جيش “الحفاظات” على وقع الصدمة.. عملية “الهدهد” تحرق “عش” الغراب!

يُقال: “لا تشرب البحر كاملا حتى تكتشف أنه مالح؛ يكفيك منه رشفة واحدة..”، لكن عادة الأغبياء والسذّج والحمقى، الذين لا يعتبرون من دروس التاريخ ولا يتعلمون من أحداثه ومتغيراته وفراعنته الآفلين، أنهم لا يعرفون للبحر ملوحة، إلّا بعد أن يجرفهم غرقه، ليستصرخوا نجاة بعد فوات الأوان معلنين: أنّ آمنا برب “الهدهد” وموسى وهارون، فيما خلف زوالهم، تتراءى آية مدويّة تنعي مصير كل “متفرعن”، عنوانها الخالد يتوافق مع معنى الآية الكريمة “آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” (يونس: الآية 91).

في صفعة تُضاف إلى مسلسل السقوط الصهيوني، حيث بيت العنكبوت الإسرائيلي يتهاوى تباعا و”أتباعا”، استيقظت المنظومة الأمنية الصهيونية، بقبّتها الحديدية وأجهزة “موسادها” وشباكها وعدّتها التكنولوجية التي يمكنها أن ترصد دبيب النمل، على فضيحة اختراق، كان بطلها نبأ يقين أتى به “هدهد” من زمن سيدنا  سليمان، عليه السلام،  ليرمي بعرش الخمّ اليهودي، تحت أقدام المقاومة اللبنانية، مُعلنا في أصقاع الدنيا كلها، أنّ الوهم كله “عُشّ” غراب يُسمّى “إسرائيل كبرى”، نفخ فيها الجُبن العربي قوة، فإذا بالنبأ اليقين يأتي من “هدهد” تسلل، لليلة كاملة، إلى مسمى أقوى منظومة أمنية في الشرق الأوسط، ليبيت في مخدعها، مُصوِّرا كل صغيرة وكبيرة عنها ، ويعود بعدها محلِّقا ببشائر نصر عن جيش “حفاظات”، أغرق “طوفانُ الأقصى” أسطورتَه قبل تسعة أشهر، لتحرق عملية “الهدهد” عشّ غرابه في عزّ “استنفاره” الأمني وتُرسّخ في العالم، أنَّ هذه هي “إسرائيل” الوهم، و”إسرائيل” التكنولوجيا، و”إسرائيل” المنظومة الأمنية المتطورة والقبّة التي لا تُخترق، وبعبارة أدقّ.. قال الهدهد لأمريكا قبل “نتنياهو” وحكومته.. إليكم خرافتكم، فقد مر الهدهد من هنا!!

الكيان الصهيوني ومن خلال منظومته الأمنية المتطورة “عبطا”، والتي جعلت من جيشها وعلى مدار عهود من النفخ الإعلامي أسطورة لا تُقهر، انتهت، أي المنظومة بكيانها، إلى نقطة الصِّفر، حيث صدمة “الاختراق” الأمني التي كشفت عنها مقاومة “حزب الله”، من خلال عملية الطائرة المسيّرة “الهدهد”، أطاحت بالبورصة الأمنية الصهيونية، لتضعها في خانة الصفر، وخاصة أنّ الهزيمة الاستخباراتية لتحليق الهدهد في أكثر المناطق تحصينا وحراسة، تم بثها، بالصوت والصورة، على الهواء مباشرة، لتكشف “عش” الغراب  بكل ما حوى من أسلحة ومنظومة صواريخ ومواقع عسكرية، كانت في خانة السريّة جدا..

