لطالما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ترسيخ صورتها كرمز عالمي للديمقراطية، عبر جهود مكثفة وحملات ضخمة تهدف إلى إقناع العالم بأن واشنطن هي عاصمة الحرية. وفي الوقت ذاته، عملت على إزالة أي انطباعات سلبية قد تهدد هذه الصورة. وضمن هذا السياق، لعبت شركات العلاقات العامة دوراً رئيسياً، مستغلة أحدث تقنيات علوم الاتصال والإعلام لجعل هذه الجهود التسويقية جزءاً من السياسة المتبعة بشكل تلقائي. ورغم كل ذلك، يكشف التاريخ دائماً عن الحقائق المظلمة، إذ تظل أزمة العدالة العرقية وعدم المساواة المتجذرة في المجتمع الأمريكي أكبر من أن تُخفيها الشعارات البراقة.
على أرض الواقع وبلغة الأرقام والإحصائيات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتمكن الأمريكيون من أصل إفريقي من الاستفادة من العديد من الإجراءات العقارية، وقد استمر الافتقار المنهجي إلى الاستثمارات في الأحياء السوداء، كما أن الحرب على المخدرات تتركز بشكل غير متوازن ضد السكان السود، ما يشير بشكل جلي وواضح إلى أنماط خطيرة من التفاوت الطبقي، ومظاهر الظلم ما زالت موجودة في المجتمع الأمريكي حتى اليوم.
وقبل فترة وجيزة، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش بتقديم تعويضات على المستويين الوطني والمحلي بسبب إرث العبودية في الولايات المتحدة، مشددة على أهمية الاعتراف بالضرر المستمر الذي خلفته العبودية، ما يؤكد أن معاناة السود في الولايات المتحدة لا تزال قائمة حتى اليوم.
وتُمثل التعويضات عن العبودية اقتراحاً بتقديم نوع من التعويض لأحفاد العبيد الذين كانوا جزءاً من تجارة العبيد عبر الأطلسي. وقد تكررت هذه الفكرة في سياسات الولايات المتحدة منذ الأوامر الميدانية الخاصة رقم 15 لعام 1865 («أربعون فدانًا وبغل») وحتى الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2020. وقد اقتُرح هذا التعويض في أشكال مختلفة، بدءاً من المدفوعات النقدية الفردية إلى التعويض المعتمد على الأراضي والمتعلق بالاستقلال.
وما تزال الفكرة مثيرة للجدل إلى حدّ كبير، ولا يوجد إجماع واسع حول ما إذا كان يمكن تنفيذها أو كيفية القيام بذلك. كما كانت هناك دعوات مشابهة للحصول على تعويضات في بعض دول الكاريبي، وفي أماكن أخرى ضمن الشتات الإفريقي، كما دعت بعض دول القارة السمراء إلى الحصول على تعويضات على خلفية فقدان بعض سكانها.
وكان الاقتراح الحكومي الأول للتعويض عن أضرار العبودية في الولايات المتحدة هو “الأمر الميداني الخاص رقم 15” الصادر عن جنرال الحرب الأهلية ويليام ت. شيرمان (1861-1865). أثناء الحرب، حين أصدر هذا الأمر الذي منح 40 فداناً من الأراضي لبعض عائلات السود المحررة حديثاً في عام 1865، قبل أن يلغيه الرئيس الأمريكي أندرو جونسون، خليفة الرئيس أبراهام لنكولن.
قبل ذلك بثلاث سنوات، أي في عام 1862، منح لينكولن تعويضات مالية لحوالي 3,185 من مُلّاك العبيد في مقاطعة كولومبيا عن خسارتهم “الممتلكات البشرية” نتيجة التحرير، لكن لا شيء تم تقديمه للأفارقة المستعبدين الذين عانوا من الاستغلال الوحشي والعنف والقسوة.
