تراشق ثلاثي الأبعاد بين واشنطن وموسكو في الخرطوم

وجد السودان نفسه خلال الأيام الماضية في قلب الصراع الأمريكي الروسي، بعد التصريحات التي أدلى بها سفير واشنطن الجديد لدى الخرطوم جون غودفري، الذي أجرى حوارا صحفيا مع جريدة “التيار” السودانية، والتي تناول فيها الحرب الروسية في أوكرانيا، وقد تضمنت تصريحاته تهديدات بعضها مبطن وبعضها صريح للقيادة السودانية في حال مضيها قدماً في تطوير علاقاتها مع موسكو، هذه الأخيرة التي وصفها بأنها تعاني من عزلة دولية.

وخلافا للأعراف الدبلوماسية المعهودة، مضى السفير الجديد لواشنطن في الخرطوم يوجّه انتقادات وتهديدات للدولة المعتمد فيها، قائلا: “إذا قرّرت حكومة السودان المضي قدماً في إقامة المنشأة العسكرية الروسية أو إعادة التفاوض حولها، فسيكون ذلك ضاراً بمصالحها، وسيؤدي إلى مزيد من عزلة الخرطوم، في وقت يريد معظم السودانيين أن يصبحوا أكثر قرباً من المجتمع الدولي”.

وقال غودفري خلال الحوار الصحفي الذي لم تعلّق عليه الخارجية السودانية بعد: “إن التقارب الروسي السوداني، جاء بدافع العزلة الدولية المحيطة بموسكو والتي تتزايد حالياً بسبب الغزو غير المبرر لأوكرانيا”، حسب قوله.

وتأتي تصريحات السفير الأمريكي الجديد، التي تهدّد السودان، رغم إعلان الخرطوم في إبريل الماضي، تجميدها لاتفاقات كانت قد أبرمتها الحكومة السابقة مع موسكو حول إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، بعد تعرضّها لضغوط أمريكية وأوروبية.

ورغم عدم وجود مؤشرات توحي بتنشيط المشروع المجمّد، فإن واشنطن تبدو متعمّدة لإثارتها بهدف قطع الطريق أمام أي اتفاقات محتملة بين الخرطوم وموسكو، لا سيما بعد الزيارة التي قادت نائب رئيس مجلس السيادة السوداني اللواء محمد حمدان دوقلو لموسكو عشية بدء العمليات الروسية الخاصة في أوكرانيا.

صمت سوداني وغضب روسي

وفي حين لم يصدر من الخرطوم الرسمية أي رد فعل على التصريحات غير المسؤولة للدبلوماسي الأمريكي، ردّت موسكو من خلال بيان لسفارتها بالخرطوم، معتبرة التصريحات بأنها “سخيفة وغير مسؤولة تماما، ولا تتواءم مع الدور المنوط بالرجل الأول في السفارة الأمريكية في الخرطوم”.

وقال بيان السفارة الروسية: “إن السفير الأمريكي الجديد يحاول مثل أسلافه، أن يتكلّم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة الخرطوم في سياساتها الخارجية”، واتهم البيان، السفير الأمريكي: “بأنه يتمتّع بفهم سطحي حول السودان، ويعتمد في تحليله على مصادر مشبوهة لتعويض سطحيته”، ومضى بيان السفارة الروسية في الخرطوم إلى القول: “إن حجج السفير حول النظام العالمي الحالي تظهر أنها سخيفة، والأكثر سخافة هو تصريحاته حول ما يسمى بـ(عزلة روسيا)”.

صراع القوى الدولية في السودان

يرى المحلّل السياسي من ولاية كولارادو الأمريكية، إبراهيم إدريس، أن “تصريحات السفير الأمريكي الجديد في الخرطوم، وردّ السفارة الروسية عليه بهذه الحدة يعبّر عن انعكاس للصراع القائم بين القوتين العظمتين جراء الحرب الروسية في أوكرانيا”.

ويقول إدريس في إفادته لـ«الأيام نيوز»، إن: “السودان في تصوري يعد ساحة خلفية للصراع الأكبر”، معتبرا “أن المنظومة العسكرية في السودان تاريخيا من تجربة البشير امتدادا إلى مجلس السيادة الحاكم حاليا يميل إلى الكفة الروسية”.

ويشير إدريس: “إلى زيارة نائب مجلس السيادة محمد حمدان دوقلوا إلى موسكو وعقده لبعض الاتفاقات بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مباشرة، كمؤشر لهذا التقارب الذي لم يتأثر بالموقف الغربي المستحدث ضد روسيا”.

