أكد الخبير الاقتصادي هشام غربي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن العديد من الدول الرائدة في مجال الاستثمار المالي اعتمدت استراتيجيات فعالة لتحفيز المواطنين على دخول سوق البورصة، مشيرًا إلى أن التجارب الناجحة استندت إلى برامج متكاملة تجمع بين التثقيف المالي والحوافز الضريبية وتبسيط إجراءات الاستثمار.
وأوضح غربي أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى جانب الدول الناشئة مثل سنغافورة وماليزيا، قدمت نماذج يُمكن للجزائر الاستفادة منها لتوسيع قاعدة المستثمرين الأفراد وتعزيز الثقة في السوق المالية.
وأضاف غربي أن أحد أبرز العوامل التي ساهمت في نجاح هذه الدول هو إدراج التثقيف المالي ضمن المناهج الدراسية، مشيرًا إلى أن سنغافورة، على سبيل المثال، قامت بإدخال برامج تعليمية حول الأسواق المالية في المدارس والجامعات، مما ساهم في نشر ثقافة الاستثمار منذ سن مبكرة. واعتبر أن هذا النهج يُمكن أن يكون حلاً فعالًا في الجزائر، حيث يقتصر تعليم المفاهيم المالية حاليًا على التخصصات الجامعية الاقتصادية، بينما تبقى شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة غير الجامعيين، بعيدة عن الوعي الاستثماري. وأكد أن التثقيف المالي المبكر يجب أن يكون مبسطًا وجذابًا، بحيث يستهدف مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصًا ذوي التوجهات الريادية والراغبين في دخول عالم الاستثمار.
وأوضح أن الدول الناجحة في هذا المجال قدمت أيضًا حوافز ضريبية وإعانات مالية لجذب المستثمرين إلى البورصة، كما تبنّت نماذج متطورة للاستثمار الرقمي عبر منصات إلكترونية حديثة تتيح التداول بسهولة من خلال الهواتف الذكية، مما جعل الاستثمار في البورصة أكثر سهولة وجاذبية لمختلف الفئات، حتى للأشخاص ذوي الدخل المحدود. وأضاف أن أستراليا قدمت نموذجًا ناجحًا من خلال حملات توعية واسعة النطاق، استهدفت بناء ثقة المواطنين في سوق المال، وهو ما مكّن مختلف الفئات الاجتماعية من دخول الأسواق المالية والمشاركة بفاعلية في عمليات التداول.
وأشار غربي إلى أن ماليزيا قدّمت تجربة رائدة في هذا المجال عبر مبادرة “استثمر بذكاء”، التي هدفت إلى توعية المواطنين بمزايا الاستثمار في البورصة، مع توفير بيئة استثمارية شفافة وإطار تنظيمي واضح يعزز ثقة المستثمرين.
وأكد أن بناء الثقة يُعدّ عنصرًا حاسمًا في تحفيز الاستثمار، حيث يرتبط سوق البورصة في أذهان الكثيرين بالمخاطر، مما يستوجب جهودًا حكومية لتوفير ضمانات مالية وإصلاحات تنظيمية تُشجع على الاستثمار.
كما تطرّق إلى تجربة الولايات المتحدة، التي أتاحت للموظفين فرصة استثمار جزء من رواتبهم في أسهم الشركات المدرجة في البورصة، وهي سياسة تبنّتها أيضًا فرنسا واليابان وحققت نجاحًا ملحوظًا في رفع معدل مشاركة الأفراد في الأسواق المالية.
واعتبر غربي بأن الجزائر قادرة على الاستفادة من هذه التجارب الناجحة إذا تبنّت مقاربة جدية تعتمد على تعزيز التثقيف المالي وتقديم حوافز ضريبية مع تبسيط الإجراءات الإدارية، وتطوير منصات رقمية متقدمة لتسهيل الوصول إلى سوق المال. وشدّد على ضرورة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية، باعتبارها العامل الأساسي لجذب المستثمرين الأفراد وتوسيع قاعدة التداول في البورصة الجزائرية.
