تعتبر المؤسسات المالية الشريان الأساسي لضخ أموال الاستثمار للاقتصاد وخاصة البورصة التي تصنف أحد أهم قنوات الاستثمار فعالية، لذلك فإن ثقة المستثمرين في المؤسسات المالية تعتبر حجر الأساس لهذه الآلية، لأنها الوسيلة التي سيتم ضخ استثماراتهم المالية من خلالها للسوق، وأي خلل أو تباطؤ في هذه الآلية سينعكس بشكل أساسي على تقييم المخاطر الاستثمارية وتفضيلات المستثمرين.
وتعتبر الجزائر من الاقتصادات النامية التي تحتاج لدفق هائل من الاستثمارات للحفاظ على عملية تنمية مستمرة وفعالة ومستدامة، ولكن تفتقر مؤسساتها المالية إلى ثقة المستثمرين، وذلك بسبب عدة عوامل رئيسية على رأسها ضعف الشفافية والافصاح بسبب ضعف الحوكمة في المؤسسات المالية مما ينعكس على عدم قدرة المستثمرين على الحصول على تقارير مالية مبنية على أسس موضوعية تساعدهم في بناء خطط استثمارية مع مستوى مقبول من المخاطر.
يضاف إلى ذلك وجود البيروقراطية في الإجراءات التي تتبعها هذه المؤسسات مما يجعل التعامل مع الخدمات المالية بطيئا وغير فعال، وتزيد القيود المفروضة على التحويلات والمعاملات المالية الدولية تعقيد الأمور بالنسبة للمستثمرين. إضافة لبعض حالات التلاعب المالي التي تؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين بالمؤسسات المالية التي تعد الشريان الرئيسي الذي يساعد على تدفق الاستثمارات إلى البورصة الجزائرية، حيث يعاني النظام المالي الجزائري من افتقاره للعمق والشمول الماليين الذين يساعدان في تعزيز أداء البورصة وتطويرها عبر تنويع الأدوات المالية والمساهمة في استقرار البورصة، علاوة على توسيع قاعدة المستثمرين وزيادة السيولة. حيث إن الشمول المالي يساعد على توسيع قاعدة المستخدمين للخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية ويعزز الثقة فيها بسبب القدرة على الحصول على خدماتها من قبل أي شخص عبر قنواتها المتنوعة لتقديم الخدمات، ولكن ذلك يحتاج لبنية مصرفية متينة تتصف بالمصداقية والأمان.
أما العمق المالي الذي يشير إلى تطور وتنويع الخدمات المالية المتاحة داخل النظام المالي الذي يساعد المستثمرين والأفراد على تلبية احتياجاتهم في التعامل مع التحديات الاقتصادية المختلفة، مثل توفير قروض بنكية بفوائد منخفضة، أو تسهيل الحصول على التمويل اللازم وخاصة للاستثمار الذي يعد العنصر الأساسي في معادلة التنمية المستدامة.
وتعاني المؤسسات المالية في الجزائر أيضا من البيروقراطية وعدم الشفافية التي تؤدي لزعزعة ثقة المستثمرين في المؤسسات المالية وشركات الوساطة المالية وتساهم في إحجام المستثمرين عن دخول البورصة، وذلك بسبب الصعوبات التي يواجهها المستثمرين في تقييم الوضع المالي للشركات المدرجة في السوق، وهذا ما يجعل المستثمرين يعتقدون أن المعلومات التي يتلقونها حول تلك الشركات غير موثقة أو قد تم التلاعب بها مما يجعلهم يتبعون استراتيجية تجنب المخاطر عبر عدم الانخراط بالاستثمار في البورصة.
ويعزز ضعف الإطار التنظيمي مسألة عدم الشفافية، فالإطار التنظيمي السليم يعالج مسائل الشفافية والإفصاح عبر أطر سليمة للحوكمة تشرف عليها لجان مختصة من البورصة تضمن التزام الشركات بأعلى معايير الإفصاح والشفافية التي تساعد المستثمرين على وضع خططهم الاستثمارية وفق تفضيلاتهم للمخاطر.
