تتأسّس على مراحل حول غارا جبيلات.. الجزائر تشيّد أول مدينة منجميّة في العالم العربي وإفريقيا

بانطلاق مشروع إنجاز مصنع المعالجة الأولية لخام حديد منجم غارا جبيلات، تكون الجزائر قد شهدت يوما تاريخيا، يفتح أمامها آفاقا واسعة من خلال تطوير المنجم والانعكاسات الإيجابية لاستغلاله، لاسيما مع تصميم السلطات العليا على تسريع وتيرة العمل والإسراع في الاستغلال الأمثل لمقدراته، ليتم مستقبلا ـ وفق خطة شاملة ومستدامة ـ تشييد أول مدينة منجمية في إفريقيا والعالم العربي.

وحلّ رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، يوم الخميس، بموقع غارا جبيلات لوضع حجر الأساس لمشروع إنجاز مصنع المعالجة الأولية لخام حديد منجم غارا جبيلات، في إطار زيارة عمل وتفقد إلى ولاية تندوف أشرف خلالها على تدشين ومعاينة عدد من المشاريع التنموية والحيوية.

وكان الرئيس قد تلقى عرضا مصورا حول عمل المنجم وآفاق تطويره والانعكاسات الإيجابية لاستغلاله، وحينها صرح الرئيس تبون قائلا: “هذا يوم تاريخي ولقد بلغنا مرحلة هامة” في هذا المشروع، داعيا لتسريع وتيرة العمل والإسراع في الاستغلال الأمثل لمقدرات المنجم.

وتابع رئيس الجمهورية: “المنجم سيخلق حياة اقتصادية واجتماعية جديدة”، مؤكدا على تكثيف العمل أكثر “لتلبية حاجياتنا الكبرى ومن ثم التوجه نحو التصدير، خصوصا أن المنتوج الجزائري ذا نوعية ومطلوب في الخارج”.

وأكد الرئيس، يوم الخميس بولاية تندوف، على أهمية إنجاز “مدينة منجمية” حول منجم غارا جبيلات، مشددا من جانب آخر على ضرورة الانطلاق الفوري في إنجاز مركب الصلب ببشار.

وخلال إشرافه على وضع حجر الأساس لمشروع مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد المستخرج من منجم غارا جبيلات، أكد رئيس الجمهورية أنه يجب توفير الخدمات والمرافق كافة على غرار الكهرباء وشبكة المياه لقاعدة الحياة وللساكنة مستقبلا “في إطار مدينة منجمية، بأتم معنى الكلمة”.

وحسب المجمّع الصناعي المنجمي (سوناريم)، فإن المشروع المندمج لمنجم غارا جبيلات، وعلاوة على مساهمته المرتقبة في خلق 25 ألف منصب عمل مباشر و125 ألف منصب غير مباشر، سيعرف تشييد مرافق سكنية واجتماعية، بما فيها تلك الخاصة بالمدينة المنجمية لغارا جبيلات.

ومركب للصّلب ببشار

وبعد أن أكد أن منجم غارا جبيلات الذي دخل حيز الاستغلال والتثمين منذ أزيد من سنة يفتح آفاقا اقتصادية وتنموية “كبيرة” للجزائر، شدد الرئيس تبون على ضرورة الانطلاق “الفوري” في إنجاز مركب الصلب ببشار.

وتابع في هذا الصدد أن مصنع بشار للصلب وقضبان السكك الحديدية والهياكل المعدنية يجب أن ينطلق “من الآن، لكي يكون في الموعد في سبتمبر 2026″، ويندرج إنجاز هذا المركب الذي سيقام بالمنطقة الصناعية “توميات” بولاية بشار، باستثمار قوامه مليار دولار، في إطار الاستغلال المدمج للمنجم من خلال جملة من المنشآت والبنى التحتية على غرار خط السكك الحديدية غارا جبيلات-بشار، ومصنع المعالجة الأولية لخام حديد غارا جبيلات.

واعتبر رئيس الجمهورية أن مشروع غارا جبيلات يمثل “بشرى” لمنطقة الجنوب الغربي، منوها بالتطور “الكبير” الذي تشهده صناعة الحديد والصلب في الجزائر. وأوضح في الصدد ذاته أن منتجات الجزائر على غرار حديد البناء صارت مطلوبة ومرغوبة في الأسواق الدولية، خصوصا من إفريقيا وأوروبا وآسيا وهذا بفضل مصانع وهران وبلارة بجيجل.

ووفق بيانات عرضها المجمّع الصناعي المنجمي (سوناريم)، ارتفع الإنتاج السنوي للجزائر من الصلب، لاسيما من خلال مركبات الحجار وبلارة بجيجل وبطيوة بوهران إلى 6 ملايين طن السنة الجارية مقابل مليون طن سنة 2013. ويرتقب – حسب توقعات (سوناريم)، تضاعف الإنتاج إلى 12 مليون طن في أفق 2026.

وقد استوردت الجزائر ما قيمته 1.2 مليار دولار السنة الفارطة كمواد أولية لصناعة الصلب، ما جعل تطوير الإنتاج المحلي للمواد الأولية لصناعة الصلب “ضرورة إستراتيجية”، يؤكد مجمع سوناريم.

تندوف.. مشاريع واعدة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية

وتشهد ولاية تندوف، بأقصى جنوب غرب الوطن، التي حل بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يوم الخميس في زيارة عمل وتفقد، تجسيد مشاريع كبرى من شأنها ترقية التنمية الاجتماعية والاقتصادية بهذه الولاية الحدودية ذات الأهمية الإستراتيجية.