في عام 1921، دمّر حشد من البيض مجتمعاً ناجحاً اقتصادياً للسود في تولسا، أوكلاهوما، المعروف آنذاك باسم “بلاك وول ستريت”، حيث أحرقوا أكثر من 1,200 منزل، ودمّروا شركات، وقتلوا مئات الأشخاص، والغالبية العظمى منهم من السود.
في 29 ماي 2020، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً يوضح العلاقة بين المجزرة والعنصرية الممنهجة التي لا تزال حتى اليوم تمنع مجتمع السود في تولسا من الازدهار. وفي 31 ماي 2020، تم عقد منتدى افتراضي حول التعويضات عن المجزرة العرقية في تولسا وأثر العبودية، وذلك بالتعاون مع لجنة التعويضات الوطنية للأمريكيين الأفارقة، واتحاد الحريات المدنية الأمريكي، ونشطاء وقادة من تولسا.
في جويلية 2020، قدّمت السيناتور الأمريكية إليزابيث وارين (ديمقراطية من ماساتشوستس) وعضو الكونغرس شيلا جاكسون لي (ديمقراطية من تكساس) قراراً تاريخياً في مجلسي الكونغرس الأمريكي، يُكرّم الضحايا ويدين الجهود المبذولة للتستر على حقيقة ما حدث.
رغم التقدم في النضال من أجل حقوقهم المدنية في ستينيات القرن الماضي، ما زال الأمريكيون من أصل إفريقي يعانون من تعليم أدنى، وتغطية أضعف للضمان الاجتماعي، ويعيشون حياة أقصر مقارنة بالبيض. كما أن شروط سجنهم غالباً لا تتناسب مع تلك التي يخضع لها الأمريكيون الآخرون.
وقبل طرح القرار على المستوى الفيدرالي، كانت مسألة التعويضات قد طُرحت على المستوى المحلي. وأصبحت إيفانستون، البلدة الصغيرة الواقعة على ضفاف بحيرة ميشيغان شمال شيكاغو، في مارس 2021، أول بلدة تقرر دفع تعويضات لسكانها السود، تصل إلى عشرة ملايين دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، وتتعلق بما تدين به الولايات المتحدة للأمريكيين السود من أحفاد العبيد الذين أسهم عملهم في جعل هذا البلد قوةً عظمى، وصولاً إلى الأجيال اللاحقة التي حُرمت حقوقها من خلال الممارسات التمييزية.
وحدّد المشروع المستحقين بالمتحدرين المباشرين من السود الذين عاشوا في إيفانستون بين عامي 1919 و1969، وعانوا من الممارسات التمييزية لسلطات المدينة في مجال الإسكان، إضافةً إلى السكان السود الحاليين الذين تزيد أعمارهم على 18 سنة والذين يواجهون التمييز نفسه.
ومن أبرز هذه الممارسات ما يُسمّى “الخط الأحمر”، وهو إجراء كانت المصارف تحدّ بموجبه من القروض العقارية الممنوحة لسكان بعض المناطق الفقيرة التي يغلب فيها السود، ويتمّ تحديدها أحياناً بخط أحمر على الخرائط، مما يعزّز عملياً الفصل العنصري الذي كان قائماً منذ نهاية القرن التاسع عشر.
وفي الوقت الراهن، دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى تقديم تعويضات وطنية ومحلية عن إرث العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية. يأتي ذلك بينما يُحقق مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي في هذا السياق تقدماً تاريخياً.
وقالت المنظمة إنها تعمل مع مجموعات التعويضات المعنية بهذه القضية، مثل “الائتلاف الوطني للسود من أجل التعويضات في أمريكا” و”لجنة التعويضات الوطنية للأمريكيين الأفارقة”، للمساعدة في جذب الانتباه الوطني والدولي للقضية.
