تفاصيل الحقيقة المرة.. هكذا خدع حكّام المغرب شعبهم باستقلال مزيف عام 1956

من خلال تصفّحي وتتبّعي لبعض الأحداث التاريخية التي مرّت على شعوبنا في شمال وغرب إفريقيا، والإخراج الذي نالت به استقلالها، فتونس عبر الحزب الدستوري مُنِحت استقلالها سنة 1956، وأمّا المغرب الأقصى فقد مُنح استقلالاً مشبوهًا في السنة نفسها حسب اتفاقيات “سان كلو”، أو “إيكس ليبان” المُوقّعة في أوت 1955.

لا أريد أن أمرّ إلى التحليل قبل أن أُعرّج إلى أنّ الشعب الجزائري انتزع استقلاله بعد أن أخرج بتضحيات رجاله ونسائه الاستعمار الفرنسي صاغرًا، رغم دعم الحلف الأطلسي للقوة الاستعمارية الفرنسية.

لا يمكن نكران أنّ أبناء المغرب الأقصى قد امتشقوا البنادق في وجه الاستعمار الفرنسي لبلادهم، إلا أنه غُدِر بهم وبكفاحهم تحت يافطة “الاستقلال” بقيادة “محمد الخامس”- الاستقلال التّرابطي مع فرنسا – الذي قال عنه المؤرخ والأكاديمي المغربي الدكتور “محمد البطيوي” أنّ قوم “بلاد سوس” جنوب المغرب الأقصى كانوا يطلقون عليه “إكَلّيب نفرانسيس” الذي أعادته سيّدته فرنسا إلى الحكم بالضمانات المعروفة في اتفاقية “إيكس ليبان”، طبقًا لما تعاهد عليه أسلافه في حمايته وحماية أخلافِهم من تلك السُّلالة، في معاهدة الحماية سنة 1912..

وقد نجحت الهالة الدعائية والإعلامية المرفقة بالدّسائس الداخلية أن تغرس في قلوب المغربيين البسطاء بأنّ البلد نال استقلاله سنة 1956، وما زال يحتفل بهذا إلى اليوم.

لننظر الآن إلى ما صدر عن المجاهدين والوطنيين المناضلين المغربيين حول اتفاقية “إيكس ليبان”، فهذا “محمد بن عبد الكريم الخطابي”، المقاوم الغني عن التعريف، وجّه رسالة تحت عنوان: “بطل الريف يحذّر المتخاذلين ويدعو الشعب لمتابعة النضال”، في 7 جانفي1956، نشرتها صحيفة “كفاح المغرب العربي”، وتناولتها كبريات الصحف العربية والعالمية حينها،وجاء فيها: “اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس.. فأبرزت اتفاقية إكس ليبان إلى حيّز العمل والتنفيذ، وأخذت تُناور وتُدلّس وتُغري الشعب المغربي بالكلام المعسول.. وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح، بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء، والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح وتسليمه لهذه الجماعة الرِّباطية الجالسة على عروشها حين يتفرّغ الأعداء للقضاء على الجزائر. فحذار من السقوط في الفخ المنصوب، وإننا على يقين من أنّ الشعب المغربي سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يُخرج من بلاد المغرب بل من شمال إفريقيا كلها آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين”.

وأعتبَر “الخطابي” أنّ مباحثات “إيكس ليبان” أجهضَت الثورة التحريرية المغربية وهي في طور المخاض، قال “الخطابي”: “ولهذا أظل دائمًا ناقمًا على أولئك الذين أجهضوا هذه الثورة، وقد كان الفرنسيون في أشد حاجة للراحة للتفرغ للجزائر الشقيقة، فلو صمدوا وتركوا الثورة قائمة لجلى الفرنسيون عن إفريقيا كافة، ولَما تمكّنوا من إطلاق أيديهم على الإخوة في الجزائر”.

هذه التصريحات أوردها أيضًا الكاتب التونسي “الطاهر عبد الله” في كتابه “الحركة الوطنية التونسية” – مطبعة الجماهير، بيروت، سنة 1967، (صفحة 138) – كما أوردتها مجلة “الأمل” المغربية في العدد 2 الصادر عام 2011. أمّا المفكر المغربي “المهدي المنجرة”، فوصف معاهدة “إيكس ليبان” بأنها أكبر خيانة للمغرب العربي.

