توثيق عمليات المجاهدين في غزة.. حرب الصورة.. الوجه الآخر لانتصار المقاومة

تحرص المقاومة الفلسطينية، عبر إعلامها العسكري، على بث مشاهد يومية بالصوت والصورة توثّق عملياتها القتالية ضد الاحتلال الصهيوني؛ إذ بات من الممكن رؤية المقاتلين الفلسطينيين وهم يطلقون قذائف “الياسين 105” على دبابات ميركافا الإسرائيلية، بل الأكثر من ذلك، أن إعلام المقاومة استطاع توثيق عمليات شديدة الخطورة والتعقيد، من بينها ذلك المشهد الذي بدا أقرب إلى الخيال أو التصوير السينمائي منه إلى الحقيقة، حين تقدّم أحد المقاومين واقترب من دبابة صهيونية إلى حد التلامس، حتى صار قاب قوسين أو أدنى من المسافة صفر من الدبابة الهدف، التي وضع عليها عبوة شواظ، بيد واحدة فيما كانت الأخرى تحمل الكاميرا التي وثّقت كل خطوات الاستهداف بما فيها الانفجار المدوي.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – س. س – م. ب ===

تواصل فصائل المقاومة في غزة – وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس – توثيق عملياتها ضد قوات وآليات جيش الاحتلال في مختلف محاور القتال منذ بدء العملية البرية أواخر أكتوبر الماضي، وذلك على غرار ضرب القوات والدبابات بقذائف مضادة للدروع وأخرى مضادة للأفراد والتحصينات، إضافة إلى الكمائن المحكمة.

وفي المقابل، يعجز الاحتلال – حتى هذه اللحظة – عن تسجيل أي صورة واضحة لنصر حققه أو يزعم أنه يحققه، ذلك أن فيديوهات الجيش الصهيوني – والتي شرع في نشرها خلال الأيام الأخيرة- لا يظهر فيها الطرف الآخر (الخصم المقاتل) والذي يمثله رجال المقاومة في ساحة الميدان، وبالتالي فإن هذه المشاهد تفتقد إلى قوة الإقناع حيث يظهر جنودٌ يطلقون النار من أسلحة خفيفة ومتوسطة، على جدران مهدمة أو أنقاض منازل لا يرد منها عليهم أحد، وهو ما يُصطلح عليه: “إطلاق نار من جانب واحد”!

وقد اعتمدت المقاومة الفلسطينية، منذ ضربة “طوفان الأقصى”، على إستراتيجية حرب نفسية ذكية في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ إذ نجحت في تقويض السرديات الإعلامية للآلة الصهيونية، ولم يقتصر تأثير هذه الحرب الموازية – من خلال الاستثمار الدقيق في الصور ومقاطع الفيديو المركبة بحرفية – على الحط من معنويات جيش الاحتلال والتأثير في الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، بل امتد إلى بث روح الأمل في قلوب الشعب الفلسطيني وأنصار قضيته عبر العالم.

وشكّل هجوم 7 أكتوبر الماضي على غلاف غزة صدمة عسكرية ونفسية لما يسمّى “المجتمع الإسرائيلي”، وهو ما أتاح للمقاومة – وبوضوح تام – توجيه الحرب النفسية وتحديد مسارها، ما أدى إلى تصاعد الفعالية الإعلامية للفصائل الفلسطينية، التي تمكنت من السيطرة على تدفق المعلومات والمواد المصورة للإعلام الحربي المتعلقة بالعمليات التي نفذتها المقاومة ضد العدو، الذي سرعان ما انكشف ضعفه وتجلى الارتباك الكبير على مستوى قيادته.

تفكيك وإعادة إنتاج

عبر الخطابات والمنشورات ومقاطع الفيديو والتدخلات الإعلامية، عملت السياسة الاتصالية للمقاومة على تفكيك الصورة النمطية للجيش الصهيوني، وكرست لحقيقة كونه جيش منهزم غير قادر على حماية ما يسمّى “المجتمع الإسرائيلي”. وقد ارتكزت هذا السياسة على جملة عناصر، من بينها استغلال الانقسام الداخلي لدى الكيان وتعميقه من خلال بث المزيد من الصور التي تزرع مشاعر الخوف والإحباط في الداخل الإسرائيلي وضرب نظرية الأمن القومي الصهيوني.

بالإضافة إلى ذلك، ركزت إستراتيجية الاتصال للمقاومة على تسليط الضوء على الأخطاء والضعف في سياسات رئيس وزراء سلطة الكيان، بنيامين نتنياهو، وحكومته، بينما قامت في الوقت ذاته بتأكيد القوة والكفاءة العسكرية للمقاتلين الفلسطينيين، وذلك من خلال إثبات قدرتهم على التخطيط ثم التنفيذ بنجاح، مع الحرص على إعطاء الأدلة بالصوت والصورة والمعلومة الدقيقة.

معركة غزة حسمها المثلث الأحمر لصالح كتائب القسّام..

خسارة مدوية تكبّدها جنود الاحتلال الصهيوني على الصعيد الإعلامي

الكيان غير واعٍ بمدى انقلاب الرأي العام عليه

رغم التفوق الواضح لجيش الاحتلال الصهيوني في الإمكانات التكنولوجية والقوة العسكرية، ناهيك عن الدعم الغربي له بالسلاح والمال والمعلومات والدعاية، إلا أن تميز فصائل المقاومة الفلسطينية – وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) – في مجال توثيق أحداث الحرب في غزة أبرز مفارقة كبيرة جذبت انتباه المتابعين.

تحتل مسألة التوثيق أثناء الحروب مكانة حيوية في إستراتيجية الدعاية وتقييم الأداء، إذ يُعَدُّ تقديم الصور الواقعية جزءًا حيويًا في المشهد الإعلامي والنفسي للصراع، ففي حين تقوم كتائب المقاومة بتوثيق عملياتها بإمكانات محدودة، يحمل كل جندي في جيش الاحتلال كاميرا متطورة لتوثيق كل تفاصيل الأحداث، ومع كل هذا، تظهر النتائج في النهاية بشكل مدهش لصالح الفلسطينيين، بينما تكون مُخْزِية للاحتلال الصهيوني.

في تحليل للمحتوى الذي نشرته قوات الاحتلال بخصوص توثيق عدوانها الهمجي على غزة، تظهر ثلاثة أنماط رئيسة من مقاطع الفيديو؛ يتمثل النمط الأول في تسجيلات كاميرات الطائرات الحربية التي توثق قصفها لمنازل المدنيين وتدميرها فوق رؤوسهم. أما النمط الثاني، فيُظهر مقاطع ما بعد (العمليات العسكرية)، إذ يتم عرض صور لمعتقلين مدنيين وتقديمهم على أنهم مقاتلون أسرى.

الشكل الثالث من مقاطع الفيديو التي نشرها الاحتلال، يندرج تحت عنوان “وجهًا لوجه”. ومع ذلك، يظهر في هذه المقاطع جنود الاحتلال وهم يطلقون النار من رشاشاتهم في اتجاهات مختلفة دون وجود طرف آخر يتعرض للإصابة أو حتى يرد على الهجوم، ما أثار استهجانًا وسخرية واسعة عبر منصات التواصل، إذ اعتبره البعض مجرد إسراف في استخدام الذخيرة.

على الجانب الآخر، تأتي فيديوهات المقاومة الفلسطينية، وتبرز في مقدمتها المحتوى الذي تقدمه كتائب القسام، لتظهر بوضوح الأهداف المتنوعة، سواء كانت تلك الأهداف عبارة عن آليات بمختلف تصنيفاتها، أو جنود يتحركون راجلين أو متحصنين في المدرعات، ويظهر فوق الأهداف المحددة رمز على شكل مثلث أحمر، ما يوضح للمتلقي كيف تمت عملية الاستهداف والإصابة المباشرة.

سذاجة وابتذال

وسبق لمراسل صحيفة “لوموند” في القدس “لويس إمبرت” أن قدم وجهة نظره حول الصور ومقاطع الفيديو التي ينشرها جنود جيش الاحتلال أثناء توغلهم في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بهدف إيهام الرأي العام بنجاح (العملية العسكرية)، على الرغم من زيادة حصيلة القتلى لديهم، إلا أن إمبرت يرى أن هذه الجهود – لشدة ما يكتنفها من سذاجة وابتذال في الأداء – تضر بصورة الاحتلال الصهيوني في المجتمع الدولي.

ويشير استطلاع رأي أجراه معهد غالوب إلى أن العدوان الصهيوني على غزة يلقى رفضا دوليا شعبيا متناميا، إذ إن 67% من الشباب الأمريكيين ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما و52% من النساء، يدينون الهجمات الصهيونية على القطاع، في إشارة إلى أن الصورة التي يروجها الكيان لم تعد هي الغالبة.

ولا تبدو سلطة الاحتلال مقدرة لأزمتها بشأن انقلاب الصورة ضدها وسقوط سردياتها دوليا، وظهورها بصورة “مجرم الحرب” الذي يقابَل بنفور متزايد في كل مكان، وهي تمضي في عدوانها الوحشي على غزة، لكن الصورة التي طالما روجت لها انهارت، بينما الهزيمة السياسية التي جرى على المدى الطويل تفاديها تحققت، إلى أن وصل الأمر بالكيان إلى المثول أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

مقاتلوها يحملون السلاح بيد وفي أخرى الحجة والبرهان..

