دون مقدّمات ولا سابق إنذار، فوجئ الملايين من كائنات العالم الافتراضي على منصة “ميتا” للتواصل الاجتماعي، بطرد جماعي من عالم مارك زوكربيرغ ، حيث أعلنت شركة “ميتا” المالكة لمواقع الفايسبوك والإنستغرام والمسانجر عن عطل أصاب غرفة “الخادم”، مما أدى إلى فقدان سكان العالم الافتراضي لإمكانية التحكّم في حساباتهم، وبعيدا عن كون الأمر يتعلّق بعطل تقني، كما برّرت الشركة المالكة ذلك، أو أنّ في الأمر “إنّ” وأخواتها وأبناء خالتها، إلا أنّ الراسخ والناتج عما حدث من اختلال في مساحة “ميتا” لساعة واحدة من العطل، كانت كافية لأن تنشر الرعب والخوف في وسط الملايين من البشر على مختلف جغرافياتهم وأعراقهم ومعتقداتهم.
فالمواقع الافتراضية التي أُنشئت على أساس أنها خدمة تواصل اجتماعي مجانية وسهلة الاستخدام، أظهرت ساعة من زمن انقطاعها، أنّها شرايين حياة وموت كذلك، ولعلّ المتتبع لردة فعل ملايين البشر بعد حادثة “النفي” الجماعي للمستخدمين من خلال إخراجهم على حين غرة من أيّ تحكم في حساباتهم، كشفت ليس الرعب من فقدان خاصية التواصل، ولكنه الخوف مما قد ينجم من زلازل اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتّى إنسانية، إذا ما كان الأمر متعلّقا بعملية “قرصنة”، حيث “مارك زوكربيرغ” من خلال ذلك العطل العفوي أو “المدروس” والمخطّط له، أبلغ العالم، الذي ابتلع سلعته “المجانية” لسنوات من التنويم والتأطير الممنهج للعقل الجمعي، أنّه هو “العالم”، وأنّ ما كان تأسيسا لعالم افتراضي، أضحى هو العالم الحقيقي الذي يمتلك، ليس فقط أدوات تسييره ولكن “شلّه” والتحكّم فيه، فتى أمريكيا، يُدعى “مارك”، اعترف بنفسه عام 2019، في لقاء تلفزيوني حول شخصيته التي تظهره أقرب لإنسان ألي أو “روبو” عاجز على التعبير عن نفسه بمجرد خروجه عن “النص”، أنه لا يملك قدرات التواصل، وأنّ لديه مشكلة في الاحتكاك بالعالم الخارجي، ولنا أن نتصوّر أنّ مؤسّس أكبر منصة للتواصل الاجتماعي، هو أكبر عاجز على التواصل مع كائن من كان، وفوق ذلك، يعلنها صراحة، أنّ رأي الآخرين لا يهمه ما دام هو سيد غرفة “الخادم”، وما تعني تلك الغرفة المظلمة من تحكّم في أسرار الجميع وذلك بعد أن أصبحت كل المجتمعات العالمية، هي شعب مارك مهما كان مواقع تلك المجتمعات وجغرافيتها وعقيدتها الدينية..
يقولون في نظرية السلع المحروقة، أنه “عندما لا تدفع ثمن سلعة ما، فاعلم أنك أنت السلعة”، وللأسف هذا هو حال مواقع التواصل الاجتماعي المجانية، التي خرجت من كونها خدمة اجتماعية تواصلية، إلى “طوق” يشدّ أعناق المجتمعات العالمية، ويسيّرها ويتحكّم، ليس فقط في يومياتها ولكن في أسرارها عبر غرفة “خادم” رئيسي لا أحد يعلم موقعها ولا من يمتلكها أو يسيّر مخزونها المعلوماتي، ناهيك عمن يطوّر ويموّل استمراريتها ودوامها، لتصبح تلك الغرفة، هي عقل “العالم”، فيما المجتمعات الغربية والعربية، مجرّد قطعان بشرية في مزرعة إلكترونية، تحفظ كما تؤطّر وترتّب مشهد العالم على مقاس غرفة “الخادم” الأعظم والرئيسي، والسؤال المعلّق، هل منصة مارك، كانت عبقرية فتى من عائلة “يهودية” مختص في البرمجة، استطاع عبر خيط أو “كابل” أنترنت، أن يأسر العالم ويتحكّم في بشره، أم أنّ الأمر يتعلّق بغرفة “خادم”، استطاعت عن طريق “الفتى” اليهودي، أن تخترق العالم بشكل عام والمجتمعات العربية بشكل خاص و”مركّز” ومخطّط له، لتعلّب الجميع، فكريا واجتماعيا وثقافيا ودينيا، على مقاس إستراتيجية “الخادم” المجهول، الذي كان يكفي عطل ساعة واحدة في حواسيبه، حتى يصرخ العالم من الغرب إلى الشرق مرتعبا: من أخذ حسابي؟ والسؤال الأعمق، ماذا لو فعلها سَدنة “غرفة” الخادم، ورموا بكل ما تحوي منصات الغرف لمسانجر والإنستغرام والواتساب، الخلفية إلى العلن؟ أليس في الأمر نهاية العالم؟ أليست كل أسرار البشر من علاقات سرية وسريرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، مجرد شريحة إلكترونية في غرفة خادم مجهول، يُخزّن المعلومات التي تبرّع بها أصحابها طواعية حين تناسوا أنّهم هم “البضاعة” في لعبة السلعة المحروقة، التي تعني، أنّه إذا لم يكن هنالك مقابل لبضاعة ما، فلتعلم أنك البضاعة المُسوّقة والسلعة المعروضة وراء غرفة خادم وستار؟؟
الحقيقة في ساعة “الحقيقة” أو ساعة الرعب التي شدّ بها الفتى “مارك” أنفاس العالمين، أنّ رسالة “العطل” أكبر من ساعة “العطل” التي حدثت، ولكنها صفعة و”قرصة” أذن، من غُرفة “خادم” افتراضي، إلى إنسان العالم، ليرسّخ فيه، أنّ القادم من مشروع ومخطّط وبرنامج “الذكاء” الاصطناعي، قد تشكّل ولم يبق إلا ساعة الإعلان عن سيطرته على كل مقاليد العالم ومصير البشر، والدليل أنّ ردة الفعل على فقدان الملايين لحساباتهم، كان مردّه “الخوف” والرعب، ليس مما هو ظاهر على جدران صفحاتهم من نشاطات يراها أو يتفاعل معها الجميع، ولكن مما هو موجود داخل جدران الغرف المظلمة ووراء ستائر المسانجر والواتساب والإنستغرام من لحظات ضعف نفسية أو من مخططات ومعلومات خاصة، فالقضية الأم، غرفة “خادم” ترى وتسمع وتحفظ كل ما مرّ في الغرف الخلفية لتلك المنصات من فضائح قد تتحوّل إلى “فظائع” لن تستثني أحدا من لعنتها، وكلّ ذلك إذا ما قرّر “الذكاء” الاصطناعي الاستثمار في الغباء “البشري”، الذي وقع في لعبة “السلعة المحروقة”، فأضحى هو السلعة والبضاعة المتسوّق بها في واقع افتراضي، أصبح هو الواقع ولا واقع أو “وقعٍ” سواه..
لكي تعلم ما جرى وما حدث لك من اختراق يتجاوز كل لعبة افتراضية، يكفي أن تفهم، أنّ تلك المنصات الذي رسّخوا فيك، أنّها مجرّد أداة تواصل مجانية، تستطيع من خلالها أن تعيش العالم كلّه صوتا وصورة عبر “كابل” أنترنت، كانت أولا تلاعب بكل المفاهيم الراسخة والتي وصلت حدّ تقبّلك مثلا للشذوذ الجنسي وزواج المثليين كطبيعة بشرية، لينتهي الحال بك وعبر نفس الأداة، أنّ تم تهجين وإنتاج أجيال من المجتمعات التي أصبحت في عالمنا العربي، تسمّي خراب أوطانها “ثورة”، كما تعتبر تمرّدها على قيم مجتمعاتها وثوابت وتاريخ وعقيدة أمتها، “حرية رأي وفكر”، ولنا أن نتصوّر، أنّ ما كان مجرّد وسيلة تواصل، تحوّل إلى مصانع “عجن”، استهدفت الإنسان ذاته، لتروّضه عقليا عبر شريحة إلكترونية، هي “سجن” العالم اليوم، فيما السجان غرفة خادم، كانت بالأمس القريب، البابا الأعظم في الكنسية أو الحاخام المقدّس في المعبد، واللذين تقدّم على ناصيتهما قرابين الولاء والطاعة، فإذا بهما اليوم، “كابل” إلكتروني تمّ مَدُّه تحت الأرض ليتحكّم في كلّ ما فوقه، عبر غرفة خادم مظلمة، هي الآن بمثابة “الرب” الذي بيده “كتاب” يحمله الجميع بيسره، فيما لا كتاب بيمين عالم تمّ سوق قطعانه نعاجا إلى مستنقعات وحظائر الرعي العام، وكل ذلك في انتظار يوم الحساب أو ساعة الزلزال التي ظهرت مؤشرات حدوثها في ساعة “العطل، والتي تجلّت حين تمّ فيها إخراج ملايين البشر من قدرتهم على التحكّم في حساباتهم الافتراضية، فكانت النتيجة رعبا عالميا، من الخوف ليس على الحساب ولكن من ساعة الحساب.