فإذا ما فرضنا أنّ المغرب الأقصى نال استقلاله التّبعي الممنوح بالتّراضي من الحماية الفرنسة بقيادة: سلطان المغرب “محمد بن يوسف” وريث أسلافه (الحماية 1912)، ورئيس أول حكومة قادها العقيد “مبارك بكاي” سليل القوات الفرنسية وأحد ضباطها والحاصل على العديد من النياشين من الجيش الفرنسي.. إذا ما فرضنا ذلك، فهل سمعتهم يوما أن حكومةً لشعب ثائرٍ انتزع استقلاله بتضحياته الجسام تحالفَ مع مُستعمر الأمس؟

وانظروا إلى “فيتنام” عقب حرب الهند الصينية وحرب الاجتياح الأمريكي بعدها، وريثة الاستعمار الفرنسي. وانظروا إلى المستعمرات البرتغالية في إفريقيا بعد استقلال شعوبها، هل قادة جيوشها الناشئة كانوا عاملين في صفوف الجيش الاستعماري؟ هل تحالفت تلك الحكومات مع جيش مُستعمر الأمس؟ وها هي الجزائر، ما زالت غُصّة في حلق كل القوى الاستعمارية في العالم إلى اليوم..

لنترك هذا جانبًا،إنّ حُكّام المغرب الأقصى يتفاخرون اليوم بأنهم طردوا الاستعمار بما أطلقوا عليه “ثورة الملك والشعب”، وأدمجوا مجاهدي جيش التحرير المغربي في جيشهم (وريث الجيش الفرنسي)، ولذرّ الرماد في العيون اختلقوا ما أسموه “المندوبية السامية لقدماء المقاومة وأعضاء جيش التحرير”، فيظن الجَهلة والمتواطئون أنّ النظام المغربي القائم غير مُفرِّط في الذين ضحّوا من أجل إزاحة الاستعمار عن كاهل الشعب المغربي، هكذا انطلت الحيلة على أغلبهم، وقد صدق “محمد بن عبد الكريم الخطابي” في وصفه سابقِ الذِّكر.

تُرى هل كان حُكّام المغرب الأقصى بعد “الاستقلال” أوفياء لأولئك الرجال الذين سجَّل التاريخ أعمالهم بحروف من ذهب؟

لنرى مدى ذلك الوفاء في أمثلة من بينها: المجاهد المغربي “موحا أوحمو أحمد الزياني” الذي قاوم فرنسا في جبال الأطلس الصغير حتى سقط شهيدا يوم 27 مارس 1921 – بعد 9 سنوات من “معاهدة الحماية” – هل أطلقَت حكومة الحماية الجديدة، عفوًا “الاستقلال”، اسمه على جامعةٍ أو خلَّدته حتى باسم قرية من قُرى الأطلس الصغير المجاهدة، عرين مقاومته؟

أُنظر إلى الفيتناميين حين أسّسوا مدينة بأكملها على اسم أحد قادتهم العظماء: “هو تشي منه”، تخليدا لمقاومته.

أُنظر إلى جنوب إفريقيا كيف خلّدت اسم القائد الأسطورة”نيلسون مانديلا”ورفيقه”أوليفير طامبو”.

أنظر إلى البلدان المستقلة من الاستعمار البرتغالي في إفريقيا، فذاك قائد “فريليمو ماندلان”، و”سامورا مارشیله”، و”أوغيستينو نيتو”، و”آميكال كابران”… وتلك الجزائر، خلّدت رجالها الشهداء وحتى المجاهدين بإطلاق أسمائهم على مدن: (علي منجلي، باجي مختار..)، وعلى عشرات الجامعات والشوارع الرئيسية في كُبرى المدن…