المقاومة تدحض الرواية الصهيونية بتوثيقها انتصارات ميدانية فارقة

كاميرات القسّام بتأثيرها تضاهي أسلحة دمار شامل!

يشير معظم الباحثين في مجال “حرب الصورة” إلى أن الكيان الصهيوني خسر خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة مجمل مقومات آلته الدعاية التي بناها على مدى 70 عاما، إذ شهد العالم كيف أن الاحتلال يدمّر ويقتل المدنيين بطريقة انتقامية بشعة، وهكذا سقطت أكذوبة المظلومية، فـ”إسرائيل” في نظر الجميع أصبحت ظالمة وليست مظلومة كما ظلت تروج عبر دعايتها، وهي لا تريد السلام، لأنها تمارس الإرهاب بشكل واضح وعلني.

لقد فقد الاحتلال زمام تحكمه في حرب الصورة، لأنه فشل في الميدان، وأراد التعويض عن ذلك بالانتقام من الميدان الذي فشل فيه بقتل المدنيين، فخسر من كلا الجانبين. وفي المقابل، فإن الفيديوهات التي تبثها المقاومة في غزة، وكذلك خطابات أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، أصبحت بوصلة أهل القطاع والرأي العام لدى الكيان وفي الخارج لمعرفة منحى اتجاه الأحداث.

4 فيديوهات في يوم واحد

ورغم الظروف الصعبة التي تكابدها المقاومة في ظل عدوان صهيوني دموي، إلا أنها استمرت تعمل على بناء صورة ذات دلالة واقعية، قوية وفعّالة في مواجهة الاحتلال الذي بات يعاني الكوابيس في رحلة بحثه، داخل الخراب العسكري والسياسي والنفسي المحيط به، عن صورة نصر لم يحصل عليها أبدا، والأسوأ من ذلك أن صورته تشوهت وغطت عليها دماء الأبرياء في غزة.

فقبل أيام قليلة (يوم 10 جانفي)، نشرت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) 4 فيديوهات خلال 24 ساعة توثّق عملياتها ضد جنود الاحتلال الصهيوني المتوغلين في غزة.

ووثّق أحد الفيديوهات اشتباكات واستهداف جنود وآليات عسكرية صهيونية، وأظهر فيديو ثانٍ جنودا صهاينة من داخل مدرعة صهيونية، بعد اختراق كاميرا أحد الجنود بداخلها، وفيديو ثالث وثق كمينا محكما استهدف ضباطا وجنودا في نفق بحي الشيخ رضوان، أعقبه فيديو الاشتباك والإجهاز عليهم.

والفيديوهات الأربعة -التي نشرها المكتب الإعلامي للقسام- انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل، وشهدت الكثير من التفاعلات بين المتابعين. وقال مغردون إن هذه الفيديوهات الجديدة عكست حجم السيطرة الميدانية للمقاومة الفلسطينية على أرض المعركة، كما عكست الإدارة الذكية للمعارك من قبل قادة القسام وباقي الفصائل الفلسطينية.

الحرب السيبرانية

وعلّق بعض المدوّنين على المقاطع بالقول إن كتائب القسام مرجع في الحرب النفسية، فهي في كل فيديو تبثه تقتل المعنويات لدى جنود الاحتلال الصهيوني، وأضاف آخرون أن الفيديوهات الأخيرة من أخطر ما نشرته القسام منذ بدء توغل الجيش الصهيوني، معتبرين أنها ضربة قاصمة لأجهزة الاستخبارات الصهيونية (الموساد والشاباك) وهذا يفسر سر انتقاء المقاتلين لأهدافهم بعناية ومعرفة مواقع الضباط والمسؤولين بالجيش الصهيوني على أرض المعركة.

وأشار متابعون إلى أن القسام تكذّب كل مرة الرواية الصهيونية التي تتحدث عن القضاء على المقاومة وتدمير قدرة الفصائل الفلسطينية في غزة، ولكن هذه المرة بثت القسام 4 فيديوهات خلال 24 ساعة فقط للمعارك في مختلف مناطق القطاع، وقال بعض الناشطين إن غزارة الفيديوهات التي ينشرها المكتب الإعلامي للقسام الفترة الأخيرة توضح حجم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الجيش الصهيوني المتوغل في غزة.

كما لفت جمهور منصات التواصل الانتباه إلى التطور الملحوظ في فيديوهات القسام، والتي تدل على أنها تمتلك متسعا من الوقت والإمكانات للقيام بتصميم المقاطع والصور بشكل احترافي، وأيضا إمكانية مراقبة العدو الدقيقة بين فتحات البنايات، ومراقبة مواقع تموضع العدو من الأعلى بشكل منظم واحترافي، وليس بطريقة عشوائية كما يفعل (الجيش) الصهيوني خلال تصوير مقاطعه. واعتبر متابعون أن اختراق كاميرا الجندي الصهيوني داخل دبابته من أقوى المقاطع التي بثتها القسام، والتي تدل على التطور الملحوظ لدى الكتائب في الحرب السيبرانية أيضا.

وبحسب أحدث البيانات التي نشرها الجيش الصهيوني، فقد قُتل – فجر أمس الأحد – ضابط احتياط وجندي من سلاح الهندسة، في معارك مع المقاومة جنوب قطاع غزة، وذلك تزامنا مع دخول العدوان الصهيوني على القطاع يومه الـ100، وقال جيش الاحتلال في بيان “قُتل المساعد احتياط اندوعالم كابيدة البالغ من العمر 21 عاما من بلدة كريات غات أثناء المعارك الدائرة جنوبي قطاع غزة الليلة الماضية (السبت)”، وأضاف البيان أن الجندي كان تابعا للواء “ساعر مغولان”.

وكان الاحتلال قد أعلن، السبت المنقضي، مقتل أحد جنوده وإصابة ضابطين وجندي آخر بجروح خطيرة في معارك مع المقاومة بغزة. وبهذا، ترتفع حصيلة قتلى جيش الاحتلال إلى 523 ضابطا وجنديا بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، في حين تقول المقاومة الفلسطينية إن عدد قتلى الجيش الصهيوني أكبر من الرقم المعلن بكثير.

هذا، ويشن الجيش الصهيوني منذ 7 أكتوبر 2023 عدوانا مدمّرا على قطاع غزة، خلّف حتى يوم السبت 23 ألفا و843 شهيدا، و60 ألفا و317 إصابة، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

استعمال مقاربة إعلامية في الرد على الآلة الدعائية الصهيونية آتى أكله..

كيف وظّفت المقاومة “سلاح الصورة” ضد الاحتلال الصهيوني؟

يشهد مفهوم “حرب الصورة” تحولًا جذريًا منذ السابع من أكتوبر الماضي بعد عملية “طوفان الأقصى”، إذ أصبح التسجيل أو التوثيق أحد ميادين المواجهة الرئيسة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، فبينما ركّز الاحتلال على نشر سرديات تهدف بشكل رئيس إلى “شيطنة” فصائل المقاومة، استخدمت هذه الأخيرة خطة النشر وتوثيق الأحداث بالدليل القاطع لتدحض الخطاب المضاد.

ووفق الخبير الباحث محمد فوزي، من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فإن المقاربة الإعلامية التي تبنتها الفصائل الفلسطينية نجحت بشكل كبير في تحقيق جملة من الأهداف المهمة، سواء ما يتعلق بتفنيد السردية الصهيونية، أو ما يتصل بشن حرب نفسية ضد الكيان كإحدى أدوات الضغط جنباً إلى جنب مع العمليات العسكرية، بالإضافة إلى نجاح هذه المقاربة في تغيير العديد من المواقف الغربية تجاه العدوان على المستوى الحكومي وكذا الشعبي.

وأبرز محمد فوزي – في مقال له على موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية – بعض مشاهد توظيف الصورة في إطار العدوان المتواصل، وذلك على النحو التالي:

  • ترويج صهيوني لادعاء “قتل الأطفال”:

استندت الرواية الصهيونية في بادئ الأمر إلى رواية “قتل الفصائل الفلسطينية للأطفال في عمليات 7 أكتوبر وقطع رؤوسهم”، وراحت الآلة الإعلامية الصهيونية تروج لهذه السردية على نطاق واسع أمام الرأي العام الدولي.

ومع الترويج الواسع لهذه السردية، أصدرت حركة حماس بياناً في 11 أكتوبر 2023، كذّب هذه الادعاءات، واستنكر البيان انسياق وسائل الإعلام الغربية وراء هذه السردية الصهيونية دون تحقّق، مؤكداً أن كتائب القسام ركزت في هجوم “طوفتن الأقصى” على استهداف المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية.

لكن اللافت أن “إسرائيل” ذاتها هي من كذّبت – عبر سياساتها لاحقاً – هذه السردية، وهو ما يتجسد في جملة من المشاهد المهمة: أولها، التحقيق الذي أجرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية والذي فند ما روجته سلطة الاحتلال في هذا الصدد، وأكد أن تلك الرواية غير صحيحة ولا أساس لها في الواقع.

