تَمضي الجزائر بخطى ثابتة وسريعة في مَساعِيها الحثيثة لتحقيقِ معادلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تُعدّ الحلقة الأبرز في سِلسلةِ ضمان الحضور الفعّال ـ بكُلِ إيجابيةٍ ـ وعلى كافّة الأصعدة ـ في القارة السمراء، ويأتي مشروع الطريقِ الرابط بين تندوف الجزائرية وزويرات الموريتانية ذو البعد الإفريقي والمغاربي باعتباره مُنشأة قاعدية هامّة تعكس ـ بوضوح تام ـ هذه الرؤية الجزائرية وتجسّدها على أرض الواقع.
طريق «تندوف-زويرات» الذي تتكفل بتمويله ومتابعته الدولة الجزائرية ـ ممثلةً في الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي ـ سيُتيح ـ بعد إنجازه ـ كل الفرص للرفع أكثر فأكثر من حجم التعاون الاقتصادي ـ الجاري حاليا والمخطّط له أن يجري مستقبلا بوتيرة أسرع ـ بين الجزائر وموريتانيا، لتحقيق حركيةٍ تنموية شاملة بالمناطق الحدودية بين البلدين.
وقد كشف ـ مؤخرًا ـ وزير الأشغال العمومية لخضر رخروخ ـ ضمن كلمة ألقاها بالجزائر العاصمة، يوم 05 جوان 2023، خلال مراسم الافتتاح الرسمي لفعاليات الدورة الـ75 للجنة الربط للطريق العابر للصحراء ـ أنّ الطريق بلغت نسبة إنجازه 90 بالمئة.
وأشار الوزير رخروخ إلى أن هذا المشروع الذي تُوليه سلطات البلاد أهميةً بالغة، مرتبط بمشاريع أخرى على غرار مشروع إنجاز الطريق الرابط بين تندوف بالجزائر وزويرات بموريتانيا، على مسافة تقارب 800 كلم، حيث يعتبر منفذًا جِدّ هام إلى إفريقيا الغربية، مبرزا أنه سيتم الشروع في أشغال إنجازه عن قريب بعد الانتهاء من الدراسات التقنية التي بلغت مرحلتها الأخيرة وستشمل دراسة إمكانية ربط هذا المحور بالطريق العابر للصحراء.
وفي هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان ناصر، إن مشروع الطريق الرابط بين تندوف وزيورات يندرج في إطار مساعي الدولة الجزائرية الرامية إلى تعزيز مكانتها في القارة السمراء من خلال بسط نفوذها الاقتصادي هناك، انطلاقًا من غرب إفريقيا (موريتانيا، السنغال، ليبيريا، بوركينافاسو، غانا، ساحل العاج…) بالنظر إلى الحركية الاقتصادية التي تعرفها هذه المنطقة مقارنةً بمناطق أخرى على غرار دول الساحل.
طموحات جزائرية للحد من الأطماع الصهيونية
وأوضح الدكتور ناصر في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن الجزائر قامت بإنشاء خطٍ بحري يربطها بموريتانيا، سيتمّ استغلاله للرفع من مستوى صادرات الجزائر نحو موريتانيا وباقي الدول الإفريقية في إطار منطقة التبادل الحر القارية، كما أنه يجري اليوم العمل على تدعيم هذا الممر البحري بآخر بري يُكمله، ويكون بأقل تكلفة، باعتبار أن النقل البحري مُكلّف جدًّا مقارنةً بمصاريف النقل البري الذي يعدُّ الأرخص على الإطلاق.
في السياق ذاته، أشار الخبير في الاقتصاد، إلى أن القارة الإفريقية تُمثل العمق الاستراتيجي بالنسبة إلى بلادنا التي تسعى جاهدةً إلى تثبيت وجودها هناك، باعتبارها جزءً لا يتجزأ من إفريقيا، والدولة الأكبر مساحةً في القارة، بالإضافة إلى جملة من الاعتبارات والمعطيات الأخرى، خاصةً في ظل وُجود جهاتٍ أخرى تُحاول بسط نفوذها الاقتصادي من خلال مشاريعها الاستثمارية بالمنطقة خاصة في مجال الصناعات.
وفي مقدّمة هذه الدول نجد الصين الحاضرة من خلال مشروع الحزام وطريق الحرير، وبدرجة أقل تركيا وحتى الكيان الصهيوني نجد أن له أطماعا في المنطقة، الأمر الذي لن تسكت عنه الجزائر بكل تأكيد. وأضاف قائلا: “إن المسافة التي تربط تيندوف بزويرات الموريتانية لا تتجاوز الـ800 كلم وهي مسافة ليست بالطويلة، أي أن مدّة إنجاز مشروع الطريق الرابط بين المنطقتين لن تتجاوز حدود العامين، ومن هنا سيتحول هذا الطريق إلى شريان حيوي حقيقي بالمنطقة، خاصةً بالنسبة إلى شاحنات النقل لمختلف السلع والبضائع باعتبار أن تكلفتها أرخص”.
خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني
في سياق ذي صلة، أشار الدكتور ناصر، إلى أن ربط المشروع بالطريق العابر للصحراء عبر طريق تيميمون أدرار وربطه كذلك مع الطريق الوطني رقم واحد الذي يربط العاصمة بتمنراست مرورًا بولاتي المنيعة وعين صالح، سيساهم في خلق حركية وديناميكية اقتصادية كبيرة بالمنطقة، خاصةً إذا ما تم العمل على تزويد المحاور والطرق التي يمر عبرها، بمحطات للاستراحة، وتهيئتها بكافة المتطلبات والمرافق التي تُخفّف من قسوة البيئة الصحراوية وتهيئها ليكون هذا المشروع شريانا حيويا آخر يربط الجزائر بالقارة السمراء انطلاقًا من غرب إفريقيا.
من جهته يرى الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص، أن تجسيد مشروع الطريق الرابط بين الجزائر وموريتانيا سيساهم وبشكلٍ محوري في خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بعيدًا عن التبعية للعملات الأجنبية على غرار الدولار والأورو، وذلك من خلال رفع حجم التعاون الاقتصادي الذي يجمع البلدين.
وأوضح بوحوص في تصريح لـ«الأيام نيوز» أنه إضافةً إلى الطريق الأساسي رقم واحد الذي يربط الجزائر بتمنراست ويصل إلى لاغوس النيجيرية سيكون هناك طريق آخر بمثابة شريان للحياة يربط بين تندوف وزويرات، التي تُعتبر جزءً لا يتجزأ من الامتداد الطبيعي للجزائر، ونتحدث هنا عن السنغال، ساحل العاج، مالي وغيرها، وبالتالي فإن هذا الطريق سيكون منفذًا هامًا لتنويع ورفع حجم المبادلات التجارية في المنطقة.
تصدير الفائض من الإنتاج الوطني
الثابتُ أن الجزائر غالبًا ما تسجل فائضًا هامًا في عدد من المنتجاتِ الزراعية على غرار مادة البطاطا، الثوم، والبصل، وفي هذا الشأن أبرز الخبير في الاقتصاد أن الطريق الرابط بين تندوف وزويرات سيكون متنفسًا حقيقيًا لتصدير الفائض من الإنتاج الوطني، وتحقيق مداخيل إضافية تدعم الخزينة العمومية، بالإضافةً إلى إمكانية استغلال الطريق في توريد عدد من المنتجات التي تحتاجها بلادها، خاصة فيما يتعلق بمواد أولية تدخل ضمن عدد من الصناعات الوطنية التي يمكن الاستغناء عن استيرادها بمبالغ خيالية من البلدان الأوروبية.
وفي هذا السياق، أشار بوحوص إلى أن هذا الطريق سيكون طريقًا مختصرًا وبتكاليف أقل لتصدير المواد والمنتجات الإفريقية إلى أوروبا وغيرها من بلدان العالم، على غرار تصدير حبوب «الكاكاو» ـ وهي المادة الأولية في صناعة أرقى أنواع الشوكولاتة العالمية ـ والتي يكلّف نقلها عبر الخطوط البحرية إلى أوروبا مبالغ طائلة، وعليه سيساهم نقلها عبر هذا الخط البري الجديد في تقليص هذه المصاريف من جهة، وخلق قيمة مضافة إلى اقتصاد الجزائر من جهةٍ أخرى.
شراكة عميقة
يُذكر، أنه وتجسيدًا للإرادة السياسية في توطيد علاقات التعاون الثنائي والتي عبر عنها قائدا البلدين خلال زيارة الدولة التي كان قد قام بها الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى الجزائر أواخر ديسمبر الفارط، حيث تمت المصادقة على مذكرة تفاهم بين الجزائر وموريتانيا لإنجاز الطريق البري الرابط بين مدينتي تندوف وزويرات الموريتانية، حسبما تمّ نشر في العدد الـ16 للجريدة الرسمية.
وتضمن المرسوم الرئاسي رقم 22-86 المؤرخ في أول مارس 2022 “التصديق على مذكرة التفاهم بين الجزائر وموريتانيا لإنجاز الطريق البري الرابط بين مدينتي تندوف (الجزائر) وزويرات (موريتانيا)، الموقعة بالجزائر في الـ28 ديسمبر 2021″.
وحسب المذكرة، يتولى الطرفان وضع الأطر القانونية والفنية الثنائية المناسبة، وتحديد الآليات الضرورية لتجسيد المشروع، وضمان صيانته ومردوديته الاقتصادية، كما يأتي حق تسيير الطريق بعد إنجازه ـ حسب النظام القانوني للامتياز ـ لفائدة الطرف الجزائري لمدة عشر (10) سنوات بعد دخوله الخدمة، قابلة للتجديد ضمنيا.
هذا، ويلتزم الطرفان بـ”جعل هذا الطريق الحيوي في خدمة المصالح المشتركة للبلدين، وتعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية بين الشعبين الشقيقين، وكذا ترقية المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وضمان استمراريتها”.