اطلعتُ في بداية هذا الأسبوع على خبر نشره الصحفي المغربي حميد المهداوي تناول فيه ظاهرة انتزاع ومصادرة أراضي مواطنين مغربيين من منطقة الغرب، بأوامر ملكية، وبإشراف السلطات المحلية، التي تشمل القُوّاد، المقدمين، الشيوخ وحتى المنتخبين.
المثير للاستغراب أنه بعد دقائق من نشر الخبر تم حذفه من موقع الصحفي حميد المهداوي. إلا أن شهادات المواطنين، رجالاً ونساءً، من تلك المنطقة أكدت أن أراضيهم انتُزعت منهم بأوامر ملكية، وأنهم يرغبون في مغادرة وطنهم إلى موريتانيا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكنهم الوصول إلى موريتانيا دون المرور بالصحراء الغربية المحتلة؟
منذ أكثر من عام دمّر الاحتلال منازل في الصحراء الغربية وانتزع أراضي، ما دفع بأهلها إلى الهجرة نحو المجهول، في حين استضافت بعض العائلات الصحراوية أولئك المهجرين. واليوم، نشهد انتزاع أراضي مواطنين مغربيين آخرين بأوامر “سامية” من ملك المغرب.
الهدف واضح والخطة مكشوفة: سيتم توجيه هؤلاء المغربيين نحو الصحراء المحتلة بعد أن يتم الاجتماع مع الأعيان في مناطقهم، حيث سيقال لهم إنهم سيتوجهون إلى ما يسمى “الأقاليم الجنوبية”، وهي في الحقيقة الصحراء الغربية المحتلة. هناك، يُوعدون بحياة مرفهة، ويتم التأكيد لهم أن هذه أوامر ملكية، وأنها ستعود عليهم بالخير الوفير.
وبدورهم، سيقبلون بالأمر قائلين: “الله يبارك في عمر سيدنا”. لكن الأمر سيكون أشد وقعاً وأقسى على الصحراويين الذين باتوا أقلية في وطنهم، حيث أصبح المستوطنون المغاربيون القدامى يشكلون الأغلبية الساحقة. اليوم، في شوارع كبريات المدن الصحراوية، بالكاد يمكنك رؤية صحراوي أو صحراوية واحدة بين ألف مستوطن مغربي، إنه أحد أكبر مشاريع الاستيطان في العالم.
هذا المخطط الفظيع سيثقل معاناة الصحراويين مع المستوطنين القدامى، الذين يشكل أغلبهم جزءًا من أجهزة مخابرات الاحتلال، ويعملون في مهن متنوعة مثل بائعي الخضار والفواكه، وصغار التجار، والحرفيين، والحلاقين، والبنائين، وعمال النظافة، بالإضافة إلى مدمني المخدرات ومن يروجون للفساد والرذيلة.
كما يشمل هذا المخطط خادمات المنازل، والطهاة، وعائلات وأسر أفراد القوى الملكية المغربية، رجال الدرك الملكي، أفراد الشرطة والأمن، القوات المساعدة (المخازنية)، الإداريين، رجال القضاء، الإطفاء، وأصحاب سيارات الأجرة والحافلات، وصولاً إلى الأماكن التي تروج الفسق والرذيلة.
لقد كان المستوطنون القدامى خلال المناسبات الدينية يتسابقون إلى الحافلات مرددين “العيد في لبلاد”، لأنهم يعتبرون أن الصحراء الغربية ليست وطنهم الحقيقي. أما المخطط الجديد للاستيطان، فقد قطع هؤلاء المستوطنون روابطهم مع وطنهم الأصلي، الذي انتُزع منهم بأوامر ملكية يعتبرونها كأنها كتاب مُنزل، في عالم الخنوع والطاعة المطلقة. وبهذا يصبح المستوطن (مواطنًا) في أرض محتلة. إذاً، الخطة واضحة؛ المساكين في المغرب الأقصى يخضعون صاغرين، أما الضحية الحقيقية فهم الصحراويون، الذين يعانون بشكل أشد وأقسى.
أود أن أُنبه إلى بعض النقاط التي قد يجهلها البعض؛ المنطقة التي أشار إليها الصحفي المهداوي تُعرف بمنطقة الغرب، وتمتد من القنيطرة إلى سيدي قاسم، وسيدي يحيى الغرب، وسيدي سليمان، وسوق أربعاء الغرب.
منذ فترة طويلة تروج سلطات الرباط لدعاية مفادها أن سكان هذه المناطق ينحدرون من أصول صحراوية، دون أن يكون لديهم دليل واضح سوى الجنرال أحمد دليمي، الذي ينحدر من سيدي قاسم واغتيل في عام 1983، واسمه العائلي هو لقب أطلقته السلطات الفرنسية على تلك العائلة.
الخطة مستلهمة من التجربة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يتم فرض الادعاء بوجود “أرض اليهود التاريخية”. وبالمثل، يتم انتزاع الأراضي الصحراوية من أهلها ومنحها لهؤلاء المغربيين الذين تم انتزاع أراضيهم في منطقة الغرب المغربي بأمر ملكي.
هؤلاء السكان، إذا ما استوطنوا في الصحراء الغربية، فمن المؤكد أن المخابرات المغربية ستقوم بتجنيد بعضهم، مما سيعمق مشاعر الكراهية بين المواطنين الصحراويين والمستوطنين المغربيين الجدد، بل سيزيد من حدة التوتر بين الشعبين الشقيقين، المغربي والصحراوي. وبهذا تكون الخطة اللئيمة في استنساخ تجربة الاستيطان الصهيونية ونقلها إلى المغرب -محمية الكيان الصهيوني- قد بدأ تنفيذها بالفعل.