  • زيف الادعاءات الخاصة بالمستشفيات:

كانت إحدى السرديات الرئيسة التي تبنتها “إسرائيل” في إطار محاولات تبرير عملياتها داخل قطاع غزة، تتمثل في تصوير المستشفيات على أنها تمثل مقرات مركزية لفصائل المقاومة وتحمل في أسفلها أنفاقاً توظفها هذه الفصائل في عملياتها، وقد تجسدت هذه السردية بشكل واضح في الادعاءات الصهيونية بخصوص مجمع الشفاء الطبي ومستشفى الرنتيسي للأطفال؛ ففي حالة مجمع الشفاء الطبي، خرج المتحدث باسم الجيش الصهيوني في 15 نوفمبر 2023، وادعى أن “المجمع يحوي أسلحة متعددة لكتائب القسام، فضلاً عن وجود مقر قيادة مركزي للحركة أسفل المجمع”.

لاحقاً تم قصف مجمع الشفاء واقتحامه من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، إلا أن شبكة “سي أن أن” الأمريكية كذّبت هذه الرواية الصهيونية، وأشارت في تحقيق لها إلى أن الأسلحة التي عُثر عليها في المشفى تم وضعها من قبل الكيان قبل وصول وسائل الإعلام، وذلك عبر مقارنة اللقطات التي نشرها الجيش الصهيوني على الإنترنت مع اللقطات التي التقطتها قناة “فوكس نيوز”، التي مُنحت حق الوصول إلى الموقع في الساعات التالية.

ولم يختلف الوضع كثيراً في حالة مستشفى الرنتيسي المخصص للأطفال في قطاع غزة، والذي ادعت السلطات الصهيونية أنه يحوي أسلحة وأنفاقاً لحركة حماس، وكان اللافت ومصدر الغرابة في السردية الصهيونية بهذا الخصوص أنها استندت إلى وجود حفاظات للأطفال كدليل على أن هذا المكان كان مسرحاً لعمليات حماس في أسر الأطفال، لكن الأغرب من ذلك هو عرضها مصعد المستشفى المؤدي إلى مخزن المواد الطبية على أنه فتحة نفق!

  • إبراز القدرات القتالية للفصائل الفلسطينية:

مثلت “الصورة” إحدى الأدوات العملياتية والتكتيكية الرئيسة بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية منذ بداية الحرب الجارية، وهو ما تجسد في بعدين رئيسيين:

  • الأول: استعراض تطور القدرات التسليحية النوعية لهذه الفصائل ومنها الطائرات الشراعية التي مثلت أحد العناصر الرئيسة في عملية طوفان الأقصى، والطائرات المسيرة القاذفة والانتحارية، ومنظومة دفاع جوية محلية الصنع “متبر 1″، وصواريخ جديدة بعيدة المدى وقنابل حارقة، فضلاً عن استخدام “طوربيد العاصف” محلي الصنع ضد الأهداف البحرية الصهيونية، وإدخال “عبوات” تُستخدم من المسافة صفر ضد الدبابات.
  • الثاني: التوظيف المتمكن من قبل فصائل المقاومة للصورة وللآلة الإعلامية بما يخدم الحرب المعنوية ضد الاحتلال الصهيوني، وإبراز الانتصارات الميدانية التي تتم في مواجهة القوات الصهيونية وحجم الخسائر التي تتكبدها هذه القوات، من خلال التركيز على الاشتباكات التي تتم من المسافة صفر، واستخدام قذائف الهاون و”الياسين” لاستهداف الآليات والمدمرات الصهيونية.

 

  • إطلالات المتحدث باسم كتائب القسام:

كانت خطابات الناطق العسكري باسم كتائب القسام، “أبو عبيدة”، هي الشغل الشاغل للعديد من الأوساط في الرأي العام العربي، في ثنايا الحرب الجارية منذ السابع من أكتوبر. وبالنظر إلى هذه الخطابات وتحليل مضمونها منذ السابع من أكتوبر 2023، سوف يتضح أنها ركزت على جملة من الأبعاد الرئيسة:

أولها تسليط الضوء على التحركات العملياتية للفصائل الفلسطينية في الميدان، وثانيها إبراز الانتصارات العسكرية للفصائل في مواجهة القوات الصهيونية، وثالثها توجيه رسائل تستهدف – بشكل رئيس – الضغط على الجانب الصهيوني، ورابعها توجيه رسائل للداخل الفلسطيني والخارج، وخامسها إبراز المقاربة السياسية الخاصة بهذه الفصائل فيما يتعلق ببعض الملفات، وسادسها تفنيد الادعاءات الصهيونية والرد عليها.

والملاحظ أيضاً في هذه الخطابات أنها كانت تركز على توظيف الصورة كبرهان على الرسائل التي يتم تمريرها، على عكس بيانات المتحدثين باسم الجيش الصهيوني، والتي كانت تعتمد بشكل رئيس على الادعاءات والجمل الإنشائية المرسلة كجزء من السردية الصهيونية.

نجاح لافت للمقاربة الإعلامية الفلسطينية

ويشير الخبير الباحث، محمد فوزي، من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أنه يمكن القول إن المؤشرات السابقة في إطار توظيف “الصورة” كإحدى الأدوات الرئيسة في حرب غزة تعكس جملة من الدلالات المهمة، ففي الوقت الذي حاولت فيه سلطة الكيان حشد جهودها الإعلامية من أجل تحقيق بعض الأهداف الرئيسة، وعلى رأسها “شيطنة” الفصائل الفلسطينية، نجحت المقاربة الإعلامية للفصائل الفلسطينية في الرد على الآلة الدعائية الصهيونية.

وبالنظر إلى المقاربة الإعلامية للفصائل الفلسطينية – حسب الباحث محمد فوزي – سوف يتضح أن توظيف الأداة الإعلامية من قبل الفصائل الفلسطينية في إطار العدوان المتواصل حمل جملة من الدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي:

  • قدرة حماس على بناء منظومة إعلامية قوية:

يجد المتابع لمسار حركة حماس، منذ نشأتها عام 1987، أن البعد الإعلامي كان حاضراً بقوة لدى الحركة، وقد تزامن تطور الآلة الإعلامية للحركة مع التطورات الخاصة بالإطار السياسي والعسكري لحماس، إذ سعت إلى ربط الإعلام بمفاهيم المقاومة وأهدافها ووسائلها، وهو ما أكدته بشكل واضح في الميثاق التأسيسي لها تحت مسمى “الإعلام المقاوم”، ورفعت شعار “الكلمة قبل الرصاصة”.

وفي إطار هذا التطور، تحولت الحركة من الاعتماد على وسائل الإعلام البدائية في التسعينات مثل المنشورات والبوسترات والكُتيبات وأشرطة الفيديوهات والكاسيتات، ومنابر المساجد والرسم على الجدران، إلى توظيف الأدوات الحديثة للإعلام كالقنوات والفيديوهات عالية الجودة بلغات مختلفة، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي.

وسعت حماس، عبر هذه الجهود، إلى تحقيق جملة من الأهداف سواء ما يتعلق بإظهار الأبعاد الأيديولوجية والأخلاقية والإنسانية التي تخدم القضية الفلسطينية، ورؤية حماس تجاهها، ومواجهة الحملات التي تستهدف الجبهة الداخلية الفلسطينية، فضلاً عن توجيه حملات حرب نفسية ضد الاحتلال الصهيوني.

  • التركيز على الجانب الإنساني في الدعاية:

ركزت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على البعد الإنساني في إطار الحملات الإعلامية لها، بدايةً من التأسيس لهذه العمليات في إطار كونها رداً على ممارسات عديدة تبنتها الحكومات الصهيونية المتطرفة في السنوات والأشهر الأخيرة، خصوصاً ما يتعلق بغلق الباب أمام المسار السياسي لمعالجة القضية الفلسطينية، وحصار غزة وتضييق الخناق على أهلها، وتصاعد الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى، واتساع النشاط الاستيطاني الصهيوني، وتنامي وطأة الاعتقالات التعسفية بحق الشعب الفلسطيني خصوصاً في الضفة، ووصولاً إلى حملات ما بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهي الحملات التي ركزت على بيان أوجه ومظاهر جرائم الحرب التي تتم بقطاع غزة من قبل القوات الصهيونية.

  • حضور طاغٍ للخطاب التّعبوي:

يجد المتابع للخطاب الإعلامي للفصائل الفلسطينية في ثنايا الحرب الحالية أن هذا الخطاب كان “تعبوياً” بامتياز، وهي الحالة التي ركزت على ثلاث اتجاهات رئيسة: الأول، خطاب الداخل الفلسطيني على مستوى الدعوات المتكررة للنفير العام والمواجهة مع قوات الاحتلال الصهيوني، والصمود وعدم الانسياق وراء دعوات ومخططات التهجير.

وركز الثاني على الدائرة العربية والإسلامية لحشد الشعوب العربية والإسلامية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة جرائم الإبادة التي تتم بحقه. واستهداف الثالث الرأي العام الغربي، وتجسد في تركيز الحملات الإعلامية للفصائل الفلسطينية على ترجمة هذه الحملات الإعلامية بلغات مختلفة.

في الختام، قال الباحث محمد فوزي إن العدوان الصهيوني على قطاع غزة دفع باتجاه التأكيد على كون “الصورة” باتت أحد العوامل المهمة التي تُوظَّف في إطار التفاعلات الخاصة بالمشهد الدولي، خصوصاً في ضوء ما تساهم به على مستوى خدمة توجهات الفاعلين في هذا المشهد، جنباً إلى جنب مع مساهمتها في بناء توجهات الرأي العام العالمي تجاه هذه التفاعلات، وكذا وصولها إلى حد المساهمة في عملية صنع القرارات.

