بلغت جرائم الاستيطان الصهيوني بالضفة الغربية المحتلة -عام 2024- ذروتها، فيما كشف تحقيق صحفي –إسرائيلي- أن الاحتلال يسعى إلى استغلال سيطرة الجيش الصهيوني على أجزاء من غزة لتشجيع نشاط مؤيدي إعادة بناء المستوطنات في القطاع، ما يؤكد أن الحكومة الصهيونية الحالية، التي تُعدّ الأكثر يمينية في تاريخ الكيان، مستمرة في مصادرة الأراضي الفلسطينية تنفيذًا لأفكارها الصهيونية القائمة على رفض أي وجود فلسطيني. وقد عبّر وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش عن هذا الموقف بوضوح قائلاً: “نطور الاستيطان ونحبط خطر إقامة الدولة الفلسطينية”، كما توعد سموتريتش ببناء مستوطنة جديدة مقابل كل اعتراف دولي جديد بدولة فلسطين.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – منير بن دادي – سهام سوماتي ===
يتعمد الاحتلال الصهيوني تسريع عملياته الإجرامية في مجال استهداف أراضي الضفة الغربية، فقد تم يوم الأربعاء الماضي 3 جويلية، الكشف عن حملة مصادرة هي الأكبر منذ ثلاثة عقود، تشمل 12.7 كيلومترا مربعا -من أراضي منطقة الأغوار- سيتم وتحويلها إلى ما يُسمى “أراضي دولة”.
وأوضحت منظمة غير حكومية، في بيان أصدرته، أن “مساحة المنطقة التي يشملها الإعلان هي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993، ويُعتبر 2024 عام الذروة بالنسبة إلى مصادرة مساحات بعينها كأراضي ما يتم الاصطلاح عليه صهيونيا (أراضي دولة)”.
وتقع المساحات الأخيرة المصادرة بالقرب من مستوطنة يافيت في غور الأردن، ومن خلال إعلانها أراضي عمومية، فإن سلطة الاحتلال قد عرضت تأجيرها للإسرائيليين، وحظرت ملكية الفلسطينيين لها، وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها سلطة الاحتلال “أراضي (دولة)” منذ بداية العام إلى 23,7 كيلومترا مربعا.
بالإضافة إلى ذلك، نفذ الاحتلال عمليات مصادرة واسعة في جنوبي نابلس لمساحات من الأراضي، بعضها مصنف كمحميات طبيعية، وقد جاء ذلك بعد أيام من مصادقة سلطات حكومة الاحتلال على قرار يقضي بتطبيق قوانين استعمارية على محمية طبيعية جنوبي الضفة، وهدم منازل فلسطينية أقيمت فيها. وفي مارس، أصدرت سلطات الاحتلال ثلاثة أوامر عسكرية جديدة تستهدف أكثر من 45 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، تقع في منطقة مصنفة كمحمية طبيعية.
وتستهدف قرارات الاستيطان عادة المنطقة المصنفة “ج” التي تشكل 61% من مساحة الضفة وتخضع لسيطرة صهيونية كاملة. لكن قرار الكنيست الصهيوني يوم الخميس 4 جويلية يتعلق بتطبيق القانون الاستعماري الصهيوني على محمية طبيعية مصنفة ضمن أراضي منطقة “ب”، أي تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الصهيونية.
عمليا فإن القرار الصهيوني يعني هدم منشآت ومنازل فلسطينية بنيت في المحمية، رغم أن تراخيص البناء من صلاحية السلطة الفلسطينية، خلافاً للمنطقة “ج”. وقد جاء استهداف المحمية الطبيعية شرقي الضفة بناءً على طلب مجموعة الاستيطان “ريغافيم”، التي تراقب وتلاحق أعمال البناء الفلسطيني في المنطقة المصنفة “ج” باعتبارها “غير قانونية” وفق التشريع الاستعماري.
ومن حيث المبدأ –وفق الكاتب “هاني عوكل”- فإنه ليس هناك ما يسمى مستوطنات شرعية وأخرى غير شرعية في الضفة الغربية، التي يسعى الاحتلال يوماً بعد يوم إلى ابتلاع أراضيها وتهويدها، كما هو حال القدس الشرقية التي تتكثف فيها المشروعات الاستيطانية غير الشرعية لتضفي عليها تحولات في طبيعتها الجغرافية والدينية والديمغرافية.
وتشير تقارير إلى أن المحمية كانت موضع تفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني في تسعينيات القرن الماضي، وجرى الاتفاق على تصنيفها منطقة “ب” دون أعمال بناء فيها، لكن مع اجتياح الضفة وإقامة الجدار وحصار المناطق الفلسطينية، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وأملاكهم الخاصة، تزايدت الكثافة السكانية، مما اضطر الفلسطينيين للبناء في المحمية الطبيعية.
ومنذ 1967 -عام احتلال الضفة الغربية- لم تكل كل الحكومات الصهيونية المتعاقبة من ابتداع قوانين تسمح بالاستيطان فيها، وتشجيع المهاجرين اليهود على الاستيطان تحت إغراءات وحوافز كثيرة، حتى بلغ عددهم، اليوم، أزيد من 700 ألف مستوطن، وفق ما كتب –”هاني عوكل”- في مقاله بعنوان “الاستيطان يدفن الدولة الفلسطينية”.
المحميات الطبيعية.. خطة الاحتلال للسيطرة على أراضي الضفة الغربية
بدأت عصابات “ريغافيم” الصهيونية ملاحقة كل ما يجري في المنطقة وطالبت بهدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، لكنها لم تنجح لأن هذا الجزء مصنف ضمن مناطق “ب”، والجيش الصهيوني غير مخول –وفق القانون الصهيوني- بتنفيذ عملية الهدم. استمر الحال على هذا النحو حتى ظهرت الحكومة الصهيونية اليمينية، حيث تولى المستوطن بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية، بالإضافة إلى منصب وزير في وزارة الجيش ورئاسة الإدارة المدنية المسؤولة عن الشؤون المدنية في الضفة.
