قالت مصادر سودانية مطلعة، إن “قادة الجيش السوداني قدّموا جملة من الملاحظات والاعتراضات للرباعية الدولية، حول مشروع الدستور الجديد، الذي أعدّته لجنة مختصّة من نقابة المحامين السودانيين”.
ونقلت وكالة رويترز ـ عن مصادر سودانية معارضة ـ أن “الاعتراضات تتعلق بصلاحيات الجيش، وكذلك ميزاته الاقتصادية والتجارية”، فضلا عن ضرورة إدماج بعض الأحزاب التي تم إقصاؤها من المشاورات، بحجة أنها محسوبة على النظام السابق.
خلاف حول صلاحيات
من جهته، قال الناشط الحقوقي السوداني، أحمد عبد المحسوب، لـ«الأيام نيوز»: إن أهم “مطالب الجيش تتمثّل في أن يحتفظ بصلاحية تسمية قائده العام، على أن يتم الموافقة عليها من السلطة المدنية، أما المطلب الثاني فيتعلّق بإعادة هيكلة أنشطته الاقتصادية والاستثمارية، وإعادة التفكير فيما يسمى بـ«هيئة تفكيك التمكين» والتي كانت تعمل قبل أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر، على حلّ المؤسسات الاقتصادية التابعة لنظام عمر البشير”.
ويقول عبد المحسوب: “في اعتقادي هذه المطالب تعتبر بمثابة شروط مسبقة من الجيش، لدعم مسودة الدستور الانتقالي، ولا يفترض تضمينها في وثيقة الدستور، لأنها مسائل إجرائية تتعلّق بالسياسات وليست نصوصا دستورية”.
وكشف المتحدّث، أن قوى الحرية والتغيير قد: “توصلت إلى اتفاقات مع قادة الجيش فيما يخصّ إرساء دعائم العدالة الانتقالية، والتي تقضي بعدم ملاحقة كبار ضباط الجيش قضائياً”، مؤكداً أن “تلك المسائل المتعلقة بمن يحق له الاستفادة من هذه التدابير الانتقالية”، تظل “خلافية”، لا سيما وأن الشارع السوداني يطالب بتقديم المتسبّبين في قتل المتظاهرين إلى محاكم مدنية”.
وتوقّع عبد المحسوب: “أن تكون التحرّكات الأخيرة، لمنسوبي الأحزاب المحظورة عن المشاركة السياسية ـ كحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الوحدوي، باعتبارهما جزء من فلول النظام السابق ـ ذات علاقة بمواقف الجيش الجديدة”، حيث تعتقد لجان المقاومة حسب عبد المحسوب: أن “الجيش هو من يحرّك قادة هذه الأحزاب بعد اختفاءهم من الحياة السياسية منذ سقوط نظام البشير”.
ورجّح المتحدّث، أن يكون هذا “نوع من التنسيق بين الطرفين، وأن مشاركة هذه الأحزاب فضلا ـ عن أنه يتعارض مع القوانين السابقة والإعلان الدستوري الذي تم إقراره بعد أحداث ديسمبر ـ فهو يوحي بعودة شخوص النظام السابق”.
النظام السابق يطلّ برؤوسه القديمة
يأتي هذا في الوقت الذي اتهمت فيه «قوى الحرية والتغيير»، الموالين للبشير “باقتحام مقر نقابة المحامين السودانيين ومهاجمة المحامين بداخلها”، في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، فيما لم ترُد قيادة حزب المؤتمر الوطني، المحلّ حالياً، على الاتهامات، بينما نأى حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يقوده الشيخ حسن الترابي بنفسه عن تلك التحركات، حيث قال كمال عمر الأمين السياسي لـ«حزب المؤتمر الشعبي»، في مداخلة تلفزيونية: إنه “في ضوء موقفنا ضد الانقلاب، نحن جزء أساسي من الترتيبات الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي وإننا نتواصل مع الأحزاب السياسية و(بعثة الأمم المتحدة في السودان)”، وطالب ـ في سياق تصريحه ـ “بضرورة إشراك كل الأطياف السياسية في الدستور الانتقالي الذي سيحكم البلاد، معترفا أن حزبه لديه بعض الملاحظات حول المسودة المقترحة للنقاش”.
الحركة الإسلامية لا تزال مؤثرة
بدوره يقول الكاتب السوداني، مزمل الشفيع: إن “الحركة الإسلامية لا تزال تملك الكثير من أوراق اللعب في السودان”، ويرى الشفيع في إفادته لـ«الأيام نيوز»، أن “فترة الثلاثين عاما الماضية قد سمحت لمنسوبي هذا التيار بالتوغّل داخل أجهزة الدولة العميقة، خاصة جهازي الجيش والأمن، وبالتالي، فبإمكانها إعادة تحريك المشهد بشكل جديد، لا سيما عند الاستحقاقات المصيرية كإقرار الدستور”.
ولا يرى «الشفيع» أي جدوى من تدابير حلّ الأحزاب المرتبطة بالنظام السابق، لأن “وجود الفكرة هو الأساس، حيث بإمكان الأشخاص المرتبطين بتلك الفكرة وبالمصالح الحيوية لوجود ذلك التيار، تأسيس أحزاب جديدة بمسميات مختلفة والعودة مجددا للمشهد السياسي السوداني الذي يعان من استقطابات واسعة، ومن تذمّر كبير في الشارع نتيجة غلاء المعيشة وغياب الخدمات”.
لجان المقاومة، لا ترى أفقا للتسوية
من جهة أخرى، لا تزال لجان المقاومة التي تضمّ أطيافا واسعة من ائتلافات الثورة، ترفض مشروع التسوية السياسية، فضلا عن اعتراضها على الدستور الانتقالي، من حيث المبدأ، باعتبار أنّ من أعدّه مجرّد هيئة غير مخوّلة قانونا، حيث ترى هذه القوى، بضرورة الذهاب إلى هيئة تأسيسية، وتقترح ضوابط صارمة لضمان عدم مشاركة من تسميهم “الذين أفسدوا الحياة السياسية لثلاث عقود مضت”.
وأعدّت اللجان مجموعة كبيرة من “القوائم السوداء” لكل الذين شاركوا في النظام السابق، وهي بالتالي ترفض أي تسوية سياسية، فضلا عن رفض تلك اللجان – التي تُتهم بسيطرة الحزب الشيوعي السوداني عليها – كل التدخلات الدولية حول حلّ الأزمة السياسية في السودان، وتقترح عوض ذلك، الذهاب إلى حوار وطني واسع، تشارك فيه كل قوى الثورة، والأحزاب التي لم تكن جزء من منظومة النظام السابق.
وتجري المحادثات الحالية حول مسودة الدستور الانتقالي، ووثيقة التسوية السياسية، بوساطة المجموعة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.