طوفان من الصور يتحرّك بقوة التأثير المزدوج

هل يمكن تحجيم الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في رفع الوعي تجاه القضية الفلسطينية؟، سؤال أجابت عنه ملحمة طوفان الأقصى، بالفعل وليس بالقول..

فلطالما كان التضامن العالمي يمثل علاقة قوّة مختلة مبينة على فكرة مفادها: بلدان مزدهرة “عالم أول” ترأف ببلدان نامية “عالم ثالث”، وهذا التضامن قائم على روح التفوق وليس الندية، غير أن معركة طوفان الأقصى قلبت المعادلة، إذ بات التضامن العالمي إزاء فلسطين قائما على نزعة الاحترام لشعب يدافع عن أرضه بشجاعة أسطورية أمام كيان يستقوي على الأطفال والنساء.

وكل هذا يفيد بأن ضمائر الشعوب عبر العالم الغربي قد استيقظت، بانتظار أن تستيقظ ضمائر الحكومات، ففي مقال على صحيفة “غارديان” حول القضية المرفوعة من طرف جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية بلاهاي، حول العدوان الصهيوني على قطاع غزة، تم تناول هذه القضية باعتبارها دعوة لاستيقاظ العديد من الحكومات الغربية ووسائل الإعلام التي دعمت العدوان الوحشي من خلال التواطؤ ومحاولة توجيه النقاش بشأن حقيقة ما يحدث في غزة، ودعم الكيان دبلوماسيا وتزويده بالأسلحة.

الرفض الساذج

وقد وصلت نزعة التسطيح في رؤية الحقائق لدى الغرب إلى حد مخيف، إذ ذكر مقال نشر بصحيفة “نيويورك تايمز” أن إدارة الرئيس جو بايدن استخدمت أسلوب “الرفض الساذج” فيما يتعلق باتهام الكيان أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في غزة، مكتفية بمصطلح “لا أساس لها”، مقابل ملف مليء بالأدلة الدامغة قدمته جنوب أفريقيا لإثبات انتهاك “تل أبيب” التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

ولفتت الصحيفة الأمريكية – في مقال بقلم ميغان ك. ستاك – إلى قول وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في “تل أبيب” إن “تهمة الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة”، وقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إنها “لا قيمة لها وتؤدي إلى نتائج عكسية، ولا أساس لها في الواقع مطلقا”، مشيرة إلى أن موقف اللامبالاة هذا الذي تتخذه الإدارة يوحي بالسذاجة، وأوضحت الكاتبة أن الوثيقة المعروضة على المحكمة تم توثيقها وضبط مصادرها بدقة، ويقول العديد من الخبراء إن الحجة القانونية فيها قوية بشكل غير عادي.

وقد قدمت كلمات المسؤولين الإسرائيليين دليلا على النوايا، من رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الذي يحث الإسرائيليين على “تذكر” رواية العهد القديم عن مذبحة عماليق “لا تعفوا عن أحد بل اقتلوا الرجال والنساء”، إلى وزير الدفاع يوآف غالانت الذي تعهّد بأن “غزة لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، سوف نزيل كل شيء”، إلى وزير الطاقة والبنية التحتية بتعهده: “لن يحصلوا على قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا هذه الدنيا”.

ومن خلال التحدث علنا عن تدمير غزة وتشتيت سكانها، نجح القادة الصهاينة – كما ترى ستاك- في نشر ما تم إخفاؤه أو إنكاره في حالات أخرى من الإبادة الجماعية، إلا أن جلسات محكمة العدل الدولية لن تجيب عن كون سلطة الاحتلال ارتكبت أو لم ترتكب إبادة جماعية، ولكن إذا اقتنعت لجنة القضاة بأن الاتهام بالإبادة الجماعية أمر معقول، فعليها أن تأمر “على وجه السرعة القصوى” سلطة الاحتلال بوقف هجومها من أجل حماية الفلسطينيين والحفاظ على الأدلة.

وحتى التأكيد على أن الأدلة تشير إلى حدوث إبادة جماعية من شأنه أن يجبر المجتمع الدولي على حماية سكان غزة الذين يعانون من الصدمة والجوع، وذلك من خلال المطالبة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وعلى المدى الطويل يمكن أن تضع هذه القضية الأساس المبكر لفرض عقوبات على الكيان أو محاكمة مسؤوليه.

الراعي الرسمي للإجرام

وتتابع الكاتبة بأن هذه الإجراءات هي بالنسبة إلى الولايات المتحدة أيضا ذات معنى لأن إدارة بايدن هي الراعي الذي لا غنى عنه لهذه العدوان، إذ قامت بتسليح وتمويل سلطة الكيان وحمايتها دبلوماسيا على الرغم من التقارير الرهيبة المتزايدة عن قتل وتهجير الفلسطينيين، وبالتالي إذا تبين أن العنف في غزة يمثل إبادة جماعية، فقد تتهم واشنطن بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، وهي جريمة في حد ذاتها.

ولكن، نظرا للقوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وسجلها الحافل بالإفلات من العقاب على المستوى الدولي، فإن احتمالات حدوث أي عواقب كبيرة قد تكون ضئيلة، ومع ذلك ينبغي للأمريكيين أن يفهموا أن القضية جوهرية وخطيرة، وأن حكومتهم متورطة فيها، كما تقول ستاك.

وقد استشهد المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون مرارا وتكرارا بـ”الدفاع عن النفس” لتفسير أعمال العنف في غزة، لكن هذه الحجة لا يمكن أن تبرّر أعمال الإبادة الجماعية، خاصة أن الهجوم الصهيوني على غزة يشكل – وفقا للكاتبة – ردا غير متناسب على هجوم السابع من أكتوبر.

وفي مقطع تلفزيوني بثته قناة إسرائيلية، استشهدت به جنوب أفريقيا في دعواها، تحدث العقيد يوغيف بار شيشيت من غزة، قائلا: “من يعود إلى هنا -إذا عاد إلى هنا بعد ذلك- سيجد الأرض المحروقة، لا منازل ولا زراعة ولا شيء، ليس لديهم مستقبل”، وقد حاول المسؤولون الإسرائيليون تحسين صورتهم بالقول إن “حربنا هي ضد حماس لا شعب غزة”، ونبه نتنياهو وزراءه إلى ضرورة توخي الحذر فيما يقولونه عن العدوان، قائلا: “اختر كلماتك بعناية” على الرغم من خطابه العنيف.

ووصف المتحدث باسم الحكومة الصهيونية، إيلون ليفي، مرارا وتكرارا قضية جنوب أفريقيا بأنها “تشهير دموي”، في إشارة إلى نظريات المؤامرة الأوروبية المعادية للسامية، التي غذت اضطهاد اليهود منذ العصور الوسطى. وقال مخاطبا حكومة جنوب أفريقيا “التاريخ سيحكم عليكم، وسيحكم عليكم بلا رحمة”. أما راز سيغال، المؤرّخ الإسرائيلي وخبير الإبادة الجماعية، فقد قال إن تصرفات الكيان في غزة هي بالفعل “حالة نموذجية من الإبادة الجماعية”.

الخبير في علم الاجتماع فوزي بن دريدي لـ “الأيام نيوز”:

“البعد الإعلامي حاضر بقوة لدى المقاومة الفلسطينية”

أكّد الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أن معركة “طوفان الأقصى” شكّلت نقطة فارقة في تاريخ “الصراع العربي – الصهيوني”، هذه المعركة التي استخدمت فيها العديد من الوسائل العسكرية، السياسية والاستخباراتية كذلك، حيث أجمع مختصون وخبراء في الإعلام على أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من أن تنجح في استخدام وسائل تواصل حديثة وكانت الصورة وسيلة جد فعّالة في إيصال انتصاراتها على الأرض، على عكس العدو الصهيوني الذي حاول أن ينقل بعض الانتصارات الوهمية، التي رسمها في مخيلته، وظل يبحث عن صورة نصر واحدة على الأقل، ولم يحصل عليها حتى الآن.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور بن دريدي أن الصورة تحولت منذ تاريخ السابع من أكتوبر الماضي إلى إحدى ساحات المواجهة الرئيسة بين فصائل المقاومة الفلسطينية من جانب، وبين الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، حيث عمد الكيان الصهيوني – منذ اللحظة الأولى لعدوانه على قطاع غزة – إلى ترويج سرديات تستهدف بشكل رئيس “شيطنة” فصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني، مستغلة في ذلك حالة التأييد التي حظيت بها في بادئ الأمر من العديد من الدول الغربية ووسائل إعلامها، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الإستراتيجي لـ “إسرائيل”.

وفي السياق ذاته، أبرز المتحدث أن الاحتلال الصهيوني فشل – في نهاية المطاف – في إيصال أي صورة تترجم انتصارا واحدا حققه في الميدان، وذلك بتقدير الخبراء واعتراف الإسرائيليين أنفسهم؛ فكل ما فعله هذا الاحتلال الهمجي في قطاع غزة هو استخدام الطائرات والمسيّرات في استهداف وقصف البيوت على ساكنيها، وارتكاب مجازر دامية بحق الأبرياء والمدنيين العزل، ما أدى إلى استشهاد الآلاف من الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال، أما محاولة الكيان الصهيوني لنقل العمليات والمعركة إلى الأرض فكانت محاولة فاشلة، إذ لم تكن هناك مواجهات مباشرة ولاحظنا أن العدو الصهيوني لم يحرز أي تقدم يستحق الذكر، أو ينجح في إلحاق خسائر بالمقاومة الفلسطينية.