مع تولي سموتريتش، عادت عصابات الاستيطان “ريغافيم” لتحفز سلطة الاحتلال على ملاحقة المباني الفلسطينية. كان أول ما قامت به المجموعة هو إصدار خريطة توضح المنطقة المستهدفة، التي تمتد من شرقي بيت لحم حتى جنوب شرق محافظة الخليل، مما يعني استهداف أكثر من 3 آلاف منزل ومنشأة فلسطينية.
استخدم الاحتلال خطة ماكرة لتصنيف الأراضي كمحميات طبيعية للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة، بينما يقوم بتجريف وتخريب مناطق يصنفها الفلسطينيون كمحميات طبيعية. تبلغ مساحة الأراضي المصنفة كمحميات طبيعية والتي يستعد الاحتلال لضمها في الضفة أكثر من 700 كيلومتر مربع، أي نحو 12.5% من مساحة الضفة.
كما جرى في عام 1997 عندما قام الاحتلال بتغيير تصنيف جبل أبو غنيم في القدس من غابة خضراء إلى موقع سكني، يعيد اليوم نفس الإجراء: يغير تصنيف الأراضي ثم يخصصها للسكان، ما يفيد الاستيطان الصهيوني دون أن يشمل الفلسطينيين.
وشهد التوسع الاستيطاني تسارعا في ظل الحكومات المتعاقبة منذ احتلال الضفة الغربية، لكن سرعة التوسع ازدادت حدة في ظل وجود نتنياهو. وشهدت ثمانينيات القرن الماضي إعلان سلطة الاحتلال مئات آلاف الدونمات “أراضي دولة”، لكن مع مجيء حكومة رئيس الوزراء إسحق رابين في العام 1992، أعلن وقف مصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وتم استئناف هذا الإجراء في حكومة نتنياهو في العام 1998 لتتوالى إعلانات المصادرة.
ويهدف هذا “التغول الصهيوني” إلى حرمان الفلسطينيين من مساحات واسعة من أراضيهم، بذريعة تصنيفها كمحميات طبيعية. في الوقت ذاته، يجري استغلال هذه الأراضي من قبل المستوطنين وترويجها للسياحة اليهودية، كما يحدث في منطقة سلفيت ووادي قانا شمالي الضفة. تتم السيطرة والهيمنة تدريجياً لفرض أمر واقع وتوسيع وتعميق السيطرة اليهودية على الأراضي الفلسطينية.
بالمقابل، فإن عمليات هدم المنازل الفلسطينية التي قد تكون بنيت على أطراف تلك المحميات بحجة مخالفتها لاتفاق أوسلو، تعني تهجير الفلسطينيين منها ومنحها للمستوطنين. يتم بذلك توسيع مناطق سيطرتهم لإقامة ما تسمى “مملكة يهودا والسامرة”، تحت قيادة مجلس المستوطنات في الضفة الغربية.
لا يبدو أن سقوط الحكومة الحالية، التي تهيمن عليها القوى اليمينية المتدينة، ومجيء حكومة أخرى سيلغي هذه القرارات. الصهاينة يؤسسون لأمر واقع بالاستيطان، على نهج حزب العمل الذي يدعي الإيمان بالسلام. تستمر أي حكومة صهيونية في تنفيذ هذه القرارات تحت ضغط المستوطنين، في ظل غياب أي عملية سياسية.
يجمع المحللون على أن تسارع عمليات الاستيلاء على الأراضي وشرعنة البؤر الاستيطانية وتسليح المستوطنين يهدف إلى “تكريس أمر واقع”. لن يكون هناك أي تراجع عنه، حتى لو جاءت حكومة معاكسة تماماً لحكومة بنيامين نتنياهو. لا يوجد أي حزب في الكيان الصهيوني يؤمن فعلياً بخيار ما يسمى “حل الدولتين والعودة إلى حدود 67″، وإن وُجد، فهو مجرد كلام.
وبالعودة إلى التاريخ، فإنه عقب نكسة 1967، نشأت حركة “غوش أمونيم” التي ترى أن “من حق اليهودي إقامة استيطان له في كل موقع من فلسطين المحتلة، كجزء من خلاص وإنقاذ الأرض من الغرباء”، وعلى إثرها خلقت حالة من التنافس بين المعسكرات الصهيونية المختلفة لتأسيس جمعيات تعنى بتعزيز وتوسيع المشروع الاستيطاني، مع العمل إلى جانب الحكومات الصهيونية عبر ما يسمّى “لواء الاستيطان” في وزارة الإسكان.
“ريغافيم” وعصابات الاستيطان.. الدور الخفي في تهويد الضفة
إلى جانب المؤسسات الرسمية للاحتلال واللجان الوزارية المعنية بالاستيطان، وتهيئة البنية التحتية وشق الطرق وإمداد الماء والكهرباء للمستوطنات، وأجهزة أمن الاحتلال التي تفرض سيطرتها بحكم القوة على الأرض، وتوظّف مدرّعاتها وآلياتها لحماية المستوطنين في إقامة بؤرهم الاستيطانية، تنشط جمعيات وعصابات وحركات صهيونية يمينية متطرفة تجعل من الاستيطان همّها الأوحد.
ومعروف لدى خبراء الشأن الفلسطيني وجود سلسلة وكلاء استيطانيين صهاينة يشكّلون العامل الأهم في إقامة البؤر الاستيطانية (نواة المستوطنات)، وهي كلها وليدة الحركة الأمّ “غوش أمونيم” الاستيطانية: شبيبة التلال وحركة نحالا وحركة أمانا، إلى جانب جمعية ريغافيم التي تأسست عام 2006، تحت اسم “جمعية الحفاظ على الأراضي القومية” للاحتلال الصهيوني، وتعرّف ريغافيم عن نفسها بأنها جمعية غير حكومية، وأن هدفها “الحفاظ” على ما تدعي زورا أنه “أرض الشعب اليهودي” وكذا الفلسطينيين من الاستيلاء عليها”.
وأصبحت ريغافيم واحدة من أبرز جهات الضغط والتوجيه والتأثير على سياسة الحكومة الصهيونية، وبالذات على عمل الإدارة المدنية في منطقة “ج” في الضفة الغربية، بعد أن تحولت من جمعية لبعض المتطوعين فقط، إلى جمعية كبيرة فيها 14 موظفًا وعشرات المتطوعين، مستعينة بـ”أفضل المحامين والمتحدثين”.