فإذا باليقين نبأ، وإذا بالغزوة “هدهد”، خلّف وراء تحليقه حقيقة واحدة مفادها، أنّ “إسرائيل” ليست إلا “عش” غراب بائس، وأنه لولا “الحمام” الأعرابي الزاجل، ما تجرّأت الغربان على مواراة تاريخ وقدس و”غزة” أمة في الثرى، لكنها يا صاح، عادة “الخنوع” في قصور الحكام والسلاطين من رسخت في أمة المقاومة أن الكيان الصهيوني، دولة ومملكة وحلم تلمودي حدوده من البحر إلى النهر، ليأتي الهدهد بعد طوفان الأقصى، معريًّا حقيقة جيش “الحفاظات” وواقع منظومته الأمنية المهترئة، التي اخترقت قبل الأراضي المحتلة، الوعي العربي، ورسَّخت فيه، أنَّ قوة “إسرائيل” الوهمية، قدر من الله، وأنّه لا بديل عن الاستسلام والسكون والخنوع لذلك القدر المشين..

“إسرائيل”، مملكة من ورق و”قش”، وما كان بالأمس القريب قوة عظمى لا يُشقّ لها غبار، انتهت إلى نقطة “الشتات”، الشتات الذي لم يتردّد الكاتب الأمريكي اليهودي الأصل “توماس فريدمان” في الاعتراف به، وذلك في دقٍّ لناقوس الخطر، حين وجّه تحذيره إلى “نتنياهو” وإلى “لبيت الأبيض” قائلا: “إسرائيل” التي عرفناها إلى زوال، وهي اليوم تواجه خطرا وجوديا”. ليوضح في سياق كابوس خوفه نفسه، من القادم على غدِ الكيان: “أن الخطر الذي باتت تمثله “إسرائيل” على نفسها، أكبر من أيّ تجاهل مالم تنسحب من غزة”..

وهي الحقيقة والمعطيات والمخاوف نفسها التي انتهى إليها، المحلل العسكري اليهودي “يوسي ميلمان”، الذي اعترف على صفحات “هآرتس” العبرية: “إنّ “إسرائيل” تخـسر حروبها على الجبهات الثلاث، غـزّة والضفّة ولبنان.، وأنه لا مناص من الاعتراف بالهزيمة قبل الغرق أكثر”. ليضيف في السياق ذاته: “إنّ أكبر وهمٍ يمكن أن تواصل حكومة نتنياهو تسويقه للعالم، هو قدرتها على إحداث انقلاب ينتهي بالنصر”.

والمهم، في توالي النكبات الصهيونية، أنّ الهزيمة اليوم تجاوزت ما خلّفه “طوفان الأقصى” من حرق لخرافة القوة الصهيونية، كما تعدّت سقوط أوراق التوت مِن على سوأة أسطورة شعب الله المختار، بعد الإبادة الإنسانية التي اقترفتها في حق المدنيين والعزّل في غزّة، لتصل إلى مرحلة “الهدهد” الذي وصل إلى عشّ الغراب في عزّ وهمه بقوته العسكرية وتحصيناته الأمنية وعدته التكنولوجية، معريا حقيقة عجزه حتى عن تحصين غُرَف نومه..

ورسالة المقاومة اللبنانية، أن من يصل إلى مخزون “إسرائيل” النووي، لن يعجز على الوصول إلى غرفة نوم “نتنياهو”، ليعرف لون قميص النوم الذي ترتديه زوجته في غزوة غرام “منوي” يعيشها “نتنياهو” على حساب غليان مُسمّى “مواطني دويلته”، مِمَّن ملؤوا شوارع “تل أبيب” ضجيجا واحتجاجا، بحثا عن مخرج من المستنقع، وبحثا عن عودة إلى محطة ما قبل “طوفان الأقصى”.