ومن بين أهم المشاريع الكبرى التي شهدتها ولاية تندوف، يبرز مشروع استغلال منجم غارا جبيلات الذي وصفه خبراء اقتصاديون بأكبر استثمار منجمي في الجزائر منذ الاستقلال، باحتياطي يصل إلى حوالي 3.5 مليار طن من الحديد، حسب دراسات أولية.

وسيمر هذا المشروع الهيكلي بعدة مراحل ممتدة من 2022 إلى 2040،إذ سيتم خلال المرحلة الأولى الممتدة من 2022 إلى 2025 استخراج 2 إلى 3 مليون طن من خام الحديد ونقله برا (في انتظار إنجاز خط السكة الحديدية الرابط بين بشار وغارا جبيلات) إلى بشار وشمالها من أجل تحويله وتثمينه.

أما المرحلة الموالية، التي تبتدئ سنة 2026، فستنطلق مباشرة بعد إنجاز خط السكة الحديدية، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج 40 إلى 50 مليون طن سنويا، كما سيوفر هذا المشروع العملاق – كمرحلة أولى – حوالي 3 آلاف منصب شغل، واستحداث مهن حرفية أخرى ذات صلة. وتطمح الجزائر من خلال هذا المشروع إلى تطوير قطاعها المنجمي الوطني من أجل تسريع المسار الرامي إلى تنويع اقتصادها.

ولمرافقة الاستثمارات الضخمة لتطوير الصناعات المنجمية تراهن الجزائر على توسيع الشبكة الوطنية للسكة الحديدية. ويشكل – في هذا الصدد – مشروع خط السكة الحديدية الجديد (بشار- تندوف – غار جبيلات)، أو ما يعرف بالخط المنجمي الغربي مشروعا إستراتيجيا ضخما وبنية تحتية لتثمين واستغلال واحد من أكبر مناجم خام الحديد في العالم.

ويمتد هذا المشروع على مسافة 950 كلم من البنية التحتية للسكة الحديدية والتي ستشكل حلقة النقل الرئيسة نحو معامل التعدين ومنه باتجاه المناطق الصناعية والموانئ التي تغطيها الشبكة الوطنية للسكة الحديدية، حسب البطاقة التقنية للمشروع.

ويعتبر هذا الخط امتدادا لخط السكة الحديدية “وهران- بشار”، والذي يمتد جنوبا من مدينة بشار مرورا بمنطقتي العبادلة وحماقير، ثم بلدية أم العسل وتندوف وصولا إلى غار جبيلات.

ويعد هذا المشروع العملاق للسكة الحديدية حلقة الربط الرئيسة في سلسلة إنتاج الحديد والصلب في الجنوب الغربي للبلاد والذي سيسمح بنقل أكثر من 140 ألف طن يوميا من خام الحديد عبر ثمانية قطارات في كل اتجاه بعد إطلاق مقطعه الأول الرابط بين بشار وحدودها مع ولاية بني عباس عبر مسافة 200 كلم.

وتجري الأشغال حاليا على مستوى المقطع الثالث، الذي سيربط مدينة تندوف ببلدية أم العسل على مسافة 175 كلم، والذي أوكلت أشغال إنجازه إلى مجمّع شركات عمومية في مقدمتها المؤسسة الوطنية للأشغال العمومية بمرافقة شركات وطنية أخرى، فيما يراقب ويتابع الأشغال مجمّع مكاتب الدراسات العمومية، وفق القائمين على الإنجاز.

محور ترقية التجارة الخارجية نحو دول غرب إفريقيا     

وفي إطار جهود الدولة الرامية إلى ترقية الصادرات خارج المحروقات وتطوير التجارة الخارجية، استفادت ولاية تندوف من مركزين حدوديين بريّين بالنقطة الكيلومترية 75 على مستوى الشريط الحدودي المشترك بين الجزائر وموريتانيا، بموجب اتفاقية أبرمت ما بين الحكومتين في نواكشوط شهر نوفمبر 2017، وتعقد الآمال على هذا المشروع الذي سيحقق حركية اقتصادية جديدة تستجيب للطموحات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين الشقيقين.

ومن شأن هذا المشروع تطوير التنمية في البلدين وخاصة بالمناطق الحدودية لكل منهما، والتي ستنعكس – في المدى المتوسط – على اقتصاديات دول غرب إفريقيا وعلى المدى البعيد على دول إفريقيا الأخرى.

وسيساهم هذا المشروع الذي يحمل اسم الشهيد مصطفى بن بولعيد في تعزيز الانفتاح والتكامل الثقافي والاجتماعي بين الشعبين الشقيقين، اللذين تربطهما روابط أخوية عميقة وعريقة وتجمعهما مواقف النضال المشترك في مقاومة المستعمر ومناصرة قضايا التحرر.

وقد رصد لإنجاز هذه المنشأة الحدودية غلاف مالي يتجاوز 34 مليون دج، وهو المشروع الذي يشكل إضافة نوعية لعلاقات التعاون الثنائية في عدة مجالات بين البلدين، ويجسد توجه الدولة نحو سياسة اقتصادية جديدة تقوم على تشجيع الصادرات خارج المحروقات والترويج للمنتوج الوطني.

كما سيشكل المشروع أداة للتنمية وتنشيط هذه المنطقة الحدودية من خلال تسهيل تنقل الأشخاص وتكثيف التبادلات التجارية بين البلدين ووسيلة هامة لترسيخ الروابط الاجتماعية والثقافية وجسر تجاري إستراتيجي يعود بالمنفعة المتبادلة بين البلدين ومع دول غرب إفريقيا التي تعتبر من الأهداف الرئيسية للترويج للمنتوج الوطني

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا