تندوف- الزويرات.. الطريق نحو العمق الإفريقي  

تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا زخمًا متزايدًا في الأعوام الأخيرة، مدعومًا برؤية تهدف إلى تعزيز التكامل الإقليمي وفتح آفاق جديدة للتعاون القاري. وقد عكست المشاريع المشتركة، مثل الطريق البري تندوف-الزويرات، ومنطقة التبادل الحر، والبنوك الجزائرية الجديدة في موريتانيا، طموح البلدين لتجاوز حدود التبادل التجاري التقليدي. ومع الدور المحوري الذي تلعبه موريتانيا كمعبر استراتيجي للجزائر نحو أسواق غرب إفريقيا، يتجلى تعاون اقتصادي يتجاوز العلاقة الثنائية ليضع أسسًا لنهج تكاملي يعزز حضور الجزائر في عمق القارة، ويدفع نحو تنمية مستدامة تعود بالنفع على شعوب المنطقة.

تُجسّد العلاقات بين الجزائر وموريتانيا -وهما دولتان متجاورتان في شمال غرب إفريقيا- أنموذجًا للشراكة الثنائية التي تجمع بين الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية العميقة، والطموحات المشتركة لتحقيق التنمية الاقتصادية والازدهار الإقليمي.

لقد شكّلت الجغرافيا المشتركة، والتاريخ المتشابك، والروابط الاجتماعية والثقافية المتينة قاعدةً صلبة للعلاقات بين البلدين. ومع ذلك، شهدت الأعوام الأخيرة تطورًا نوعيًا في هذه العلاقات، مع تركيز متزايد على تعزيز التعاون الاقتصادي، مدفوعًا برؤية مشتركة تهدف إلى تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز الاستقرار في منطقة تواجه تحديات متنامية.

تأتي هذه الديناميكية الجديدة في العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا في سياق إقليمي ودولي معقد، يتسم بتحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة. فمنطقة الساحل، التي يشكل البلدان جزءًا من محيطها، تواجه تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة تتطلب تنسيقًا إقليميًا ودوليًا مشتركًا للتصدي لها. وفي هذا الإطار، يبرز التعاون الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا كركيزة أساسية لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة، من خلال خلق فرص اقتصادية جديدة، وتحسين مستوى المعيشة للسكان، وتعزيز الروابط بين البلدين.

هذا التوجه نحو تعزيز التعاون الاقتصادي لم يكن وليد اللحظة، بل هو ثمرة مسار طويل من الحوار والتشاور، تُوّج بتوقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات اقتصادية متنوعة، مما يؤكد التزام البلدين بترسيخ شراكتهما لتحقيق أهداف مشتركة تخدم مصالحهما الوطنية والإقليمية.

حراك دبلوماسي مكثف

شهدت العلاقات بين الجزائر وموريتانيا حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا خلال الأعوام الأخيرة، تجسد في سلسلة من الزيارات الرسمية المتبادلة على أعلى المستويات. هذا الحراك يعكس الإرادة السياسية القوية لقيادتي البلدين لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وعلى رأسها المجال الاقتصادي.

منذ توليه الحكم في موريتانيا عام 2019، قام الرئيس محمد ولد الغزواني بعدة زيارات رسمية إلى الجزائر، مما يؤكد الأهمية التي يوليها لتعزيز العلاقات مع الجزائر كشريك استراتيجي. وقد أثمرت هذه الزيارات عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي شملت مختلف جوانب التعاون الثنائي، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وفي المقابل، قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مؤخرًا بزيارة مهمة إلى نواكشوط، حيث شارك في المؤتمر القاري حول “التعليم ومستقبل الشباب والقابلية للتوظيف”، الذي عُقد برعاية الاتحاد الإفريقي وتحت رئاسة الرئيس الغزواني. هذه الزيارة تُعدّ الأولى لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ زيارة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد عام 1987، مما أضفى عليها بُعدًا تاريخيًا خاصًا.

إلى جانب الزيارات الرئاسية، شهدت العلاقات بين البلدين تبادلًا مكثفًا للزيارات الوزارية والوفود الرسمية، مما أسهم في تعزيز التنسيق والتواصل بين مختلف القطاعات الحكومية. وأسفرت هذه الجهود عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تغطي مجالات حيوية، مثل الطاقة والمعادن والتجارة والنقل والبنية التحتية، وهو ما يعكس التزام البلدين بتطوير شراكتهما لتحقيق التنمية المستدامة والأهداف المشتركة.

نمو قياسي للتبادل التجاري

حجم التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا يُعتبر مؤشرًا رئيسيًا على تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فقد شهد هذا التبادل نموًا ملحوظًا في الأعوام الأخيرة، حيث ارتفع من 50 مليون دولار في عام 2018 إلى 414 مليون دولار في عام 2023، محققًا زيادة بنسبة 728%.

هذا النمو اللافت يعزى إلى مجموعة من العوامل، أبرزها افتتاح أول معبر حدودي بري بين البلدين في عام 2018، إلى جانب تسهيل الإجراءات الجمركية، وتنظيم المعارض التجارية المشتركة، وزيادة الإقبال على المنتجات الجزائرية في السوق الموريتانية. ومن المتوقع أن يواصل هذا التبادل نموه مع تنفيذ المشاريع المشتركة وتفعيل المنطقة الحرة للتبادل التجاري بين الجانبين.

يستند التعاون الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا إلى أهداف استراتيجية متعددة، منها تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتنويع مصادر الدخل القومي، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين البنية التحتية، فضلاً عن تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. كما يُتيح هذا التعاون فرصة ثمينة للبلدين للاستفادة من مواردهما الطبيعية وقدراتهما الاقتصادية، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على شعبيهما.

