يبدو أنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد اعتاد على الإستهزاء بآراء ناخبيه، وأدمن الإساءة للقاعدة الإنتخابية لحزبه الديمقراطي، وبشكل خاص الأقليات، فبعد إساءته للأمريكيين من أصول إفريقية خلال حملته الإنتخابية في 2020، ها هو اليوم يقلّل من شأن غضب العرب والمسلمين الأمريكيين، الذين يعتزمون عدم التصويت لصالحه، ويذكّرهم بأنّ خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، يعتزم فرض حظر جديد على العرب والمسلمين في حال فوزه برئاسيات 2024.
دافع البيت الأبيض عن الرئيس جو بايدن الذي تحدّث عن مشروع حظر دخول المسلمين إلى أمريكا الذي يعتزم الرئيس السابق دونالد ترامب فرضه، ردّا على سؤال حول ما إذا كان يشعر بالقلق من أنّ الأمريكيين العرب لن يصوّتوا له في الإنتخابات العامة المزمع إجراؤها في الـ 5 نوفمبر 2024، حيث تهرّب من الإعتراف بالإساءة التي تعرّض لها العرب الأمريكيين، جراء موقفه الداعم للحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، وحاول إلهاء الرأي العام بتسليط الضوء على أوجه التناقض بينه وبين سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
البيت الأبيض يعيش حالة إنكار للإساءة التي سبّبها بايدن
وفي رد على سؤال طُرح عليه في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، حول مدى اهتمامه بأصوات العرب الأميركيين في الرئاسيات المقبلة، ومدى قلقه من عزمهم عدم التصويت لصالحه، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: “الرئيس السابق يريد فرض حظر على دخول العرب إلى البلاد.. أولا، نحن نفهم من يهتم بالسكان العرب، ثانيا، أمامنا طريق طويل لنقطعه فيما يتعلّق بتسوية الوضع في غزة”.
وحاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، الإستشهاد بما أسمته سجلا للرئيس بايدن في “حماية” الجالية العربية الأمريكية والمسلمة، أكثر من أي أقلية أخرى “تتعرّض للهجوم” أو “تشعر بأنها تُركت وراء اهتمامات الرئيس”، وقالت جان بيير خلال إحاطة صحفية: “ما قصده الرئيس بايدن هو محاولة تذكيرنا بالوضع الذي كنّا فيه من قبل، وكيف بدا الأمر من قبل، في السنوات الأربع للإدارة السابقة.. لقد تمّ طرح هذا السؤال عليه، وأجاب عليه بسرعة كبيرة.. لقد فكّر في الأمر، ومن الواضح أنّه تمّ طرحه بطريقة سياسية، وهذا هو ما ذهب إليه”.
ورفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، الإعتراف بتقصير الرئيس جو بايدن في التواصل مع الجالية العربية والمسلمة، الذي التقى ببعض ممثليها للحديث عن تعاطي الإدارة الأمريكية مع الحرب على قطاع غزة، في شهر أكتوبر الماضي، ولكن الإجتماع قوبل بانتقادات واسعة لأنه ضمّ أمريكيا فلسطينيا واحدا فقط، وقالت بعض المنظمات الحقوقية والناشطة في شؤون الجالية العربية والمسلمة، إن اللقاء ضمّ شخصيات منتقاة لا تمثّل الجالية العربية والمسلمة ولا تحظى بثقة الجميع.
وفي تصريح سابق لـ “الأيام نيوز”، قال عماد حمد، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان “American Human Rights Council”، وهي منظمة حقوقية مستقلة مقرها ولاية مشيغان، إنّ الرئيس جو بايدن التقى بعض قيادات وممثلي الجالية العربية والجالية المسلمة، بشكل انتقائي، خلال الأسابيع الأولى للحرب الصهيونية، وتحاور معهم حول قضية الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكنّ محاولاته لم تكلّل بأي نجاحات ولم ترقى لتفكيك صفوف الجالية المُصرّة على معاقبته على دعمه المستميت للكيان الصهيوني من خلال حرمانه من الأصوات العربية والمسلمة، المتمركزة في ما يسمّى بـ “الولايات المتأرجحة” – ولايات غير محسومة لأي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري – والتي ستحدّد نتائجها الفائز المُقبل بالرئاسيات الأمريكية.