سؤال خارج النص: ما علاقة غزّة بعطل مارك؟
كل الذي سبق من معطيات وتحليل وقراءة لطبيعة وأهداف منصة “مارك” وما أحدثته من شرخ في البنية الطبيعية لإنسان العالم منذ نشأتها شيء، وحدث من عطل في “غرفة” الخادم الرئيسي، وذلك بالتزامن مع ما يجري في ساحة غزة، شيء آخر.. شيء قد يدفع البعض إلى التساؤل البريء، ما العلاقة بين الحدثين، فمنطقيا، ليست غزة من قصفت غرفة “مارك” العظمى فعطّلت حسابات البشر؟ لكن الحقيقة، أنّ ذلك الشيء من ذاك، وأنه لا يمكن فصل الحدثين عن بعض، كما لا يمكن إخراج عطل مشروع “مارك” لساعة من الزمن عن سياق ما جرى من تحوّلات عالمية بسبب محرقة غزة وما تداعى فيها من معطيات بشرية وغربية بالذات، وذلك بعد أن تمكّنت غزة من تجاوز لعبة “غرفة” الخادم في توجيه العالم، لتصبح هي البوصلة والغرفة “الموجّهة” للأحداث، التي أزاحت الغشاوة عن أعين الجميع..
الحقيقة أنّ منصات التواصل الاجتماعي وبالذات منصات شركة “ميتا”، اختارت ضفّتها من اليوم الأول لملحمة طوفان الأقصى مع الكيان الصهيوني، وذلك من منطلق أنّ مارك يهودي بن يهودية، وأنّ تموقع منصاته الاجتماعية كان تحصيل حاصل لمشروع معولم رأس حربته سيطرة وتحكّم غرفة “الخادم” في كلّ ما ينشر على المنصات الاجتماعية وذلك وفق الرؤية الصهيونية، لكن مع صمود غزة وثباتها، ومع حجم الإجرام الصهيوني، فإنّ السحر انقلب على ساحره، والصدمة التي قصمت ظهر وجدران منصات مارك، أنّ ما “عجنته” غرفة الخادم على مدار سنوات من التأطير والتخدير والقولبة للرأي العام الدولي لصالح “إسرائيل”، انقلب على “عاجنه”، ليتحوّل الفايسبوك إلى منصة لغزة وليست لمارك ومشاريع غرفة “خادمه”، فرغم محاولات التضييق وإستراتيجية الحذف والحظر والمصادرة وإلغاء الصفحات، في سياسة قمع إلكتروني لكلّ من لا يساير الصهيونية، إلا أنّ تحرّر العقل الجماعي والغربي منه بالذات، من سيطرة منصات التواصل الاجتماعية وتوجيهها وقولبتها للأحداث، نقل الرعب إلى منصة مارك بعد أ، ارتدّ سلاحه عليه، وأصبحت غزة، هي الغرفة التي تسيّر غرفة الخادم الأكبر، وذلك من خلال تعاطف مجتمعي، ظهرت أثاره وشواهده في شوارع العواصم العالمية الكبرى، والنتيجة، أنّ ما كان سجنا افتراضيا لإنسان العالم، أصبح منبرا لغزة فيما أبطال المنبر هي المجتمعات الدولية، المتحرّرة من سيطرة المنصات الاجتماعية على عقلها الجمعي، لذلك فإنّ ساعة “العطل” التي أصابت غرفة الخادم، لا يمكن إخراجها عن سياق ما يجري في غزة، وقد تكون نوعا من أنواع الابتزاز الذي يعني التهديد بعقاب جماعي قد يطال المجتمع العالمي كله، سواء من خلال نشر الغرفة “الأم” لكل ما يحدث في غرف “الفايسبوك” الخليفة، بحجّة خلل تقني أدى إلى عدم التحكّم في الحسابات، كما قد يكون وعيدا مباشرا بحرمان سكان العالم من خدمات التواصل المجانية، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من “تمرّد” مجتمعي على “إسرائيل”، وما يعني ذلك من تكلفة إنسانية وسط المجتمعات التي أصبحت وسائل التواصل جزءا من يومياتها، والمهم، في القراءة الخلفية لما يجري من تحوّلات، أنّ المعلم والمحور الذي تدور حوله الأحداث العالمية برمتها، لمرحلة ما بعد طوفان الأقصى، ليس إلا غزة وما غيره صمودها وتضحيات أهلها، من مفاهيم وتوازنات وحتى مشاريع وإستراتيجيات معولمة، استهلكت سنوات ضوئية من التخطيط والتمويل والقولبة، فإذا بغزة، تعيد خلط كل الحسابات، وأهم ما فعلته أنّها أخرجت المجتمعات العالمية من جدران مارك إلى واقع أنقاضها وما كتبه الأطفال والنساء والشيوخ بدمائهم من إجرام صهيوني ومؤامرة عالمية على جدران بيوت غزة التي ألغت كلّ ما عداها من جدران افتراضية.
وخاتمة القول في هكذا مقال، جدران غزة، حرّرت العالم من جدران مارك، والقادم من غرفة “الخادم”، قد يكون الزلزال الذي يتجاوز تعطيل الحسابات إلى كشف الحساب وما يعني ذلك من انهيار مجتمعي عالمي لن يستثن من لعنته أحدا، فمارك بن اليهودية ومن خلاله “إسرائيل”، خسرا معركة القولبة الذهنية للمجتمعات العالمية لصالح الصهيونية، ومن يخسر كل شيء، توقّع منه أيّ شيء.