بعد مضي 52 عاما على إنشاء المنظّمة الدولية للفرانكفونية، ستحتضن تونس ـ العضو المؤسّس للمنظمة ـ المؤتمر الـ18 لرؤساء الدول والحكومات التي تشترك في استخدام اللغة الفرنسية، والذي يطلق عليه اسم القمة الفرانكفونية.
وستنعقد القمة في جزيرة الأحلام جربة بالجنوب التونسي أيام 19 و20 نوفمبر 2022، لتدرس موضوع “التواصل في إطار التنوّع، التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكفوني”.
وتتزامن هذه القمة الفرانكفونية الـ18 مع موعد الاحتفال بالذكرى الـ50 لإنشاء وكالة التعاون الثقافي والتقني التي تمّ استحداثها يوم 20 مارس سنة 1970 وأطلق عليها لاحقا اسم المنظمة الدولية للفرانكفونية.
وتعتبر تونس، أول بلد عربي شمال إفريقي، يحتضن على أرضه هذا اللقاء المهم، مع رؤساء دول وحكومات من القارات الخمس، وعلاوة على ذلك سيكون لتونس شرف استضافة الدورة الـ40 للمؤتمر الوزاري للفرانكفونية، يوم 18 نوفمبر 2022، وتنظيم فعاليات متعدّدة على هامش القمة الفرانكفونية، من أبرزها قرية الفرانكفونية والمنتدى الفرانكفوني الاقتصادي.
قرية الفرانكفونية..
وسيكون الافتتاح الرسمي للقمة الفرانكفونية، مسبوقا بانعقاد الدورة الـ43 للمؤتمر الوزاري للفرانكفونية يوم 18 نوفمبر، تليه يوميْ 19 و20 نوفمبر أشغال القمة.
وتعتبر قرية الفرانكفونية، إحدى أبرز البرامج التي تمّ الإعداد لها بمناسبة هذه القمة، لتكون فضاء يجسّد التنوّع الثقافي ويعكس ثراء التراث الفرانكفوني وتعدّده، فالقرية بمثابة موقع يجمع مختلف الثقافات للبلدان المشاركة بما سيتيح إبراز ما تزخر به الفرانكفونية من تنوّع يتيح للزائرين فرص اكتشاف إبداعات مختلف المشاركين في هذه القرية.
وستفتح القرية، أبوابها بداية من يوم 13 نوفمبر لتستقبل زوارها إلى غاية يوم 22 نوفمبر 2022، وسيحظى تراث 88 بلدا عضوا في المنظمة الدولية للفرانكفونية وعاداتها الثقافية ومعالمها السياحية واختصاصاتها في الأطعمة، بشرف العرض أمام الزائرين.
كما سيحظى الجمهور، بفرصة الاستمتاع بالأزياء الوطنية والاستفادة من معارض بيع المنتجات الحرفية والاستمتاع بالتنزّه بين أروقة القرية المكوّنة من 60 قسما ستنشط فيها عروض فنية تجمع بين الغناء والرقص والموسيقى وغيرها، وستتواصل العروض الفنية الاحتفالية إلى ساعات متأخرة من الليل.
وستُنظم أيضا ـ على هامش أشغال هذه القمة ـ فعاليات المنتدى الفرانكفوني الاقتصادي الذي يمثّل بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الفرانكفونيين، مناسبة لاستكشاف الفرص الكثيرة والمتنوّعة السانحة في مجال الأعمال والشراكة التي من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي وتعزيز المبادلات بين البلدان الفرانكفونية.
وقد كشفت مصادر إعلامية، أنّ ما وقع تداوله من أخبار بخصوص نقل القمة الفرانكفونية من جزيرة جربة وتحويلها إلى باريس، لا أساس له من الصحة.
وأكدت ذات المصادر، أنّ القمة الفرانكفونية ستحتضنها تونس تحديدا بجزيرة جربة في ولاية مدنين بالجنوب التونسي، مع المحافظة على موعدها الرسمي، إضافة إلى التظاهرات الموازية التي ستكون بداية من 13 نوفمبر.
جاهزية الدولة التونسية
وأكد عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، خلال استقباله وفدا من المنظمة الدولية للفرانكفونية في 30 سبتمبر 2022، جاهزية الدولة التونسية التامة لاحتضان هذه التظاهرة الدولية الهامة وتوفير أفضل الظروف لنجاحها على جميع المستويات المادية واللوجستية، وفيما يتعلّق بالمحتوى، لتُمثل قمة تونس مرحلة محورية في التعاون الفرانكفوني، لا سيما وأنها تتزامن مع الاحتفال بذكرى خمسينية الفرانكفونية.
كما تمّ التباحث خلال اللقاء، حول جدول أعمال القمة ومضمونها والوثائق التي ستنبثق عنها، بالإضافة إلى أبرز محاور البرنامج العام بما في ذلك التظاهرات الموازية ذات الصبغة الثقافية والاقتصادية على غرار “قرية الفرانكفونية” و”المنتدى الاقتصادي للفرانكفونية”.
وعبرّ وفد المنظمة الدولية للفرانكفونية، الذي أدى زيارة إلى تونس من 28 إلى 30 سبتمبر الماضي، عن تقديره للجهود المبذولة وارتياحه لما عاينه من تقدّم في مسار الاستعدادات لاحتضان القمّة، مُثمّنا التنسيق المستمرّ بين الجانبيْن لإنجاح هذا الموعد الدولي الهام وضمان مشاركة على أعلى مستوى في أشغاله.
تقليد فرنسي
ويقول الدبلوماسي التونسي السابق، عبد الله العبيدي لـ«الأيام نيوز»، إن “قمة الفرانكفونية لن تأتي بالجديد لتونس لأنها مجرّد تقليد فرنسي وستكون بمثابة حدث عابر فقط تسعى باريس من خلال انعقادها في تونس، إلى جعل الدول الأعضاء في منظمة الفرانكفونية حلفا اقتصاديا من خلال العمل على توسيع نشر اللغة الفرنسية خاصة بعد أن اهتز موقعها غرب إفريقيا ولم تعد لها جسور هناك، حيث لم يبق أمامها سوى بعض دول المغرب العربي لذلك تسعى فرنسا إلى توظيف تونس وليبيا للنفاذ إلى إفريقيا ما وراء الصحراء”.
ويضيف العبيدي إن “الوضع السياسي العام بتونس لم يكن السبب الأساسي لقرار تأجيل القمة إلى نوفمبر 2022، رغم أن بعض الأطراف أرادت تأويل هذا القرار على أنه عقاب لتونس أو عدم موافقة الدول المشاركة فيها، النظام التونسي على التمشي السياسي المعمول به في البلاد”.
الذكرى الخمسين
ونفت كريمة برداوي، الناطقة باسم القمة الثامنة عشر للفرانكفونية، “الأخبار التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام حول إلغاء محتمل لهذا الحدث أو تغيير بلد الاستضافة، وأن الاستعدادات لعقد هذا الحدث تتقدّم بشكل كبير”.
وأفادت البرداوي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية التونسية بأن: “بعثة تقنية من المنظمة الدولية للفرانكفونية، متواجدة حاليا بجزيرة جربة لمعاينة تقدّم أشغال تهيئة الفضاءات التي من المنتظر أن تحتضن هذا الحدث الدولي”.
وتناقلت بعض وسائل الإعلام، أخبارا تحدّثت عن نقل مكان القمة المقبلة لمنظمة الفرانكفونية إلى فرنسا، أو تأجيلها لموعد لاحق.
ووفق البرداوي، فإنه من المنتظر أن تحلّ الأمينة العامة للمنظمة، لويز موشيكيوابو، بتونس خلال الأيام القليلة المقبلة، لتعاين تقدّم التحضيرات لاستضافة هذا الحدث، مضيفة أنه سيتم قريبا إطلاق حملة اتصالية واسعة حول القمة الثامنة عشر للفرانكفونية ولأهم توصياتها.
وأكد 20 بلدا، المشاركة في هذا الحدث الدولي التي ستحتضنه جزيرة جربة (ولاية مدنين) يومي 20 و21 من نوفمبر المقبل.
