تواصل الجزائر تعزيز مكانتها داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، مستندةً إلى دبلوماسية نشطة تعكس التزامها العميق بالدفاع عن القضايا الإفريقية ومناهضة التدخلات الخارجية. وفي خطوة تعكس هذا التوجه، تتسلم اليوم الخميس، سلمى مليكة حدادي رسميًا مهامها كنائبة لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، خلفًا للرواندية مونيك نسانزاباغانوا، وذلك بعد فوزها المستحق خلال الانتخابات التي جرت في 15 فبراير الماضي، حيث حصلت على 33 صوتًا متجاوزة بذلك النصاب المطلوب، ومتغلبة على المترشحة المغربية التي أُقصيت في الدور السادس، بعد انسحاب المترشحتين الليبية والمصرية في الأدوار الأولى.
لم يكن هذا الفوز مجرد نجاح انتخابي تقني، بل هو ثمرة استراتيجية جزائرية واضحة لتعزيز الحضور داخل المنظمات القارية، ما يعكس عودة قوية للجزائر إلى قلب صناعة القرار الإفريقي بعد سنوات من الركود الدبلوماسي. فمع انتخاب حدادي، تؤكد الجزائر مجددًا ثقلها السياسي في إفريقيا، خاصة بعد انتخابها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وهو المنصب الذي عزز من دورها كصوتٍ إفريقي يُمثل قضايا القارة في المحافل الدولية.
هذا الفوز أيضًا يُعبر عن إجماع إفريقي واسع على الثقة في الجزائر، التي لطالما لعبت دورًا محوريًا في دعم تحرر القارة، والدفاع عن سيادتها بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي تحاول فرض نفسها على إفريقيا.
مرحلة جديدة في العمل الإفريقي المشترك
تتولى سلمى مليكة حدادي اليوم رسميًا مهامها الجديدة في مفوضية الاتحاد الإفريقي، وهي التي تُعد دبلوماسية متمرسة تمتلك خبرة واسعة في العلاقات الإفريقية، حيث شغلت عدة مناصب بارزة، أبرزها:
-المدير العام لشؤون إفريقيا بوزارة الخارجية من مارس 2023 إلى أبريل 2024.
-سفيرة الجزائر لدى كينيا وجنوب السودان بين 2019 و2023.
-مستشارة ورئيسة القسم السياسي في بعثة الجزائر الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف.
-عملت في ملف اللاجئين وعديمي الجنسية، مما أكسبها خبرة في الملفات الإنسانية المعقدة في القارة.
هذه التجربة الغنية تجعلها أحد الأسماء المؤثرة في الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يديرها الاتحاد الإفريقي، لا سيما في ظل التحديات الكبرى التي تواجه القارة، مثل الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة والتدخلات الأجنبية، فضلًا عن القضايا الاقتصادية والتنموية التي تعاني منها إفريقيا.
دبلوماسية جزائرية في مواجهة المخططات الخارجية
يأتي هذا الانتصار في سياق تحركات دبلوماسية مكثفة للجزائر لتعزيز دورها القاري، ومواجهة محاولات المخزن المدعوم صهيونيا وفرنسيا استبعادها أو تحجيم دورها داخل الاتحاد الإفريقي. وقد أظهرت نتائج التصويت أن الجزائر ما زالت تتمتع بدعم إفريقي واسع، حيث حظيت مرشحتها بثقة الغالبية الساحقة، فيما فشلت بعض الأطراف في فرض مرشحيها أو التأثير على مجريات الانتخابات.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه الساحة الإفريقية تحولات عميقة، من بينها تصاعد التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ داخل القارة، حيث تسعى قوى مثل لولايات المتحدة والصين وروسيا إلى تكريس وجودها في إفريقيا عبر بوابات اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية. الجزائر، من جانبها، تقود دبلوماسية مستقلة ومتوازنة، تدافع عن مصالح القارة بعيدًا عن الهيمنة الخارجية، ما جعلها تحظى باحترام واسع داخل الاتحاد الإفريقي.
الإرهاب في الساحل.. المقاربة الجزائرية في مواجهة التحديات الأمنية
إلى جانب العمل السياسي والدبلوماسي، تمثل الجزائر رأس حربة في مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، حيث تدعو إلى حلول إفريقية خالصة بدلًا من الاعتماد على القوى الأجنبية التي لم تُسهم سوى في تأجيج الأزمات. وفي هذا الإطار، تدفع الجزائر بمبادرات قائمة على التنمية الاقتصادية، ودعم الجيوش المحلية بدلًا من التدخلات العسكرية الأجنبية، التي غالبًا ما تؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني بدلًا من تحسينه.
وقد نجحت الجزائر في إقناع الاتحاد الإفريقي بضرورة إعادة النظر في مقاربة مكافحة الإرهاب في الساحل، حيث أصبح هناك إدراك متزايد داخل المنظمة القارية بأن الحلول يجب أن تأتي من داخل القارة، وليس من الخارج.
إصلاح الاتحاد الإفريقي.. الجزائر تدفع نحو تسيير أكثر شفافية
إحدى النقاط التي أكدت عليها سلمى مليكة حدادي في حملتها هي ضرورة إصلاح آليات التسيير داخل الاتحاد الإفريقي، خاصة فيما يتعلق بالإدارة المالية والحوكمة الرشيدة. ويُعد هذا الملف حساسًا، حيث تواجه المنظمة تحديات مرتبطة بسوء التسيير المالي والبيروقراطية، مما أثر في فاعليتها في معالجة الأزمات التي تواجه القارة.
وتتبنى الجزائر موقفًا صريحًا بضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة داخل هياكل الاتحاد الإفريقي، وجعل القرارات أكثر استقلالية وكفاءة، وهو ما يتماشى مع تعهدات حدادي في منصبها الجديد.
الجزائر تكسب معركة الريادة القارية
فوز سلمى مليكة حدادي بهذا المنصب ليس مجرد إنجاز فردي، بل هو انتصار للدبلوماسية الجزائرية التي تسعى إلى استعادة دورها داخل الاتحاد الإفريقي، بعد سنوات حاولت فيها بعض القوى التأثير في موازين القوة داخل المنظمة القارية.
اليوم، تُثبت الجزائر أنها ليست فقط حاضرة بقوة في الساحة الإفريقية، ولكنها قادرة على التأثير وصنع القرار، مستندةً إلى رصيدها التاريخي كدولة دعمت حركات التحرر في القارة، وكقوة إقليمية تدافع عن إفريقيا أمام التدخلات الخارجية.
ومع هذا الفوز، تواصل الجزائر تعزيز موقعها كفاعل رئيسي في القارة، ما يجعلها أكثر قدرة على التأثير في الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية الإفريقية.
استلام سلمى مليكة حدادي لمهامها الجديدة ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل هو مرحلة جديدة في معركة الجزائر من أجل إفريقيا أكثر استقلالية وقوة، حيث تسعى الجزائر إلى أن يكون صوت القارة أكثر حضورًا في المحافل الدولية، بعيدًا عن أي وصاية أجنبية.