ويُعد تجسيد التعاون الاقتصادي بين البلدين من خلال مشاريع مشتركة ملموسة حجر الزاوية في بناء شراكة استراتيجية قوية، وتسهم هذه المشاريع في زيادة حجم التبادل التجاري، وتطوير البنية التحتية، وخلق المزيد من فرص العمل، وتعزيز التكامل الإقليمي، بما يرسخ مسار التنمية المستدامة.

 المنطقة الحرة بتندوف.. بوابة الجزائر نحو غرب إفريقيا

تُمثّل المنطقة الحرة بتندوف مشروعًا استراتيجيًا يعكس رؤية الجزائر لتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي وفتح آفاق جديدة للتجارة مع دول غرب إفريقيا. فبفضل موقعها المتميز بالقرب من المعبر الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد، تُعد المنطقة الحرة نقطة اتصال حيوية بين الجزائر ودول مثل موريتانيا وباقي بلدان غرب القارة.

يُعزز المشروع مكانة الجزائر كمحور للتبادل التجاري العابر للحدود، مستفيدًا من قربه من مدينة الزويرات على بعد 775 كيلومترًا، ونواكشوط على مسافة 1650 كيلومترًا، وكذلك المنطقة الحرة في نواذيبو التي تبعد ألفي كيلومتر.

يمتد المشروع على مساحة 200 هكتار، على بُعد 75 كيلومترًا فقط من مقر ولاية تندوف، ويهدف إلى أن يكون مركزًا متكاملاً يقدم خدمات شاملة للمتعاملين الاقتصاديين من الجانبين. ويضم المشروع مرافق متنوعة تشمل فضاءات عرض للشركات، وخدمات لوجستية متطورة مثل الفنادق، والمطاعم، وشبكات النقل.

ومن خلال هذه البنية التحتية الحديثة، تتيح المنطقة الحرة فرصة استثنائية لجذب الاستثمارات وتحفيز الشراكات الاقتصادية بين الجزائر ودول غرب إفريقيا، مما يُسهم في تعزيز التجارة البينية وتقوية الروابط الاقتصادية الإقليمية.

وخلال زيارته التاريخية لولاية تندوف العام الماضي، وضع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حجر الأساس للمشروع برفقة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، مشددًا على أهمية المنطقة الحرة. وأكد الرئيس تبون خلال المناسبة أن السلع الموريتانية ستكون مُعفاة من الضرائب في الجزائر، في خطوة تعكس التزام الجزائر بتسهيل التبادل التجاري وتقديم إعفاءات ضريبية وجمركية لتحفيز التعاون. كما دعا المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين للاستثمار في المشروع والاستفادة من المزايا المقدمة.

من المتوقع أن تُسهم المنطقة الحرة في زيادة حجم التبادل التجاري بشكل كبير، وخلق فرص عمل جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادي في المناطق الحدودية. وفي هذا السياق، تعمل وزارتا التجارة في البلدين بشكل مكثّف على إعداد قائمة بالمنتجات التي ستُعفى من الرسوم الجمركية، في خطوة تُعد أساسية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا.

تندوف-الزويرات.. شريان حيوي للتكامل الإقليمي

يعدّ مشروع الطريق البري تندوف-الزويرات من المبادرات الاستراتيجية البارزة التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الجزائر وموريتانيا. يمتد هذا الطريق الحيوي على مسافة تقارب 840 كيلومترًا، رابطًا مدينة تندوف الجزائرية بمدينة الزويرات الموريتانية. يُعتبر هذا المشروع شريانًا رئيسيًا يساهم في زيادة التبادل التجاري بين البلدين وتيسير حركة السلع والخدمات، فضلاً عن خفض تكاليف النقل وتقليص زمن التسليم، مما يعزز جاذبيته كعامل محفز للاستثمار الإقليمي وتنمية المناطق الحدودية.

يشكل الطريق نقطة اتصال مباشرة للأسواق الإفريقية، حيث يفتح مسارات طرق دولية جديدة تُعزز من مكانة الجزائر كمركز اقتصادي إقليمي. يوفر المشروع فرصةً للشركات الجزائرية للوصول إلى الأسواق الإفريقية عبر موريتانيا، كما يسهم في تعزيز التعاون بين الفاعلين الاقتصاديين في البلدين، مهيئًا فرصًا استثمارية واعدة تعزز التنمية الاقتصادية في المنطقة.

ينفذ هذا المشروع بمشاركة فعّالة من الشركات الجزائرية، حيث تُديره عشر شركات وطنية تحت إشراف مكتب دراسات جزائري، ما يعكس القدرات الهندسية والتقنية العالية التي تتمتع بها الجزائر في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى. وقد أحرز المشروع تقدمًا ملحوظًا في أعمال الإنشاء، مع بعض المقاطع الجاهزة للتسليم، ما يعكس التزامًا قويًا بإنجاز المشروع في الوقت المحدد.

يتجاوز مشروع الطريق البري الأبعاد الاقتصادية، إذ يُعدّ خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين الجزائر وموريتانيا. تم توقيع اتفاقية تنفيذ المشروع خلال زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر في ديسمبر 2021، ما يعكس رؤية مشتركة للتنمية المستدامة. من المتوقع أن يُدار الطريق وفق نظام امتياز لمدة 10 أعوام قابلة للتجديد، مما يضمن استدامة المشروع ويعزز فاعليته على المدى الطويل.

عند اكتماله، سيشكل طريق تندوف-الزويرات ركيزة أساسية لتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي. بالإضافة إلى تسهيل وصول المنتجات الجزائرية إلى الأسواق الإفريقية، سيوفر المشروع بنية تحتية لوجستية متكاملة، بما في ذلك محطات وقود تديرها شركة “نفطال”. يمثل هذا الطريق رؤية طموحة لتطوير المناطق الحدودية وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة.

