حظيت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى الجزائر، الثلاثاء، باهتمام دولي كبير ليس لأنها الأولى له إلى بلد عربي منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إنما لدلالاتها ومخرجاتها والظرف الدولي الذي جرت فيه.
واستقبل، مساء الثلاثاء، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والذي يقوم بزيارة للجزائر لمدة يومين، سلمه دعوة رسمية من نظيره فلاديمير بوتين لزيارة روسيا.
شراكة استراتيجية
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري، رمطان لعمامرة، قال لافروف: “نظراً للتطور السريع للعلاقات الودية والوثيقة بين البلدين في جميع المجالات، فقد دعمنا مبادرة أصدقائنا الجزائريين لإعداد وثيقة استراتيجية جديدة بين الدولتين تعكس جودة الشراكة الثنائية”.
وأضاف أنه “طوال هذه السنوات، عملنا بنشاط على تطوير حوار سياسي، وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني، والعلاقات الإنسانية والثقافية التعليمية بما يتفق تمامًا مع المبادئ المنصوص عليها عام 2001 في الإعلان الثنائي حول الشراكة الاستراتيجية”.
واستطرد قائلا: “وقبل كل شئ، يدور الحديث حول مبدأ المساواة في سيادة الدول المثبت من قبل ميثاق الأمم المتحدة، ونحن كما هو الحال مع الجزائر لصالح هذا، ولكن هذا العامل يتم تجاهله من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها”.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنّه ناقش خلال زيارته الجزائر، تطوير التعاون العسكري التقني، معبّراً عن تقديره موقف الأشقاء الجزائريين تجاه العملية العسكرية الروسية في دونباس.
ووقعت الجزائر وروسيا في 2001، اتفاقية شراكة استراتيجية للتعاون في عديد المجالات، على غرار القطاع العسكري والتجاري والطاقة.
ومعلوم أن الاتحاد السوفييتي سابقا كان أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الجزائر بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي في 23 مارس/ آذار 1962، فيما اعترفت الجزائر بروسيا الاتحادية رسميا في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991.
موقف واحد
كما كشف لافروف عن موقف بلاده من وضع أسواق النفط والغاز ومن العقوبات الغربية على بلاده، وكذا عن مستقبل وأهمية علاقات موسكو بالجزائر.
وأكد لافروف أن روسيا “كما الجزائر” “لديهما موقف واحد في إطار منتدى الدول المصدر للغاز الخاص بالوفاء بالاتفاقيات السابقة، وسوف يكون هو الحال في المستقبل”، في إشارة – بحسب متابعين – لأن تُبقي روسيا على إمداداتها النفطية والغازية مع الدول الغربية.
وزير الخارجية الروسي تحدث أيضا عن العقوبات المفروضة على بلاده من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن “تجميد الأصول المالية أمر تعودت عليه روسيا”.
وقال: “مثلما فعلته أمريكا سابقا في أفغانستان، حيث أنهم لا يستعملون هذه الأموال لإعادة بناء أفغانستان المدمر نتيجة لأعمال حلف الناتو خلال 20 سنة الماضية، لكن هذه الأموال موجهة لتحقيق أهداف أخرى”، دون أن يوضح حقيقة هذه الأهداف.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن موسكو “تعمل بجهد لعدم السماح بإقامة عالم أحادي القطب، تماشياً مع الأسس التي تم التشكيل على أساسها منظمة الأمم المتحدة”.
من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي إنه تم مناقشة آخر المستجدات على المستوى العالمي. والمزيد من التنسيق المشترك بينهما على مختلف المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وكذلك منتدى الدول المصدرة للغاز.
وأضاف لافروف أن “هناك 3 مليارات دولار هي حجم التبادل (مع الجزائر)، ولدينا آفاق اوسع من ذلك، وخصوصاً مع اهتمام كبير من الشركات الروسية (في هذا الخصوص)”، مشيراً إلى أنّه ناقش مع الجزائريين ملفات دولية ومواضيع تتعلق بالتنسيق في المحافل الدولية، وإطار “أوبك بلس” والدول المصدرة للغاز.
وأضاف: “نحن مستعدون لتقديم مزيد من المنح إلى الطلاب الجزائريين”.
دلالات الزيارة
يرى متابعون للعلاقات الجزائرية الروسية أن زيارة سيرغي لافروف إلى الجزائر تحمل العديد من الدلالات والأهمية بالنظر إلى قوة ومتانة الروابط، حيث يعمل البلدان على تمتين تمتين العلاقات خاصة في هذا الظرف، بحيث تحتاج الجزائر لمساعدة حليف بالنظر إلى التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها.
