بعد مرور حوالي شهرين على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، جاء الدور على الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، الذي اغتيل إثر غارة جوية صهيونية نفذتها طائرات “إف-35” في منطقة حارة حريك، جنوب بيروت، والتي تُعد معقلًا رئيسيًا لحزب الله، وهذه الاغتيالات التي طالت هنية ونصر الله، إلى جانب قادة آخرين في حماس وحزب الله، ليست أمرًا مستجدًا في السياسة الصهيونية، بل هي استمرار لمنهجية متجذرة في عقلية العدو الصهيوني.
لقد سبق لـ”إسرائيل” أن استهدف العديد من قادة حماس مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري، كما حاولت مرارًا اغتيال محمد الضيف. وتعد هذه الاغتيالات جزءًا من سياسات «إسرائيل» المستمرة منذ نشأتها، حيث تستهدف كل من تعتبره خطرًا على أمنها.
بالعودة إلى عام 2009، نُشرت في مجلة “مومِنت” اليهودية الأمريكية مقابلة مع الحاخام الصهيوني “مانيس فريدمان”، الذي تحدث بشكل صريح عن الطريقة المثلى للتعامل مع العرب في فلسطين المحتلة. وقد أكد فريدمان أنه لا يؤمن بالأخلاقيات الغربية التي تمنع قتل المدنيين أو الأطفال، أو تدمير الأماكن المقدسة، أو القتال في الأعياد الدينية. بل دعا إلى اتباع “الطريقة اليهودية” في الحرب، والتي تشمل تدمير الأماكن المقدسة وقتل الجميع، رجالًا ونساءً وأطفالًا وحتى الماشية، معللًا ذلك بأنه السبيل الوحيد لردع الفلسطينيين ومقاومتهم.
لم يكن فريدمان مجرد معبّر عن رأي شخصي، بل قدّم رؤية دينية مستمدة من نصوص التوراة، معتقدًا أن هذه المبادئ هي التي ستجعل هذا الكيان المظلم “النور الذي يهدي الأمم” حسب ادعائه. ومن خلال هذه الكلمات، فضح فريدمان الأساس العقائدي الذي استندت إليه الصهيونية في تنفيذ أعمال القتل والإبادة ضد الشعب الفلسطيني. ومن هنا تبرز ضرورة العودة إلى الجذور الفكرية لهذا الخطاب الإبادي لفهم كيف أضفى الشرعية على القتل والتهجير والتطهير العرقي، وما آلت إليه هذه العقيدة من نتائج مأساوية.
هذه العقيدة التي تتبنى الإبادة لم تتوقف عند القرارات السياسية والعسكرية فحسب، بل تغلغلت بعمق في النظام التعليمي الصهيوني. على سبيل المثال، قام “جورج تمارين”، أستاذ علم النفس في إحدى جامعات الكيان، بإجراء دراسة على نحو ألف طالب ثانوي في «إسرائيل» لرصد تأثير الأساطير التوراتية المتعلقة بأفعال “يشوع”. وجاءت النتائج صادمة، حيث أيد حوالي 80 بالمائة من الطلاب صحة هذه الأفعال في أريحا ومكيدة، فيما رأى 38 بالمائة أن “الجيش” الصهيوني يجب أن يكرر هذه الإبادة في القرى العربية.
في مقاله المنشور بمجلة “كاونتر بنش” الأمريكية، تناول الباحث “ملفين غودمان” دور سلطة الاحتلال في استمرار سياساتها القمعية، مشيرًا إلى التواطؤ المستمر من جانب الولايات المتحدة مع هذه الممارسات. وأوضح غودمان أن الإدارات الأمريكية، بما في ذلك إدارة جو بايدن، لم تتجرأ على تحدي «إسرائيل» أو وضع حد لانتهاكاتها. وأشار إلى الحميمية الظاهرة بين بايدن ورئيس وزراء الاحتلال الصهيوني نتنياهو، الذي التقاه بعد أيام من هجوم حركة حماس في أكتوبر الماضي، وكذلك زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي أكد في تصريحاته أنه حضر ليس فقط كمسؤول أمريكي بل أيضًا كيهودي.
غودمان أكد أن الولايات المتحدة شريكة في كل جوانب حملة الإبادة التي تشنها «إسرائيل» ضد قطاع غزة، كما أنها تجاهلت باستمرار الانتهاكات الصهيونية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وأوضح أن 70 بالمائة من الأسلحة التي تستخدمها «إسرائيل» في عملياتها هي من الولايات المتحدة، مما يعكس تواطؤًا واضحًا في هذه الجرائم.
وأشار الباحث أيضًا إلى الصمت الأمريكي حيال الهجمات على أجهزة الاستدعاء والاتصالات في لبنان، معتبرًا ذلك دليلًا على عدم رغبة واشنطن في إدانة الإرهاب الصهيوني. وانتقد غودمان تصريحات بلينكن الأخيرة في القاهرة، حيث دعا إلى “تجنب التصعيد”، واصفًا إياها بالفاسدة، مؤكدًا أنها أحرجت الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
كما استشهد غودمان بتصريح السيناتور كريس فان هولين، أحد أعضاء مجلس الشيوخ القلائل الذين يطالبون بمحاسبة «إسرائيل»، حيث قال ساخرًا: “إذا كان سلوك «إسرائيل» يتوافق مع المعايير الدولية، فليساعدنا الله جميعًا”.
وتابع الكاتب بتوضيح أن سياسة تهجير الفلسطينيين واضطهادهم ليست جديدة، بل تعود إلى ما قبل إعلان تأسيس ورم الكيان، وأن العدوان الحالي في غزة والضفة الغربية ما هو إلا استمرار لهذه السياسات. وأكد أن الإسرائيليين لطالما روجوا لفكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، منكرين وجود الفلسطينيين على الأرض منذ البداية.
وفي ختام مقاله، أشار غودمان إلى أن إنكار «إسرائيل» لحقوق الفلسطينيين هو مرض مزمن، وأوضح أن استراتيجية نتنياهو تستهدف القضاء على حركتي حماس وحزب الله، بغض النظر عن الخسائر البشرية بين الأسرى الإسرائيليين أو المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين. ورغم كل ذلك، لا يبدو أن إدارة بايدن تعتزم معارضة هذه الإستراتيجية.
ويتضح من هذا السياق أن استهداف قيادات من حماس وحزب الله مثل إسماعيل هنية وحسن نصر الله يعكس استمرارًا لسياسة صهيونية قديمة تستهدف كل من تعتبره تهديدًا، بما في ذلك المدنيين. هذه السياسات متأثرة بالعقائد التوراتية التي تسربت إلى النظام التعليمي الصهيوني، حيث يتعلم الطلاب تبرير الجرائم ضد الفلسطينيين كجزء من تاريخهم. ويظل التواطؤ الأمريكي المستمر داعمًا لهذه السياسات القمعية.