ومعروف أن جميعها تحتضنها الأجهزة الأمنية الصهيونية وتتواطأ معها، بل تقدم لها الحماية خلال تنفيذها اعتداءات ضد الفلسطينيين، كما قدمت عناصر قضائية مساعدة لهؤلاء المستوطنين وأرشدتهم إلى كيفية التملُّص والتحايل على التحقيقات، كما يتولى بعض من مؤسسيها ونشطائها مناصب إدارية وأمنية وحكومية رفيعة.
هذا النفوذ الصهيوني يسمح لهم بتطبيق أجندة الحركة الاستيطانية بشكل مباشر، أبرزهم بتسلئيل سموتريش، أحد مؤسسي هذه الجمعية ووزير مالية الاحتلال في الحكومة الحالية، وهي الحكومة التي منحته أيضًا منصبًا مهمًّا وحسّاسًا باعتباره وزيرًا داخل وزارة الأمن، ووضعت تحت مسؤوليته التصرف بغالبية المواضيع ذات الصفة المدنية في الضفة، وهو بطبيعة الحال منصب حيوي في عملية استهداف الفلسطينيين في المنطقة “ج”.
وتختص عصابات ريغافيم بجمع المعلومات حول البناء والتوسع في القرى والمدن في الضفة الغربية والداخل المحتل، أبرز مجالات ذلك مراقبة النشاط الزراعي والبناء الفلسطيني “غير المرخّص”، وذلك في مختلف المناطق: المنطقة “ج” في الضفة والنقب والجليل والمثلث والقدس، وكذلك الجولان السوري المحتل، وتستأنف ضده في قضاء الاحتلال.
يعمل في ريغافيم فريق من الباحثين الميدانيين، يتجولون في مختلف أنحاء فلسطين مع التركيز على المنطقة “ج”، يرصدون أي نشاط عمراني وزراعي فلسطيني (مثلًا زرع الزيتون في الأراضي المهددة)، يوثّقونه بدقة كنقاط على الخرائط التي يحملونها، ويلتقطون صورًا وفيديوهات بجودة عالية للمكان من خلال كاميرات التصوير الجوي، ويبحثون عن أسماء أصحابه والمبادرين له، وتتكرر الزيارات أكثر من مرة لرصد أي تقدم أو توقف في عملية البناء.
وبحسب تقارير صحفية، تموّل وزارات مختلفة في حكومة الاحتلال ريغافيم بشكل مباشر، خلافًا للجمعيات والمنظمات الأخرى، وقد أصبحت الجمعية مزودًا للخدمات تستعين به المجالس الإقليمية للمستوطنات في الضفة، خاصة لجمع المعلومات عن البناء الفلسطيني، ورفع دعاوى ضدّ جهات حكومية أخرى، من أجل محاربة البناء الفلسطيني في مناطق نفوذ تلك المجالس.
وبحسب مديرها، فإن ريغافيم تتلقى حوالي 25% من ميزانيتها السنوية من أموال تلك المجالس الإقليمية، مقابل خدمات تقدّمها لها، وفي تحقيق لـ”هاآرتس” نُشر عام 2018، تبيّن مثلًا أن ريغافيم تلقت عامَي 2014 و2015 مبلغًا قدره 300 ألف شيكل من مجلس إقليمي الضفة (السامرة)، مقابل “التفتيش والتعامل المناسب مع البناء الفلسطيني غير القانوني في منطقة نفوذ المجلس”.
من شبيبة التلال إلى نحالا وأمانا وريغافيم، جميعها تحتضنها الأجهزة الأمنية الصهيونية وتتواطأ معها، بل تقدم لها الحماية خلال تنفيذها اعتداءات ضد الفلسطينيين، كما تقدم عناصر قضائية مساعدة لهؤلاء المستوطنين وترشدهم إلى كيفية التملُّص والتحايل على التحقيقات.
وأظهرت ورقة حقائق أصدرتها إحدى المنظمات أن 91% من ملفات التحقيق، وعددها 1200 ملف، التي فتحتها الشرطة الصهيونية في الضفة الغربية ضد مستوطنين في فترة 2005-2019 بسبب اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وقد أُغلقت دون تقديم لائحة اتهام، وذلك بحجّة أن المتهم لم يُعرَف، أو فقدان الشرطة الصهيونية الملف أو عدم وجود ذنب جنائي، وفي حالات أخرى أُخرجَ العديد منهم بحجّة وجود اضطرابات نفسية.
اليمين الصهيوني يمهد لواقع استيطاني جديد في غزة
كشف تحقيق لصحيفة “هآرتس” نُشر يوم الخميس 4 جولية أن عصابات اليمين الصهيوني تسعى لاستغلال سيطرة الجيش الصهيوني على أجزاء من غزة لإعادة الاستيطان إلى القطاع، ونشرت الصحيفة التحقيق تحت عنوان “لنبدأ من القواعد العسكرية: استولى الجيش الصهيوني على ربع قطاع غزة، واليمين يستعد للاستيطان”.
واستنادا إلى تحليل صور الأقمار الصناعية ومعلومات أخرى، قدّرت الصحيفة أن الجيش الصهيوني يسيطر حاليا على نحو 26% من القطاع، ونقلت عن ضابط صهيوني كبير قوله إن السيطرة على أراض في قلب القطاع تندرج ضمن ما سماها “جهود احتلال مستمرة”.
وتحدث التحقيق -الذي قالت هآرتس إنه استمر شهرين- عن استمرار الجيش الصهيوني في التوسع عسكريا داخل غزة، مشيرا إلى أن هذا النشاط العسكري يشجع مؤيدي إعادة بناء المستوطنات في القطاع، ووفق تعبير الصحيفة الإسرائيلية، فإن هذا التوسع يمهد لواقع جديد يتمثل في ارتباط صهيوني طويل الأمد يتشكل في قطاع غزة.