وتعد البيروقراطية التي تعاني منها المؤسسات المالية العِصي في العجلات الاستثمارية، فتأخير تنفيذ أو تعطيل بعض المعاملات المالية قد يكلف المستثمرين خسائر كبيرة ويعرض استثماراتهم لمخاطر مرتفعة، يمكن تجنبها عبر إجراءات أكثر سلاسة تساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية التي قد تحجم عن الاستثمار في البورصة بسبب تأثر التداولات بحجم السيولة المتدفقة من الخارج عبر الاستثمارات الأجنبية التي تفضل السرعة في تنفيذ المعاملات المالية والتي تعتبر حجر الأساس لجذب الاستثمار الأجنبي للبورصة.
وعليه فإن الأثر الذي تقوم به البيروقراطية هو عرقلة تدفق الاستثمارات للبورصة وإضعاف ثقة المستثمرين في السوق وهذا ما يزيد المخاطر المحتملة على الاستثمار. لذلك على الحكومة الجزائرية العمل على اتخاذ خطوات جادة نحو تعزيز الشفافية في الافصاحات والتعاملات المالية، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية في النظام المالي، الذي يعد من أهم المسائل التي ينظر لها المستثمرين عند دراستهم لأي فرصة استثمارية، فالبيروقراطية تعد العدو الأول للتنمية وتطور الاقتصاد، فالعديد من المستثمرين قد يحجمون عن الاستثمار في ظل وجود شبح البيروقراطية الذي يهدد استمرارية استثماراتهم ويقف في طريق نجاحها. فالمؤسسات المالية الجزائرية تعاني من هذه الآفة التي تعتبر محفزا لحالات الفساد المالي والإداري الذي يعزز بدورة من إحجام المستثمرين من التعامل معها.
ولحل أزمة الثقة بين المستثمرين والمؤسسات المالية في الجزائر يجب على الحكومة الجزائرية والسلطة النقدية اتخاذ العديد من الإجراءات الضرورية والحازمة وتشمل ما يلي:
- العمل على تطوير البنية المصرفية والمالية في الاقتصاد ورفدها ببنية تشريعية تتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة التي يحتاجها الاقتصاد الجزائري وتتماشى كذلك مع التطور المالي العالمي، لوضع النظام المالي الجزائري على الخارطة المالية العالمية وهذا ما يعمل على زيادة العمق المالي.
- زيادة الوعي المالي لدى الجمهور الجزائري والعمل بخطوات جدية لتعزيز الثقة بالمؤسسات المالية عبر القضاء على البيروقراطية ومحاربة الفساد المالي والإداري، وتعزيز الأمن الرقمي للخدمات المصرفية مما يساهم في رفع درجات الأمان ويساعد على رفع مستوى الشمول المالي. حيث إن العمق والشمول الماليين يسهمان معا في جعل البورصة أكثر جاذبية ومرونة للمستثمرين ويزيدان من الثقة في السوق المالية.
- تشكيل لجان للإشراف على تطبيق المؤسسات المالية والبورصة لأفضل ممارسات الحوكمة وفق توصيات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مما يساهم في رفع مستوى الشفافية والإفصاح لردم فجوة عدم الثقة لدى المستثمرين.
- تشجيع الاستثمار في البورصة عبر إنشاء صناديق استثمارية وتشجيع إدراج الشركات المحلية في البورصة عبر تقديم التسهيلات لها وهذا ما يساعد على تطوير السوق المالي.
- تعزيز الدور الرقابي على البورصة عبر إنشاء جهاز رقابي يتمتع بالاستقلالية ليقوم بمكافحة التلاعب بالأسواق أو أي ممارسات غير قانونية في السوق مما يساهم بشكل كبير على استعادة المستثمرين للثقة بالسوق.
- تنظيم مؤتمرات ومنتديات استثمارية لتعزيز التفاعل بين الحكومة والمستثمرين من خلال عقد مؤتمرات تهدف لتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية في البورصة الجزائرية.
- إنشاء استثمارات مشتركة مع المؤسسات الدولية لتطوير الشراكات مع المؤسسات المالية الدولية لتبادل الخبرات وتعزيز مصداقية السوق الجزائري أمام العالم.