، يومها، أن عوام القوم من شعوب خرجت من حظيرة حكامها لترتمي في حظيرة العطف الأمريكي، وأن أوباما غادر البيت الأبيض وعاد إلى بيته ليعلن حزنه ليس على ألف وعشرة آلاف ومائة ألف بوعزيري أحرقتهم نبالم الناتو وأمريكا بليبيا ودمشق والعراق، وإنما على كلبه “بو” الذي نعاه أوباما وزوجته “ميشيل” بكل أسى بعد موته سنة 2020 بقولهما: “أنه كان أفضل صديق للعائلة”.. والمهم في سياسة “بن كلبون” الأمريكية، أن من خلف “بو” أوباما في حديقة البيت الأبيض بعد دونالد ترامب؛ الذي لم يكن يحتاج لكلب يعض مادام هو “العضاض” المحترف شخصيا، لم يكن إلا كلبي العجوز جون بايدن، الذي تخلى على أصغرهما بعد أن اشتكى عضَّه موظفو البيت الأبيض، لتظهر أنيابه وأنياب “بايدنه” القديم على أجساد أطفال غزة عبر مقاصف “الكلب” الأمريكي الأكبر ممَثلا في الكيان الصهيوني الذي ظل هو أصل كل “سُعَار” وداء “كَلَب” محصّن ومحمي في مزارع الرؤساء الأمريكيين على مختلف مشاربهم ولون بشرتهم وتوجهاتهم. والمهم، أن أمريكا وبسياستها الكلبية تلك، مآلها كأي حضارة تستمد وجودها من العضّ، أن تنتهي إلى دورة زمن تعيدها لزمن الحظيرة، والتاريخ لا يكذب كما أن الشواهد كلها تقودنا إلى أن لكل حضارة مهما بلغ سقف ومسار تقدمها دورة عكسية، وأن نهاية الدورة تبدأ وتتجلى ملامح سقوطها حين يصبح “العضّ” ممثلا في القهر، وجها من أوجه البقاء.
بين “بو” و”تشامب”.. الحكاية نفسُها
أوباما الذي حزن أشد الحزن لنقوق كلبه بو، ونعاه بشكل فطر قلب العالم لتلك المأساة “الكلبية” الكبيرة التي ألمت بعائلته، هو أوباما الذي أبدى تأثّره ببوعزيري واحد ليهندس من على روحه محرقة أوطان عربية تحت مسمى الربيع العربي وياسمين ثوراته المسمومة، كما أنه هو نفسه جون بايدن الذي نعى كلبه “تشامب” بشكل رسمي مبديا تأثره العميق بفقدانه حين كتب قائلا: “فقدت عائلتنا رفيقنا المحب “تشامب” اليوم. سأفتقده كثيرا”، والنتيجة أن حضارة الكلاب المسماة أمريكا وصلت للمرحلة التي تسمى دورة التاريخ، بعد أن انتهت إلى لعبة مآتم كلبية في بيتها الأبيض، فيما “كلبها” المتوحش ينهش أمة من الناس بغزة دون أن يرتد طرف لأمريكا بايدن لسقوط عشرات الآلاف من الأبرياء العزل وكل ذلك بتوصية وحماية من حضارة بو وتشامب الكلبية.
ما هو ثابت في ما يجري الآن من تحولات عميقة في مساحة العالم القرية أن البوارج الأمريكية التي رست، على جناح السرعة، في شواطئ الجثث المتناثرة بغزة، لم تأت للسياحة والاستجمام ولكن لإدارة حرب كانت محضّرة مسبقا في المخابر وفق مشروع تصفية لغزة؛ ظلت آخر القلاع الصامدة في وجه الاستسلام والخنوع العربيين، كما ظلت هي الخنجر المغروز في خاصرة الكيان الصهيوني كَلْبا وتكالبا؛ لذلك فإن الحرب التي ظاهرها أنها تجري بين كيان صهيوني ناهش وغزة صامدة في وجه الدمار، ليست إلا حربا أمريكية بمقاصف صهيونية كانت جاهزة التنفيذ، فا استبقها طوفان أقصى ليدفع بوارجها وأهدافها وكلابها إلى الواجهة، معريا بذلك كل نفاق وتكالب ونباح أمريكا والعالم.