وقالت هآرتس إن التحقيق يكشف بالخرائط توسع الجيش الصهيوني في محور فيلادلفيا وممر نتساريم وغيرهما من المناطق وما يتم بناؤه من القواعد العسكرية في القطاع، وأضافت أنه يكشف في المقابل مساعي الحركة الاستيطانية داخل الجيش والحكومة لاستغلال هذا التوسع وبناء القواعد العسكرية لتثبيت أركان الاستيطان والتمهيد لعودته إلى قطاع غزة.
وتابعت أن تحرك الجيش الصهيوني في الاستيلاء على هذه الأراضي خطوة إستراتيجية، بينما يضغط المستوى السياسي لدى الكيان من أجل استمرار الحرب، وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى تنوع نشاط الجيش الصهيوني في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بقطاع غزة، حيث يوسع القواعد ويقيم البنية التحتية ويمهد الطرق.
وأوضح التحقيق أن الجيش الصهيوني أنشأ منطقة عازلة على طول الحدود، كما استولى على محور فيلاديلفيا لمنع حركة حماس من الوصول إلى مصر، مشيرا إلى أنه في المناطق التي سيطر عليها الجيش قام بتسوية كل المباني بالأرض، وإنشاء مساحات تستخدم للسيطرة على القطاع، كما أشار إلى أن ترحيل مئات الآلاف من سكان غزة إلى جنوب القطاع أصبح دائما، وفق تعبير الصحيفة.
من جانبها اعتبرت حركة حماس، يوم الخميس 4 جويلية، مصادقة حكومة سلطة الاحتلال على بناء نحو 5 آلاف و300 وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية المحتلة، “استهتارا” بالقوانين الدولية من قبل “حكومة متطرفين صهاينة”.
جاء ذلك وفق بيان للحركة تعقيبا على ما أعلنته حركة يسارية إسرائيلية، بأن “مجلس التخطيط الصهيوني صادق على بناء 5 آلاف و295 وحدة استيطانية في عشرات المستوطنات في أنحاء الضفة الغربية”.
واعتبرت حماس قرار المصادقة “تعبيرا واضحا عن استهتار حكومة المتطرفين الصهاينة بكافة القوانين والقرارات الدولية التي تجرم الاستيطان، وتأكيدا على مواصلتها العمل على قضم المزيد من الأرض الفلسطينية”.
وفي السياق، أشارت الحركة إلى أن المصادقة تأتي “في الوقت الذي تطلق فيه حكومة الاحتلال (الصهيوني) العنان لقطعان المستوطنين المجرمين، ليواصلوا العدوان على شعبنا الفلسطيني في مدن وبلدات الضفة، بحماية كاملة من جيش الاحتلال الإرهابي”.
وأكدت الحركة على أن “هذه القرارات الفاشية لن تزيد شعبنا المرابط ومقاومته الباسلة، إلا تمسكا بخيار الثبات على هذه الأرض، وتصعيد المقاومة والاشتباك مع الاحتلال في كافة المحاور، حتى دحر عدوانه عن أرضنا ومقدساتنا”.
كما طالبت “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي باتخاذ خطوات فاعلة لردع هذا الكيان الإرهابي، ووقف حربه الوحشية على شعبنا في غزة والضفة، ومحاولاته المحمومة لتغيير الوقائع على الأرض”.
المستوطنات الوهمية.. سلاح “إسرائيل” لمواجهة الهزائم
بقلم: عبد الله المجالي – كاتب وإعلامي أردني
لم يعد مجرَّد تصريحاتٍ أو مخطَّطات على الورق، بل أصبح واقعًا على الأرض. قرارات سلطات الكيان الأخيرة تؤكِّد أنَّ مخطَّط ضمِّ الضِّفَّة الغربيَّة يسير على قدم وساق، فقد تمَّ سحب صلاحيات تنفيذية من السُّلطة الفلسطينية في مناطق شرق بيت لحم وجنوب شرق القدس المحتلَّة، وتطبيق القانون “الإسرائيلي” في مناطق تسيطر عليها السُّلطة الفلسطينية إداريًّا. كما تمَّ تقنين خمس بؤر استيطانية في الضفَّة الغربيَّة، ونشر عطاءات لبناء آلاف الوحدات السَّكنية في المستوطنات.
ما سلف جزء من خطَّة وزير مالية الكيان الصُّهيوني الغاصب “بتسلئيل سموتريتش”، الذي لا يخفي أنَّه يسعى جاهدًا لا لضمّ الضفّة الغربية إلى كيانه، بل إلى توحيد الكيان، فهو لا يرى أصلًا أنّ الضفّة الغربية جزء غريب عن الكيان حتّى يتمّ الحديث عن ضمّه، بل هو جزء من الكيان يجب توحيده!!
مخطّطات الإرهابي “سموتريتش” تروق تمامًا للإرهابي “بنيامين نتنياهو”، ولذلك فهي تلقى لديه آذانًا صاغية، ولا يبدو الأمر هنا مجرّد مصالح انتخابية، بل يمثّل حقيقة ما يعتقده ويعتنقه “نتنياهو”.
عجز السّلطة عن مواجهة تلك المخطّطات
يعمل “سموتريتش” على أن تكون الضفّة الغربية منطقة مزرية لا تطاق حتّى يجبر الفلسطينيين على التّفكير بالبحث عن أماكن أخرى يجدون فيها الأمن والاستقرار، وبالفعل فالمستوطنون يقومون بهذا الجزء من الخطّة، وقد أحالوا حياة آلاف الفلسطينيين خصوصًا من البدو والرّعاة جحيمًا، وقد استطاعوا إبعاد الكثيرين منهم عن أرضهم وممتلكاتهم.
تقف السّلطة عاجزة تمامًا عن مواجهة تلك المخطّطات التي تستهدفها هي أيضًا، لكنّ الحالة التي وصلت إليها لا تؤهّلها إلّا لإصدار بعض البيانات التّنديدية والاستنكارية، فاتّفاقية (أوسلو) التي أوجدت السّلطة هي ذاتها التي بذرت بذور فنائها منذ البداية.