ويتزامن تنظيم هذه القمة مع الذكرى الخمسين لإنشاء المنظمة، وسيكون شعار القمة الحالية “التواصل في إطار التنوّع الرقمي كمحرّك للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكفوني”.
مؤشر دبلوماسي جيد..
وعلى خلفية البيان الفرنسي الصادر عقب لقاء وزير الخارجية التونسي بالسفير الفرنسي في تونس في أوت الماضي، كان المحلّل السياسي التونسي طارق الكحلاوي علّق في تصريحات إذاعية “أن إشارة البيان للمرة الأولى منذ أشهر إلى تحضيرات القمة الفرانكفونية، مؤشر جيّد على المستوى الدبلوماسي، وتأكيد على أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد ليس معزولا دوليا”.
وكشف الكحلاوي على “وجود أنباء في الكواليس، تشير إلى وجود ضغط كندي من قبل رئيس الوزراء من أجل تأجيل القمة مجددا أو حتى إلغاؤها، وذلك احتجاجا على المسار السياسي العام في تونس”.
5 دول طلبوا تأجيل القمة
ويؤكد الناشط السياسي التونسي المقيم في فرنسا، سفيان مخلوفي لـ«الأيام نيوز» أنه “إلى حد الآن، ليس واضحا لا على مستوى سياسي أو لوجستي بأن القمة الفرانكفونية ستعقد في تونس خلال شهر نوفمبر المقبل، لأنه كان من المفروض توجيه الدعوات للضيوف منذ مدة وهذا لم يحصل بعد وحسب معلومات في الساحة الدولية هناك 5 دول طلبوا تأجيل أو تغيير المكان لكن منظمة الفرانكفونية لم تستجب إلى طلبهم إلى الآن”.
وفي إجابته عن سؤال هل سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاضرا في قمة الفرانكفونية، يجيب مخلوفي إن “تونس تعيش عزلة دبلوماسية دولية وعدم قدرتها على التحرّك دوليا جعل الأمور غامضة، مع العلم أنه يوجد نقاش في الساحة الفرنسية حول حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة من عدمه لأن الأمر لم يحسم بعد”.
“الفرانكفونية” في سطور
والقمة الفرانكفونية، هي لقاء بين رؤساء الدول والحكومات الناطقة باللغة الفرنسية والمنضوين في المنظمة الدولية للفرانكفونية OIF، وتُعقد القمة منذ عام 1986 بمعدَّل لقاء كل سنتين.
ويعود إنشاء هذه المنظمة إلى تاريخ 20 مارس/آذار 1970 حين وقّعت 21 دولة في نيامي بالنيجر، على اتفاقية إنشاء وكالة للتعاون الثقافي والتقني، لتعزيز التعاون في مجالات الثقافة والتربية والبحث العلمي، بمبادرة من الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور، والرئيس النيجري حماني ديوري، إضافة إلى الأمير الكمبودي نورودوم سيهانوك.
وفي عام 1998 أطلق على تلك الوكالة اسم الوكالة الحكومية الدولية للفرانكفونية، ثم أصبحت ابتداء من عام 2007 تُدعى المنظمة الدولية للفرانكفونية.
وإلى حدود عام 2014، كانت المنظمة تضمّ 80 بلدا وحكومة، بينهم 57 عضوا و23 مراقبا، ثم بدأت تتوسّع بعد ذلك، لتشمل مجالات التعاون السلمي، والديمقراطية، والتنمية المستدامة، والاقتصاد، والتقنيات الجديدة، فأصبحت تضم اليوم 88 دولة، بينها 54 عضوا و7 منتسبين و27 مراقبا.
وتتّخذ المنظمة الدولية للفرانكفونية من باريس مقرا لها، إضافة إلى 6 مكاتب إقليمية تابعة لها في بور – أو – برانس وبوخارست ولومي وليبرفيل وأنتاناناريفو وهانوي، إلى جانب 4 ممثليات دائمة في جنيف وبروكسل وأديس أبابا ونيويورك، تحت إشراف الأمين العامّ.