أمريكا ووفق سياسة “الكلبنة” المعلومة والتي انتهجتها طيلة ربع قرن من تسعينيّات القرن و”العراق” سابق القصف والذبح، انتهت دورتها الحضارية إلى سقف السقوط والأفول، ومغامراتها الخارجية في حروب النفط لم تكن إلا تعويضا عن إفلاسها الداخلي العام. لذلك، فإن كل الذي جرى ويجري الآن ليس إلا محصلة لدورة حضارية انتهت إلى حظيرة كلبية عنوانها “بو وتشامب” وغيرهما من فصائل “الكلبنة” الممنهجة، والتي لم يعد لديها من بديل للاستمرار إلا سياسة العض والنهش لإثبات السيطرة، وخاصة مع عودة روسيا إلى واجهة الساحة الدولية كرقم فاعل من خلال قيصرها بوتين، ناهيك عن العملاق الصيني الذي مدّد أرجله إلى مساحة نفوذها في العالم، دون أن ننسى أروبا التي تخلصت من الأبوة الأمريكية واختارت جغرافية الأورو عن تاريخ الدولار؛ ومنه، فإن الذي يحدث الآن، صراع قوى يتجاوز محرقة غزة إلى محرقة “عالم” في صراع الدببة والكلاب وبعض من خنازير أوربا الهائمة بين مجاري باريس وروما..
أمريكا وإستراتيجية تصدير النّهش والعضّ والانهيار أيضا!
ذات تاريخ سابق من عام 1975، وقبل أن يعرّيَ “الكَلَب” الأمريكي عن أنيابه ليعلنها نهشا دون أي رادع أو خوف أو حتى بعض من ندم ، سألوا المؤرخ البريطاني وصفا لأمريكا، فكان تعريفه لها، “أن شبّهها بكلب ضخم يعيش في غرفة صغيرة حيث يصطدم ذيله بمقعد كلما حاول الحركة”، وهي الحقيقة التي نراها الآن متجلية في تخبط الكلب الضخم من الشرق الأوسط إلى إفريقيا فقارة آسيا وصولا إلى كل مساحة يصلها ذيله في فلسطين أو تحركها أذياله في العروش العربية، من خلال تيجان وصولجان وأنظمة، أتقنت دور مطعم وساقي شامب وبو وغيرهما من كلاب النهش المعولَم.
مجمل القول في عصر “بني كلبون” “المؤمرك” إن محرقة غزّة ببشرها وترابها وحتى حيواناتها، ليست إلا قرابين تم نحرها على شرف بيت أبيض انتهى في داخل أمريكا، فكان لزاما أن يتجدد ويجدد حضوره العالمي من خلال دماء الأبرياء، لكن بين ذاك التصدير للقتل باختلاق ساحات لمعارك خارجية تنسي الرأي الأمريكي ما يجري عنده وتوجهه بعيدا عن أقول حضارته، وبين صمود غزة في وجه أمة “بو وتشامب”، فإن أسود المقاومة، فهموا لعبة “الكلبنة” المعولمة مبكرا وكانت ضربتهم لرأس “بو وتشامب” في غلاف غزة عملية استباقية لتحرك الذيل في الأراضي المحتلة، ولتطبيع الأذيال في صفقات الخذلان والاستسلام العربيين، والتي لم يكن ثمنها إلا مقايضة سياسية لتهجير في غزة وتطبيع في عروش الخم العربي..
القصة وما فيها، أن أمريكا التي خسرت هيبتها في أوكرانيا كما خسرتها قبل سنوات أمام حفاة وعراة الصومال، ستخسرها في غزة، التي أضحت رهانها الوحيد للعودة إلى واجهة الهيبة والتحكم بعد أن ورطت بوارجها الحربية في ساحة لم تحسب لطوفان رجالها حسابا. لذلك، فإن معركة البقاء لم تعد بين الكيان الصهيوني، والأصح كلب أمريكا في الشرق الأوسط، ولكن مع أمة “بو وتشامب” المتكالبة على العرب، ليس فقط نفطا وعرقا ولكن حضارة وتاريخا كان هو إسلام الفاتحين.
بعبارة خاتمة.. أمريكا تحارب في أرض غزة دفاعا عن حضارة جرفها طوفان أقصى، حضارة وصلت لسقف الدوران فالتبدد.
ذات مرة وفي سياق “الكلبنة” كنهج ومنهج عضّ، يحكى أن مواطنا عربيا ضاقت به يومياته في وطن هو الحاكم وحاشيته، فصرخ في الشارع محتجا: حكومة ابنة كلب، اللعنة عليها! وأمام هول ما هتف به، وجد نفسه أمام المحكمة متهما بجرم كبير، ليقف محاميه مدافعا ونافيا عنه التهمة، كونه لا يوجد دليل ملموس على أنه كان يقصد حاكم أو حكومة عربية بعينها، وقد برر المحامي دفاعه بكون المتهم ربما كان يقصد حكومة الكيان الصهيوني مثلا.. !
لكن القاضي قاطعه قائلا دون لف ولا دوران، الجرم ثابت على موكلك، فلا توجد حكومة ابنة كلب إلا حكومتنا، وفعلا لا توجد حكومات ابنة بو وتشامب إلا حكوماتنا العربية، وما كشفه نباحها في وجه طوفان أراد أن يرفع رأسها فثارت فيه نهشا وعضا.. رفعت الجلسة.