وبدل الإعتراف بأنّ جواب الرئيس جو بايدن بشأن غضب الجالية العربية والمسلمة، لم يكن لائقا، وبأن المقارنة بينه وبين الرئيس السابق دونالد ترامب، في غير محلها، حاولت المتحدثة باسم إدارته، الترويج لجهود لم تُبذل بالقول: “لقد أجرى محادثة مباشرة مع القادة في المجتمعات المعنية.. لقد ظلّ فريقه على اتصال منتظم مع أعضاء وقادة تلك المجتمعات المعنية، الرئيس بايدن مع الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين أيضا.. ومن الواضح أن هذه المحادثات مهمة جدا”، وعجزت كارين جان بيير، عن تقديم أية أدلة ملموسة عن نتائج المحادثات المستمرة التي حاولت الترويج لها، حيث قالت: “ليس لدي ما أقرأه أو أعرضه عن أي مناقشات مع هؤلاء القادة في تلك المجتمعات.. لكن هذا ما حدث.. لقد أجرى محادثة مباشرة”.
غزة ستكلّف الديمقراطيين خسارة أصوات صعنت إنتصاراتهم لعقود
يتوقّع المتابعون للشأن الأمريكي أن تكون رئاسيات 2024، أول انتخابات تتأثّر نتائجها بالقضايا المتعلقة بالملف الفلسطيني، وفي مقال نُشر على الموقع الرسمي للمعهد العربي الأمريكي “The Arab American Institute” – منظمة غير ربحية تهتمّ بالشأن العربي الأمريكي، مقرها العاصمة واشنطن – تحت عنوان “على بايدن أن يستمع إلى الناخبين الديمقراطيين بشأن غزة”، قال كاتب المقال الدكتور جيمس زغبي، إنّ الإستحقاقات الإنتخابية الأمريكية، التي كانت وعلى مدار عقود، تتأثّر بقضايا السياسة المتعلقة بالحقوق المدنية وقضية الإجهاض والحروب في الفيتنام والعراق، التي يستخدمها كل طرف ضد الآخر – الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي – ستعرف هذا العام تحوّلا متعلّقا بتزايد الإهتمام بالحقوق الفلسطينية، التي أحدثت انقساما داخليا في حزب الرئيس الأمريكي جو بايدن الديموقراطي.
وقال الدكتور زغبي، إنه سواء كان ذلك متعمدا أم لا، فقد اتخذ الديمقراطيون خيارا مصيريا على مدى العقود العديدة الماضية، حيث تخلّوا عن الطبقة العاملة البيضاء لصالح مغازلة ما أصبح يعرف باسم “ناخبي أوباما”، وكانوا من الناخبين الشباب، والناخبين الملوّنين – السود واللاتينيين والآسيويين – والناخبات المتعلّمات، وبعد خسارتهم نسبة كبيرة من الناخبين البيض من الطبقة العاملة، أصبحوا لا يستطيعون تحمّل خسارة الأغلبية الكبيرة من الناخبين من ائتلاف أوباما الذي يحتاجون إليه للفوز في الانتخابات الوطنية.
وتحدّث الكاتب عن استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز، والتي أوضحت أنّ الناخبين الشباب يشعرون بخيبة أمل عميقة إزاء تعامل بايدن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأنّهم يظهرون تضامنا أكبر مع الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين، وتظهر النتائج أنهم أقل ميلا لدعمه في الرئاسيات المُقبلة.