تغيير الصورة النمطية للاستثمار في الأسهم
كما أكد هشام غربي، أن تغيير الصورة النمطية عن الاستثمار في البورصة لم يكن عشوائيًا في الدول التي نجحت في هذا المجال، وانما جاء نتيجة إصلاحات تنظيمية شاملة تهدف إلى حماية المستثمرين وتعزيز الشفافية في السوق المالية. وأوضح أن التجارب الدولية أثبتت أن توفير بيئة استثمارية آمنة وعادلة من خلال قوانين صارمة وإجراءات تنظيمية محكمة ساهم بشكل كبير في زيادة ثقة المواطنين في سوق الأسهم، مما جعل الاستثمار في البورصة أكثر جاذبية.
وأضاف غربي أن بعض الدول، مثل ألمانيا، اعتمدت على أنظمة رقابة صارمة تشرف عليها الهيئات الفيدرالية لضمان الشفافية والعدالة في السوق المالية، مما أدى إلى حماية المستثمرين وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسهم.
أما الهند، التي كانت تعاني سابقًا من ضعف تنظيم بورصتها، فقد تبنّت إصلاحات مستوحاة من التجارب الدولية، وركزت على تعزيز الشفافية وحماية المستثمرين، ما ساهم في زيادة الإقبال على سوق الأسهم بشكل ملحوظ. كما أشار إلى أن تشجيع الشركات المحلية على الإدراج في البورصة يعدّ من بين أهم الخطوات التي ساعدت على تغيير الصورة النمطية للاستثمار في الأسواق المالية الناشئة.
وأوضح أن الجزائر بدأت تتبنى هذا النهج مؤخرًا من خلال تشجيع الاكتتابات المحلية، كما حدث مع شركة “مستشير”، التي دخلت البورصة مؤخرًا وسط اهتمام حكومي كبير، حيث شهد هذا الحدث حضور وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، مما يعكس دعم الدولة لتوسيع قاعدة الشركات المدرجة.
وأضاف أن نجاح اكتتاب “مستشير”، الذي تجاوز التوقعات بنسبة 150%، يمثل حافزًا قويًا للشركات الصغيرة والمتوسطة الأخرى لاتخاذ خطوة مماثلة. واعتبر أن البورصة يمكن أن تصبح فضاءً مناسبًا لتمويل المشاريع الناشئة، إلى جانب صناديق دعم المقاولات، مما يعزز ريادة الأعمال في الجزائر ويخلق بيئة استثمارية أكثر ديناميكية.
وأشار غربي إلى أن التكنولوجيا لعبت دورًا محوريًا في تحفيز الاستثمار في الأسهم بالدول المتقدمة، حيث استفادت هذه الدول من تقنيات مثل “البلوكتشين” والتداول عالي التردد، بالإضافة إلى تطوير منصات إلكترونية تتيح للمستثمرين تنفيذ عمليات التداول بسهولة عبر الهواتف الذكية.
وأوضح أن الجزائر لا تزال في مرحلة مبكرة في هذا المجال، حيث يحتاج المستثمرون أولًا إلى فهم مبسط لآليات عمل البورصة قبل الانتقال إلى استخدام الأدوات التكنولوجية المتقدمة. لكنه أكد أن إدخال التكنولوجيا المالية على مراحل يمكن أن يسهم في تسهيل الاستثمار وتعزيز ثقة المستثمرين الجدد في السوق المالية.
وأضاف أن لجنة مراقبة البورصة قامت مؤخرًا بخطوات إيجابية في مجال التوعية، حيث لجأت إلى نشر فيديوهات توعوية عبر منصات التواصل الاجتماعي لتعريف المواطنين بثقافة الاستثمار المالي، معتبرًا أن هذه المبادرات تلعب دورًا مهمًا في تقليل الفجوة بين الجمهور وسوق الأسهم، وتساعد على خلق ثقافة استثمارية أكثر نضجًا بين الجزائريين.
وختم غربي تصريحه بالتأكيد على أن تحسين الإطار التنظيمي ودعم الشركات الناشئة وتعزيز التوعية المالية، كلها عوامل ستساعد على تغيير الصورة النمطية عن الاستثمار في الأسهم، وجعل البورصة خيارًا أكثر جاذبية للمواطن الجزائري.