فبماذا خلّد حُكّام المغرب الأقصى – حلفاء الاستعمار وورثته – أولئك الرجال الذين أسّسوا النواة الأولى لجيش التحرير المغربي؟أمثال: “محمد بن حمو بن محمد الكاملي” الذي كان ضد معاهدة “إيكس ليبان” وحُكم عليه بالإعدام – نيابة عن فرنسا – بعد “الاستقلال”، و”محمد بن سعيد آيت إيدن”، الذي حُكم عليه هو الآخر بالإعدام بعد “الاستقلال”، و”عباس المسعدي” من كبار المقاومين اُغتيل سنة 1969 في “مكناس”، و”إدريس بوبكر” الذي حُكم عليه هو الآخر بالإعدام بعد “الاستقلال”، و”المهدي بن بركة” الذي حُكم عليه بالإعدام غيابيًّا، بل اُغتيل سنة 1965.

ولا بدّ من التذكير بأنّ المجاهد “محمد عبد الكريم الخطابي” قد لجأ إلى مصر، وهو يُعدّ مرجعًا لحرب العصابات، والغريب أنه قد استُقبِل من طرف “محمد بن يوسف” إبّان زيارته لمصر، وقد توفي هذا المجاهد في منفاه يوم 6 فيفري 1963. فهل استطاعت سلطات الاستقلال التّبعي لفرنسا لنقل رفاته إلى المغرب الأقصى ليُدفن في مقابر منطقة الريف، كما فعلت السلطات الجزائرية في نقل رُفاة “الأمير عبد القادر الجزائري” إلى مقبرة الشهداء بالعالية في العاصمة الجزائرية؟

اللائحة طويلة، إلا أنّ السؤال يبقى مطروحًا: هل من المنطق أن يُقاوم شعبٌ الاستعمارَ ويفتح بعد استقلاله ذراعَيه لمستعمره، بل يتحوّل إلى حليف استراتيجي للقوى الاستعمارية، والشعب المقاوم لم يحرك ساكنًا! قال الحق سبحانه وتعالى: “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”..ولله في خلقه شؤون.

محمد الأمين أحمد - سياسي صحراوي، من مؤسسي جبهة البوليساريو وأول رئيس للحكومة الصحراوية التي تشكّلت في المنفى في العام 1976

محمد الأمين أحمد - سياسي صحراوي، من مؤسسي جبهة البوليساريو وأول رئيس للحكومة الصحراوية التي تشكّلت في المنفى في العام 1976

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
انطلاق أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة الـ7 بمشاركة الجزائر دراسات طبية تحذر.. لماذا لا ينصح بتكرار غلي الماء؟ حج 2025.. انطلاق التسجيلات عبر الموقع الالكتروني والبلديات رسميا.. عون يطلق الصيغة الجديدة لـ “فيات دوبلو” بمصنع وهران إنهاء مهام رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الجائزة الكبرى شانطال بييا 2024.. الجزائري إسلام منصوري يفوز بالمرحلة الثالثة المبعوث الأممي دي ميستورا يصل إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين غلق مؤقت للطريق السريع شرق اتجاه الجزائر الدار البيضاء منح تراخيص لـ 67 ألف مستثمرة فلاحية منذ 2020 إدراج 3 أسماء لأوّل مرة.. بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين المعنيين بمواجهتي الطوغو لبنان.. الطيران الصهيوني يشن 17 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت النفط يواصل حصد المكاسب للجلسة الثالثة على التوالي أمطار رعدية غزيرة على 21 ولاية في اليوم الـ363 من العدوان.. شهداء وجرحى في قصف الاحتلال على عدة مناطق في قطاع غزة للتستّر على خسائرها.. "إسرائيل" تمارس خدعة "إخفاء الجثث بالجثث" نائب الرئيس في مواجهة البرلمان.. الأزمة السياسية في كينيا تقترب من الانفجار عمار بن جامع يسأل: لماذا يخشى المغرب الاستفتاء على تقرير مصير الشعب الصحراوي؟ أحد أبرز المرشّحين لقيادة حزب الله.. من هو نعيم قاسم الذي بشّر اللبنانيين بالنصر؟ رسميا.. تنصيب اللجنة الوطنية لمراجعة قانوني البلدية والولاية وسط مخاوف من اتساع رقعة الصراع.. إيران تعلن انتهاء هجماتها الصاروخية ضد الصهاينة