الأوضاع في الضفّة الغربية تغلي، وجيش العدو يفتك بشعبها بصورة يومية، والبعض ليس عنده سوى وصفة واحدة: “حلّ الدّولتين”! وهل بقي ضفة حتّى تكون عليها دولة؟ وهل سننتظر حتى يصبح الحديث عن الدولة الفلسطينية، لكن في مكان آخر كما يقترح عالم الآثار الصّهيوني “أبراهام فاوست”!!
المقاومة بالضفّة.. تطور لا تخطئه العين
لم تعد اقتحامات الجيش الصّهيوني لمخيّمات الضفّة الغربية المحتلّة مجرّد نزهة، بل باتت مكلفة جدًّا له حيث يعود بخسائر وأشلاء وحطام آليات.
المقاومة الشّرسة التي يواجهها العدو خلال اقتحاماته مخيّمات الضفّة باتت سمة بارزة، وأمرًا لا تخطئه عين.
لا شكّ أنّ المقاومة بالضفّة تستلهم الثّبات والصّمود والتّضحية والإبداع من المقاومة في غزّة، وليس سرًّا أنّ المقاومة في غزّة أسهمت في هذا التّطور اللّافت، ولا غرو فالشّعب الفلسطيني في غزّة والضفّة شعب واحد، أحلامه وطموحاته واحدة، ويواجه عدوًّا واحدًا، وليس العجب في أن ينهض أهل الضفّة لمساعدة إخوانهم في غزّة أو ينهض أهل غزّة لمساعدة إخوانهم في الضفّة، بل العجب العجاب هو أن يجلس الأشقَّاء يشاهدون أشقَّاءهم وهم يُقتلون ويُحاصَرون ولا يحركون ساكنًا.
طوَّرت المقاومة بالضفّة أساليب المواجهة، وباتت تعتمد على العبوات النّاسفة شديدة الانفجار، وقد شاهدنا كيف دمّرت إحداها آلية للعدو اعترف فيها بمقتل جندي وضابط، ولولا أنّ الانفجار حدث بعد نزول الجنود من الآلية وبقاء السّائق والضّابط فيها لكانت الخسارة كبيرة جدًّا في صفوف العدو.
560 شهيدًا ونحو 5300 جريحًا هي حصيلة العدوان الغاشم على الضفّة الغربية منذ السّابع من أكتوبر الماضي، ومع ذلك فإنَّ المقاومة تتعزَّز ويشتد عودها، وبحسب التَّقارير فإنَّها ماضية في تطوير نفسها مستلهمة إبداعات المقاومة في غزَّة.
لقد كانت عملية “طوفان الأقصى” فتيلًا أيقظ المارد، ورغم أنَّه ما زال يتململ، إلّا أنَّ العدوان الهستيري على الضفّة يعكس خوفًا ورعبًا من تلك المقاومة.
لا شكَّ أنَّ المقاومة في الضفّة استفادت من تهريب الوسائل القتالية، فهي كشقيقتها في غزّة تعاني حصارًا شديدًا من القريب والبعيد، في المقابل فإنَّ عدوها يأتيه المدد من كلّ مكان وفي وضح النّهار؛ سلاح ومال وحتى رجال، وهي معادلة تستعصي على الفهم لدى كثير من الشّباب العربي والمسلم.
تطوّر المقاومة بالضفّة لا تخطئه عين، لكن في الوقت نفسه فإنَّ عيونًا كثيرة ترقبه!!
المقاومون وحتى المهادنون في مرمى نيران العدو وحلفائه..
مالذي تبقّى من أوسلو ليتشبّث به الفلسطينيون؟
بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني
حسنًا، بالنّسبة لجميع الذين يقولون بأنّ حماس قادت قطاع غزّة للدّمار والموت بقيامها بعملية “طوفان الأقصى” في السّابع من أكتوبر، نقول لهم لننس حماس ولنعتبر غزّة غير موجودة.
تعالوا إلى الضفّة الغربية حيث لا توجد حماس، ولا توجد مقاومة على نطاق واسع، وتوجد سلطة فلسطينية مهادنة وطيّعة ومستسلمة للاحتلال بشكل كامل وتنسّق معه أمنيًّا حتّى أنّ الاحتلال نفسه من كثرة ضعفها يقوم حاليًّا بتفكيكها عبر إدارة مدنيَّة يقودها الحثالة، حيث أعلن وزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” عن نقل صلاحيات الإدارة المدنية المعنية بشؤون المواطنين في الضفّة الغربية في وزارة حرب الاحتلال، إلى إدارة جديدة تكون تحت إمرته وبقيادة المستوطن “هيليل روث”.
هدم وتدمير للمباني والمنشآت الفلسطينية
العدو -ومنذ بدء حرب الإبادة ضدّ قطاع غزّة- اعتقل أكثر من 10000 فلسطيني من الضفّة الغربية لا يوجد بينهم عسكري واحد. كما أنّ أكثر من 500 فلسطيني ربعهم من الأطفال، استشهدوا في الضفّة الغربية والقدس المحتلّتين، والغالبية العظمى منهم قتلوا على يد قوّات الاحتلال “الإسرائيلية”، بينما قتل المستوطنون “الإسرائيليون” ما لا يقلّ عن 10 آخرين. فيما جرح وأصيب أكثر من 5000 فلسطيني وفلسطينية برصاص الاحتلال أو بهجمات المستوطنين الذين شنّوا أكثر من 1000 هجوم واعتداء على الرّيف الفلسطيني دون استثناء.
ولم تقتصر الاعتداءات “الإسرائيلية” على الاعتقال والمداهمات والإعدام الميداني، بل إنّها شملت عمليات هدم وتدمير للمباني والمنشآت والبنية التَّحتية، وتجريف الشّوارع والطّرقات في غالبية مخيّمات وقرى الضفّة الغربية التي قام باقتحامها واستباحتها، ومصادرة أراض وممتلكات فلسطينية.
كما قامت سلطات الاحتلال “الإسرائيلية” في تلك المناطق بهدم ومصادرة أكثر من 900 مبنى فلسطيني، نحو 40 بالمائة منها منازل مأهولة، ما أدّى إلى تهجير أكثر من ألفي شخص. إلى جانب التّعذيب والإهانات والضّرب والتّجويع وقتل الأسرى في السّجون بسبب الإهمال الطبّي والتّعذيب.