ويقول هؤلاء إن الجزائر توجد في وضع مشابه للوضع التي تعيشه روسيا وهو التكالب الخارجي من محيطها القريب، ففيما تحاول أوروبا الغربية بمساندة الولايات المتحدة استنزاف القدرات الروسية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية عن طريق مساعدة الأوكرانيين بالأسلحة وغيرها، وجدت الجزائر نفسها تشبه إلى حد ما الوضع الروسي، وهو هذا التكالب الإقليمي بمساعدة الكيان الصهيوني.
وتحرص الجزائر على إرسال رسالة جديدة إلى العالم، هو أن علاقاتها بروسيا على مستوى عالي من التنسيق والتعاون، والمساس بروسيا يعني المساس بالجزائر والعكس أيضا.
وهنا تؤكد الجزائر على أنها ليست لوحدها، بل هناك حليف قوي يمكن أن يقف معها، كما أن الجزائر صوتت ضد تعليق عضوية روسيا من منظمة حقوق الإنسان الأممية، وامتنعت عن التصويت عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
طموح دولي
وإن كانت زيارة سيرغي لافروف بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للجزائر تعكس التحول في مكانة الجزائر دولياً، فإن للجزائر طموح لتحتل مكانة إقليمية متوسطية ومغاربية أفضل مما كانت عليه، ولكن ما زاد من أهمية الجزائر هي أزمة الطاقة العالمية.
ويقول مراقبون إن الزخم الدبلوماسي الذي شهدته الجزائر منذ بداية الأزمة في أوكرانيا وضع الجزائر بين المطرقة والسندان، والجزائر يمكن أن تكون بديلا، لكنها في الوقت ذاته تحاجج بأن إمكانياتها الطاقة لا تسمح بأن تكون بديلا على المدى القصير، وهي رسالة طمأنة للطرف الروسي.
وقلل هؤلاء من تأثير الاتفاق الغازي الجزائري – الإيطالي الذي قرأته أوساط إعلامية غربية بأنه “ضربة جزائرية لروسيا”، وأكدوا أن الأمر مرتبط باتفاقيات موقعة على المدى المتوسط والطويل، والجزائر لا تملك القدرات لتعويض الإمدادات الروسية.
ويعتبرون أنه يجب الإشارة إلى بحث الجزائر عن شركاء جدد للفترة الحالية، حيث ترد الجزائر حالياً على كل الطلبات الغربية بأن قدراتها الطاقوية محدودة بسبب الاستثمارات المشوهة للغرب في السابق بالجزائر، وبالتالي فإن الجزائر تُحمل الدول الغربية المسؤولية في عدم التقدم بالاستثمار في قطاع النفط الجزائري، والغرب فهموا الآن جيدا أخطائهم.
ويرى المراقبون أنه رغم أن الجزائر أعطت الأولوية للإيطاليين لكن ليس على المدى الحالي، لأن روسيا متأكدة أن الجزائر لا يمكن أن تشكل بديلا في تمويل أوروبا بالغاز، والجزائر ليس لها قدرات لتضخ مزيدا من إمدادات الغاز نحو أوروبا.
ولا يمكن إغفال الارتباطات التاريخية المرتكزة على استراتيجية عميقة تقوم على عاملين هما صادرات السلاح والتعاون الدولي.
العامل الأول الذي يحدد حجم العلاقة بين البلدين يبدأ من كون الجزائر ثالث أكبر زبون للسلاح الروسي بنحو 11 مليار دولار، وهي بذلك من بين أكبر زبائن روسيا.
أما العامل الثاني فهو أن “الجزائر مركز جديد لبعض النفوذ الروسي الجديد في مالي وبوركينافاسو، وروسيا بدأت تخلف الدولة الاستعمارية بالمنطقة وهي فرنسا”.
ما يعكس، أيضا، أهمية زيارة وزير الخارجية الروسي للجزائر هو “دور الجزائر في تمويل أوروبا بالغاز الطبيعي، ومحاولة روسيا الحفاظ على سعر الغاز، لأن القضية مرتبطة بضرورة تنسيق روسيا مع الجزائر في حال خرجت أوروبا من تبعيتها للغاز الروسي أن يتم الحفاظ على السعر المرتفع للغاز.
وفي هذا الصدد، يستبعد خبراء أن يكون هناك خلاف بين الجزائر وروسيا حول ملف إمدادات الغاز نحو أوروبا.