بينما تنتظر النوادي الرياضية الجزائرية، تدخّل السلطات العمومية لإنقاذها من وحل المديونية المتراكمة، ودعمها حتى تتمكّن من الاستمرارية والنشاط، تتوقّع الشركات الاستثمارية الكبرى في العالم أن يسجّل سوق “كرة القدم” نموا بمعدل قدره 3.8% خلال الفترة الممتدّة إلى عام 2027، وتشير الأرقام في هذا السياق، إلى أن حجم السوق العالمية للعبة قد تجاوز عتبة 3.02 مليار دولار العام 2022، والذي سيبلغ مستوى 3.87 مليار دولار بحلول 2027.
ويرى مراقبون بأنّ هذا النمو لن يوازيه تطوّر المنافسة الكروية وارتفاع إيرادات النوادي والاتحادات الكروية فقط، وإنما سيرافقه نمو على مستوى سوق الصناعة الرياضة بشكل عام، وذلك على مستوى التجهيزات ومواعيد المنافسات ، وفي مجال التكنولوجيا والمعدات التكوينية، وكذا في سوق الإعلانات والإشهار والسمسرة والبث الرياضي، بل في كافة مراحل الدورة الاقتصادية المرتبطة بنشاط صناعة كرة القدم، وهو الأمر الذي يؤكد بأن كرة القدم لم تُعدّ مجرّد ظاهرة رياضية شبابية فقط، وإنما أصبحت حركة اجتماعية قائمة بذاتها، ذات بعد اقتصادي ثقيل.
ثروة متراكمة
لقد طغى جنون التنافس بين القنوات الرياضية التجارية على المشهد العام، وصار البث المباشر والصورة الحصرية واللقطة المعادة بمختلف الأبعاد، والتحاليل الآنية من قِبل نجوم اللعبة، وهذه كلها أوراق أصبحت رابحة لاستمالة أكبر عدد ممكن من المشاهدين، أو بالأحرى المشتركين أو “المستهلكين” بوصف تجاري أدق.
فعندما يحصي ناد كـ«ريال مدريد» الإسباني، ما يقارب مليار متابع من سكان العالم، فإن ذلك يعني ضمان سوق تنافسية بملايير الدولارات، يزيدها ثقلا، وزن الثروة المتراكمة لدى الأندية الكبرى، والتي يأتي ترتيب العشرة الأثقل منها ـ بحسب مجلة إحصاء الثروة والأثرياء «فوربس» ـ كالآتي:
- ريال مدريد: خمسة ملايير ومائة مليون دولار.
- برشلونة: خمسة ملايير دولار.
- مانشسر يونايتد: أربعة ملايير وستمائة مليون دولار.
- ليفربول: أربعة ملايير وأربعمائة وخمسون مليون دولار.
- بايرن ميونيخ: أربعة ملايير ومائتان وخمسة وسبعون مليون دولار.
- مان سيتي: أربعة ملايير ومائتان وخمسون مليون دولار.
- باريس سان جيرمان: ثلاثة ملايير ومائتا مليون دولار.
- تشيلسي: ثلاثة ملايير ومائة مليون دولار.
- جوفنتوس: مليارين وأربعمائة وخمسون مليون دولار.
- توتنهام: مليارين وثلاثمائة وخمسون مليون دولار.
فخر الضيافة ومجد النصر
وللوقوف بصورة أقرب من مشهد البيع والشراء والكسب والفوائد في عالم الكرة، يمكن العودة إلى الحدث الكروي الأهم الذي عاشه العالم العام الفارط، ألا وهو مونديال قطر 2022، فقد أطفئت الأضواء بعد اختتام العرض وعاد كل من حيث أتى، ليكتب التاريخ على دفة الختام عنوانا واحدا لا يسع إلا اثنين وبالبنط العريض: المنظم قطر والبطل الأرجنتين، وقد يذيل بعبارة ساحرة من ذهب: فخر الضيافة للعرب ومجد النصر لـ«ليونيل ميسي» وزملائه.
وأما الديكة والأسود والنسور والصقور والفيلة والشياطين والثعالب والخراف… وبقية الألقاب والأوصاف الحيوانية الأليفة منها والمتوحشة، فلن يكون لها ذكر بعد اليوم إلا على سبيل الأنس والاستئناس ليس إلا.
لقد نجحت قطر إذا، في رفع التحدّي، حسب رأي الخبراء، الذين أجمعوا على أن تنظيم دورة كأس العالم، عاد بالنفع الوفير على قطر وعلى اقتصادها الذي جنى أرباحا كبيرة ومنافع لم تكن في الحسبان.
وقبل جني الأرباح كانت “المشيخة” الصغيرة قد سجّلت رقماً قياسياً تاريخيا من ناحية التكاليف التي خصّصتها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم، والتي بلغت نحو 220 مليار دولار، ولو أن هذا الرقم “الأسطوري” قد شمل نفقات كافة مشاريع البنية التحتية في البلاد، والتي تم تجهيزها لاستضافة الحدث وتطوير البلد، ومنها إنشاء شبكة مترو الأنفاق، وتجهيز الطرق وبناء أكثر من مائة فندق ومنتجع سياحي.
وأما الأموال التي اعتمدت في التجهيزات الخاصة بكأس العالم فقط ـ من ملاعب وملاحق استرجاع ـ فلم تتجاوز ثمانية ملايير دولار، وهو الرقم الذي يبقى قياسيا بدوره، مقارنة بما أُنفق من قبل على ذات الحدث.
معادلة الأرباح والتكاليف
ما صرفته قطر يزيد بمعدل 1.800% عن التكلفة التي تحملتها روسيا لاستضافة مونديال 2018 والتي بلغت نحو 11.6 مليار دولار، وهو رقم أقل مما أنفقته البرازيل في مونديال 2014 والذي قدر بنحو 15 مليار دولار.
جنوب أفريقيا كانت صاحبة التكلفة الأقل من حيث استضافة البطولة منذ بداية الألفية الجديدة، إذ بلغت تكاليف استضافتها لمونديال 2010 حوالي 3.6 مليار دولار فقط، وهو الرقم الأقل بنحو 16% مما أنفقته ألمانيا لاستضافة كأس العالم 2006، والذي قدر بنحو 4.3 مليار دولار، فيما كان إنفاق كوريا الجنوبية واليابان لاستضافة مونديال 2002 حوالي سبعة ملايير دولار.
وأما على مستوى موازنات الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، فقد رصدت ميزانية بلغت 1.69 مليار دولار لبطولة كأس العالم 2022 بقطر، وتنوعت المخصّصات ما بين 440 مليون دولار للجوائز المالية، و322 مليوناً للمصروفات التشغيلية، و247 مليوناً للنقل التلفزيوني، و209 مليوناً لبرنامج عوائد الأندية، و478 مليون دولار لمصاريف أخرى مثل التذاكر والضيافة وغيرها. وتعد هذه المخصصات المالية أقل من النسختين السابقتين، فمونديال 2018 بروسيا خصص له 1.92 مليار دولار، لكنه أنفق أقل منها بنحو 100 مليون دولار.
وكانت الميزانية الأكبر للـ«فيفا» ما تم إنفاقه على كأس العالم 2014 بالبرازيل، بنحو 2.22 مليار دولار، وهو أقل بقليل من ضعف ميزانية مونديال جنوب أفريقيا 2010 التي بلغت 1.29 مليار دولار، فيما كانت مخصصات الفيفا لكأس العالم في ألمانيا 2006 حوالي 881 مليون دولار.
ويُعدّ كأس العالم مصدر الدخل الأكبر للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، فهو يجني من البطولة عوائد كبيرة، فبحسب مسؤول بالـ«فيفا»، فإن عوائد مونديال قطر 2022، بلغت نحو 6.4 مليار دولار، تم جنيها من حقوق البث التلفزيونية والحقوق التجارية، والتراخيص ورسوم الاستضافة والتذاكر، أما قطر، فقد حققت عوائد تاريخية بلغت 17 مليار دولار من الدورة، وهو الرقم الذي لم تحصده أي دولة استضافت البطولة من قبل.
للإشارة، فأنه مع دخول المنافسات الرياضية عالم الحصرية والتشفير، بات بيع حقوق النقل التلفزيوني يمثل أعلى مصدر دخل للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» من دورة كأس العالم، وهو الأمر الذي كشفته الأرقام المعلنة.
تعاظم الفوارق
من قطر إلى الجزائر، ومن ريال مدريد والمان سيتي والبياسجي… إلى الوفاق الرياضي السطايفي ومولودية الجزائر واتحاد الجزائر وشباب قسنطينة ووو.. تتأرجح الفوارق وتنحدر القيم وتتزحلق موازين التقييم، ولكن حتى وإن غابت المعايير والمقاييس التي على أساسها يتم تقدير قيمة كل فريق في البطولة الجزائرية، فإنه يمكن ترتيب النوادي بحسب قيمة ما يملك كل منها من لاعبين، على ضوء سوق الانتقالات الموسمية، وما يتسرب أثناءها أو بعدها من أرقام وأرصدة ومبالغ مالية، ليجمع المختصون المحليون على ترتيب الخمسة الأوائل وهم:
- مولودية الجزائر هو النادي الأغلى في البطولة الوطنية
- اتحاد الجزائر
- وفاق سطيف
- شباب بلكور
- شباب قسنطينة
كتلة اقتصادية غير مستغلّة
وعليه، فقد أصبحت هذه النوادي لوحدها تشكل كتلة اقتصادية جد مهمّة، إلى درجة أن الكثير من المستوردين والتجّار صاروا يتحيّنون فرص ارتفاع “أسهم” هذه الفرق لدى الأنصار، فيطلقون عمليات استيراد وتسويق لمنتجات تحمل أسماء وشعارات وألوان الفرق المعنية، ناهيك عن الحراك التجاري والنشاط الاجتماعي الذي تعيشه المدن عشيّة كل استحقاق رياضي كبير تخوضه هذه الفرق، محليا إقليميا أو قاريا.
لقد بات من الضروري بمكان، استغلال أسماء ورموز الفرق الأكثر شعبية في البلد، وتقييمها اقتصاديا على غرار ما يحدث مع أكبر النوادي العالمية، وذلك من أجل خلق فرص إضافية لتمويل هذه النوادي ومنحها قدرة أكبر للتنافس على الظفر بخدمات أمهر اللاعبين، ما يمنحها إمكانية التنافس الدائم على الألقاب وعلى كل الجبهات.
هذا بالضبط ما يضمن للنوادي، الأفضلية المطلقة للاستحواذ على أسهم أكثر في سوق الإشهار التمويلي والتسويق الرياضي والعقود الإعلانية المختلفة عبر شبكات الإعلام المحلية والإقليمية، ومن ثم جذب المتعاملين الاقتصاديين للانخراط في مشاريع استثمارية تعود بالنفع العميم، ليس على النوادي فحسب، وإنما على جميع الشركاء بما فيهم الجماهير وصغار التجّار وأصحاب الحرف ونشطاء الفرص التجارية العابرة والمؤقتة، وكذا خلق ديناميكية تضامنية على مستوى الجمعيات الأهلية والاجتماعية.