البنوك والمعارض كجسر للتعاون

يُعدّ افتتاح الجزائر لبنوك خارجية خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز وجودها الاقتصادي في غرب إفريقيا، حيث يُعد بنك الاتحاد الجزائري في نواكشوط من أبرز هذه المبادرات. يركز هذا البنك على دعم المستثمرين الجزائريين في السوق الموريتانية من خلال تقديم خدمات مالية متكاملة تسهم في تسهيل جميع مراحل الاستثمار. كما يُسهم البنك في تعزيز ثقة المستثمرين، ويُوفر بيئة عمل ملائمة تساهم في نجاحهم في مجالات متنوعة، ما يعكس التزام الجزائر بتيسير دخول الفاعلين الاقتصاديين إلى الأسواق الإفريقية.

إلى جانب افتتاح البنوك، قامت الجزائر بتنظيم معارض دائمة للمنتجات الوطنية في موريتانيا، وهو ما يُعد خطوة هامة لتعريف السوق الموريتانية وأسواق غرب إفريقيا بجودة وتنوع المنتجات الجزائرية. توفر هذه المعارض منصة لعرض السلع والخدمات التي تقدمها الشركات الجزائرية، مما يُسهم في خلق فرص تجارية جديدة وتعزيز التبادلات الاقتصادية بين البلدين. كما تسهم هذه المعارض في تسهيل التواصل بين المتعاملين الموريتانيين ونظرائهم الجزائريين، ما يُعزز فرص الشراكات الاستراتيجية على المدى الطويل.

يشكل الجمع بين البنوك والمعارض الدائمة استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث توفر البنوك الدعم المالي والتسهيلات الاستثمارية، بينما تسهم المعارض الدائمة في زيادة الوعي بالمنتجات الجزائرية وإبراز إمكانياتها التنافسية. يعزز هذا النهج رؤية الجزائر في تحقيق التنوع الاقتصادي والانفتاح على الأسواق الإفريقية، مما يعزز دورها كمحرك رئيسي للتنمية الإقليمية. بفضل هذه المبادرات، تتمكن الجزائر من تمكين المستثمرين من تحقيق فوائد مشتركة تعود بالنفع على كلا البلدين وتساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة.

من خلال هذه الخطوات، تؤكد الجزائر التزامها الراسخ بتعزيز وجودها الاقتصادي في إفريقيا ودعم جهودها لتوسيع التعاون الإقليمي. يعكس افتتاح البنوك والمعارض رؤية استراتيجية طويلة الأمد تعتمد على شراكات مستدامة، مما يعزز مكانة الجزائر كشريك اقتصادي قوي في القارة الإفريقية.

فرص الاستثمار

تمثل موريتانيا وجهة استثمارية واعدة للشركات الجزائرية، بفضل موقعها الاستراتيجي في غرب إفريقيا ومواردها الطبيعية الغنية التي توفر فرصًا متنوعة في قطاعات استراتيجية متعددة. في إطار تحرك الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية نحو تعزيز التواجد في العمق الإفريقي، وبموجب خطط الحكومة لتنويع الاقتصاد الوطني، أصبح السوق الموريتاني محط اهتمام للمستثمرين الجزائريين، خاصة مع التسهيلات المصممة لدعمهم في كافة مراحل الاستثمار.

تتجلى الفرص الاستثمارية المغرية في خمسة قطاعات رئيسية، يتصدرها قطاع المناجم والمعادن. حيث تمتلك موريتانيا احتياطيات ضخمة من الحديد، الذهب، والنحاس التي لم تُستغل بالكامل بعد، مما يتيح للشركات الجزائرية العاملة في مجالات الاستخراج والخدمات الداعمة الاستفادة من هذه الثروات الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، يشكل قطاع الطاقات المتجددة فرصة واعدة أخرى، حيث تركز موريتانيا على تطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يوفر للشركات الجزائرية فرصة هامة للمساهمة بخبراتها في دعم التحول الطاقوي لهذا البلد.

الثروة السمكية الضخمة في المحيط الأطلسي تشكل فرصة استثنائية أخرى، إذ يُعد قطاع الصيد البحري مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة لموريتانيا، ما يمنح الشركات الجزائرية فرصة للاستثمار في معالجة المأكولات البحرية، الخدمات اللوجستية، وتسويق المنتجات السمكية. كما يُعتبر قطاع الفلاحة وتربية المواشي مجالًا واعدًا، حيث يوفر فرصًا كبيرة للاستثمار في تحديث البنية التحتية الزراعية، تطوير الري، وإدخال المكننة، بما يعزز الأمن الغذائي ويساهم في التنمية المستدامة بموريتانيا.

وفي ظل الطلب المتزايد على تطوير البنية التحتية، يبرز قطاع الإنشاءات والخدمات اللوجستية كفرصة إضافية للشركات الجزائرية. يوفر هذا القطاع إمكانات واسعة للاستثمار في مجالات البناء والنقل وتكنولوجيا المعلومات، مما يعكس تطور القدرات الجزائرية ويعزز دورها كشريك استراتيجي في تنمية المنشآت القاعدية لموريتانيا، مع تحقيق فوائد اقتصادية مشتركة تعود بالنفع على البلدين.

منطق التكامل الاقتصادي

وتشكل موريتانيا بوابة استراتيجية للجزائر نحو أسواق غرب إفريقيا، حيث تُتيح العلاقات الاقتصادية بين البلدين فرصة لتوسيع دائرة التعاون إلى أبعد من الحدود الثنائية. فبفضل موقعها الجغرافي على الساحل الأطلسي وارتباطها بعدة دول في غرب إفريقيا عبر شبكات تجارية إقليمية، يمكن لموريتانيا أن تصبح معبرًا رئيسيًا لتسويق المنتجات الجزائرية إلى هذه الأسواق الواسعة. هذا الدور يجعل موريتانيا حلقة وصل بين الجزائر والدول الإفريقية الأخرى، مما يعزز مكانة الجزائر كلاعب اقتصادي قوي في القارة.

