أدانت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين حماس، الاعتداء الصهيوني الأخير، على مطار دمشق الدولي، والذي خلف خمسة شهداء من الجيش العربي السوري، موقف حماس الداعم للدولة السورية في وجه الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، هو الأول والأقوى من نوعه، منذ مغادرة قيادات الحركة العاصمة السورية دمشق مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة ألفين واثني عشر.
خطوة دعم حماس العلني والقوي للدولة السورية والجيش السوري في مواجهة الاعتداءات الخارجية، تأتي بعد يومين فقط من بيان المكتب السياسي للحركة، الذي أعلن حرص حماس على عودة علاقات قوية مع دمشق، مع التأكيد على اصطفاف حركة المقاومة الإسلامية حماس مع القيادة السورية، في مواجهة الهجمة الصهيونية ومؤامرات حلف التطبيع، لكن الإشارة الأهم في البيانين اللذين أصدرتهما الحركة بخصوص سوريا، وفي ظرف يومين فقط، أنهما، لم يتضمّنا أي إشارة إلى الأوضاع السورية الداخلية، وهو تفصيل يمكن أن يشرح مستوى التقدم الذي وصلت إليه المفاوضات التي جرت بين الطرفين وبوساطة حزب الله والجمهورية الإيرانية.. فكيف وصلت العلاقات بين حماس ودمشق إلى هذه المرحلة المتقدّمة، والتي قد تتوّج بالإعلان عن زيارة، أو اتصال مباشر بين الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة؟
بداية القطيعة..
في السابع من نوفمبر سنة ألفين واثني عشر، أعلنت قيادة حماس في بيان لها أنها ستغلق مكاتبها في العاصمة السورية دمشق ، بيان تكفّلت وسائل إعلام خليجية بالترويج له، على أن حماس لا يمكن أن تقف في وجه مطالب الشعب السوري، بل إن بعض قادة الحركة وعلى رأسهم خالد مشعل، لم ينكر دعمه الذي اقترب من الاحتفاء، لما يسمى الربيع العربي، معتبرا أن ما يحدث في المنطقة العربية، وبدعم ورعاية قطرية تركية، من شأنه أن يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وهي رواية أثبتت الأحداث لاحقا، أنها في الحد الأدنى تنمّ عن قصور لدى قيادات حماس، التي زجّت بالقضية الفلسطينية المنهكة أصلا بالمؤمرات والخذلان، في أتون خلافات وأزمات، بعضها دُبّر وافتُعل أساسا لتصفية القضية الفلسطينية، كما هو الحال في سوريا.
العلاقات بين حركة حماس وسوريا قطعت في عام 2012 على إثر خروج الحركة من دمشق، بعد انطلاق أحداث ما يسمى بـ “الربيع العربي”، وهو سلوك اعتبرته دمشق في حينه نكرانا وجحودا لما بذلته سوريا من تضحيات في سبيل دعم المقاومة الفلسطينية بجميع مكوّناتها، بل أن القيادة السورية تعتبر أن التزامها بمساندة القضية الفلسطينية بالذات هو ما جلب لها كل هذا الشر والحقد والاستهداف.
الوثيقة الاستراتيجية وبداية المراجعة..
وفي عام 2017 تبنّت حماس رؤية جديدة بعد انتخاب هيئة سياسية قائمة على إعادة ترتيب العلاقات مع سوريا، سعت طيلة هذه الفترة لمحاولة إزالة العقبات، بينها وبين الحكومة السورية من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها.
وبعد خمس سنوات من الجهود والوساطات، التي قادها بشكل أساسي الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وبدعم قوي من القيادة الإيرانية، التي كانت تضغط بشكل متدرج وذكي على القيادة السورية، لمنح هذه الجهود فرصة، على اعتبار أن استعادة حركة حماس إلى محور المقاومة، هو مصلحة استراتيجية للمحور، ولسوريا الموقع والدور في المقام الأول، وهي الوساطة التي يبدو أنها وصلت إلى مرحلة متقدّمة وإيجابية جدا، وكانت مُحصّلته البيان القوي الذي أصدرته حماس الخميس الماضي.
ومن جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغربب، أن “توقيت هذه الخطوة التي قامت بها حماس جيد، لتوحيد الجهود لمواجهة حالة التغوّل الصهيوني.”
وأضاف شرحبيل في تصريح لـ “لأيام نيوز”، أن “المنطقة كلّها تشهد حالة من التغيرات، وهذا يفرض على حماس أكثر من أي وقت مضى أن تتخذ موقفا كهذا، قائما على مصلحة مشتركة، وهي التصدي للعدو الصهيوني واعتداءاته المتكررة، سواء على فلسطين أو سوريا.”
واعتبر الباحث شرحبيل الغريب، أن “عودة حماس إلى سوريا مهم جدا للقضية الفلسطينية، على قاعدة أن سوريا قدّمت الكثير للفلسطينيين، لافتا إلى أن هذه العودة قائمة أيضا على عنوانين أساسيين، التصدي لعدوان الاحتلال الصهيوني، ومواجهة مسار التطبيع الذي تورّطت به دول عربية بالمنطقة”.
وحول عودة العلاقات بينهما بشكل كامل، قال الغريب، “إن عودة العلاقات بين حماس وسوريا بشكل كامل وعادي بحاجة إلى وقت، ولكن البيان كسر الجمود فهو رسالة واضحة المصطلحات، وتابع ربما تعود العلاقات تدريجيا، لتنفيذ خطوات إعادة بناء الثقة من جديد على قواعد متينة”.
خطوة في الاتجاه الصحيح
من جانبها، أشادت الفصائل الفلسطينية بقرار حماس العودة إلى استئناف علاقاتها مع سوريا، باعتبارها خطوة في طريق نبذ الخلافات لتوحيد الأمة العربية، ولأن دعم سوريا للقضية الفلسطينية لم تكن محل جدال أو نقاش.
وأوضح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب، أن “إعلان حركة حماس مُضيّها في بناء وتطوير العلاقات مع سوريا، بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح.”
وقال تعقيبًا على البيان الذي أصدرته حماس بشأن العلاقات مع سوريا، “إن هذه الخطوة ستعزز محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.
أما عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هاني الثوابتة، فقال:” إن إعلان حركة حماس توجّهها نحو بناء وتطوير علاقات راسخة مع سوريا، سيصب في مصلحة القضية الفلسطينية، خاصة وأن سوريا أحد الداعمين الأساسيين للفلسطينيين”.
وبدوره اعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، طلال أبو ظريفة، أن “تطوير العلاقات بين حماس وسوريا يعزز حالة التلاحم في المنطقة للصمود أمام الاحتلال الصهيوني، مؤكدا أنها خطوة ذات أهمية عالية، نظرا لدور سوريا في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني”.
يذكر أن أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في سوريا، موزعين بين ستة مخيمات، أشهرها مخيم اليرموك بالعاصمة السورية دمشق، الذي تعّرض لعلميات دمويّة شنّها تنظيم داعش الإرهابي.