عاد اسم المملكة الأردنية إلى الساحة الدولية بشكل لافت مؤخرا، وأضحت تحظى باهتمام خليجي يثير الريبة مع ما تخفيه الصراعات الداخلية بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، حتى وإن بدا على مواقفهم الانسجام في عديد الملفات و”الخطايا” على غرار التطبيع مع الكيان ومباركة الاحتلال المغربي للصحراء الغربية والعدوان على اليمن.
وفي دورته الـ 32 المنعقدة في كانون الأول/ديسمبر 2011؛ وافق المجلس الأعلى لدول الخليج على “دراسة مجالات التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون، وكل من الأردن والمغرب، وشكّل عددا من لجان التعاون المتخصصة في هذا الشأن وصولا إلى الشراكة المنشودة” وفق البيان الختامي الصادر آنذاك.
ودرجت البيانات الختامية الصادرة عن الاجتماعات الدورية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، على تأكيد أهمية الشراكة الاستراتيجية بين المجلس والأردن، وكان آخرها البيان الصادر الثلاثاء 14 كانون الأول/ديسمبر، عن الدورة 42 للمجلس، التي أقيمت في الرياض.
خمسة أيام بعدها ( يوم الأحد 19 كانون الثاني/ ديسمبر الجاري) تم الإعلان بمدينة العقبة الأردنية عن خمس اتفاقيات تم توقيعها بين شركة “تطوير العقبة” الأردنية ومجموعة “موانئ أبو ظبي” ومذكرات تفاهم تنص على قيام المجموعة بالمساهمة في تطوير قطاعات السياحة والنقل والبنى التحتية للخدمات اللوجستية و والقطاع الرَّقمي في مدينة العقبة.
وحسب المسؤولين في الأردن والإمارات رؤساء الاستثمار (حسين الصفدي، محمد جمعة الشامسي) فإن هذه الشراكة الاستراتيجيَّة ستسهم في توفير العديد من الفرص الاستثماريَّة، بما ينعكس إيجاباً في توفير فرص العمل، بالإضافة إلى توسعة المرافق البحريَّة والجويَّة والبريَّة المتاحة للمسافرين والشركات، وتحديثها بما يرسِّخ مكانة العقبة كوجهة سياحيَّة وتجاريَّة، ويعزِّز دورها كمركز إقليمي مميَّز في مجالات التبادل التجاري والأعمال اللوجستيَّة، وحركتيّ المِلاحة البحريَّة والجويَّة.
غير أن مراقبين يربطون هذه الاتفاقيات بتجاذبات سعودية إماراتية ، ستعلق مصالح الأردن وسطها، وحذروا بأن الترتيبات الجديدة لميناء الأردن الوحيد وبدون أي تنسيق مع السعودية سيعني تعزيز الخلافات وقد يؤدي إلى صراعات وتنافسات إضافية مستقبلا.
وترى السعودية في مشروع سكة الحديد الإماراتي الذي بدأت أوراق عطاءاته تبرز في عمان يؤثر بشدة على الطموحات الاستثمارية السعودية في شواطئ البحر الأحمر، كما أن اتفاقية الماء والكهرباء التي وقعها الأردن مع الإمارات والكيان الصهيوني تقوض مبادرة الشرق الأوسط الأخضر السعودية التي أطلقها مؤخرا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وتحاول السعودية أخذ زمام المبادرة في المنطقة، فيما يتعلق بمواجهة أزمة التغير المناخي، وتحديات التحول في الطاقة، والفرص الاستثمارية الجديدة في الاقتصاد الأخضر، لتجد نفسها تغرد خارج السرب بعدما سارعت الامارات إلى التعاقد مع حليفها القديم -الجديد ” إسرائيل” الذي لا تربطه علاقات رسمية مع السعودية أو هكذا يُعلن.
وتقضي الاتفاقية بإنتاج الأردن 600 ميغاوات من الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية وتصديرها إلى الاحتلال، مقابل أن يزود الاحتلال الأردن الذي يعاني من ندرة المياه بنحو 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
يذكر أن الاتفاقية جاءت نتيجة محادثات سرية بين الحكومات الثلاث (الإماراتية والأردنية والإسرائيلية) في أعقاب توقيع الاتفاق الرسمي لتطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل” المعروف بـ “اتفاقية أبراهام”، وتكثفت المداولات حول المشروع في أيلول/ سبتمبر الماضي ونضجت إلى مسودة اتفاق في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي غضون ذلك، يرى سياسيون وخبراء أن التقارب الإماراتي الأردني يهدف إلى خلق بيئة تطبيعيه في الأردن من خلال الاستثمارات وفي أضيق الحدود عن طريق زج شركات “إسرائيلية” في هذه الجوانب.
وهنا حصريا يعتقد بأن بروتوكولات الموانئ في العقبة برعاية مؤسسة موانئ أبو ظبي قد تشهد لاحقا ظهور شركاء (صهاينة) في خطوط الملاحة على البحر الأحمر.
ووفقا لشروحات رئيس سلطة العقبة الجنرال المهندس نايف البخيت فإن موانئ أبوظبي بموجب اتفاقية التطوير الرقمي، ستسيطر بعد الآن إلكترونيا على كل صغيرة وكبيرة داخل حدود سلطة إقليم العقبة وهنا سيبقى التساؤل مطروحا بشأن مصدر التكنولوجيا التي ستعتمد عليها موانئ دبي في إدارة ميناء العقبة؟
وأجمع العديد من المحللين أن خطوة الانفتاح المباشر والعلني هو تقديم تنازلات كثيرة قد لا تكون مقتصرة فقط على هذه الخطوة، بل خطوات أخرى متتالية وبالمجان تسعى من خلالها تنفيذ برامج استثمارية لكي تنجح مشاريعها الممولة “اسرائيلياً” على حد قولهم وبالشراكة مع الاستثمارات الإماراتية ضمن معطيات المرحلة الإبراهيمية.
ويقول الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، الأردني سعيد ذياب إن هذا المشهد ليس ببعيد عن المشاريع الإسرائيلية التي تحدث عنها رئيس دولة الاحتلال الأسبق شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، والتي “هدفها إقحام “إسرائيل” في تبادلات تجارية وسياسية في المنطقة، وهو ما تتم ترجمته على أرض الواقع، ولو ببطء”.
وتابع في تصريحات إعلامية “إنه لا يتوقع أن تترجم دول الخليج تصريحاتها إزاء الأردن من خلال مشاريع واستثمارات في البلاد، إلا إذا كانت “إسرائيل” طرفا فيها، “فالهدف ليس هو دعم الأردن بذاته، بقدر ما هو توفير الفرصة لمشاريع أردنية خليجية مشتركة مع الكيان الصهيوني، على غرار اتفاق النوايا الأخير”.
ويوجد تخوّف في ظل هذا التعاون على مستوى البلدين من أن تكون هناك أنشطة منظمة لاستلاب المزيد من الثروات الاردنية خاصة و أن الإمارات على مدى العقدين الماضيين توسعت بشكل ملحوظ داخل العديد من الدول، وفي مشروعات إدارة الموانئ والزراعة وقطاع الاتصالات خصوصا.