ويؤكد المتحدث أنّ “الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لنيويورك، والرد على مواقف الدول الغربية في ربطها تقديم الدعم المحتمل للسودان مقابل مواقفه في الأزمة الأوكرانية أيضا يكشف في جانب منه عن موقف المؤسسة العسكرية السودانية ونظرتها الأقرب للموقف الروسي، على عكس المواقف التي كانت حكومة عبد الله حمدوك تعبّر عنها”، ويرى إدريس أن “حكومة حمدوك وبعض القوى السياسة الداعمة لها كانت تميل نحو الموقف الغربي من الأزمة الأوكرانية”.

ويقرأ إدريس “إن هناك موقفان في الساحة الدولية الآن، الأول تمثّله الولايات المتحدة والدول الغربية، لا سيما بعد تسليم قيادة الناتو لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الموقف يعبر عن الرغبة في استمرار الأحادية في الموقف الدولي والقرارات الدولية، والموقف الآخر، تعبّر عنه عدد من الدول خاصة تلك التي كانت تقف في منطقة الوسط في الصراع الدولي تاريخيا، حيث بدأت تتململ من سيطرة الأحادية الأمريكية”.

ويضيف إدريس، قائلا إن “روسيا الاتحادية قد سعت مؤخرا في اتجاه حشد أو تحييد عدد من الدول وكسب الكثير منها، وبالتالي التمدّد الروسي دوليا، بجانب التغلغل الصيني في أكثر من إقليم على مستوى العالم سواء على المجال الاقتصادي والعسكري وغيرها من الميادين، ما دفع عددا من الدول الإفريقية ـ من بينها السودان ـ إلى الميل نحو الموقف الروسي ورفض الأحادية التي تسيطر على القرار الدولي”.

ويرى إدريس أن “الصراع الدولي الحالي، قد انعكس أيضا على الحالة الداخلية السودانية، بين مكوّن العسكري يبدو أنه ينحاز نحو الموقف الروسي، ويرفض الانصياع للموقف الغربي بما يمثّله من تهديد وتحذير، وبين بعض القوى السياسية التي لم تحسم أمرها فيما يخص استقلالية القرار السوداني، وتحاول الاستفادة من الصراع الدولي لصالح استحقاقات داخلية”.

وختم إدريس يقول: “لا نعلم كيف سينتهي هذا الصراع الداخلي، المرتبط بمواقف خارجية تجاه أزمة بعيدة تماماً عن جغرافية السودان”، مستطردا، أن تصريحات السفير الأمريكي، والردّ الروسي كلاهما يجدان تفاعل من القوى الداخلية السودانية، ويشكّلان بعدا آخر للأزمة السودانية المستعصية”.

محمود أبو بكر - القاهرة

محمود أبو بكر - القاهرة

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
أقرضت فرنسا القمح.. ستورا يرد على تطاول زمور على الجزائر نقابة شبه الطبي ترفع مقترحاتها حول القانون الأساسي لوزير الصحة حوادث المرور.. 3 قتلى خلال يوم واحد وزير الخارجية يحل بسوريا في زيارة رسمية صحيفة إسبانية تحذف مقالا عن تفاصيل خطيرة كشفها نائب مدير المخابرات المغربية السابق إليكم ما جاء فيه توحيد الرؤى حول القضايا المشتركة محور نقاش بين وزير الاتصال ورئيس غانا مناصفة مع نظيره التونسي.. الوزير الأول يحيي ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف لأول مرة.. حماس تُسلّم 3 أسرى إسرائيليين من وسط قطاع غزة هذه توقعات حالة الطقس لنهار اليوم السبت محامية من أصول جزائرية تحرج وزير الداخلية على المباشر بشأن الحجاب تحذير أممي من اتساع رقعة العنف في الكونغو الديمقراطية ستورا: موقف فرنسا من الصحراء الغربية قد يعمّق التوتر مع الجزائر تصدير 27 ألف طن من المسطحات الحديدية نحو تركيا أول رد من المحكمة الجنائية الدولية على عقوبات ترامب حوادث المرور.. 4 قتلى خلال يوم واحد بلاغ هام للراغبين في أداء مناسك العمرة القضاء الفرنسي يصفع اليمين المتطرف.. ما القصة؟ طقس.. أمطار رعدية غزيرة على هذه الولايات أسعار النفط ترتفع بعد تصريحات ترامب الرئيس تبون يناقش تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع نظيره التشيكي