من خلال مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل الطريق البري تندوف-الزويرات ومنطقة التبادل الحر، تتمكن الجزائر من تأمين مسارات لوجستية فعالة نحو الأسواق الإفريقية. وتوفر هذه المشاريع قناة مباشرة لنقل السلع الجزائرية إلى دول مثل السنغال، مالي، وساحل العاج، حيث تتميز هذه الأسواق بارتفاع الطلب على المنتجات الصناعية والغذائية التي يمكن للجزائر توفيرها بأسعار تنافسية. هذا الامتداد الاقتصادي يتجاوز الفوائد المباشرة للعلاقات الثنائية ليخلق تأثيرًا إقليميًا ينعكس إيجابيًا على اقتصادات غرب إفريقيا.

علاوة على ذلك، فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا يفتح المجال للشركات الجزائرية للاستفادة من اتفاقيات التجارة الإقليمية التي تنتمي إليها موريتانيا، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، يمكن للمنتجات الجزائرية أن تدخل هذه الأسواق بشروط تفضيلية، مما يزيد من جاذبية التعاون الاقتصادي بين البلدين. هذا التوسع في النفوذ الاقتصادي الجزائري عبر موريتانيا لا يدعم فقط الاقتصاد الوطني، بل يسهم أيضًا في تعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي وتحقيق رؤية الجزائر لبناء شراكات تنموية تعود بالنفع على شعوب القارة بأسرها.

بناءً على ما تقدّم، يُمكن القول إن العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا هي بوابة الجزائر لتحقيق اختراق اقتصادي في عمق القارة الإفريقية. فمن خلال مشاريع استراتيجية، مثل الطريق البري تندوف-الزويرات، ومنطقة التبادل الحر، والاتفاقيات الثنائية الطموحة، تعمل الجزائر على تعزيز نفوذها الاقتصادي وتحويل موريتانيا إلى منصة انطلاق نحو أسواق غرب إفريقيا. هذه الديناميكية الجديدة تُبشّر بتنويع الاقتصاد الجزائري وبتمكين الجزائر من لعب دور محوري في رسم ملامح التعاون الإقليمي والقاري.

محور الجزائر-نواكشوط يُجسّد رؤية عميقة تستهدف التكامل الاقتصادي وتعزيز التنمية المُستدامة في المنطقة. تغوّل الجزائر الاقتصادي في إفريقيا يعني بناء شراكات تستند إلى المصالح المتبادلة وتحقيق الاستقرار والازدهار. ومع تزايد التعاون بين البلدين مستقبلا في مجالات مثل الطاقات المتجددة، التكنولوجيا، والسياحة، فإن هذه الشراكة تمثل أنموذجًا يُحتذى به لتطوير علاقات متينة تُسهم في تحقيق أهداف التنمية القارية وتعزيز مكانة إفريقيا كمركز اقتصادي عالمي.

بهذا النهج، تُثبت الجزائر وموريتانيا أن التعاون الإقليمي ضرورة لفتح آفاق جديدة للاقتصاديات الإفريقية، وتحويل التحديات المشتركة إلى فرص واعدة. هذه الشراكة بداية لرؤية أوسع تهدف إلى تحقيق تغوّل اقتصادي إفريقي يُرسّخ مكانة القارة كفاعل مؤثر في الاقتصاد العالمي.

محمد سيدي محمد الحاج أحمد 3
محمد سيدي محمد الحاج أحمد
(باحث ومحلل اقتصادي – موريتانيا)

الجزائر وموريتانيا..

الطريق الرابط بين تندوف والزويرات جسر للتكامل الاقتصادي

أكد محمد سيدي محمد الحاج أحمد، الباحث والمحلل الاقتصادي الموريتاني، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أهمية الطريق البري الرابط بين تندوف والزويرات كأحد أبرز المشاريع الاقتصادية المشتركة بين الجزائر وموريتانيا. وأوضح أنه يعد جسرًا استراتيجيًا يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين، ويشكل محركًا للتجارة الإقليمية بين شمال إفريقيا وجنوب غرب القارة.

وأشار محمد سيدي محمد الحاج أحمد إلى أن هذا المشروع الحيوي يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الجزائر وموريتانيا، ويهدف إلى تسهيل حركة البضائع والتبادل التجاري في المنطقة بشكل عام. وقال: “الطريق يمثل نقطة ربط حقيقية بين شمال إفريقيا وجنوب غرب إفريقيا، مما يعزز التواصل التجاري والاقتصادي بين بلدان المنطقة ويجعلها أكثر كفاءة وسرعة”.

وأضاف أن الطريق الجديد سيؤثر بشكل إيجابي على الحركية التجارية بين البلدين، من خلال تقليص زمن نقل السلع وتخفيض تكاليفه، مما سينعكس على الأسواق المحلية في الجزائر وموريتانيا. وأوضح أن الطريق يوفر وسيلة نقل برية بديلة عن النقل الجوي الذي كان يرفع من التكاليف ويحد من حجم التبادل التجاري بين البلدين.

وأكد أن هذا المشروع لا يخدم الجزائر وموريتانيا فحسب، بل يسهم أيضًا في تخفيف العبء التجاري عن بعض المناطق المجاورة مثل السنغال. وقال: “المناطق المجاورة يمكنها الاعتماد على هذا الطريق لتسهيل استيراد السلع من الجزائر عبر موريتانيا، ما يعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي”.

وفي السياق نفسه، أضاف الباحث أن الطريق البري سيوفر فرصًا تنموية كبيرة للمناطق المحيطة به في البلدين. إذ سيساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي من خلال زيادة الطلب على الخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية الخاصة بالنقل والتجارة. كما سيكون هذا المشروع بمثابة منصة لتوسيع التجارة البينية بين الجزائر وموريتانيا، خاصة في مجالات الغذاء ومواد البناء والمنتجات الجزائرية ذات الجودة العالية التي ستصل بسهولة إلى الأسواق الموريتانية.

وأشار أيضًا إلى أن الطريق يعد فرصة لتطوير المناطق النائية في البلدين، من خلال توفير وسائل نقل موثوقة تسهم في تحسين حياة السكان ودعم الاقتصاد المحلي، مما يعزز من تحقيق التنمية المستدامة في الجزائر وموريتانيا.

