فاجأت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، الجميع بإعلانها الترشح مجددا لعضوية المجلس تحت شعار “ضرورات المصلحة العامة”.
وتملك بيلوسي، التي ترشحت عن ولاية كاليفورنيا وفازت فيها بالنيابة منذ عام 1987، الكثير من الأسباب، التي بإمكانها أن توردها للبقاء في السلطة، كما الكثير منها التي كان يجب أن تدفعها للتنحي.
فبعد تعهدات سابقة وتصريحات عدة صدرت عنها، أوحت بعزمها التقاعد والتخلي عن العمل السياسي في الوقت المناسب، حسمت بيلوسي أمرها، وقرّرت البقاء في واشنطن، سواء كرئيسة لمجلس النواب الأمريكي في دورته المقبلة، التي تبدأ بعد صدور نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس المرتقبة في الخريف المقبل، أو كعميدة الدبلوماسيين في المجلس.
وتريد بيلوسي أن تبقى، مع إعلانها إعادة الترشح، إحدى الوجوه النسائية المعتدلة للحزب، التي تقف سداً منيعاً في وجه الجمهوريين منذ عقود، ولكن أيضاً بوجه جيلٍ من التقدميين، باتوا يطرحون ويضغطون من أجل بدائل في الحزب.
وأعلنت بيلوسي، التي بلغت عامها الـ81، في رسالة بالفيديو، عزمها الترشح لإعادة انتخابها نائبة عن ولاية كاليفورنيا، التي تعتبر معقلاً للنفوذ الديمقراطي منذ القرن الماضي، وتمتلك 53 نائباً في الكونغرس الأمريكي.
وطلبت رئيسة مجلس النواب، التي فازت بهذا المنصب في ولاية رابعة في جانفي/كانون الثاني 2021، من سكّان كاليفورنيا منحها أصواتهم.
وبرّرت رئيسة المجلس، وهي السيدة الأمريكية الأولى التي تسلمت هذا المنصب في تاريخ البلاد، طلبها، بأن “تقدماً كثيراً حصل، لكن هناك الكثير من العمل الذي لا نزال نحتاج إتمامه لتحسين حياة الناس”. وذكّرت بأن “ديمقراطيتنا في خطر، بسبب الهجوم على الحقيقة، والهجوم على مقر الكابيتول، والهجوم على حق التصويت الذي يجري في الولايات”.
ورأت أن الانتخابات النصفية المقبلة “مصيرية”، لأن “ما هو على المحك، ليس أقل من ديمقراطيتنا”. وأضافت: “لكن كما يقولون نحن لا نتململ، نحن نتحرك”.
ولم تفصح بيلوسي عن نواياها حول إعادة ترشحها لرئاسة المجلس، أخذاً بالاعتبار خصوصاً، المعركة الحامية بين الديمقراطيين والجمهوريين، لحفاظ الحزب الأزرق على غالبيته في مجلس النواب من جهة، أو استعادة المحافظين للأكثرية فيه، وهو أمر غالباً ما يفوز به الحزب المعارض لحزب الرئيس في الانتخابات النصفية الأمريكية.
وتعتبر بيلوسي، بحسب إعلانها، أن بقاءها في المجلس، حاسم وضروري، لكي يتمكن الرئيس جو بايدن، من تمرير ما تيّسر له من أجندته الرئاسية، في العامين المتبقيين له بعد الانتخابات النصفية. وشكّلت بيلوسي، الرافعة الأساسية لنجاح بايدن في تمرير خطته الضخمة للبنى التحتية، وكانت قبلها الداعمة الأولى تشريعياً لخطة الرئيس الأسبق باراك أوباما للرعاية الصحية.
ولطالما اعتُبرت هذه النائبة المخضرمة في السياسة الأمريكية، الشوكة الأشد غرزاً في ظهور كل الجمهوريين الذين مرّوا على الكونغرس، منذ حصولها على مقعد في السلطة التشريعية الأمريكية.
وتشير بيلوسي، في إعلانها، بشكل مباشر، إلى استحقاقين أساسيين، لا يزالان عالقين في المجلس، وهما مشروع قانون لحماية حقوق التصويت، والتحقيق الذي تجريه لجنة برلمانية خاصة، عيّنت رئيسة المجلس أعضاءها، للتحقيق في الهجوم على الكونغرس من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، في 6 يناير الماضي، للاعتراض على فوز بايدن بالرئاسة.
ويبدو فوز بيلوسي بمقعد تشريعي للمرة الـ19 عن دائرتها في سان فرانسيسكو، محسوماً، لجهة الشعبية التي تحظى بها في هذه المدينة الليبرالية، والتي تعد عاصمة ولاية كاليفورنيا الثقافية والصناعية والمالية.
فالسيدة المتحدرة من أصول إيطالية، وزوجة المليونير فرانك بيلوسي، تصنف معتدلة على لائحة المرشحين الكثر الدائمين في الولاية، على الرغم من المنافسة المتصاعدة من الجمهوريين، والتي تستغل ثغرات أمنية في الولاية، ومنها ارتفاع عدد الجرائم، لترويج الخطاب المحافظ.
أما بالنسبة للحزب الديمقراطي، فتعد بيلوسي، بالإضافة إلى كونها رأس حربة في وجه الجمهوريين، ومتمرّسة في البراغماتية السياسية التي يحتاجها الجناح الوسطي في الحزب، أحد أبرز وجوهه في القدرة على جمع التمويل لحملات الحزب الديمقراطي، وهي ميزة أساسية لمؤتمرات الحزب وتجمعاته.
وكانت بيلوسي قد تعهدت في عام 2016، بترك العمل السياسي إذا ما فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة في ذلك العام. لكن وصول ترامب إلى السلطة، جعلها تتراجع عن ذلك التعهد، الذي كان يدور في الأوساط المقربة منها.
وفي مقابلة لها بعد فوز ترامب، مع شبكة “بي بي أس”، قالت بيلوسي، لمقدمة البرامج جودي وودروف، لدى وصفها أعلى سيدات أميركا بالمراتب السياسية، إنها “تنتظر اللحظة للتخلي عن هذا اللقب”.
وكانت بيلوسي قد فازت برئاسة المجلس في يناير الماضي، بهامش ضيّق، وصل إلى 219 صوتاً، مقابل 209 أصوات، لزعيم الأقلية الجمهوري كيفن ماكارتي. وتعد بيلوسي، ليس فقط أول سيدة تصل إلى رئاسة البرلمان الأمريكي، بل أول من يعاد انتخابه رئيساً للمجلس (2019)، بعد فترة انقطاع عن هذا المنصب، وذلك منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتعرف بيلوسي، جيداً، إدارة أهم عنصر للقوة لديها، وهو مواجهة الجمهوريين، بعدما وضعت نفسها في تماس مباشر خلال السنوات الماضية، مع ترامب، جعلها تدير حملات عزله، ووصل إلى حدّ تبادل الإهانات والتحقير العلني.
وكانت بيلوسي قد أشارت إلى ترامب العام الماضي، بقولها إن “هذا الذي نسيت اسمه”، سيخسر حتماً إذا ما ترشح للرئاسة في عام 2024. كما اشتهرت بتمزيقها خطابه لحال الاتحاد في الكونغرس، عام 2020، وهو ما قالت إنها شعرت بـ”التحرر من بعده”، فيما وصفها الرئيس السابق بالمجنونة.