تواصل آلة القمع المخزنية سحق حقوق المواطنين في المغرب، وهذه المرة من بوابة الهدم العشوائي لحي في الرباط، حيث تتكرر المأساة التي شهدتها مناطق أخرى، في مشهد يفضح انعدام أي استراتيجية وطنية جادة تضمن للمواطنين الحق في السكن اللائق والاستقرار. ويبدو أن هذا النهج القمعي يخدم مصالح نخبة نافذة من المضاربين العقاريين، بل ويتعدى ذلك إلى منح الأملاك لمستثمرين أجانب، وعلى رأسهم الصهاينة، وفق ما يؤكده حقوقيون مغربيون.
وعلى أعتاب مرحلة قاتمة تلوح في الأفق، أكد حزب النهج الديمقراطي العمالي أن ما يحدث اليوم ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من التجاهل الممنهج لمطالب الشعب، حيث تنشغل الدولة بمصالحها الخاصة، تاركة الفئات الهشة تحت رحمة المضاربين العقاريين. وأشار إلى أنه لم يعد غريبا أن تتحرك جرافات الدولة فجأة لهدم بيوت المواطنين دون أدنى احترام للقانون أو حقوق السكان. وأضاف أن هذا الهدم لا يأتي في إطار نزع الملكية للمصلحة العامة، وإنما لخدمة مصالح جهات نافذة تتحكم في السلطة من وراء الستار، وتسخرها لمضاعفة ثرواتها عبر المضاربة العقارية الجشعة.
وأكد رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، أن ما يجري في العاصمة الرباط لا يخرج عن إطار مشروع خطير لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين لصالح استثمارات عقارية ضخمة، تتحكم فيها شبكات احتكارية عالمية والجشع الصهيوني العابر للقارات، وكل ذلك بتواطؤ مفضوح مع السلطة. وأضاف أن ما يحدث في الرباط ليس سوى مشروع “تطهير طبقي” و”استعمار عقاري” جديد، يهدف لتحويل الأحياء التاريخية والشعبية إلى مرتع للمال الأجنبي وساحة مفتوحة للبورجوازية الطفيلية، التي لا يهمها تاريخ الأحياء ولا سكانها ولا بعدها الوطني والهوياتي، بل فقط الأرباح الضخمة التي يمكن أن تجنيها من بيع الأراضي للمضاربين والاحتكاريين.
وفي السياق ذاته، جاء موقف حزب التقدم والاشتراكية ليؤكد خطورة هذا التواطؤ بين السلطة ولوبيات العقار، مستنكرا الأساليب القسرية التي تُفرض على السكان دون أي حلول عادلة، معتبرا أن ما يحدث يعكس انحرافا خطيرا عن المبادئ التي تكفل الحق في السكن والاستقرار. وشدد الحزب على أن الدولة إذا كانت جادة في تحقيق التنمية، فعليها البدء بإصلاح سياساتها الفاشلة وإعادة توجيه أولوياتها نحو حماية حقوق المواطنين بدلا من تكريس نفوذ لوبيات العقار والاحتكار.
بدوره، أكد حزب العدالة والتنمية في بيان له أن هدم منازل المواطنين في العاصمة الرباط يتم “دون سند قانوني”، مسجلا مجموعة من الخروقات والانتهاكات بحق المواطنين. وأعرب الحزب عن تضامنه مع السكان الذين يتعرضون للاستهداف في ممتلكاتهم الخاصة وحقوقهم الإنسانية، مؤكدا رفضه لعمليات الضغط والتهديد والإجبار بحقهم، خاصة مع منح مهل قصيرة جدا للإخلاء، في انتهاك صارخ لحقوق السكان.
وفي ذات السياق، أدانت جماعة العدل والإحسان قرارات الهدم والإخلاء القسري، معتبرة أنها تعد صارخ على أحد الحقوق الأساسية المكفولة دستوريا. وطالبت السلطات المخزنية بالوقف الفوري لهذه العمليات والتراجع عن كل الإجراءات التي تعرض لها المواطنون تحت الضغط والإكراه والتخويف.
وتشهد العاصمة الرباط، وعلى غرار العديد من مدن المملكة المغربية، موجة غير مسبوقة من عمليات الهدم والترحيل في عدة أحياء، مما أثار غضبًا واسعًا واحتجاجات متصاعدة، لا سيما مع تسريب معلومات تفيد بأن هذه الأملاك سيتم منحها لمستثمرين أجانب، بمن فيهم الصهاينة. ويرى مراقبون أن هذه السياسة تمثل استهدافا مباشرا لحق المغربيين في السكن والأمان، وتؤكد خضوع القرار الوطني لنفوذ لوبيات المال والنهب العابر للحدود.
وأمام هذا المشهد القاتم، تزداد المخاوف من استمرار هذه الانتهاكات دون رادع، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة، فيما يبدو أن السلطة مشغولة بخدمة مصالح نخبة ضيقة على حساب حقوق المواطنين المشروعة. ويتواصل بذلك مسلسل القمع والتشريد في غياب أي رؤية وطنية حقيقية تضع حقوق المواطن في صلب أولوياتها.