في ذروة مخاوفها من احتمال الغرق في الظلام، زعمت “إسرائيل” على لسان بيني غانتس، الوزير السابق في مجلس الحرب الصهيوني، يوم الثلاثاء 25 جوان الجاري، أنها قادرة على إغراق لبنان في الظلام. وجاء هذا التصريح بينما يتزاحم الإسرائيليون في الأسواق -منذ أيام – بحثا عن مولّدات كهربائية وأدوات الطاقة الشمسية، استعدادا لاحتمال انحدار المواجهات اليومية بين حزب الله والكيان الصهيوني إلى حرب شاملة.
وقبل أن يتفوّه غانتس بهذا التهديد المشحون بهرمون الأدرينالين، كان مدير شركة الكهرباء الحكومية الصهيونية «نوجا»، شاؤول غولدشتاين، قد صرّح – يوم الخميس 20 جوان – أنّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يمكنه بسهولة إسقاط شبكة الكهرباء الإسرائيلية.
وفي غضون 72 ساعة من تحذير غولدشتاين، هرع الإسرائيليون للبحث عن مولّدات الكهرباء بنسبة طلب بلغت 5 أضعاف، واشترى بعضهم محطات توليد كهرباء يمكن شحنها بألواح شمسية، بحسب ما ذكرته الصحافة العبرية.
وبدلا من أن يأتي غانتس، الذي يُعدّ المرشح الأوفر حظا لتشكيل الحكومة الصهيونية المقبلة، لطمأنة مواطنيه بأنّ الكيان قادر على حماية شبكته الكهربائية، قال لهم إنه قادر على “إغراق لبنان في الظلام” وإضعاف جزء كبير من قدرات حزب الله العسكرية خلال أيام، لكنه أكد أيضاً أنّ الكيان سيتكبد “ثمنا باهظا” في المقابل.
وأوضح غانتس لمواطنيه أنه يجب الاستعداد لسيناريو استهداف البنى التحتية والحوادث التي تؤدي إلى سقوط العديد من الضحايا، وأكد أنّ هذا هو ثمن الحرب التي يجب تجنّبها، لكن -وبمنطق الجبناء القائم على قاعدة: “اُتركني بسلام وسأتركك” – أضاف: “إذا اضطرت “إسرائيل” لخوض هذه الحرب، فيجب عدم التراجع”.
وأضاف خلال كلمته في مؤتمر هرتسيليا 2024 الأمني: “نحن لسنا في وضع جيد، ولسنا مستعدين لحرب حقيقية مع حزب الله، ذلك أنه، بعد 72 ساعة من انقطاع الكهرباء سيكون من المستحيل العيش لدى الكيان”، بحسب ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت.
وحتى قبل أن تندلع هذه الحرب، نزح أكثر من 62 ألف إسرائيلي من المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان، وصرّح غانتس أنّه مع كل التكاليف التي يمكن دفعها، فإنّ عودة المستوطنين إلى شمال الأراضي المحتلة بحلول الأول من سبتمبر – مع بدء العام الدراسي الجديد – هو “الانتصار الحقيقي”.
وبحسب تقرير ميداني لصحيفة صنداي تايمز البريطانية، فإنّ البلدات والقرى الواقعة على الحدود مع لبنان، تحوّلت إلى منطقة أشباح بسبب الهجمات الصاروخية المتواصلة التي يشنّها حزب الله اللبناني.
وإذا كانت “إسرائيل” – على مدار ما يقارب 9 أشهر – قد فشلت في تحقيق النصر على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، المحاصر منذ 2006، بل فشلت حتى في تفادي الهزيمة، فكيف سيكون الأمر إذا اشتعلت حربا شاملة مع حزب الله الذي استطاع – باعتراف إذاعة الجيش الصهيوني – إطلاق أكثر من 100 صاروخ – صباح الـ12 من جوان – باتجاه مدينتي صفد وطبريا ومحيطهما خلال دقائق معدودة فقط؟
وسبق لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أن كشفت بأنّ مسؤولين أمريكيين حذّروا “إسرائيل” من “محدودية قدرتها في الدفاع عن نفسها”، إذا دخلت في حرب مفتوحة مع حزب الله، الذي وصفته الصحيفة بأنه “أحد أكثر القوى غير الحكومية تسليحا في العالم”، كما حذّرت وكالة «بلومبرغ» الأمريكية، يوم الثلاثاء 25 جوان، من أنّ عملية صهيونية في جبهة لبنان قد تؤدي إلى كارثة بالنسبة إلى “إسرائيل”.
ويسود اعتقاد بأنّ حزب الله، بنى شبكة أنفاق تحت لبنان، يصفها محللون إسرائيليون – حسب تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية – أنها أكثر اتساعا من تلك التي تستخدمها حركة حماس في قطاع غزة، وتساءلت المجلة: ما الذي يمكن للحزب أن يفعله بـ”إسرائيل”؟
وعلى عكس غزة المعزولة جغرافيا عن داعميها، شيّدت إيران طرق إمداد برية وجوية تؤدي إلى لبنان عبر العراق وسوريا، يمكن استخدامها لدعم قوات حزب الله في حال اندلاع حرب شاملة ضد الكيان، بحسب إيمي ماكينون مراسلة المجلة لشؤون الاستخبارات والأمن القومي.
ونقلت «فورين بوليسي» عن مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن اعتقاده أنّ حزب الله “أشد بأسا” من حركة حماس، وأنه أكثر الأطراف الفاعلة غير الحكومية تسليحا في العالم، حيث بنى ترسانة متطورة بمساعدة إيران وسوريا وروسيا.
واستشهدت المجلة بتصريح للدبلوماسي مايكل أورين، الذي عمل سفيرا للكيان لدى الولايات المتحدة في إدارة الرئيس باراك أوباما، قال فيه إنّ “حماس تشكّل تهديدا تكتيكيا لـ”إسرائيل”، بينما حزب الله يمثّل تهديدا إستراتيجيا لها”.
وتشير التقديرات إلى أنّ لدى الحزب نحو 130 ألف صاروخ وقذيفة قادرة على اكتساح أنظمة الدفاع الجوي المتطورة لدى الكيان وإصابة أكبر مدنها، وقد وصف أورين تلك التقديرات بأنها “مرعبة” وتوحي بما يمكن أن “يفعله حزب الله بنا في 3 أيام”. وأضاف “أنت تتحدث عن ضرب كل بنيتنا التحتية الأساسية، مصافي النفط، القواعد الجوية، ديمونة”، في إشارة إلى موقع منشأة الأبحاث النووية لدى الكيان.
وبعيدا عن كل هذا، بدأت قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي تترقب تطورات الأوضاع على الحدود الشمالية مع لبنان، التي تشهد تصعيدا مطردا منذ قرابة الشهر، وسط مخاوف من تحوّل الاشتباكات اليومية المحدودة بين حزب الله والاحتلال إلى حرب مفتوحة.
وما تزال غالبية القطاعات الاقتصادية لدى “إسرائيل” تعاني من تبعات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، وأبرزها قطاعا السياحة والإنشاءات، وبدرجة أقل قطاعا الخدمات والزراعة.
إلا أنّ المخاوف الكبرى لدى الإسرائيليين هو بنك الأهداف المعلن لدى حزب الله ضد مواقع إستراتيجية، وهو ما ظهر في فيديو أعده الحزب يكشف تفاصيل دقيقة لأبرز المواقع الحيوية التي قد يستهدفها في أي حرب مقبلة.
وبالعودة إلى حرب عام 2006 مع حزب الله، فإنّ التبعات الاقتصادية والسياسية كانت شديدة التأثير على “إسرائيل” في ذلك الوقت، ويخشى الإسرائيليون اليوم من أن تصعيد التوتر في الشمال إلى حرب يعني أن الكلفة التي ستدفعها “إسرائيل” ستزيد على الكلفة الحالية التي تتسبب بها الحرب على غزة.
ومن جانب آخر، تعاني “إسرائيل” – بعد أزيد من 8 شهور على الحرب على قطاع غزة – من تراجع بنسبة 80% بحركة السياحة الوافدة، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، وبلغ عدد السياح الذين زاروا الكيان في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري 400 ألف – بما يشمل الزوار من غير السياح لأغراض العمل على سبيل المثال – نزولا من مليوني سائح خلال الفترة المقابلة من 2023.
وما تزال عشرات شركات الطيران العالمية، تعلّق رحلاتها من الكيان وإليه بسبب الحرب، وسط نفور السياحة من الكيان كقبلة لهم. ومع فرضية الحرب في الشمال، فإنّ مطاري بن غوريون وحيفا، سيكونان ضمن بنك أهداف حزب الله، كما ظهر في الفيديو الأخير الذي يكشف أبرز المواقع الحيوية لدى الكيان.
ويعني ذلك، أنّ البلاد لن تكون في وارد القدرة على استقبال رحلات طيران، سواء مدنية أو عسكرية في مطارات الشمال والوسط، بينما يبقى مطار رامون (جنوب) قادرا على العمل، إلا أنه وقع هو الآخر ضمن أهداف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
أما في مجال الزراعة، فما تزال المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، أو كما يفضل الإسرائيليون تسميتها بـ”سلة غذاء الكيان”، مناطق عسكرية مغلقة، رغم تشجيع الحكومة للمستوطنين هناك بالعودة إلى منازلهم.
لكن الأزمة الكبرى، والتي يعاني منها الكيان اليوم، أن مناطق الشمال والتي تتميز بتربتها الخصبة، أصبحت منذ أكتوبر الماضي، مناطق عسكرية أو أراضي غير قابلة للاستغلال في ظل القصف المتبادل مع حزب الله، ورغم أن الحرب في الشمال لم تبدأ فإن قادة الأعمال لدى الكيان محبطون من إدارة نتنياهو، ما دفع البعض منهم إلى التفكير في دخول السياسة لمنافسته.
والأسبوع الماضي، دعا منتدى ضم أكبر 200 رجل أعمال لدى الكيان، يتألف من مالكي ورؤساء ء تنفيذيين لشركات كبرى، إلى إجراء انتخابات مبكرة “لإنقاذ الكيان من أزمة اقتصادية عميقة”.
وضم المنتدى في «تل أبيب» نصف الشركات المدرجة في مؤشر بورصة «تل أبيب» (TA-35)، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيون لأكبر البنوك العاملة في الكيان، وتأتي هذه الدعوات بينما تشير تقديرات البنك المركزي إلى أن الحرب على غزة فقط دون حزب الله ستكلف نحو 67 مليار دولار حتى عام 2025، أو ما يقرب من 15% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
بينما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 لأول مرة منذ 8 سنوات، وفقا لصندوق النقد الدولي، فيما تتجه الحكومة هذا العام إلى تسجيل أحد أكبر العجوزات في ميزانيتها هذا القرن في 2024.