ما تجاهله أو قفز عليه الإعلام العبري والدولي في واقعة عملية الهدهد التجسُّسية، أنه بالإضافة إلى صدمة الاختراق التي لم يُكشف عن حيثيات معلوماتها ومعطياتها إلا “القليل”، أنها كانت  رسالة واضحة من المقاومة اللبنانية لحكومة “نتنياهو”، التي دخلت قبيل أيام في مخطط “تحرش” تجاه لبنان، وذلك في نيّة مبيّتة لنقل حربها الخاسرة من غزة ورفح إلى جنوب لبنان، لتكون عملية الهدهد، ضربة استباقية لأي مغامرة فاشلة، أراد من خلالها “نتنياهو”، أن يفتح جبهة أخرى في لبنان، لإخفاء  فشله  في غزة ورفح، فإذا بمقاومة “حزب الله”، تراسله من خلال “الهدهد”، أنّ اللعبة في جنوب لبنان، أكبر من سياحة قصف صهيونية، وأنّ “تل أبيب”، بكل قواعدها الأمنية ومستوطناتها ومخزونها العسكري والاقتصادي، على مرمى حجر من زناد المقاومة، وأنه يكفي الضغط على “الزر” حتى تتغيّر معادلة الحرب رأسا على عقب، وبعبارة أدق، فإن أيّ مغامرة “إسرائيلية” في الجنوب اللبناني، يقابلها.. حرب داخل عش الغراب ذاته.. وحينها، فإنّ المحرقة لن تكون إلّا عقر “تل أبيب”.

ولعل تلك الرسالة الواضحة التشفير، هي  التي دفعت  “البيت الأبيض”، إلى التحرّك على جناح السرعة، استباقا لأيّ انزلاق يمكن أن يجرّ إليه “جنونُ” نتنياهو، المنطقةَ، حيث الحقيقة المطلقة اليوم، أن الخاسر الأكبر، بعد “إسرائيل”، في حالة انفجار الأوضاع وانفلاتها، هي أمريكا التي راهنت على وهم القوة الإسرائيلية، عشية عملية  طوفان الأقصى،  فإذا بها تجني اليوم حصاد تورطها في المستنقع الفلسطيني واللبناني معا، والذي تجلّت صوره في الاستقالات المتتالية لكبار موظفي وزارة الخارجية الأمريكية،  وآخرها، ما أعلنته صحيفة “الواشنطن بوست” عن استقالة “أندرو ميلر”، نائب مساعد وزير الخارجية الامريكية للشؤون الفلسطينية الإسرائيلية،  والذي يُعدّ من كبار المسؤولين في إدارة “بايدن” وقبله في إدارة “بارك أوباما”. والمهم في تلك الاستقالة، أنه ورغم محاولة إدارة “البيت الأبيض” تغطيتها بشجرة الأسباب العائلية، إلّا أنّ ظرفها وكذا سياقها السياسي، يعطيها بعدها الحقيقي الذي يعني أن شخصية كبيرة بحجم “أندرو ميلر”، الذي يعتبر نائبا لوزير الخارجية “أنتوني بليكن”، تحمل دلالة حقيقة عمّا حدث من شرخ داخل الإدارة الأمريكية، إزاء تورطها غير المحسوب في صراع خرج عن سياق حماية “إسرائيل” إلى سياق “حماية” أمريكا نفسها من تداعيات ما هو قادم..

مجمل القول ومنتهاه، وَهمُ  جيش “الحفاظات” الذي هزم منظومتَه الأمنية قبل سنوات أربعةُ سجناء من خلال غزوة “ملاعق” شهيرة، أسقطت خرافة التحكّم الأمني في أكبر سجن صهيوني، ووهم جيش “الحفاظات” الذي أصطبح  ذات فجر من تاريخ 7 أكتوبر على رجال “القسّام” وهم يتجولون داخل ثكناته العسكرية  ليأخذوا جنوده خِرافًا إلى ما وراء غلاف غزّة، ووهم جيش “الحفاظات” الذي بات بين منظومته الأمنية بكل عتادها العسكري “هدهد” المقاومة، ليلتقط قبل صور النووي الإسرائيلي، صور غرفة نوم “نتنياهو” وقادته العسكريين، ذلك الجيش الوهم، الذي نفخ ريشه الحمام الأعرابي الزاجل، قالت لكم مقاومة الملاعق والطوفان والهدهد، أنه.. مجرد “عش” غراب بائس القوة والمضمون، وأنه لولا خنوع الأعراب من زاجلين وحمائم لكان هو “الدفين” من زمن قابيل وهابيل، فهل وصلت رسالة النبأ اليقين من هدهد، إنه من المقاومة وإنه باسم الله الرحمان الرحيم؟

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا