تبقى قضية المقابر الجماعية المكتشفة في باحة مستشفى ناصر بمدينة خان يونس في قطاع غزة، محور اهتمام دولي بالرغم من عدم التحرّك في الاتجاه الصحيح، ما يتعارض مع مبدأ “إنهاء سياسة الإفلات من العقاب” الذي تتبناه الجزائر، بإصرار شديد، فقد طلبت – أمس السبت – عقد جلسة مشاورات مغلقة في مجلس الأمن الدولي الثلاثاء المقبل، لبحث إحدى الفظائع التي دأب الاحتلال الصهيوني على ارتكابها بلا هوادة ضد الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد أزيد من 34 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.
وذكرت مصادر إعلامية فلسطينية، الأسبوع الفارط أنّ طواقم الإنقاذ والإسعاف وجدت بساحات مجمع “الشفاء” و”ناصر” الطبيين بقطاع غزة، مقابر جماعية تحوي جثامين شهداء فلسطينيين، خلفتها قوات الاحتلال الصهيوني بعد مغادرتها لتلك المواقع، وفي هذا السياق، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء الأنباء التي تفيد باكتشاف تلك المقابر الجماعية ودعا إلى ضرورة السماح للمحققين الدوليين المستقلين بالوصول إلى هذه المواقع. وأكد أنه “من الضروري أن يسمح للمحققين الدوليين المستقلين، ذوي الخبرة في الاستدلال العلمي الجنائي، بالوصول فورا إلى مواقع هذه المقابر الجماعية، لتحديد الظروف بالضبط التي فقد فيها مئات الفلسطينيين أرواحهم ودفنوا أو أعيد دفنهم”.
وبهذه الخطوة على مستوى مجلس الأمن، تكون الجزائر قد تصدّرت أصوات الداعين إلى إجراء تحقيق دولي بعد اكتشاف مئات الجثث في مقابر جماعية بمستشفيين في قطاع غزة، بعد انسحاب عناصر الجيش الإسرائيلي منها، إذ كان مدير الدفاع المدني في خان يونس، يامن أبو سليمان، قد أعلن الخميس 25 من أفريل، خلال مؤتمر صحفي، “رصد 3 مقابر جماعية في مستشفى ناصر، تضم 392 جثة تظهر على بعضها آثار التعذيب”.
وأشار أبو سليمان إلى أنه من بين الجثامين المكتشفة “165 مجهولي الهوية، لم يتم التعرف عليهم بسبب تغيير الاحتلال مظاهر العلامات الخاصة للتعرف على الجثث وتشويهها”، وتحدث جهاز الدفاع المدني في غزة عن “تعرض بعض ضحايا المقابر الجماعية المكتشفة في مستشفى ناصر لسرقات أعضاء”. وأشار مدير إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني في قطاع غزة، محمد المغير، إلى أن طواقم الدفاع المدني “وجدت بعض الجثث مربوطة الأيدي، والبطن مفتوح ومخيط بطريق تخالف الطرق الاعتيادية لخياطة الجروح في قطاع غزة، مما يثير شبهات حول اختفاء بعض الأعضاء البشرية”.
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة – يوم الأربعاء 1 ماي – للبحث في استخدام حق النقض “الفيتو” من الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن ضد مشروع قرار قدمته الجزائر يوصي الجمعية العامة بقبول فلسطين دولةً كاملة العضوية في الأمم المتحدة، أوضح دبلوماسي بعثة الجزائر الدائمة في نيويورك، أحمد صحراوي، أن “دعم الجزائر للفلسطينيين هو دعم طبيعي يمليه عليها واجب الأخوة وتاريخها وكفاحها المرير ضد الاستعمار”.
وكان مجلس الأمن قد فشل، في 18 أفريل الماضي، في تمرير مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر، باسم المجموعة العربية، والذي يوصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بتمكين دولة فلسطين من الحصول على عضويتها الكاملة في الهيئة الأممية، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو”. وصوّت 12 عضواً لمصلحة مشروع القرار، في مقابل امتناع بريطانيا وسويسرا، بينما استخدمت واشنطن “الفيتو”.
يُذكَر أن المندوب الدائم للجزائر في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، أكّد أنّ الجزائر ستعود بقوّة وأكثر زخماً، بدعمٍ من شرعية الجمعية العامة للأمم المتحدة، والدعم الأوسع من أعضائها، بشأن إعادة طرح ملف العضوية الكاملة لفلسطين المحتلة في المنظمة، وخلال كلمة له، قال ابن جامع إنّ هذه الخطوة تأتي استكمالاً لِما بدأته الجزائر في رحلتها نحو العضوية الكاملة لفلسطين المحتلة، ودعا الذين لم يتمكّنوا من دعم القرار إلى أن “يفعلوا ذلك في المرة المقبلة”، مؤكّداً أنّ التأييد الساحق له، يبعث برسالةٍ واضحة وضوح الشمس، مفادها أنّ فلسطين “تستحقّ مكانها الصحيح” بين أعضاء الأمم المتحدة، وختم حديثه مؤكّداً أنّ “جهود الجزائر لن تتوقف، حتى تصبح دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة”.
وكان الصحفي جوناثان كوك، قد انتقد في مقال له بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، لامبالاة الغرب بخبر الكشف عن مقابر جماعية في قطاع غزة، وبعضها داخل مستشفيات. وأقال كوك إن 400 شخص آخرين ما يزالون بعداد المفقودين في خان يونس، ومن المرجح اكتشاف مزيد من المقابر الجماعية.
وفي تعليقه على تلك الأنباء، قال كوك إن الأمر كان متوقعا، في ظل هذه الظروف، أن يتصدر خبر اكتشاف المقابر الجماعية لمئات الفلسطينيين نشرات الأخبار، خاصة بعد أن قضت محكمة العدل الدولية قبل 3 أشهر بأنّ هناك دليلا “منطقيا” على ارتكاب الاحتلال أعمال إبادة جماعية في غزة. ولكن، لم تحرك تلك الفظائع الإسرائيلية في الإعلام ساكنا، كما يقول كوك، إذ “لم تعد وسائل الإعلام البريطانية مهتمة كثيرا” بتغطية المذابح المستمرة في القطاع الفلسطيني المحاصر.