في سياق متصل، أبرز الخبير في علم الاجتماع أن البعد الإعلامي كان حاضرا بقوة لدى المقاومة الفلسطينية، التي أظهرت تفوقا واضحا في هذا الإطار، من خلال بثها ونشرها فيديوهات عالية الجودة وبلغات مختلفة، توثق وبدقة متناهية عمليات استهداف جنود وآليات الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يؤكد أن المقاومة تملك جهازا إعلاميا متكاملا، يقوم بمرافقة أفراد المقاومة على الأرض وفي عمليات مختلفة، حيث يتم تسجيل العمليات الأكثر حساسية وبضخ إعلامي متواتر، أي أن هناك نسقا إعلاميا محددا لبث الصور والفيديوهات المسجلة.

“الكيان الصهيوني يخسر حرب الصورة”

إلى جانب ذلك، أفاد المتحدث بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية يؤكد أنها فاعلة في المجال الإعلامي، إلى جانب تفوقها العسكري على الأرض ونجاحها في إلحاق خسائر فادحة بالعدو الصهيوني طالت الافراد والمعدات، قائلا في السياق ذاته: “اليوم، عالميا نتحدث عن رهان أو صراع الصورة، بمعنى أن من يعطي الصورة الحقيقية على الأرض هو الذي ينتصر في النهاية، وهذا ما أحدث إرباكا داخل “المجتمع الإسرائيلي”. وفي المقابل، ولد شعورا بالفخر والعزة لدى أحرار العالم، التي أدانت بكل عبارات الشجب ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، خاصة على الصعيد الشعبي”.

هذا، وعرّج الأستاذ بن دريدي على أن تأثير الصورة ينعكس كذلك على الجانب المعنوي والنفسي والشعور بالانتصار على الأرض، خاصة في ظل وجود بروباغندا كبيرة يمارسها الإعلام الإسرائيلي، يحاول من خلالها تشويه وتزييف الحقائق؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، في آخر عملية حققت فيها المقاومة الفلسطينية انتصارا كبيرا بعد تمكنها من القضاء على عدد من جنود وحدة الهندسة في الكيان الصهيوني، الاحتلال حاول أن يعطي رواية مغايرة، مفادها أن هناك خطأ قد ارتُكب من طرف الجيش وتم قصف شاحنة محملة بالمتفجرات، في محاولات بائسة من طرف العدو الصهيوني لتشويه الحقائق وتقليل أو تقزيم إنجازات المقاومة الفلسطينية على الأرض.

في سياق متصل، أشار الدكتور بن دريدي إلى أن هناك أيضا مجالا مهما جدا في “الصراع” على من يبث المعلومة والصورة أولا، لأن الصورة كما هو معلوم مهمة جدا في كل صراع، باعتبارها أحد العوامل المهمة التي تُوظف في إطار التفاعلات الخاصة بالمشهد الدولي، ومن هنا نجد أن الجهاز الإعلامي داخل المقاومة أدى دورا كبيرا في كسب رهان المعلومة الموثوقة الصادرة من الميدان.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي،أن “إسرائيل” في (حربها) الحالية على قطاع غزة خسرت حرب الصورة، بعد أن وقف العالم أجمع على حقيقة هذا الكيان الذي لطالما ادعى الإنسانية والديمقراطية، وأظهرت صور المجازر التي ارتكبها بحق الأبرياء في غزة مدى وحشيته وهمجيته، فيما كانت الفيديوهات التي تبثها المقاومة الفلسطينية كفيلة بتفنيد الرواية الإسرائيلية المبنية على تلفيق الأكاذيب وتزييف الحقائق، ولا شيء غير ذلك.

رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين قديري مصباح:

الصورة كشفت ادعاءات الاحتلال ونسفت سرديته الكاذبة

أبرز رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين، قديري مصباح، أن الاحتلال الصهيوني السافر، ومنذ بدأ عدوانه الجائر على قطاع غزة، بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، عمد إلى استهداف الصحفيين في محاولة بائسة يائسة إلى إسكات صوت الحق، وتغييب الحقيقة عن الرأي العام، إلا أن صور المجازر المروعة وحرب الإبادة الجماعية التي تمادى الاحتلال في ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة استطاعت أن تصل إلى العالم أجمع، بفضل استبسال الصحفيين في القطاع وشجاعتهم المنقطعة النظير في نقل الحقائق كما هي على أرض الواقع ومن قلب الحدث، بالرغم من كل المخاطر والظروف القاهرة التي يمارسون فيها عملهم الإعلامي في غزة.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ قديري، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن رجال الإعلام في قطاع غزة يواصلون نقل حقيقة ما يحدث على أرض الواقع في غزة، وبشفافية مطلقة واحترافية متناهية، رغم كل ما يتعرضون له من تهديدات مباشرة وحملات تحريضية من قبل عدة صفحات تابعة للكيان الصهيوني عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، كما حدث لصحافيين من غزة وآخرين في الضفة الغربية، حيث تم رصد عدد من المنشورات العبرية التي تحرض وتطالب بتصفيتهم واصفة إيّاهم بالمخربين والإرهابيين.

في السياق ذاته، أبرز محدثنا أن الصورة لعبت دورا بارزا في كشف جرائم الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، هذه الصور التي استطاعت أن تحرك موجات متتابعة ومتصاعدة في حركة الرأي العام الدولي، ودفعت شعوب العالم الحر لتخرج في مظاهرات جماهيرية حاشدة عبر مختلف عواصم ومدن الدول الكبرى، خصوصا في أوروبا وفي أمريكا، فلم تتوقف حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، والمطالبة بإيقاف حرب الإبادة البشرية وقتل الأطفال والنساء وتدمير المباني والبنى التحتية، لتشكل هذه التظاهرات ضغطا واضحا على الحكومات وقادة هذه الدول التي ذهبت بعيدا في دعم العدو الصهيوني، وأرغمته أخيرا على إعادة ومراجعة حساباته نتيجة فعالية الإعلام وأثره في تشكيل الرأي العام العالمي.

هذا، وأشار رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين إلى الإعلام البديل، ومختلف مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي التي تصدرت المشهد الإعلامي المقاوم وكذا نشاطات التضامن، بالإضافة إلى دور الإعلام العسكري في نقل الصور الحية ودور المراسلين والمصورين الشجعان من الميدان في مواجهة إعلام العدو الصهيوني في الحرب الإعلامية في أعلى صورها وأشكالها المعاصرة.

في سياق ذي صلة، أبرز الأستاذ قديري أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية وبمجرد بدء معركة “طوفان الأقصى” بدأت حربا شعواء في محاولة منها لشيطنة المقاومة الفلسطينية، من خلال ترويج الأكاذيب وتلفيق الادعاءات، بداية بتزييف حقيقة ما حدث خلال احتفالات غلاف غزة بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، إلى أكذوبة وجود مقرات عسكرية تحت مستشفى الشفاء ومن قبلها فضيحة مجزرة مستشفى المعمداني في حي الزيتون جنوبي قطاع غزة.

وبتاريخ 17 أكتوبر الماضي، ارتكب (جيش) الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحق المرضى والمصابين والعاملين في المستشفى الأهلي العربي المعمداني في قطاع غزة، بعد استهدافه بقذيفة أدت إلى وقوع مجزرة راح ضحيتها ما يزيد على 500 شهيد ووقوع مئات المصابين، جلهم من الأطفال والنساء، في مشاهد غيرت الكثير من الرؤى والقناعات حول ما يحدث في قطاع غزة، وبشكل خاص لدى شعوب الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية كذلك.

وأردف المتحدث قائلا: “إن هذه الصور، والتي يتم تداولها على نطاق واسع، تشكل حقيقة أداة حربية نفسية على المشاهد لها، والتي تدفعه إلى تشكيل رأي إزاء ما يحدث الآن وإبداء حالة من التعاطف والتضامن مع أهالي غزة، الذين يتعرضون إلى جرائم حرب مكتملة الأركان، ومجازر مروعة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا”.

في هذا الشأن، أكّد رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين أن العالم الغربي اليوم تفاجأ بحقيقة هذه الصور والفيديوهات وما تتضمنه من عنف وقتل ودمار،  مع أنه غير مهيأ تماما لاستقبال هذا الكم من الحقيقة التي تتعارض مع قناعاته التي كبر عليها، هذا ما أدى إلى تشكل انقسام كبير في الرأي العام العالمي في أوروبا وأمريكا ما بين مؤيد ومعارض للعدوان الصهيوني على القطاع، بناء على تلك المواد المرئية الإعلامية، فـ “السوشل ميديا” المستخدمة من فئة الشباب في أمريكا ودول أوروبية خرجت بمنشورات توضيحية مضادة لتلك الصور المفبركة التي دأب الإعلام الرسمي في هذه الدول على نشرها وترويجها.

في ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين، قديري مصباح، أن هذه الصوّر ساهمت – وبشكل كبير جدّا – في كسب تعاطف دولي متزايد مع القضية الفلسطينية، خاصة إذا ما تحدثنا عن المستوى الشعبي، كما أن هذه المشاهد والصور كسرت ودحضت الرواية الإسرائيلية فيما يخص إرهاب وتجريم وشيطنة المقاومة الفلسطينية،  التي كان يشتغل عليها الإعلام الصهيوني ويسعى جاهدا إلى تسويقها، وكل هذا فشل فيه الكيان الصهيوني فشلا ذريعا، وتلقى ضربة أخرى نسفت أكاذيبه وافتراءاته التي لطالما تشردق بها حتى يخرج للعالم في ثوب “الضحية”. 

الصحفي الفلسطيني محمد العرابيد لـ “الأيام نيوز”:

“إعلام المقاومة الحربي دحض الرواية الإسرائيلية وأربك  قوات الاحتلال”

يرى الصحفي، محمد العرابيد، من غزة، أنه ممّا لا شك فيه، أن الإعلام العسكري التابع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هو جزء أساسي وركن محوري من المعركة التي بدأت بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، بعد شن كتائب القسام هجوما مباغتا ضد (جيش) الاحتلال الإسرائيلي وقواعده في غلاف غزة، التي كان يخطط العدو الصهيوني من خلالها ويحشد قواته لشن عملية عسكرية على قطاع غزة.

وفي هذا الشأن، أوضح العرابيد،  في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنه بات جليّا وواضحا جدّا أن المقاومة الفلسطينية باتت تُعطي أولوية قُصوى للجانب الإعلامي، وتُولي أهمية بالغة لتوثيق عملياتها الهجومية أو الدفاعية التي تنفذها ضد (جيش) الاحتلال الصهيوني، الذي يحاول التوغل في قطاع غزة، وذلك يرتبط بجملة من الأسباب، أبرزها دحض رواية الاحتلال المتعلقة بتمكنه من السيطرة على المناطق التي توغل بها ومزاعمه بإنهاء المقاومة والقضاء عليها، بالإضافة إلى أهمية الجانب الإعلامي في ضرب الروح المعنوية (للجيش) الإسرائيلي وكذلك الإسرائيليين، وإظهار فشلهم وعجزهم عن التصدي للمقاومة والقضاء على كتائب القسام على الأرض، إلى جانب إظهار صورة عجز الجنود الصهاينة من خلال توثيق مشاهد هروبهم أمام مقاتلي القسام، رغم امتلاكهم آليات عسكرية فائقة التجهيز وعالية الدقة.

في السياق ذاته، أشار الصحفي الغزّي إلى إظهار فشل آليات الاحتلال الإسرائيلي في التصدي لسلاح المقاومة الفلسطينية المصنع محليا، وخاصة قذيفة الياسين 105، التي تسببت في إلحاق خسائر فادحة بالعدو الصهيوني طالت الأفراد والمعدات، هذه المشاهد التي أدت إلى إثارة العديد من التساؤلات حول فعالية التقنيات العسكرية الإسرائيلية، بما فيها مدرعة النمر ودبابة الميركافا ومنظومة القبة الحديدية.

في سياق متصل، يرى محدّثنا أن الصور والفيديوهات التي توثق انتصارات المقاومة تُساهم بشكل بارز في رفع معنويات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي يتعرض إلى جرائم حرب مكتملة الأركان ومجازر مروعة يندى لها جبين الإنسانية، حتى أن هذه الفيديوهات التي ينشرها القسام، أضحت تحظى بمصداقية وموثوقية لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي أصبح يكذب رواية جيشه المزعوم وقياداته، ما أشعل فتيل الخلافات الداخلية داخل الكيان الصهيوني، خاصة فيما يتعلق بعدد الجنود القتلى وملف الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، بعد أن نشرت كتائب القسام العديد من المشاهد والفيديوهات التي توثق قتل العدو لأسراه في غزة، ما تسبب بهجوم واسع ضد حكومة نتنياهو، والمطالبة بتقدمية للمحاكمة وعزله.

إلى جانب ذلك، أفاد العرابيد بأنه ممّا لا شك فيه أن المقاومة الفلسطينية تمتلك خُططا مدروسة لتطوير إعلامها الحربي، في الوقت الذي تطور فيه مكاناتها وقدراتها العسكرية، وذلك في إطار خطتها المسبقة والتي أعدها لمعركة طوفان الأقصى، لإيمانها الراسخ بأن قوة الصورة لا تقل أهمية عن قذيفة الدروع، فإن كانت القذيفة تقتل أو تصيب عددا من الجنود، فإن الصور التي تبثها القسام تؤرق المؤسسة العسكرية لـ (جيش) الاحتلال وتصيبه بصدمة تلوى الأخرى، رغم محاولاته العديدة لاستهداف جنود الإعلام العسكري، وقطع الإنترنت عن قطاع عزة، اعتقادا منه بأنه سينجح في تقييد نشر مشاهد دعس المقاومة على رؤوس الجيش المزعوم.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الصحفي محمد العرابيد من غزة أنه، وبعد عملية طوفان الأقصى، ترسخت قناعة تامة لدى كل محب ومناصر ومساند للقضية الفلسطينية والمقاومة من شعوبنا العربية الشقيقة ومن شعوب العالم الحر، مفادها أن الجندي الإسرائيلي اليوم أصبح يظهر في صورة “المهزوم والمنكسر”، الذي يحتمى خلف معدات عسكرية متطورة، يعجز ويخشى أن يُخرج رأسه من مدرعته العسكرية، أو أن يطل من شباك منزل يحتمى به، في ظل ثبات وصمود منقطع النظير أظهره رجالات المقاومة الأشاوس على أرض الميدان.

حرب الصّورة.. الوجه الآخر لانتصار المقاومة!

بقلم: الدكتورة حسينة بوشيخ – أستاذة محاضرة بقسم علوم الإعلام والاتصال

ترِدُ صور عمليّات المقاومة ضدّ جنود الاحتلال الصّهيوني في غزّة كمسكّنات للألم أو جرعات للأمل، بأنّ مقاومة عدو قوي مدجّج بالسّلاح ودعم أقوى الدّول في العالم، قد أصبحت ممكنة أكثر من أي وقت مضى.

إنّ قوّة الصّورة في حرب غير متكافئة ماديا، لا تكمن فقط في قدرتها على الانتشار عالميا في عصر الإنترنيت متعدّد الوسائط، بل إنّها تكمن في التّأثيرات والأبعاد التي تحملها للعالم المتابع وللعدو الذي أربكته وأدخلته في دوّامة من الشكّ بشأن مدى القدرات الحقيقية للطّرف الآخر.

على الصّعيد التّقني، تبدو صور المقاومة وأفلامها متقنة الصّنع والإخراج، بتأطير وأبعاد محدّدة، وعمق لا يشوّه الصّورة، فيها ما يكفي من الإضاءة والوضوح رغم صعوبة التّصوير والمخاطرة الكبيرة في ساحة الحرب، فتبدو عناصر مثل الاهتزاز أو التّشويش فيها وكأنّها عناصر جمالية، مع أنّها عناصر واقعية تنقل حقيقة ما يجري في ساحة الحرب الفظيعة، لذلك فإنّ تلك الواقعية جعلت فيديوهات وصور المقاومة أكثر مصداقية من تلك الصّور والتّسجيلات التي يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي الردّ بها على صور المقاومة، لأنّها تفتقد إلى الواقعية والحقيقة رغم نقاء الصّورة وقربها من جنود الاحتلال! بينما تؤطّر “القسام” وتحدّد أهدافها جيدا بالمثلّث الأحمر فوق دبّابات وناقلات جنود العدو أثناء تفجيرها. فتبدو الصّورة واضحة عن حجم النديّة والشجاعة التي تواجه بها المقاومة عدوها الموصوف بالجيش الذي لا يقهر.

على الصّعيد الإنساني، نجحت عدسة الصّحفي والمؤثّر والمواطن الفلسطيني في هزم الآلة الإعلامية الإسرائيلية والغربية، التي لطالما حاولت التّعتيم والتّزييف ونقل السّردية الصّهيونية فقط، خاصّة بمنعها دخول الصّحفيين الأجانب إلى غزّة منذ عام 2008. لقد حرّكت صور القصف والدّمار الوحشي وجثامين الشّهداء وأشلاء الأطفال، وقصف المستشفيات وتجريفها مع المقابر، ضمائر الشّعوب وجرحت إنسانيتها، حتّى في الدّول التي تدعم حكوماتها “إسرائيل” دعما أعمى.

لقد نجحت الصّورة النّاطقة بالحقيقة، الصّورة المضرّجة بالدّماء والتّضحية.. الصّورة التي تعزّزها مؤثّرات صوتية واقعية، هي أزيز الطّائرات وصوت القذائف والصّواريخ والقنابل الضّوئية المتساقطة على كاميرا الصّحفي، ذلك الصّحفي الذي قدّم حياته ثمنا لتلك الصّورة كي تبلّغ كلّ مكان في هذا العالم، فاستشهد حتى الآن أزيد من 105 صحفيين، أغلبهم مصوّرون.

في المحصّلة، فقدت غزّة وفلسطين آلاف الشّهداء، لكنّها وثّقت بالصّوت والصّورة همجية ووحشية الصّهاينة، وفضحت جرائمهم وزيف أخلاقياتهم التي يدّعونها أمام الشّعوب الغربية، بصورة فظيعة وبشعة، ستبقى خالدة في سجّل العالم ولن تنمحي من ضمير الإنسانية المجروح.

المقاومة ومعركة الإرادة التي لا ينتصر فيها الأقوى بل الأكثر ثباتا وصمودا!

بقلم: بسمة لبوخ – كاتبة وإعلامية جزائرية

ماتزال فيديوهات المُقاومة التي توثّق المعارك الدّائرة في غزّة تصنع الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، فبالرّغم ممّا يمتلكه الاحتلال من دعم وأسلحة متقدّمة وتكنولوجيا متطوّرة وإسناد غربي منقطع النّظير غير أنّه فشل فشلا ذريعا على مستويين :فشل على المستوى الإعلامي في التّسويق لحربه والتّبرير للجرائم التي يرتكبها بحقّ المدنيين، مستعملا عشرات آلاف الأطنان من القنابل التي ألقاها على غزّة، تفوق 5 أضعاف ما ألقي على ناغازاكي من حيث القوّة التّدميرية – كما يشير مراقبون-، كما فشل الاحتلال على مستوى الميداني في تحقيق نتائج تذكر في معاركه البريّة يمكن أن يسوّقها للدّاخل والخارج .

في مقابل ذلك، ينشر مقاطع تعود بشكل عكسي على دعايته الحربية، مثل مشهد جنود الاحتلال وهم يصورن مقاطع ساخرة في بيت أحد الفلسطينيين النّازحين، ثم يقومون بحرقه كأنّهم قاموا بعمل بطولي يستهل التّوثيق والنّشر، بالإضافة إلى التّباهي بتفجير المباني والمدارس والتقاط الصّور لأفعالهم الشنيعة، وفضائح مستشفى الشّفاء والادعاءات الكاذبة حول وجود أنفاق داخله والأسرى الذين عرضهم عراة مكبّلين على أنّهم من حماس، ليتّضح لاحقا أنّ بعضهم صحفيون والبعض الآخر عمّال إغاثة وكثير من المقاطع التي تحمل ادعاءات مفضوحة لا هدف منها سوى التّغطية على الانتكاسات ورفع الرّوح المعنوية للجنود وتسويق رسالة للدّاخل والخارج .

بينما في الجهة المقابلة، تنشر المقاومة مشاهد معاكسة تماما من حيث صدقية المحتوى ودقّة التّصويب والتّصوير، ما يجعل المتابع ينبهر بالمحتوى الذي ينقل المشاهد إلى أرض المعركة بكلّ تفاصيلها وتجلّياتها ويعطي الصّورة الكاملة لتكون الرّواية أكثر مصداقية، حيث تفوّقت المقاومة بمعركة الصّورة على مستويين: المستوى الأخلاقي والمستوى الميداني.

وبرز المستوى الأخلاقي من خلال صورة مقاتلي المقاومة عند تسليم الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في صفقة تبادل الأسرى، وطريقة توديعهم وحسن معاملتهم بشهادة الأسرى أنفسهم، ما رفع أسهم المقاومة وغيّر الفكرة النّمطية التي حاول الاحتلال رسمها بروايات كاذبة في بداية “طوفان الأقصى” حول الرضّع المقطوع رؤوسهم والجثث المحروقة وغير ذلك من الرّوايات التي سارعت كبريات وسائل الإعلام في نقلها، لتُفنّدها لاحقا وتتراجع عنها، شأنها شأن الرّئيس الأمريكي بايدن الذي قال إنّه “رأى بأمّ عينيه صورا لأطفال صغار إسرائيليين مقطوعي الرأس، ليتراجع لاحقا مذكّرا العالم برواية امتلاك العراق أسلحة الدّمار الشّامل التي بان زيفها بعد أن أحرق بلد بأكمله .

أمّا على المستوى الميداني، فبرز من خلال مشاهد الاشتباكات من مسافة الصّفر كما اصطلح تسميتها واستهداف الجنود وقنصهم وحرق الآليات التي يتحصّن فيها المهاجمون والكمائن التي يتمّ استدراج الجنود إليها وتفخيخ مداخل الأنفاق .ففي أحد المشاهد التي وثّقتها كاميرات إعلام المقاومة، تظهر عملية اقتحام جنود إسرائيليين بيتا في غزّة،  حيث تمّ إرسال مسّيرة داخل المكان لاستكشافه ثمّ أدخلت الكلاب تحمل معها كاميرات لتّأكّد من سلامة المكان وبعد تدقيق كبير وبحذر شديد دخل الجنود وقاموا بإنزال الكواشف الضّوئية والكاميرات داخل النّفق، رغم ذلك فإن كلّ تلك التّحصينات لم تحل دون وقوعهم في كمين المقاومة، إذ قابلهم المقاتلون فجأة بوابل من الرّصاص، قبل  تفجير مدخل النّفق بالجنود المقتحمين في مشهد هوليودي تناقله بدهشة روّاد مواقع التّواصل الاجتماعي،  وعلّق عليه الخبراء العسكريون بتعجّب بالنظر إلى قلة الإمكانات العسكرية مقابل العدّة والعتاد فائق التطور الذي يملكها جنود الاحتلال .

ويظل السؤال محيّرا لدى المراقبين العسكريين عن أسباب هذا الفشل الذّريع لـ “إسرائيل” ليس عسكريا فقط من خلال عدم القدرة بعد أكثر من ثلاثة شهور على تحقيق الأهداف المسطّرة، إنّما أيضا في الأداء وتسويق الرّواية للرّأي العام، إذ لم يحقّق الاحتلال انتصارا إلاّ على الأطفال والمدنيين العزّل وارتكاب أبشع الجرائم التي تجعل “إسرائيل” يوما بعد يوم تفقد مكانتها الدّولية، دون أن تحقّق إنجازا يذكر يقايض خسارتها الرّأي العام الدّولي، وهذا ما جاء على لسان وزير الدّفاع الأمريكي، لويد أوستن، عندما حذّر حكومة بنيامين نتنياهو بما مفهومه استبدال نصر مؤقّت بهزيمة إستراتيجية، في حال لم تلتزم قوّات الاحتلال بحماية المدنيين في قطاع غزّة.

ما يمكن استنتاجه من كلّ ذلك أنّ الحروب في النّهاية هي معركة إرادات لا ينتصر فيها الأقوى بل الأكثر ثباتا وصمودا.

أبدعت في فنّ التّأثير والإقناع الجماهيريّين..

المقاومة الفلسطينية تعطي دروسا في إدارة الحرب الإعلامية!

بقلم: الدكتور هشام بوبكر – باحث أكاديمي وخبير اجتماعي

ساهمت “السوشيال ميديا”،  في السّنوات الأخيرة، على خلاف قنوات الاتصال والإعلام التّقليدية، بشكل كبير وسريع في تشكيل الرّأي العام العالمي، من خلال تسهيل عمليّة نشر المعلومات والحقائق والآراء ونقلها في وقتها وحينها؛ حيث ساعد هذا النّوع من الإعلام في ترويج العديد من الأخبار والقضايا ذات الاهتمام الجماهيري الواسع والمشترك.

فتداول الأنباء ونشر الصّور والفيديوهات عبر شبكات ومواقع التّواصل الاجتماعي حيال المسائل والقضايا الاجتماعية والسّياسية والاقتصادية والثّقافية، التي تهمّ الرّأي العام، ساهم في كثير من الأوقات في تغيير أو تعديل بعض المواقف السّياسية والاقتصادية والقرارات المصيرية لدى بعض الأنظمة والحكومات، أو حتّى التّراجع عن تنفيذها وتطبيقها أحيانا، وكلّ ذلك جاء بسبب الالتفاف الشّعبي والجماهيري والتّعبير بالرّفض أو التّضامن أو المطالبة بتغيير الوضع القائم، وخير مثال على ذلك الأدوار الحاسمة التي أدّتها مواقع التّواصل الاجتماعي (الفايسبوك، تويتر، اليوتيوب، أنستغرام، تلغرام.. وغيرها) في لعبة ما يسمّى بالرّبيع العربي المزعوم.

إلى جانب تأثير مواقع التّواصل الاجتماعي على الجماهير وتوجيه الشّعوب نحو ما سمّوه بتغيير أنظمة الحكم، وفي سياق مختلف ما لعبته المواقع الاجتماعية نفسها في الحفاظ على نظام الحكم في تركيا وما حصل عند السّاعات الأولى من محاولة الانقلاب العسكري على الرّئيس التّركي الطيب رجب أردوغان، وهذا ما يؤكّد على قدرة وقوة الإعلام الاجتماعي عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي الجديدة في تغيير منحى الأحداث وتوجيه الرأي العام والتحكم فيه.

الإعلام الاجتماعي ساهم في كسب القضيّة تأييدا جماهيريا غربيا

ظهر مع الإعلام الاجتماعي ما يسمّى بالمواطن الصّحفي الذي يعايش الأخبار والأحداث والوقائع، ويقوم بالكتابة عنها أو بتصويرها، ومن ثمّ ينشرها عبر وسائط التّواصل المختلفة أو يرسلها إلى بعض وسائل الإعلام الجماهيري، هذه الأخيرة التي لم يتمكّن مراسلوها من نقل تلك الوقائع والمشاهد بسبب صعوبة الوصول إليها أو لخطورة أماكنها أو بسبب سرعت حدوثها.. إلخ، وهذا هو حال الحرب الإعلامية المشتعلة والدّائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي في الفضاء الإلكتروني، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعمد كل طرف فيها إلى توثيق عملياته العسكرية وانتصاراته الميدانية، لأجل استمالة المتتبّعين والعمل على كسب تأييدهم وثقتهم في كلّ ما ينشر ويتداول حول الأحداث والوقائع الدّائرة في الميدان.