تعزيز التكامل الإقليمي

أوضح المحلل الاقتصادي الموريتاني أن مشروع الطريق البري بين تندوف والزويرات يأتي في إطار رؤية الجزائر لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الجوار، حيث تسعى الجزائر إلى تعزيز دورها كمركز للتواصل التجاري بين إفريقيا وأوروبا. وقال: “الجزائر تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يتيح لها أداء دور حيوي في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، والطريق الرابط بين تندوف والزويرات هو جزء أساسي من هذه الاستراتيجية”. وأشار المحلل إلى أن المشروع يعكس التوجه المشترك للبلدين لتعزيز العلاقات الاقتصادية بما يخدم مصالح الشعبين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي تتطلب تعزيز التعاون الإقليمي.

وفي تصريحه، أعرب محمد عن تفاؤله بمستقبل المشاريع المشتركة بين الجزائر وموريتانيا، مؤكدًا أن الطريق البري يمثل خطوة أولى نحو توسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين. وأضاف أن هذا المشروع يمكن أن يصبح أنموذجًا ناجحًا لتطوير مشاريع إقليمية أخرى تركز على تعزيز التجارة والاستثمار بين دول القارة الإفريقية.

وفي الختام أكد أن الجزائر وموريتانيا، من خلال هذا المشروع، تقدمان أنموذجًا للتعاون الإيجابي الذي يعود بالنفع على شعوب المنطقة ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة. وأعرب عن أمله في أن يتبع هذا المشروع مشاريع أخرى مثل المناطق الحرة المشتركة وتطوير النقل البحري بين البلدين لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

عبد الكريم كوناتي 3
عبد الكريم كوناتي
باحث وأكاديمي متخصص في اقتصاد موريتانيا واقتصاد إفريقيا

فرصٌ واعدة وتحدّيات قائمة

يعد التعاون الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا اليوم من أبرز النماذج الناجحة للتكامل الإقليمي في شمال إفريقيا، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، تجسد من خلال مشاريع استراتيجية ومبادرات تهدف إلى تعزيز الشراكة الثنائية. من أبرز هذه المشاريع هو طريق “تندوف-زويرات”، الذي يمتد على 840 كيلومترًا ويربط بين الجزائر وموريتانيا، ويعد هذا الطريق حيويًا لتعزيز حركة البضائع والأفراد بين البلدين، وكذلك مع دول غرب إفريقيا. تأتي هذه المبادرة في إطار تعزيز الروابط الإقليمية، بهدف تقليص تكاليف النقل وتحسين البنية التحتية اللوجستية، مما يفتح آفاقًا أكبر للتكامل الاقتصادي بين الدول المعنية.

على صعيد آخر، شهدت التبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت المبادلات التجارية بنسبة 82% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 414 مليون دولار أمريكي. ويعكس هذا الارتفاع الجهود المشتركة لتجاوز العقبات الجمركية والتنظيمية وتعزيز حركة السلع والخدمات. كما ساهم افتتاح المعبر الحدودي بين البلدين وتأسيس منطقة تجارة حرة في زيادة حجم التجارة وتحفيز الاستثمارات الثنائية، مما يعزز من قوة الشراكة الاقتصادية بينهما.

في مجال الزراعة، يُعد التعاون بين الجزائر وموريتانيا أحد الركائز الأساسية للشراكة المستقبلية. إذ تسعى موريتانيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وقد وجدت في الجزائر شريكًا موثوقًا لنقل الخبرات والتقنيات الزراعية الحديثة. من خلال تطبيق أنظمة ري مستدامة وتطوير تقنيات الزراعة العضوية، تدعم الجزائر القطاع الزراعي في موريتانيا، مما يسهم في تعزيز الإنتاجية وضمان الأمن الغذائي في كلا البلدين. كما تسهم برامج التدريب الزراعي وتبادل الخبرات بين المزارعين في تعزيز كفاءتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات البيئية.

أما قطاع الطاقة، فيعد من المجالات الواعدة لتوسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين. بفضل مواردها الهائلة من المحروقات، قدمت الجزائر دعمًا كبيرًا لموريتانيا في تأمين احتياجاتها الطاقوية وتعزيز بنيتها التحتية في هذا المجال. كما أن التوجه نحو استغلال مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يفتح آفاقًا جديدة للتعاون، خاصة في ظل التحديات العالمية المرتبطة بالتغير المناخي. تمثل الاستثمارات المشتركة في إنشاء محطات توليد الطاقة وتطوير شبكات التوزيع فرصة لتعزيز الأمن الطاقوي وتحقيق تنوع اقتصادي مستدام في المنطقة.

تُعد السياحة من القطاعات الواعدة التي تمتلك إمكانيات كبيرة لتوسيع الشراكة بين الجزائر وموريتانيا. فالتراث الثقافي الغني والمناظر الطبيعية الفريدة التي يتمتع بها كلا البلدين يمكن أن تتحول إلى عامل جذب سياحي كبير إذا تم استغلالها بالشكل الأمثل. إن التعاون في الترويج للمواقع السياحية وإنشاء مسارات سياحية مشتركة بين الجزائر وموريتانيا سيسهم في جذب المزيد من الزوار، مما يعزز الدخل القومي للبلدين ويوفر فرصًا اقتصادية جديدة.

على الرغم من هذه الإنجازات والفرص الواعدة، لا تزال العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا تواجه بعض التحديات. تُعد البنية التحتية للنقل، على سبيل المثال، واحدة من العقبات الرئيسية التي تعيق التبادل التجاري. فالبنية الحالية من الطرق، إلى جانب نقص السكك الحديدية، تؤدي إلى زيادة تكاليف النقل وتسبب تأخيرًا في تسليم البضائع. مع ذلك، يمثل مشروع طريق “تندوف-زويرات” خطوة مهمة نحو معالجة هذه التحديات، حيث يُتوقع أن يسهم في تحسين الربط اللوجستي بين البلدين ودول الجوار، ويُعزز من حركة التجارة الإقليمية.