وأشار الدكتور جيمس زغبي، إلى عدد من النقاط الرئيسية المسجّلة حول تعاطي الإدارة الأمريكية مع الحرب على قطاع غزة، وردود الفعل التي خلّفها في الشارع الأمريكي، وأبرزها تحوّل الرأي العام الأميركي بعيدا عن الكيان الإسرائيلي مع استمرار الحرب، إذ يقول عدد كبير من الناخبين – 42 ℅ – إنّهم يتعاطفون مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وبينما أبدى عدد أكبر من الأميركيين تعاطفهم مع الإسرائيليين وحدهم مقارنة بالفلسطينيين وحدهم، فإن الفلسطينيين يتمتعون بدعم أكبر بين الناخبين الشباب – 34 ℅ – وذوي البشرة الملوّنة بنسبة 21 ℅.
ومنذ بداية الحرب المتواصلة في قطاع غزة المحاصر، ارتفع التعاطف مع الفلسطينيين خاصة وسط الأمريكيين الديمقراطيين، حيث وصل إلى 23 ℅ مقابل 17 ℅ تجاه الإسرائيليين، والأمريكيين الأصغر سنا بـ 37 ℅ للفلسطينيين مقابل 27 ℅ للإسرائيليين، أما بالنسبة للأمريكيين الملوّنيين، فإن 29 ℅ منهم يدعمون الفلسطينيين، مقابل 13 ℅ فقط يدعمون الإسرائيليين.
وفي الوقت نفسه، يشكّك الأمريكيون في طريقة تعامل إدارة بايدن مع الصراع، فحين طُلب منهم تقييم سياسة الرئيس، اتضح أن 50 ℅ من الأمريكيين يعتقدون أنها تفضيلية لصالح الكيان الإسرائيلي، وحين سئلوا كيف ينبغي للإدارة الأمريكية أن تدير السياسة الأمريكية الخارجية، قال عدد كبير من المشاركين – 42 ℅ – إنّ السياسة الأمريكية يجب أن تكون متوازنة بين الاحتياجات الإسرائيلية والفلسطينية، وبهامش حاسم بنسبة اثنين إلى واحد، يقول الناخبون إنه بدلا من الوقوف إلى جانب الكيان الإسرائيلي، يرون أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى جاهدة إلى أن تكون وسيطا نزيها بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهو الموقف الذي يتبناه 57 ℅ من الأمريكيين المستجوبين.
ويرى كاتب المقال، أن هذا التشكيك في دعم إدارة بايدن الأحادي الجانب للإسرائيليين له أيضا تأثير على مواقف الناخبين تجاه المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان، ورجّح الدكتور جيمس زغبي أن يصوّت الناخبون الأمريكيون لصالح المرشحين الذين يدعمون وقف إطلاق النار، وختم مقاله بالقول إنّ الديمقراطيين يجب أن يسمعوا صافرات الإنذار نتيجة لرفض البيت الأبيض وقف الطريقة التي يدير بها الكيان الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، أو ستكون النتيجة خسارتهم أصوات المجموعات التي شكّلت مؤيديهم الأكثر ولاء على مدار العقود الأخيرة.
وقال الدكتور زغبي، إنّ الموقف المتهاون لأولئك الذين يقودون حملة الرئيس بايدن هو موقف معيب للغاية، وإنّ الرهان على الناخبين الشباب وغير البيض بأنهم سيعودون جميعهم إلى بايدن شهر نوفمبر 2024 – لأنهم لن يرغبوا في رؤية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض – هو أمر مهين لمشاعر أولئك الناخبين وعلى رأسهم الجالية العربية والمسلمة الأمريكية.
وليست هذه المرة الأولى التي يتعمّد فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، إهانة الناخبين الديمقراطيين، فخلال حملته الإنتخابية لرئاسيات 2020، قال لمقدّم برنامج “نادي فطور الصباح” “The Breakfast Club”، شارلمان ثا جود، وهو أمريكي من أصول إفريقية، “إذا كانت لديك مشكلة في معرفة ما إذا كُنتَ مؤيّدا لي أو مؤيّدا لترامب، فأنت لست أسودا”.