إلى ماذا تشير جميع هذه الأرقام وماذا تقول؟
هي تؤكّد المؤكَّد وتقول: إنَّ ما يجري الآن لم يكن طارئًا أو جديدًا، وإنّما هي ممارسة صهيونية تمتدّ على مدار 76 سنة وقبل ذلك أيضًا، وأنَّ “طوفان الأقصى” قد أسقط القناع وكشف حقيقة الواقع الذي يمارس ضدّ الشّعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التّاريخية.
وأثبتت أنّ من يتّهمون المقاومة بجلب الخراب والدّمار يريدون أيَّة حجّة لتبرير تخاذلهم مع أنَّ أحدًا لم يطلب منهم فعل أو قول أيّ شيء، لكنّهم يصرّون بين حين وآخر على تأدية دور الصهيوني الوظيفي.
“الاستيطان”.. المرآة التي تعكس امتداد الإيديولوجيا الصهيونية
أبرز الأكاديمي والمحلّل السياسي الفلسطيني، الدكتور صالح الشقباوي، أنّ إيديولوجية الحركة الصهيونية تقوم على جملة من الأُسس، أهمها: أنّ هناك مكانا مهجورا وفارغا لشعب ينتظر العودة إليه ونتحدث هنا عن “اليهود”، ومن هنا نجد أنّ الحركة الصهيونية تعتمد على مقولة إيدلوجية: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، حيث يعتقد هؤلاء أنّ هذه الأرض هي أرض لشعبٍ واحد هو شعب “إسرائيل”، وأنّ الفلسطينيين دخلاء عن هذه الأرض وهم محتلون لها، وبالتالي يجب –حسب توراتهم– التخلص من هذا العِرق وليس فقط التخلص من فكرة حل الدولتين.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور الشقباوي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنَّ إيدلوجية الحركة الصهيونية تقوم على مبادئ توراتية تلمودية لا تعترف بالآخر الفلسطيني ولا تعترف بحقه ولا تعترف بتاريخه ولا حتى بوجوده، ومن هنا فإنها تنظر إليه من منطلق كونه محتلا ومغتصبا يجب إزالته وإزاحته عن هذه الأرض، وبالتالي فإنَّ هذا الإجرام الاستيطاني وهذا التغول الصهيوني الذي زادت وتيرته خلال السنة الجارية، هو في حقيقة الأمر امتداد طبيعي لجملة من الإيديولوجيات والمعطيات النظرية والفكرية التي تأسس عليها اليمين الصهيوني المتطرف بزعامة كل من وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ حكومة الكيان الصهيوني الفاشية تعمل جاهدةً على تصعيد وتيرة الاستيطان بهدف تعزيز وجودها، وذلك من خلال بناء أكبر عدد ممكن من المستوطنات في الضفة الغربية التي تعتبرها التوراة جزءًا أساسيا في الكيانية اليهودية التاريخية التي أقيمت عليها “إسرائيل” أيام داوود وسليمان والتي انقسمت إلى مملكتين: مملكة في الشمال ومملكة في الجنوب، وبالتالي فإنّ يهودا وسامرة هي الأساس التوراتي الذي أقيم عليه ما يسمى عبثا بـ “إسرائيل القديمة” أو “إسرائيل التوراتية”.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ بناء مستوطنات في الضفة الغربية يعتبر في المفهوم الإيديولوجي الصهيوني حقا طبيعيا تمارسه الحركة الصهيونية أو “إسرائيل” وشتاتها، ما يعني أنه امتداد طبيعي ل”إسرائيل” التاريخية، التي وفق هذه الإيديولوجيا لها حدان حد توراتي وحد جغرافي، حيث إن علم “إسرائيل” يحده خطان باللون الأزرق، بمعنى أن حدود “إسرائيل” من الفرات إلى النيل، هذا جغرافيا، أما توراتيا فإن حدود ما يسمى بـ “إسرائيل التاريخية” هي كل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر”.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في السياسة أنّ تصريح “سموتريتش” الذي جاء فيه: “مقابل كل دولة تعترف من جانب واحد بالدولة الفلسطينية، سنقيم مستوطنة جديدة”، هو انتقام حقيقي من توالي الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومن هذا التطور الذي يواكب حركة الوجود الفلسطيني السياسي والتاريخي، ما يُمثل انتصارا تاريخيا للوجود الفلسطيني وللعدالة الفلسطينية وللقضية الفلسطينية على حدّ سواء، وذلك بفضل صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه وبسالة مقاومته وثباتها على الأرض في مواجهة الكيان الصهيوني الجائر.
هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد الأكاديمي والمحلّل السياسي الفلسطيني، أنّ عملية “طوفان الأقصى” دفعت بالقضية الفلسطينية دفعا قويًّا إلى الأمام، بعدما أدَّبت الكيان الصهيوني ومرَّغت أنفه على رمال الأراضي الفلسطينية المحتلة وبأحذية رجاله البواسل، كما دفعت هذه الأحداث بقضيتنا لتأخذ الصدارة والاهتمام على المستوى الدَّوْلي، ونأمل أن تعود قضية مركزية للأمة العربية أيضاً، فلا بد على كل الفاعلين الدَّوْليين أن يقتنعوا بأنّه لا حل ولا استقرار إلاّ بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ومن بينهم تلك الأنظمة العربية المطبّعة التي يستوجب عليها بعد كل هذه المجازر التي ارتكبها الكيان أن تراجع نفسها، فيما يتعلّق بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، هذا الكيان المغتصب لأرض ليست بأرضه وبدون أدنى وجه حق.
“خطة الحسم”.. الفصل العنصري للاستيلاء على ما تبقّى من فتات أوسلو
أفاد المحلّل السياسي الفلسطيني “عبد الله العقرباوي”، أنّ حكومة العدو الصهيوني تتجه نحو فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية، من خلال إضفاء الشرعية على مزيد من المستوطنات، بعد أن صادق المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” الخميس الفارط، على خطوات لشرعنة خمس بؤر استيطانية، وفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، ويأتي القرار بعد أيام من كشف خطة سرية لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف “بتسلئيل سموتريتش”، للسيطرة على الضفة الغربية.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ “العقرباوي” في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ “سموتريتش” يعتمد على تكتيكين أساسيين في تحقيق مخططه، وهما: تشريع البؤر الاستيطانية “غير القانونية” التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال، إلى جانب التوسع في هدم المنازل والمرافق الإنشائية الفلسطينية بحجة أنها “غير مرخصة”.