التحديات الجمركية والتنظيمية تُعد من أبرز العقبات التي تعيق التعاون الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا. فالتعريفات الجمركية المرتفعة والإجراءات المعقدة غالبًا ما تثني الشركات عن المشاركة في التجارة الثنائية. ومع ذلك، فإن الإعلان عن إعفاء متبادل للرسوم الجمركية بين البلدين في أوائل عام 2024 يُعد خطوة هامة نحو تعزيز التبادل التجاري وتسهيل حركة السلع بينهما.

إضافة إلى ذلك، يواجه التكامل الإقليمي تحديات إضافية نتيجة الجمود الذي يعاني منه اتحاد المغرب العربي. ومع ذلك، يُعزز الزخم الذي تشهده العلاقات الجزائرية-الموريتانية من خلال إطلاق مشاريع استراتيجية مشتركة، مما يفتح آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون على المستوى الإقليمي.

لتحقيق شراكة اقتصادية قوية ومستدامة، من الضروري تبني نهج شامل يعالج التحديات القائمة ويعظم الفرص المتاحة. يشمل ذلك تطوير البنية التحتية، تخفيف الحواجز الجمركية، تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ودعم المشاريع الابتكارية. إن التعاون الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا يُعتبر مثالًا ناجحًا للتكامل الإقليمي، ويُظهر إمكانية تحقيق تنمية مستدامة تعود بالفائدة على شعبي البلدين والمنطقة ككل.

حمزة بوغادي 3
حمزة بوغادي – خبير اقتصادي

الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا..

مفتاح الحضور الاقتصادي في إفريقيا

تحدث حمزة بوغادي، الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، عن أهمية الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا ودورها في تعزيز الحضور الاقتصادي الجزائري في إفريقيا، خصوصًا في غرب القارة. وأكد أن المشاريع الاقتصادية الكبرى، مثل الطريق الرابط بين الجزائر وموريتانيا، وإنشاء أول بنك جزائري خارج الوطن، تسهم في تسهيل الحركة التجارية وبناء شراكات اقتصادية طويلة الأمد تخدم التنمية المستدامة في المنطقة.

وأكد بوغادي، أن الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا تمثل خطوة هامة لتعزيز الحضور الاقتصادي الجزائري في القارة الإفريقية، خصوصًا في غربها. وأوضح أن الجزائر بدأت في إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، مستفيدة من الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي تم إطلاقها منذ أربعة أعوام، والتي ركزت على التحرك الأفقي والعمودي في مختلف القطاعات، بقيادة رئيس الجمهورية.

وأشار بوغادي إلى أن مشاريع البنية التحتية تُعد أبرز أدوات الجزائر لتثبيت علاقاتها الاقتصادية في موريتانيا، مستشهدًا بمشروع الطريق الرابط بين الجزائر وموريتانيا، الذي يمتد لمسافة 800 كيلومتر داخل الأراضي الموريتانية. وأكد أن هذا المشروع يسهم في تسهيل الحركة التجارية ويعزز فرص التعاون الاقتصادي طويل الأمد بين البلدين، ويضع الأساس لدخول الجزائر إلى الأسواق الإفريقية.

تعزيز التنمية المستدامة في المنطقة

وأوضح بوغادي أن الجزائر أطلقت العديد من المبادرات الاقتصادية في موريتانيا لتعزيز التعاون الثنائي، من بينها إنشاء أول بنك جزائري خارج الوطن، وهو خطوة تُعد استراتيجية لدخول الأسواق الإفريقية بشكل أكثر فاعلية. وأضاف أن هذا البنك يهدف إلى تسهيل العمليات التجارية بين الجزائر وموريتانيا، وتوفير منصة تمويلية لدعم المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين من كلا البلدين.

وأشار إلى أن الجزائر تنظر إلى موريتانيا كشريك استراتيجي لدخول أسواق غرب إفريقيا، مستفيدة من الاستقرار الذي تعيشه موريتانيا. كما سلط الضوء على الوكالة الجزائرية للتعاون والتنمية، التي خصصت موارد مالية لدعم التنمية في منطقة الساحل، مؤكدًا أن هذه الجهود تمثل أنموذجًا ناجحًا لتعزيز التنمية المستدامة ومحاربة الآفات الناتجة عن الفقر وغياب التنمية. وختم حديثه بالتأكيد على أن الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا تُعد بداية واعدة لتعزيز التعاون الإفريقي-الإفريقي، مع التركيز على بناء شراكات طويلة الأمد.

حبيب بريك الله 3
أ.د. حبيب بريك الله – أكاديمي ومحلل سياسي

الدبلوماسية الجزائرية..

محور رئيسي في تعزيز العلاقات مع نواكشوط

أكد أ.د. حبيب بريك الله، الأكاديمي والمحلل السياسي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن العلاقات السياسية المتينة بين الجزائر وموريتانيا شكلت قاعدة قوية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وأوضح البروفيسور أن هذه الشراكة تنبع من رؤية استراتيجية للرئيس عبد المجيد تبون، الذي جعل السوق الإفريقية أحد أولويات الانفتاح الاقتصادي للجزائر. وأشار إلى أن المعبر الحدودي في تندوف، الذي تم تدشينه في بداية العام الماضي، يُعد مشروعًا حيويًا في هذا السياق، حيث يشهد اليوم حركة غير مسبوقة للقوافل التجارية الجزائرية المتوجهة نحو موريتانيا وبقية أسواق إفريقيا.

وأضاف بريك الله أن هذه الحركية الاقتصادية نتجت عن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية بين الجزائر وموريتانيا، التي تُوّجت بتحويل تندوف إلى منطقة للتبادل الحر، مما خلق بيئة مواتية لتطوير التجارة وتعزيز الشراكة الاقتصادية.

