عاشت تونس خلال الصائفة الحالية على وقع العديد من الحرائق الغابية التي اندلعت في مناطق مختلفة من البلاد، وقد أكدّ المُتحّدث باسم الحماية المدنية “العميد مُعز تريعة” تسجيل 118 حريقاً في مختلف ولايات الجمهورية في الفترة الممتدة بين الفاتح جوان، و26 جويلية 2022، وهو يفُوق عدد الحرائق المُسجلة في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وشهدت تونس في العشر سنوات الاخيرة اندلاع حوالي 2000 حريق داخل الغابات أتى على ما يزيد من 30 الف هكتار.
وقد نشب، في النصف الثاني من شهر جويلية الماضي، حريقٌ غير مسبوق بجبل بوقرنين بالضاحية الجنوبية من العاصمة التونسية، تواصل لعدة أيام متتالية مع صعوبة السيطرة عليه، مما استدعى تدخّل دول شقيقة مثل الجزائر، حيث أمر رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” بإرسال حوامتين كبيرتين تابعتين للقوات الجوية و20 شاحنة للحماية المدنية من النّوع الكبير إلى تونس من أجل المساعدة في إخماد الحرائق المندلعة في الغابات.
واعتبر “عادل الهنتاتي” الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستديمة، أنه خلال الأربع سنوات الأخيرة شهدت جميع دول العالم، وليس تونس فحسب، موجة من حرائق الغابات لم تنجُ منها حتى الدول التي تتميز بمناخ غير جاف، وذلك نتيجة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض ليلا ونهارا لأكثر من أسبوع، وفقا لدراسات علمية أُجريت لهذا الغرض.
وقال الخبير الدولي لموقع “الأيام نيوز” أن المُعدّل السنوي لحرائق الغابات في تونس بين ألفين وثلاثة آلاف هكتار، الأمر الذي يتطلّب بذل جهود أكبر، ووضع استراتيجية وميزانية هامة، من أجل الإدارة العامة للغابات التابعة لوزارة الفلاحة التونسية، لتكثيف أبراج المراقبة أو ما يُسمّى بالمراصد الغابيّة.
وأضاف الهنتاتي أنّه تُوجد عوامل طبيعية وبشرية لاندلاع الحرائق في الغابات التونسية، مثل وجود نباتات أو أشجار سريعة الاشتعال، مثل الصنوبر الحلبي وأصناف غابية أخرى شديدة الاحتراق، بسبب جفاف الهواء والتربة، وأمّا العوامل البشرية الإرادية منها وغير الإرادية، مثل تعمُّد حرق الغابات لأسباب انتقامية أو بهدف استغلال الأشجار المُحترقة في إنتاج مادة الفحم، حيث تعمد – ما يُسمّى بمافيا الفحم- إلى حرق العديد من الغابات، أو غير الإرادية الناجمة عن إلقاء بقايا السجائر مثلا.
وتحدث الهنتاتي عن تعرض الغابات إلى اعتداءات أخرى، تتسبب في فقدان هذا الغطاء النباتي الثمين، مثل السرقات وقطع الأشجار بشكل عشوائي أو الصيد المحظور أو الحوز والاستيلاء على الملك الدولي الغابي.
وأكدّ الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة بأن فقدان الغابات لا يُؤثر على الجانب البيئي فحسب، بل تُوجد عديد العائلات التونسية التي ترتزق ممّا توفّره الغابة من موارد طبيعية، وهي مصدر عيش لهم منذ سنوات طويلة، وأضاف مُحدّثنا أن الغابات التونسية يسكنها نحو مليون ساكن.
ويُعدّ الأعوان المُكلفين بحراسة الغابات في تونس ضعيفا جدّا، مقارنة بالمساحة الجملية للغابات التي تتمّ حراستها، وعلى هذا الأساس دعا المجتمع المدني التونسي إلى ضرورة تعزيز سلك حراسة الغابات ومدّه بالتجهيزات الحديثة وتنظيم دورات تكوينية مع تربصات دورية في مجابهة الكوارث الغابية والاستفادة من التطور التكنولوجي.
وتبلغ مساحة الغابات التونسية حوالي 1,25 مليون هكتار، منها ما يُناهز مليون هكتار من النباتات سريعة الاشتعال، مثل صنوبريات وغابات شعراء، خاصة خلال فصل الصيف الذي يتّسم بارتفاع درجات الحرارة وانحباس الأمطار وتقلص المخزون المائي بالنّباتات.
وقال الأستاذ في علم المناخ والتغيرات المناخية زهير الحلاوي لموقع “الأيام نيوز” أنه توجد عدة أسباب وراء احتراق الغابات، أوّلها موجة الحر الشديدة في فصل الصيف، ممّا زاد نسبة التبخر، لذلك أصبح الغطاء الغابي نفسه عرضة للتبخّر وتواجد مواد تؤدي إلى الاشتعال، هذا إلى جانب العوامل البشرية كافتعال الحرائق بسبب لجوء أشخاص إلى توسيع المساحات الفلاحية التي يملكونها عبر حرق الغابات أو الاستيلاء العقاري.
وأكد ” زهير الحلاوي” في علم المناخ أنه في السنوات الأخيرة ارتفعت موجة الحرائق، مما يكشف عن ضعف سيطرة الدولة التونسية على مجالها الغابي، وفسح المجال لانتهاك الغابة التي تُمثّل عامل بيئي مُهمّ ورئة الأرض التي تستغيث منذ سنوات لأسباب مختلفة.
وتجدر الإشارة أن عدد الأعوان الذين يحرسون الغابات والسباسب وغيرها من المنظومات الطبيعية في تونس، يُوصف بالمحدود والضعيف، حيث يُغطّي 7455 عونًا من بينهم 5150 حارس غابات، و123 حارسا لسباسب الحلفاء، و212 حارس صيد و256 حارس برج مراقبة، وهي أعدادٌ ضعيفة مقارنة بالمساحة الجملية للمجال الغابي في تونس.