أضحت مشاريع تحلية مياه البحر خيارًا استراتيجيًا للجزائر لضمان أمنها المائي وتعزيز استقلاليتها التكنولوجية والصناعية، في ظل التغيرات المناخية وارتفاع الطلب على الموارد المائية، حيث تسعى الدولة، من خلال رؤية متكاملة، إلى توطين صناعة محطات التحلية محليًا وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يضعها على طريق تحقيق سيادة مائية شاملة.
وتراهن الجزائر على دمج الطاقات المتجددة في تشغيل المحطات، واستغلال الموارد الثانوية الناتجة عن عملية التحلية في الصناعات المتقدمة، مثل استخراج الليثيوم وإنتاج الهيدروجين الأخضر، الأمر الذي يعزز تحولها نحو اقتصاد مستدام ومبتكر.
وفي الإطار، أبرز وزير الدولة، وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، مساعي الجزائر من خلال استراتيجيتها في مجال تحلية مياه البحر إلى توطين أهم مكونات محطات التحلية محليًا، مما سيمكنها من تحقيق الاستقلالية التكنولوجية والصناعية في هذا القطاع الحيوي.
وأوضح الوزير، في حوار نشر في العدد الأخير من مجلة الجيش، أن هذه الرؤية المستلهمة من توجيهات رئيس الجمهورية، تهدف على المدى الطويل إلى تحقيق “سيادة مائية شاملة”. ويرتكز ذلك على توطين صناعة أغشية التناضح العكسي، الأمر الذي سيمنح الجزائر استقلالية تكنولوجية وصناعية في هذا المجال الاستراتيجي.
تحقيق التحول الطاقوي
وحسب الوزير فإن الاستراتيجية تشمل تعزيز الاعتماد على الطاقات المتجددة في تشغيل محطات التحلية، إلى جانب استغلال المحلول الملحي الناتج عن العملية في الصناعات التعدينية، مثل استخراج الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية. كما تتجه البلاد نحو الاندماج في الاقتصاد الأخضر من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه المحلاة، ما يدعم تحولها الطاقوي.
وفي هذا السياق، أفاد عرقاب أن الشركة الجزائرية للطاقة، وهي فرع من مجمع سوناطراك، بدأت محادثات مع كبرى الشركات العالمية لتوطين تصنيع مكونات محطات التحلية محليًا، مما سيساهم في الحد من الاستيراد وتعزيز الصناعة الوطنية.
شراكات دولية واستثمارات محلية
وأشار الوزير إلى توقيع اتفاقيات شراكة مع مؤسسات دولية، من بينها شركة “بورت إنيرجي لوجيستيك” الألمانية، لإنتاج أغشية التناضح العكسي داخل الجزائر. كما تخطط الشركة لاستخدام الطاقة الشمسية بنسبة 30 بالمائة في تشغيل محطات التحلية، مما سيسهم في تقليل التكاليف الطاقوية والبصمة الكربونية.
وفي إطار التعاون الأكاديمي، تم توقيع اتفاقيات شراكة مع الجامعات ومراكز البحث الوطنية لتطوير حلول مبتكرة وتكوين كفاءات متخصصة في مجال تحلية مياه البحر، بما يسهم في إيجاد حلول تكنولوجية تتناسب مع خصوصيات الجزائر، وإعداد جيل جديد من الخبراء في المجال.
وشدد الوزير على أن تحلية مياه البحر أصبحت “ركيزة أساسية” ضمن استراتيجية الحكومة لضمان الأمن المائي، حيث تضطلع وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، بالتنسيق مع مختلف الهيئات، بدور محوري في تنفيذ هذه الرؤية.
وفيما يخص المحطات الخمس التي تم إنجازها مؤخرًا، أوضح عرقاب أن تشغيلها سيرفع عدد محطات التحلية في البلاد إلى 19 محطة، مما سيؤدي إلى زيادة القدرة الإنتاجية الوطنية من 2.2 مليون متر مكعب إلى 3.7 مليون متر مكعب يوميًا، ما يعادل 42 بالمائة من إجمالي الطلب الوطني على المياه الصالحة للشرب.
إنجازات محلية برؤية عالمية
وأكد وزير الدولة أن تحقيق هذه القدرات يعد “إنجازًا غير مسبوق” تم إنجازه في فترة قياسية، معبرًا عن أن هذه الرؤية تعكس التزام الجزائر بضمان إدارة مستدامة لمواردها المائية، وتعزيز مكانتها ضمن الدول الرائدة عالميًا في صناعة تحلية المياه.
وأضاف أن تنفيذ هذه المشاريع تم بفضل كفاءات جزائرية خالصة، حيث تولت شركات وطنية عملية الإنجاز، من بينها شركة الهندسة المدنية والبناء “جي سي بي” لمحطة الرأس الأبيض بوهران، المؤسسة الوطنية للأشغال البترولية الكبرى لمحطة كاب جنات ببومرداس.
إلى جانب، شركة “كوسيدار” عبر فرعها “كوسيدار قنوات” لمحطة فوكة 2 بتيبازة، الشركة الوطنية للقنوات لمحطة تحلية مياه البحر بتيغرمت توجة ببجاية، والشركة الجزائرية لإنجاز المشاريع الصناعية “ساربي” (فرع سوناطراك) التي تكفلت بإنجاز محطة “كدية الدراوش” بالطارف.
