يحظى العرب والمسملون في الولايات المتحدة الأمريكية، باهتمام متزايد مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية، وساهم موقفهم من تعاطي الرئيس جو بايدن مع الحرب الإسرائلية على قطاع غزة، واستنكارهم للدعم الأمريكي الذي حظي به الكيان، في إبراز أهميتهم كأقلية يمكن أن تصنع الفارق في نتائج رئاسيات 2024، بعد أن صوّت أكثر من 100 ألف ناخب منهم بـ “غير ملتزم”، في الإنتخابات التمهيدية بولاية ميشغان، التي تعدّ ولاية متأرجحة، تساهم نتائجها في تحديد هوية الرئيس المُقبل للبلاد.
لكن الإتفاق على معاقبة الرئيس جو بايدن على دعمه للكيان الإسرائيلي، لا يعني أنّ وجهات نظر العرب والمسلمين الأمريكيين، وإنتماءاتهم وأصولهم وأعراقهم متطابقة، فهناك العديد من الحقائق التي تظهر فوارقا واختلافات، وسط هذه الكتلة الإنتخابية، التي بدأ الساسة الأمريكيون، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن – وإن تنكّر لذلك – يُدرك أهمية أصواتها.
الإسلام ليس الديانة الوحيدة والعرب ليسوا العرق الوحيد
عند الحديث عن العرب والمسلمين الأمريكيين، يُشار إليهم ككتلة واحدة، ولكن الحقيقة أنهم ليسوا كذلك، فحسب استطلاع أجراه المعهد العربي الأمريكي، فإنّ ربع العرب الأمريكيين فقط يعتنقون الإسلام، والغالبية العظمى المتبقية مسيحيون، كما أنّ العديد من الأمريكيين المسلمين هم في الواقع ليسوا عربا، بل هم من جنوب آسيا أو من السود أو من أعراق أخرى غير عربية كالإيرانيين.
الحصول على بيانات دقيقة حول توجهات وآداء الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين ليس بالمهمة السهلة، لعدة أسباب، في مقدّمتها عدم تصنيف العرب كأقلية واحتسابهم ضمن فئة “البيض”، ولكن يبدو أنّ الناخبين المسلمين أكثر ديمقراطية قليلا من الناخبين الأمريكيين العرب، فبحسب استطلاع أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، صوّت المسلمون لصالح جو بايدن على دونالد ترامب في رئاسيات 2020 بنسبة 69℅ مقابل 17℅، كما صوّت 3℅ منهم لمرشح ثالث، ورفض 11℅ كشف تصويته.
ولكن استطلاعا آخر لوكالة “أسوشيتد برس”، كشف أنّ 64℅ من الامريكيين المسلمين صوّتوا لصالح جو بايدن، مقابل 35℅ منحوا أصواتهم لدونالد ترامب، ومن خلال التباين الواسع في النسبة التي تحصّل عليها الرئيس السابق دونالد ترامب، تتّضح صعوبة استطلاع توجّهات الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، تبرز حقيقة أن كلا المجموعتين كانتا ديمقراطيتين إلى حد كبير، ولكن ليس بشكل موحّد.
من المثير للاهتمام، أنّ كلا من العرب والمسلمين الأمريكيين يتّجهون بالفعل نحو الجمهوريين، فوفقا لبيانات مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، الخاصة برئاسيات 2016، دعم المسلمون الأمريكيون، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على حساب الرئيس السابق دونالد ترامب بنسبة 74℅ مقابل 13℅. ووفقا لاستطلاع مركز زغبي لاستطلاعات الرأي، بالشراكة مع المعهد العربي الأمريكي، في عام 2016، تعاطف العرب الأمريكيون مع الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين بفارق 26 نقطة مئوية، وبحلول عام 2020، انخفض هذا التفوّق الديمقراطي إلى 8 نقاط.
الإبتعاد عن الحزب الديموقراطي، الذي طالما كان الحزب الأكثر اهتماما بالأقليات، زاد أكثر بعد إعلان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أدى تعاطي الرئيس جو بايدن مع الصراع، ودعمه المستميت لإبادة المدنيين في القطاع المحاصر منذ سنوات، إلى نفورهم من الحزب.
ووفقا لاستطلاع مركز زغبي والمعهد العربي الأمريكي، ففي الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر 2023، تقدّم الرئيس السابق دونالد ترامب على الرئيس الحالي جو بايدن بنسبة 40℅ مقابل 17℅ بين الناخبين العرب الأمريكيين، كما رفض العرب الأميركيون رد فعل بايدن على العنف والتقتيل الحاصل في حق الفلسطينيين بنسبة 67℅.
هل اتفقوا على البديل؟
معاقبة بايدن على مساندته للكيان الإسرائيلي في حربه الهمجية على قطاع غزة، ومنعه من البقاء في البيت الأبيض لعهدة رئاسية ثانية، أمر مفروغ منه بالنسبة لغالبية العرب والمسلمين الأمريكيين، لكن ما يزال غير واضح هو لمن ستُمنح الأصوات، هل سيستفيد منها الرئيس السابق دونالد ترامب؟ أم ستُعطى لمرشح ثالث؟ ووفقا لاستطلاع مركز زغبي والمعهد العربي الأمريكي، شهر أكتوبر الماضي، قال 18℅ من الأمريكيين العرب إنهم يعتزمون التصويت لصالح روبرت إف كينيدي جونيور أو كورنيل ويست، وكلاهما مرشحان مستقلان.
وحرمان الرئيس الحالي جو بايدن من أصوات العرب والأمريكيين سيكون بمثابة ضربة، لكنها لن تكون قاسية إذا لم تصوّت الجالية العربية والمسملة لصالح خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، فإذا تحوّل شخص ما من ناخب لبايدن في عام 2020 إلى عدم التصويت أو التصويت لطرف ثالث في عام 2024، فهذا تصويت خاسر لبايدن، ولكنه ليس صوتا مكتسبا لترامب. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ الناخب الذي يتحوّل من بايدن إلى ترامب يضيّق بشكل فعال الهامش بينهما بصويتن.
وإذا فاز ترامب بولاية ميشيغان بفارق نقطة واحدة أو أقل في عام 2024 – وهذا أمر ممكن جدا وحدث في عام 2016 – يمكننا القول بأنّ العرب والمسلمين الأمريكيين كلّفوا بايدن البيت الأبيض، وجلعوه رئيسا لعهدة واحدة.
وللتذكير، فقد صوّت ما لا يقل عن 100 ألف ديمقراطي في ولاية ميشغان لصالح “غير ملتزم” أو “Not Committed “، وهو تصويت احتجاجي مدفوع إلى حدّ كبير بعدم الرضا عن طريقة تعامل بايدن مع الحرب في غزة، بعد حملة نظّمها قادة الجالية العربية والمسلمة، تحت تسمية استمع لميشغان ” Listen to Michigan “، للتعبير عن رفض بايدن بسبب دعمه للكيان الإسرائيلي، وكان التصويت “غير ملتزم” مرتفعا بشكل خاص في المدن ذات الأغلبية العربية الأمريكية والمسلمة مثل مدينة ديربورن، حيث هُزم بالفعل الرئيس جو بايدن بنسبة 56℅.