حول ثمن الحرية.. هذه رسالة شهداء الجزائر إلى المقاومة في فلسطين

لا يوجد شعب نال حريّته واسترجع سيادته وهو جالس على الكرسي ويأخذ صورة مع المستعمر، فالتّاريخ لخّص الحقيقة في أنّ هناك ثمن وثمن غال يدفع مقابل تحرير الأرض واستعادة التّراب، ونحن هنا لا نكتشف قانونًا جديدًا في الفيزياء أو الرّياضيات بل الواقع عبر الأحداث والمتغيّرات يؤكّد أنّ معادلة البقاء تقوم على الكفاح والنضال والاستشهاد. 

وإذا أراد الإنسان حقّه ذهب إليه بدمه يطلبه ولا ينتظر أن يبعث له أحد مصعدًا أو سلّمًا للصّعود، وما السّابع من أكتوبر إلّا تجسيد لهذه الحقيقة الموضوعية المستمرّة عبر الزّمان والمكان والإنسان استمرار الحياة.

ومن يلوم شعبًا أعزل ومحاصر على مقاومته بحجّة موت الآلاف، لم يقرأ التّاريخ ولم يقرأ أصلًا ويريد أن يقنع نفسه أنّ فلسطين يمكن أن تعود بكأس ماء بارد على مائدة مفاوضات بربطة عنق في فندق من عشرة نجوم دون ميزان قوّة على الأرض، وبالتّالي دون نفس ونفيس لمجرّد أنّه يحب حياة الرّغد والأضواء والدّولار ويريد إسقاط نظريته في السّياسة على شعب لم ينل بالكراسي – تميل شمالًا ويمينًا – إلّا الخسران منذ أوسلو وإلى اليوم وعندما يقوم بعمل مسلّح مشروع ضدّ الاحتلال يقال له الشّعب يريد العيش.

وغزّة كانت ستصبح مثل إمارات الخليج وبالتّطبيع كان الاقتصاد سيصبح شغّال وغيرها من سرديات استسلام استراتيجي لن يكون إلّا وهمًا على الفلسطينيين الذين لم يعد أحد يتحدّث عنهم قبل السابع من أكتوبر وهم اليوم يريدون طي السّنين كما فعل الجزائريون قبلهم وربح الوقت ومنع تصفية القضية في الكواليس وعبر الصّفقات وإحياء هويتهم أمام العالم وتقديم أوراق اعتماد وجودهم للضّمائر الحيّة وقوى الخير في هذا الكوكب بتوقيع بختم أحمر بدماء طفلة وعجوز وشاب ومسنّ آثروا الشّهادة على الحياة الدّنيا مثلما فعل علي لابوانت والعربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد وأحمد زبانة ولالة فاطمة نسومر وبوزيد سعال والعربي تبسي والملايين من شهداء المقاومة الجزائرية عبر التّاريخ.

ولولا دماء هؤلاء الشّهداء الزّكية ما تحرّرت الجزائر وما وقفت اليوم مع فلسطين ظالمة أو مظلومة في نموذج حقّ تبني عليه المقاومة الفلسطينية صمودها ومجدها وقوّتها وطول نفسها أمام أعداءها وأمام بني جلدتها من الذين يطلبون الحياة والعيش بالمعنى المادّي وهم موتى الأنفس والكرامة ويبخسون تضحيات قوم يطلبون الحياة الآخرة بالمعنى المعنوي في سبيل الله وفي سبيل أولى القبلتين وثالث الحرمين، كلمة السرّ عندهم نفسها التي استعملها المجاهدون في ليلة أوّل نوفمبر 1954: “عقبة.. خالد..!”.

 

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

اقرأ أيضا