وأكد أن هذه المؤشرات الإيجابية تساهم في استقرار العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، خاصة في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة من بعض دول الجوار. واعتبر أن هذه التحركات تهدف إلى تقويض الأمن وخلق حالة من الاضطراب، لكن الجزائر تمكنت، عبر دبلوماسيتها الفاعلة، من تعزيز دورها الاقتصادي في إفريقيا، مما أسهم بشكل ملحوظ في انتعاش التعاون مع موريتانيا.

أنموذج للاستقرار والتنمية الإقليمية

أوضح البروفيسور حبيب بريك الله أن العلاقات السياسية بين الجزائر وموريتانيا دخلت مرحلة جديدة من النشاط المكثف بعد سلسلة من الزيارات المتبادلة بين رئيسي البلدين. وأشار إلى أن هذه الزيارات أسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات التي أسست لتعاون اقتصادي وأمني عميق بين البلدين. وأضاف أن هذه الاتفاقيات تأتي في وقت حساس تمر به المنطقة، حيث تشهد تحركات مشبوهة من بعض الدول، مثل المغرب، الذي عزز تعاونه مع الكيان الصهيوني، مما يشكل تهديدًا واضحًا لاستقرار المنطقة.

كما أضاف بريك الله أن الشراكة الجزائرية-الموريتانية أسهمت في تعزيز التبادلات التجارية، خاصة عبر المعبر الحدودي والخط البري الرابط بين تندوف والزويرات، الذي أصبح شريانًا حيويًا لتسهيل حركة السلع والبضائع. وأشار إلى أن الجزائر ستواصل تعزيز هذا التعاون عبر مشاريع إضافية، مثل افتتاح خط جوي بين تندوف ونواكشوط، بالإضافة إلى خط بحري هو الأول من نوعه بين البلدين، مما سيوفر فرصًا أكبر لتنشيط الاقتصاد وزيادة حجم التبادل التجاري.

وأكد بريك الله على أهمية الطلب المتزايد في السوق الإفريقية على المنتجات الجزائرية، مثل المواد الغذائية والزراعية، التي تشمل السكر والتمور ومستحضرات الصلصات، إلى جانب مواد أخرى. واعتبر أن هذا الطلب يمثل فرصة ذهبية للجزائر لتوسيع شراكتها الاقتصادية مع موريتانيا، مما يعزز مكانة البلدين في السوق الإفريقية ويدعم التنمية الاقتصادية المشتركة، التي تُعد جزءًا من استراتيجية الجزائر لتحقيق استقرار وتنمية إقليمية شاملة.

وفي ختام تصريحه، أكد بريك الله أن هذه الشراكة الاقتصادية تعزز المصالح الثنائية بين الجزائر وموريتانيا، وتسهم أيضًا في بناء أنموذج تنموي يُحتذى به في إفريقيا، خاصة في ظل التحديات المتمثلة في الفقر وغياب التنمية التي تعاني منها بعض دول المنطقة.

 

سعدي العربي 3
بقلم: سعدي العربي
باحث متخصص في التجارة الدولية والخدمات اللوجستية

أنموذج للاستقرار والتنمية الإقليمية

أوضح البروفيسور حبيب بريك الله أن العلاقات السياسية بين الجزائر وموريتانيا دخلت مرحلة جديدة من النشاط المكثف بعد سلسلة من الزيارات المتبادلة بين رئيسي البلدين. وأشار إلى أن هذه الزيارات أسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات التي أسست لتعاون اقتصادي وأمني عميق بين البلدين. وأضاف أن هذه الاتفاقيات تأتي في وقت حساس تمر به المنطقة، حيث تشهد تحركات مشبوهة من بعض الدول، مثل المغرب، الذي عزز تعاونه مع الكيان الصهيوني، مما يشكل تهديدًا واضحًا لاستقرار المنطقة.

كما أضاف بريك الله أن الشراكة الجزائرية-الموريتانية أسهمت في تعزيز التبادلات التجارية، خاصة عبر المعبر الحدودي والخط البري الرابط بين تندوف والزويرات، الذي أصبح شريانًا حيويًا لتسهيل حركة السلع والبضائع. وأشار إلى أن الجزائر ستواصل تعزيز هذا التعاون عبر مشاريع إضافية، مثل افتتاح خط جوي بين تندوف ونواكشوط، بالإضافة إلى خط بحري هو الأول من نوعه بين البلدين، مما سيوفر فرصًا أكبر لتنشيط الاقتصاد وزيادة حجم التبادل التجاري.

وأكد بريك الله على أهمية الطلب المتزايد في السوق الإفريقية على المنتجات الجزائرية، مثل المواد الغذائية والزراعية، التي تشمل السكر والتمور ومستحضرات الصلصات، إلى جانب مواد أخرى. واعتبر أن هذا الطلب يمثل فرصة ذهبية للجزائر لتوسيع شراكتها الاقتصادية مع موريتانيا، مما يعزز مكانة البلدين في السوق الإفريقية ويدعم التنمية الاقتصادية المشتركة، التي تُعد جزءًا من استراتيجية الجزائر لتحقيق استقرار وتنمية إقليمية شاملة.

وفي ختام تصريحه، أكد بريك الله أن هذه الشراكة الاقتصادية تعزز المصالح الثنائية بين الجزائر وموريتانيا، وتسهم أيضًا في بناء أنموذج تنموي يُحتذى به في إفريقيا، خاصة في ظل التحديات المتمثلة في الفقر وغياب التنمية التي تعاني منها بعض دول المنطقة.

 

كيف تساهم الشراكة اللوجيستية في دفع التجارة الإفريقية إلى الأمام؟

تعتبر الجزائر وموريتانيا من بين الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة شمال وغرب إفريقيا، حيث يتمتع كلا البلدين بموقع جغرافي مميز يمكنهما من لعب دور كبير في تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي. في هذا السياق، تعدّ اللوجستيات والتبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا من العناصر الأساسية لتعزيز التكامل بينهما، وهو ما يدفع نحو تذليل العديد من التحديات التي قد تعرقل هذا التعاون.

تتمتع الجزائر وموريتانيا بمقومات اقتصادية لوجيستية مميزة تجعلهما لاعبين مهمين في التجارة الإقليمية والدولية على المستوى البحري، تمتلك الجزائر العديد من الموانئ الحيوية مثل ميناء الجزائر العاصمة، ميناء وهران، وميناء سكيكدة، التي تساهم في تسهيل حركة التجارة الدولية من وإلى أوروبا وإفريقيا. من جانبها، تمتلك موريتانيا منافذ بحرية استراتيجية على المحيط الأطلسي، مثل ميناء الصداقة في نواكشوط وميناء نواذيبو الذي يعزز التجارة مع دول غربية وأمريكا.

بالإضافة إلى ذلك، يمتلك كلا البلدين موقعا جغرافيا استراتيجيا. الجزائر تقع بين شمال إفريقيا وآسيا وأوروبا، بينما تعد موريتانيا حلقة وصل بين غرب إفريقيا والمحيط الأطلسي. هذه المواقع تمنحهما القدرة على أن يكونا مركزين مهمين للتجارة الإقليمية والعالمية، مما يعزز دورهما في ربط الأسواق الإفريقية بالأوروبية والأسيوية.

يعد الربط البري بين زويرات في موريتانيا وتندوف في الجزائر مشروعا استراتيجيا ذا أبعاد اقتصادية ولوجيستية هامة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الحركة التجارية بين البلدين وتفعيل سلسلة التوريد الإقليمية في إفريقيا. يوفر هذا الطريق البري جسرًا حيويًا يعزز من تدفق السلع والبضائع بين الجزائر وموريتانيا مما يسهل التبادل التجاري بشكل أكثر كفاءة. ومن خلال تقليص المسافات وتقليل تكاليف النقل، يصبح بالإمكان تقليص أعباء التكاليف اللوجيستية التي كانت تمثل عائقا أمام تعزيز التجارة بين البلدين. هذا يسهم في زيادة تدفق البضائع، مثل المعادن الموريتانية خاصة الحديد)، والمنتجات الجزائرية نحو أسواق البلدين وبعض أسواق غرب إفريقيا.

علاوة على ذلك، يمثل هذا الربط البري نقطة وصل استراتيجية تربط بين شمال إفريقيا وأعماق القارة الإفريقية، فالربط بين الجزائر وموريتانيا يعزز من فرص الوصول إلى أسواق جديدة في منطقة غرب ووسط إفريقيا، مثل مالي والسنغال، مما يمكن أن يفتح الباب أمام أسواق جديدة للمنتجات الموريتانية والجزائرية على حد سواء. هذا لا يعزز التجارة الثنائية فقط، بل يمكن أن يسهم في تدفق التجارة عبر الحدود إلى دول مثل غينيا ونيجيريا، مما يسهم في تنشيط التجارة الإقليمية بشكل عام.

كما أن تحسين شبكة النقل البرية بين الجزائر وموريتانيا يعزز من سلاسة حركة البضائع بين شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط وأوروبا. يمكن أن يصبح هذا الطريق حلقة وصل بين أسواق الجزائر ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، من جهة، وأسواق إفريقيا الغربية والمحيط الأطلسي، من جهة أخرى. بذلك، يعزز الربط بين زويرات وتندوف من قدرة الجزائر على أن تصبح بوابة رئيسية لتصدير السلع إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر ميناء الجزائر العاصمة، ويسهل تصدير الموارد الطبيعية والمعدنية من موريتانيا عبر المحيط الأطلمي، مما يوفر مسارا تجارنا متعدد الاتجاهات.

الجانب المهم الآخر لهذا الربط هو دوره في تسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي بين دول الاتحاد المغاربي ودول غرب إفريقيا من خلال تيسير حركة السلع بين الجزائر وموريتانيا، يمكن لهذا المشروع أن يلعب دورا محورنا في تعزيز المبادلات التجارية بين الدول الإفريقية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA)، التي تهدف إلى إزالة الحواجز التجارية بين الدول الإفريقية. هذا التكامل الإقليمي يسهم في تنمية الاقتصادات المحلية وتحقيق استدامة النمو، مما يعزز من فرص الاستثمار في المنطقة.

من منظور اللوجيستيات، يساهم الربط بين زويرات وتندوف في تحسين سلسلة الإمداد، خاصة في القطاعات التي تعتمد على المواد الخام مثل المعادن والمنتجات الزراعية. إن القدرة على نقل هذه المواد بسرعة وبكفاءة عبر الطرق البرية تسهم في تقليل الفاقد وتعزيز وصول المنتجات إلى الأسواق في الوقت المناسب، مما يساهم في رفع القدرة التنافسية للمنتجات الموريتانية والجزائرية في الأسواق الدولية كما يمكن أن يسهم هذا الربط في تسريع حركة المواد الوسيطة والمنتجات التامة الصنع بين الجزائر والموريتانية، وتعزيز التجارة بين دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

أخيرا، يعتبر هذا الربط خطوة كبيرة نحو تعزيز الاستثمار في البنية التحتية اللوجيستية بين البلدين. كما أن تحسين الطرق البرية وتوسيع مشاريع السكك الحديدية يعزز من قدرة المنطقة على جذب الاستثمارات في قطاع النقل، بما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي والإقليمي. ويساهم أيضا في تحفيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مشروعات تنموية استراتيجية، مما يعزز من التكامل بين الشركات المحلية والدولية.

إن الربط البري بين زويرات وتندوف يمثل نقطة تحول محورية ليس فقط في تعزيز التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا، ولكن أيضا في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز التجارة الإفريقية من خلال تحسين البنية التحتية للطرق واللوجيستيات، يمكن أن يتحقق نمو اقتصادي مستدام يعود بالفائدة على الدولتين وعلى المنطقة بأسرها.

مصطفى بن ميرة

مصطفى بن ميرة

اقرأ أيضا