على صعيدٍ متصل، أضاف محدثنا أنّ “سموتريتش” استطاع توظيف وجوده في الحكومة الحالية بالسيطرة على منصبين مهمين لتنفيذ خطته في الضفة الغربية، حيث يشغل وزير المالية ووزيرًا في وزارة الدفاع مسؤولا عن الاستيطان في الضفة الغربية، واستناداً إلى ذلك، يعمل “سموتريتش” منذ دخوله الحكومة على:
أولا: استكمال خطوات الضم عبر استكمال عملية نقل السلطة من الجيش إلى إدارة تابعة له وتعيين “نائب مدني” يتمتع بصلاحيات رئيس الإدارة المدنية فيما يتعلق بالمستوطنات، وفي إطار سعيه إلى إحكام سيطرته على الصلاحيات المتعلقة بالبناء ومراقبة البناء “غير الشرعي” في الضفة الغربية، أصر “سموتريتش” على تولّي المقرب منه “هليل روط” منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، على أن يتم نقل جميع الصلاحيات المدنية من رئيس الإدارة المدنية إلى “روط” الذي لا ينتمي فقط إلى التيار الديني القومي المتطرف، بل سبق أن شغل منصب نائب المدير العام لحركة “بني عكيفا”، وهي تمثل الإطار الشبابي لأتباع هذا التيار المتطرف.
ثانيا: بشأن البؤر الاستيطانية غير القانونية: إنشاء “مسار التفافي للشرعنة” لتمويل وتقديم الخدمات لـ 63 بؤرة استيطانية، تخصيص مبلغ 85 مليون شيكل لبناء عناصر أمنية في البؤر الاستيطانية بشكل عام، وحتى الآن يوجد قرابة 250 مستوطنة في الضفة الغربية، منها 125 بؤرة استيطانية أقامها المستوطنون، ولم تصادق عليها حكومة الاحتلال، لكنها فيما يبدو، ماضية في شرعنتها.
ثالثا: التحركات المرتقبة للحكومة: تقنين البؤر الاستيطانية الزراعية، تعزيز نظام إنفاذ “القانون” ضد البناء الفلسطيني، الإعلان عن حوالي 15 ألف دونم كأراضي الدولة، الترويج للخطط في المستوطنات بشكل منتظم.
رابعا: ميزانيات إضافية: إضافة مليار شيكل للاحتياجات الأمنية في المستوطنات للأعوام 2024-2025؛ و7 مليار شيكل للطرق.
خِتاماً، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني “عبد الله العقرباوي”، أنّ هذه الأهداف لا تعكس الرؤية النهائية لخطة “سموتريتش”، حيث تهدف خطة “سموتريتش” المسماة “خطة الحسم”، للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية ومنع قيام أي كيانية سياسية للفلسطينيين فيها وزيادة عدد المستوطنين ليصل إلى 2 مليون مستوطن ودعم برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين واستخدام الحسم العسكري مع الرافضين للهجرة أو الامتثال لحكم سلطات الاحتلال .
عن قرارات الاستيطان في الضفة الغربية.. من يتفاجأ؟!
بقلم: ساري عرابي – باحث وكاتب سياسي فلسطيني
من أجل فهم طبيعة سلسلة القرارات الأخيرة لحكومة “نتنياهو” في إطار تكريس الاستيطان وإعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في الضفّة الغربية، يحسن العودة إلى اتفاق “أوسلو الثاني” الموقع في طابا المصرية في 28 سبتمبر 1995، الذي قُسّمت فيه الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وهي (أ) وتمثّل 2 في المئة من مساحة الضفة الغربية في 6 مدن فلسطينية (لا تشمل الخليل التي صار لها وضع خاص وفق بروتوكول موقع في 15 جانفي 1997 قُسّمت بموجبه إلى منطقتين: H1 تخضع للسلطة، وH2 تخضع للاحتلال)، هذه المدن المنفصلة عن بعضها تتولّى فيها السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية والإدارية، و(ب) وتمثّل 26 في المئة من مساحة الضفّة الغربية موزّعة بين 420 قرية فلسطينية، بحيث تتولّى السلطة الفلسطينية فيها المسؤولية الإدارية فقط، ومناطق (ج) وتمثّل 72 في المئة من مساحة الضفة الغربية وتبقى خاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية.
وكان يُفترض وفق اتفاقية “واي ريفر” الموقعة في 23 أكتوبر 1998، أن يجري على ثلاث مراحل، نقل مساحات أخرى من مناطق (ج) إلى (ب) و(أ) ومن (ب) إلى (أ)، مقابل التزامات أمنية من السلطة الفلسطينية، إلا أن ما حصل هو العكس تماما، فقد علقت “إسرائيل” تنفيذ بقية المراحل، وشرع مستوطنوها بعد توقيع “واي ريفر” مباشرة في بناء مواقع استيطانية وشقّ طرق التفافية جديدة.
كرّست “إسرائيل” واقعا استيطانيّا، وللمفارقة بالاستناد إلى اتفاقية “أوسلو”، التي كانت تتيح من الناحية الفعلية للاحتلال التمدّد الاستيطاني في مناطق (ج) التي تمثّل المساحة الأكبر من الضفة الغربية، وأفضى هذا الواقع الاستيطاني إلى بنية استيطانية ممتدة ومتضخمة ومترابطة ببنية تحتية وشبكة مواصلات وموارد طاقة ومياه وفيرة، وإلى تجمعات سكانية فلسطينية متفرقة ومنفصلة ويتحكم في عُقد التواصل بينها أكثر من 700 حاجز إسرائيلي، وتعتمد بالكامل في مواردها على التحكم الإسرائيلي، مما أنتج نظاما شديد الوضوح من الفصل العنصري، (يعاني فلسطينيو الضفة هذه الأيام من تعطيش مبرمج غير مسبوق في مستواه بسبب تقليص الاحتلال لحصص المياه المخصصة لهم).
في 23 فيفري 2023 مُنِح “سموتريتش” وزارة ثانية في وزارة الحرب الإسرائيلية بموجب اتفاق بينه وبين وزير الحرب “يؤاف غالانت”، بهدف إيجاد مرجعية جديدة للحالة الاستيطانية في الضفة الغربية غير “الإدارة المدنية” (الإدارة المدنية هي هيئة عسكرية إسرائيلية تتبع جيش الاحتلال تحكم الضفة الغربية بات اسمها “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق”).
الحكم العسكري في معناه الظاهر، هو أنّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مؤقت، ولكن فصل المستوطنين في الضفّة الغربية عن إدارة الجيش من خلال دائرة مدنية خاصة بهم يعني من الناحية الفعلية ضمّ المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض نمط من الاحتلال المدني الذي يلغي الطابع المؤقت لاحتلال الضفة الغربية، ويكرّس واقعا أكثر تحديدا من الفصل العنصري، حيث يبقى الفلسطينيون خاضعين للإدارة العسكرية الإسرائيلية.
كانت هذه الخطوة، بالضمّ الناعم غير المعلن للمستوطنات، جزءا من خطة “سموتريتش” لحسم الصراع بالضفة الغربية التي أعلن عنها عام 2017، والتي تهدف إلى إلغاء أدنى إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية بالضفة الغربية، وتكريس “إسرائيل” “دولة” يهودية واحدة من البحر إلى النهر.
ما جرى إذًا يوم 28 جوان 2024 من قرارات جديدة، هو تنفيذ لخطة معلنة، وقرارات جرت مناقشتها من قبل، بما في ذلك إلغاء النفوذ الإداري للسلطة عن مساحة واسعة من مناطق (ب)، ومدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) بما يشمل قرارات الهدم وتراخيص البناء، وما يتصل بذلك بالضرورة من بنية تحتية وطاقة ومياه وترددات الاتصالات وشبكة المواصلات، وأكثر من ذلك، فإنّ لجنة الخارجية والأمن في “الكنيست” في تموز/ يوليو من العام الماضي، ناقشت كذلك مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (أ).
وإذا كانت اتفاقية “أوسلو” قد أتاحت للاحتلال إعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في مناطق (ج) التي أطبق عليها الاستيطان وطوّر فيها الاحتلال بنيته التحتية الاستعمارية، التي خنقت الفلسطينيين في محميات بشرية صغيرة منفصلة عن بعضها، وصادرت منهم إمكان التطوير الزراعي والصناعي، فإنّ مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) كما قُرّر أخيرا، و(أ) كما سيجري بالتأكيد لاحقا، يعني خنق التجمعات الفلسطينية من كلّ ناحية، وفرض القلق والخوف واللايقين على الفلسطيني الذي سيصبح منزله معرضا للهدم، ومصالحه في قبضة المجهول.
المفارقة أنّه ومنذ ذلك الاجتماع في جويلية العام الماضي درس الإسرائيليون المسوغات القانونية لإجراءاتهم المزمعة بمدّ صلاحياتهم الإدارية إلى مناطق السلطة وإلغاء صلاحيات السلطة في بعض المناطق بنحو كامل، وكانت المفارقة في كونهم استندوا إلى اتفاقية “أوسلو” نفسها، فقد نصّت الفقرة (1) من البند (7) في الملحق رقم (1) من اتفاقية “أوسلو” الثانية الموقعة عام 1995 أنّه: “ليس في هذه المادة ما ينتقص من صلاحيات “إسرائيل” ومسؤولياتها الأمنية وفقا لهذه الاتفاقية”، أي أن تقسيم الضفة إلى ثلاث فئات لا ينتقص من صلاحيات “إسرائيل” في أيّ من تلك الفئات.
وبالفعل منذ العام 2002 و”إسرائيل” تمارس الدور الأمني المباشر في مناطق (أ) التي تقتحمها باستمرار بغرض الاعتقالات والاغتيالات وهدم منازل منفّذي العمليات وتجريف البنية التحتية أثناء الاقتحامات، في حين يُفترض أن تقتصر الصلاحيات الأمنية في هذه المناطق على السلطة الفلسطينية، وكذلك المحمية البرية التي تقع شرقي بيت لحم والتي سحبت “إسرائيل” صلاحيات السلطة عنها تماما، درست “إسرائيل” منذ عام المسوّغ القانوني لذلك، وهو أنّه اشترط على السلطة في اتفاقية “واي ريفر” أن تخصص هذه المنطقة للمحميات الطبيعية والمناطق الخضراء وأن تمنع التمدد العمراني إليها، فالإخلال بهذا الشرط يمثّل غطاء قانونيّا للاحتلال لتكريس سيطرته على الضفة الغربية، (وقد أجرى “نتنياهو” مناقشات بشأن هذه المحمية في سبتمبر 2023، وزارها في الشهر نفسه وزير الحرب “غالانت” وحذر من كون البناء الفلسطيني فيها مخالفا لاتفاقية “أوسلو”).
هذا التمزيق المستمرّ للوجود الفلسطيني، وجعله بلا أمل في حياة أفضل يملك فيها الفلسطيني تصورا واضحا عن حياته، لا يقتصر على التمدد الاستيطاني الذي يعدم مجاله الحيوي ويشلّ قدرته على الحركة، ولكنه يستند كذلك إلى تنظيم الحالة الاستيطانية في مليشيات مسلحة لها مرجعياتها الحزبية ومنطلقاتها الأيديولوجية ومدارسها الدينية، ومواردها الاقتصادية ونفوذها في الأمن والجيش والحكومة، هذه المليشيات من أمثال “فتية التلال” و”تمرد” و”تدفيع الثمن” تتحول باطراد إلى صورة أخرى من عصابات “الهاغاناة” و”أريغون: إيتسل” و”ليحي”، وهو ما يتضح بهجمات الاستباحة لبلدات الفلسطينيين بالحرق والإتلاف والنهب والقتل.