تقلبات السوق النفطية.. هل تنهي استقرار احتياطي الجزائر؟

يشدد البروفيسور مراد كواشي، الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي، على أن استقرار احتياطي الصرف الأجنبي في الجزائر يعد عاملًا أساسيًا لحماية الاقتصاد الوطني من الأزمات العالمية، مشيرا إلى أن الاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز يشكل مخاطرة كبيرة.

وأوضح كواشي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الجزائر بحاجة إلى استراتيجية واضحة لتطوير قطاعات إنتاجية متنوعة تسهم في تعزيز الاحتياطي وضمان استدامته، مشددًا على أهمية ترشيد الاستيراد واستثمار الفائض المالي الحالي بشكل مدروس لخلق اقتصاد قوي قادر على مواجهة التحديات.

وأكد البروفيسور مراد كواشي، أن اعتماد الجزائر على عائدات النفط والغاز يشكل مخاطرة كبيرة لاستقرار احتياطي الصرف الأجنبي. وأوضح أن السوق النفطية، بطبيعتها المتقلبة وغير المضمونة، تُعرض الدول المعتمدة عليها إلى أزمات مفاجئة، مشيرًا إلى أن التجارب السابقة أثبتت ذلك بوضوح.

وأضاف كواشي أن الأسعار المستقرة للبترول ليست دائمة، وأن أي تغير مفاجئ في الظروف العالمية، مثل انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، قد يؤدي إلى تراجع كبير في الأسعار. وأكد أن هذا التراجع ستكون له آثار مباشرة على احتياطي الصرف، حيث تعتمد الجزائر بشكل شبه كامل على عائدات النفط والغاز لتغذية احتياطياتها من العملة الصعبة.

وأشار إلى أن اعتماد الاقتصاد على مصدر واحد للإيرادات يشكل “مجازفة كبيرة”، وضرب مثلًا بتجارب الجزائر السابقة، حيث تمكنت البلاد في فترات الطفرة النفطية من تحقيق احتياطي صرف قوي، لكنه تآكل بسرعة مع انخفاض أسعار النفط. وختم كواشي بتأكيد أهمية تنويع مصادر الدخل الوطني لتجنب هذا النوع من المخاطر، مشددًا على أن “وضع كل البيض في سلة واحدة” ليس استراتيجية مستدامة لاقتصاد يعتمد على الاستقرار طويل الأمد.

القطاعات غير النفطية.. طريق الجزائر نحو تعزيز احتياطي الصرف الأجنبي

وأوضح البروفيسور مراد كواشي أن القطاعات غير النفطية، مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، تُعدّ عوامل أساسية في تعزيز احتياطي الصرف الأجنبي.

وأكد أن تنويع الاقتصاد الوطني هو السبيل الوحيد لتخفيف الاعتماد على النفط والغاز، مشيرًا إلى أن هذا التنويع سيمكن الجزائر من تجنب “مغبة الارتباط بمصير قطاع معين”.

وأضاف كواشي أن القطاع الزراعي شهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبح يساهم بنسبة 15% من الاقتصاد الوطني، وبلغت قيمة إنتاجه 37 مليار دولار. وأشار إلى أن الجزائر أصبحت على وشك تحقيق الاكتفاء الذاتي في شعبة الحبوب بحلول عام 2026، وهو ما سيوفر للخزينة العامة حوالي 1.2 مليار دولار سنويًا.

كما ذكر أن هذا التطور الزراعي سيقلل من فاتورة الواردات الغذائية، التي تمثل حوالي ربع الواردات الجزائرية، بما يعادل 10 مليارات دولار سنويًا، وبالتالي الحفاظ على العملة الصعبة.

وتابع كواشي بالإشارة إلى القطاعات الأخرى التي يمكن أن تساهم في تعزيز الاحتياطي، مثل قطاع المعادن والمناجم الذي قد يشهد طفرة كبيرة مع دخول مشاريع عملاقة مثل غارا جبيلات والفوسفات في الخدمة، مما سيرفع مساهمة التعدين في الاقتصاد الوطني التي تقدر حاليا يـ 1% حاليًا فقط.

وأضاف أن قطاع الصناعة يعاني من تحديات كبيرة لكنه يمتلك إمكانات هائلة في حال تم تطويره، بالإضافة إلى قطاع السياحة الذي رغم إمكانياته الكبيرة، لا يزال يساهم بنسبة ضئيلة في الاقتصاد.

وختم كواشي بالتأكيد على أن تنويع الاقتصاد الوطني سيسهم بشكل كبير في تحقيق استقرار احتياطي الصرف وزيادة قدرته على مواجهة الأزمات.

استثمار احتياطي الصرف في مشاريع إنتاجية.. مفتاح التنويع الاقتصادي المستدام

كما أكد البروفيسور كواشي أن استثمار احتياطي الصرف الحالي في مشاريع إنتاجية هو السبيل لتحقيق تنويع اقتصادي مستدام، مشددًا على ضرورة الاستفادة من أخطاء الماضي. وأوضح أن الجزائر، التي تتمتع حاليًا براحة مالية باحتياطي يقدر بـ 70 مليار دولار، تحتاج إلى توجيه هذه الأموال لتطوير قطاعات اقتصادية جديدة بعيدًا عن المحروقات.

وأضاف كواشي أن الاعتماد على احتياطي الصرف دون استثماره في مشاريع إنتاجية يُعتبر مخاطرة، خاصة أن هذه الأريحية المالية قد تزول بسرعة إذا ما تراجعت أسعار النفط بشكل مفاجئ. وشدد على أن الأولوية يجب أن تكون لتطوير قطاعات مثل الفلاحة، الصناعة، السياحة، والتعدين، باعتبارها قطاعات ذات قيمة مضافة قادرة على خلق الثروة وتعزيز الإيرادات.

وأشار إلى أن هذه المشاريع ستسهم في تحقيق استدامة اقتصادية، إذ ستوفر بدائل للإيرادات البترولية وتقلل من التأثيرات السلبية لتقلبات السوق العالمية. وختم كواشي بالقول إن استثمار الاحتياطي بشكل ذكي هو ضرورة لتجنب الأزمات المالية وضمان مستقبل اقتصادي مستقر.

ترشيد الاستيراد وإحلال الواردات.. سياسات ضرورية لتعزيز احتياطي الصرف الأجنبي

وأوضح المتحدث أن السياسات الاقتصادية التي يجب تبنيها لضمان تعزيز احتياطي الصرف تشمل ترشيد عملية الاستيراد وإحلال الواردات بالإنتاج المحلي. وأكد أن الجزائر عانت في سنوات ماضية من استنزاف احتياطي الصرف بسبب الفوضى في الاستيراد، حيث تجاوزت فاتورة الواردات 65 مليار دولار، وشهدت السوق وجود مئات المستوردين الوهميين.

وأضاف كواشي أن الاستيراد يجب أن يكون مدروسًا لتجنب هدر العملة الصعبة، مشيرًا إلى أن البلاد تملك اليوم مؤهلات اقتصادية كبيرة لتطوير الإنتاج المحلي، مثل الاستقرار السياسي، الطاقة الرخيصة، والثروات المعدنية. وأوضح أن هذه العوامل تمكن الجزائر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات، وتقليل الواردات بشكل كبير.

وأشار إلى أن إحلال الواردات بالإنتاج المحلي يعني الحفاظ على احتياطي الصرف، والمساهمة أيضًا في خلق فرص عمل وتعزيز الاقتصاد الوطني. وخلص كواشي إلى التأكيد على أهمية وضع استراتيجية واضحة لتحفيز الإنتاج المحلي، مشيرًا إلى أن الهدف هو تقليل فاتورة الواردات تدريجيًا وزيادة الصادرات، للوصول إلى صادرات بقيمة 29 مليار دولار بحلول عام 2030.

مصطفى بن ميرة

مصطفى بن ميرة

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
جامعة الدول العربية: تجويع الفلسطينيين جريمة حرب وإبادة جماعية وثائق سرية تفضح تورط جنرالات فرنسا في تعذيب الجزائريين خلال الثورة التحريرية مشروع استراتيجي لتعزيز تصدير الكهرباء الجزائرية نحو تونس وليبيا عرقاب في بشار لإطلاق مشاريع طاقوية استراتيجية هيئة اللجان الأولمبية الإفريقية تُكرّم الرئيس تبون بالوسام الذهبي استحداث "بكالوريا مهنية" لتعزيز التكوين المتخصص وتلبية احتياجات سوق العمل الجزائر تُطلق أوّل مصحف رقمي موجّه للمكفوفين احتكار الذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد القوى الكبرى رسم خرائط السيطرة؟ وكالة الأنباء الجزائرية: "كفى نفاقًا.. فرنسا هي المستفيد الأكبر من علاقاتها مع الجزائر" إنجاز مركز بيانات مرفق بمركز حوسبة للذكاء الاصطناعي بوهران "برج إيفل" يرتدي الحجاب.. ما القصة؟ في سابقة وطنية.. "صيدال" توفر أقلام أنسولين جزائرية للسوق المحلي التحويلات المالية بين الأفراد عبر الهاتف النقال ترتفع بأكثر من الضعف في 2024 الشيخ موسى عزوني يكسر الصمت: "هذا ما قصدته بحديثي عن السكن والزواج" بلعريبي يأمر بتسريع إنجاز مستشفى 500 سرير بتيزي وزو بلاغ هام لفائدة الحجاج قيود صهيونية جديدة على نشاط منظمات الإغاثة.. الاحتلال يقطع شريان الحياة الأخير عن غزّة حجز 34 حاوية من مادة الموز بميناء عنابة باحثتان جزائريتان تقودان ثورة علمية في مجالي الطب والبيئة.. ما القصة؟ وزارة الصحة تشدد على ضرورة إجراء التحاليل الطبية قبل الختان