فقد أنفقت “إسرائيل” في ذلك ملايين الدّولارات على الحملات الدّعائية والتّرويج لقصصها الملفقة وروايتها المنسوجة حول الحرب على غزّة، واستخدمت منصّات التّواصل الاجتماعي لتبييض صورتها أمام العالم بهدف حشد الدّعم الدّولي وكسب التّعاطف الانساني، للدّفاع عن حقّها والردّ على المقاومة الفلسطينية وحماس التي قتلت جنودها وأسرت نسائها وأطفالها (كما تدعي طبعا)، والتّأثير على صنّاع القرار في الدّول الغربيّة وكسب تأييدهم المطلق واللامشروط.

إعلام المقاومة يدكّ معاقل العدو بقاذفات من الصّور والفيديوهات الموثقة

في بداية الحرب – كما ذكرنا سابقا- حاول الإعلام الصّهيوني والغربي المتحامل على أهل غزّة والقضية الفلسطينية استثارة عاطفة الرّأي العام العالمي والتّأثير عليه من خلال سلاحه الإعلامي المزيف، الذي يستخدم الدّعاية المغرضة عن طريق القنوات الفضائية ذات التكنولوجيا الحديثة المتطوّرة وسريعة الانتشار، التي تستخدم فيها أساليب عرض متنوّعة تتقن وتتفنّن في استمالة عواطف الجماهير الغربية، وتحاول جعلها تتعاطف معها ضدّ الضحيّة (أهل غزة وحقّهم في الأرض والدّفاع عن العرض)، من خلال ما تعرضه من أخبار وتبثّه من مشاهد وصور مفبركة ومغلوطة عارية من الصحّة.

وبالرّغم من كلّ ذلك، بقيت صورة “إسرائيل” سوداء قاتمة في مواقع التّواصل الاجتماعي، وأغلبية ما ينشر ويداع ويتداول من منشورات وتعليقات ومقالات في هذه المواقع متعاطف مع القضيّة الفلسطينية وضدّ “إسرائيل” وما تقوم به من أعمال همجية تخريبية وحشية على أهل غزّة وعلى المدنيين العزل، وهذا ما أكّدته دراسات إعلامية غربية خلصت تحليلاتها إلى أنّ 83 بالمائة من هذه المنشورات تدين بشدّة “إسرائيل”، وتدين مخطّطها ومشروعها الصّهيوني الاستيطاني الغاصب.

كما واصل الإعلام الإسرائيلي المتصهين نشر أكاذيبه عن الأحداث الضّارية في ساحات المعارك، وعن إنجازاته الحربيّة التي يفنّدها في كلّ مرّة الإعلام العسكري التابع للمقاومة الفلسطينية بوسائل جدّ متواضعة؛ بعدسات الهواتف المحمولة وبكاميرات صغيرة وخفيفة سهلة الحمل والنّقل، وذلك بفرض الأمـر الواقع ونقل ما يدور فعلا من أحداث على أرض المعركة، وتأكيد وتزكية ما هو موجود وقائم حقيقة في ميدان الحرب وفي ساحات الوغى، فعلى الرّغم من إخفاء الحقائق وإعلان جيش الاحتلال الاسرائيلي عن طريق قنواته الفضائية في كل مرّة سيطرته على بعض الخطوط والمحاور من قطاع غزّة، إلاّ أنّ المقاومة بواسطة الهاتف الجوّال والنّقل الإعلامي المحترف لكتائب القسّام وفصائل الجهاد الفلسطينية وسرايا القدس، تبثّ فيديوهات لقاذفات الصّواريخ التي تدكّ بها “تل أبيب” وبعض المناطق المحتلّة، كما يبث الإعلام العسكري لأسود المقاومة الفلسطينية وبشكل مباشر اشتباكاتهم اليوميّة مع القوات الإسرائيلية وحشودها العسكرية، والإجهاز عليهم بالأسلحة الرّشاشة وبالقنابل اليدوية والعبوات المتفجرة المضادة للأفراد، واستهدافهم وتفجيرهم للدبّابات العسكرية وتدميرهم وحرقهم للآليات الحربية من مسافة الصّفر بقذائف الياسين وقنابل الشّواظ وغيرهم، كلّ ذلك جعل المتتبعين والمشاهدين لأحداث ووقائع (الحرب) الإسرائيلية يقبلونه دون شكّ ومن دون نقاش، ومن دون إثارة تساؤلات حول حقيقة ما يجري في ساحة القتال، لأنّه وبكلّ بساطة نقل حي ومباشر وإقرار وتكريس للأمر الواقع في ميدان القتال.

إبداع وإتقان إعلام المقاومة أبان عن مصداقيتها بكل احترافية

لقد تنوعّت واختلفت المداخل والنّظريات والآراء السوسيو- إعلامية، التي تفسّر التّأثير الإعلامي على الرّأي العام، والتي في مجملها تؤكّد على مدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري، والنّظر إليها بوصفها أنظمة اجتماعية تتداخل مع الأنظمة الأخرى الموجودة في المجتمع، وطبيعة التّفاعل بينها هو الذي يجعل تأثيرها مباشرا أو غير مباشر على الأفراد والجماعات، ويحدّد مدى قوّة التّأثير الذي تحدثه هذه الوسائل. وإعلام أبطال “طوفان الأقصى” في ساحات الحرب والقتال بأدواتهم ووسائلهم البسيطة المتواضعة، والاحترافية العالية للإعلام العسكري للمقاومة الفلسطينية، إعلام الهاتف الذّكي المحمول والكاميرات الصّغيرة، عدّلوا من أبعاد المعادلة الإعلامية ومن بعض خصائص التّأثير الإعلامي، وأبدعوا في تقويض المعركة الإعلامية والسّيطرة عليها، واتقنوا تسييرها وأثبتوا جدارتهم وتفوّقهم في نقل أخبار الانتصار المتتالي والمتوالي على أرض المعركة بكلّ صدق ومصداقية، فأوجعوا بذلك قلوب الصّهاينة المحتلّين وقلوب المواليين والمتحاملين، بصور ومشاهد وفيديوهات توثق الانتصارات المدوّية على جيوشهم وقوّاتهم العسكرية المتطوّرة.

أبان أسود “طوفان الأقصى” عن علو كعبهم الإعلامي في ترويج وتسويق انتصاراتهم العسكرية على الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وفضح خسائره المادية والبشرية غير المسبوقة، وفشله في تحقيق ما أعلنه من أهداف (حربه) على غزّة وأهلها، وسط تكاليف اقتصادية وبشرية فاقت توقّعات الدّولة العبرية الصّهيونية، فكما ورد في بعض التّصريحات الإعلامية أنّها تجاوزت 60 مليار دولار ناهيك عن القتلى والجرحى من الجنود والعساكر الإسرائيليين، بالإضافة إلى تفجير المئات من الدبّابات والآليات العسكرية وتدمير مختلف الوسائل والأسلحة الحربيّة. فقد أعطى إعلام المقاومة الفلسطينية دروسا في إدارة المواجهة الإعلامية وفي توثيق الوقائع والحقائق بكلّ صدق ومصداقية، وعلم الجميع فنّ الخطابة والإقناع والتّأثير الإعلامي.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تجربة رائدة في مجال الاستصلاح الفلاحي.. المنيعة عاصمة الشراكة الجزائرية السعودية استمرار موجة حر عبر عدة ولايات أثارت موجة غضب.. هذه تفاصيل منع طالبة من ارتداء “النقاب” في جامعة الجزائر حدث لأول مرة في 19 شهرًا.. صادرات الغاز الجزائري تتصدر في إسبانيا رئيس الجمهورية يستقبل رئيسة الهند دروبادي مورمو هذا هو موعد مباراة الجزائر وتوغو والقنوات الناقلة بوغالي يجري مباحثات ثنائية مع رئيس برلمان "البرلاتينو" بجنيف توقيف 7 أشخاص.. أمن تيبازة يطيح بشبكة تنظم رحلات الهجرة غير الشرعية تدوم 4 أيام.. رئيسة الهند تشرع في زيارة دولة إلى الجزائر ميناء الجزائر.. رسوّ باخرة سياحية على متنها 739 سائحا أجنبيا برامج جديدة للأمن السيبراني.. وزارة الداخلية تراهن على التحول الرقمي لتحسين الخدمات العمومية إعادة إدماج التلاميذ في مقاعد الدراسة على طاولة وزير التربية جزائريات يفزن بجائزة عالمية بالولايات المتحدة رابطة منتجي النفط الإفريقية تعارض تطبيق ضريبة الكربون الأوروبية تفاديا للاعتداءات.. كاميرات مراقبة عبر خطوط السكك الحديدية لضواحي العاصمة الخارجية الفلسطينية: الفشل الدولي في وقف حرب الإبادة يشكل غطاء للاحتلال تتويج الجزائرية باداش بلقب الدورة الدولية للتنس لبنان.. 18 شهيدا و38 مصابا جراء عدة غارات صهيونية درجات حرارة قياسية عبر 10 ولايات التجارة الإلكترونية في الجزائر.. تجربة التسوّق بنقرة واحدة