إذا كان مجلس النواب قد شرع في مناقشة “القرار رقم 40″، الذي يتعلق بمشروع قانون لإنشاء لجنة فيدرالية لدراسة إرث العبودية في الولايات المتحدة، فإن هذا الجهد يندرج ضمن الخطوات التشريعية التي يجب اتخاذها للتخلص، ولو بشكل رمزي، من أعباء الماضي العنصري. لكن، ماذا عن غياب ثقافة احترام الآخر؟ فهذه الثقافة هي التي يجب أن تُرسخ ويُقبل الآخر من خلالها، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو ديانته.
في سبتمبر 2023، خلص تقرير دولي إلى أن العنصرية المنهجية ضد الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي متغلغلة في قوات الشرطة ونظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقال محررو التقرير إنه يتعين على السلطات الأمريكية تكثيف جهودها بشكل عاجل لمعالجة هذا الأمر.
التقرير الذي صدر عن آلية الخبراء المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون، جاء في أعقاب زيارة رسمية نظمتها الآلية إلى الولايات المتحدة واستمعت خلالها إلى شهادات من 133 شخصا من المتضررين، وزارت خمسة مراكز احتجاز وعقدت اجتماعات مع مجموعات المجتمع المدني ومجموعة من السلطات الحكومية وسلطات الشرطة في واشنطن العاصمة وأتلانتا ولوس أنجلوس وشيكاغو ومينيابوليس ومدينة نيويورك.
وقالت الخبيرة تريسي كيسي، عضوة الآلية: “في جميع المدن التي زرناها، سمعنا العشرات من الشهادات المفجعة حول عدم حصول الضحايا على العدالة أو الإنصاف. هذا ليس أمرا جديدا وهو غير مقبول”. وأشارت الخبيرة الأممية إلى ما وصفته بـ”المشكلة البنيوية” التي قالت إنها تتطلب استجابة منهجية. ودعت “جميع الجهات الفاعلة المعنية- بما فيها أقسام الشرطة ونقابات الشرطة- توحيد جهودها لمكافحة الإفلات من العقاب السائد”.
وخلص التقرير إلى أن العنصرية في الولايات المتحدة –المتمثلة في إرث العبودية وتجارة الرقيق ومائة عام من الفصل العنصري القانوني الذي أعقب إلغاء العبودية- لا تزال موجودة حتى اليوم في شكل التنميط العنصري، والقتل على يد الشرطة، والعديد من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
وأوضح التقرير أن الأشخاص من ذوي البشرة السوداء في أمريكا هم أكثر عرضة للقتل على يد الشرطة بمعدل ثلاث مرات مقارنة بالأشخاص من ذوي البشرة البيضاء، وأكثر عرضة للسجن بمعدل 4.5 مرات. ومن بين أكثر من 1000 حالة قتل تحدث سنويا على يد الشرطة كل عام، فإن 1 في المائة فقط منها ينتج عنها توجيه اتهامات لضباط الشرطة، وفقا للتقرير.
وحذر التقرير من استمرار عمليات القتل هذه إذا لم يتم إصلاح قواعد استخدام القوة في الولايات المتحدة بما يتوافق مع المعايير الدولية. وأشار التقرير- بقلق بالغ- إلى حالات الحكم على أطفال من أصل أفريقي بالسجن مدى الحياة، وتقييد نساء حوامل في السجن أثناء الولادة، واحتجاز أشخاص في الحبس الانفرادي لمدة 10 سنوات.
كما وصف التقرير الكيفية التي مُنع بها بعض الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي من التصويت بعد سنوات من انتهاء مدة عقوبتهم، وكيف تعرض البعض منهم للعمل القسري في سجون “على طراز المزارع”، وهو ما يشكل شكلا معاصرا من أشكال العبودية.
وهكذا فإن المطالب والمشاريع الخاصة بتقديم تعويضات على المستويين الوطني والمحلي بسبب إرث العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية، تبرزُ جملة من الأسئلة، أهمها: هل يمكن لمشروع قانون التعويضات أن يتغلب على إرث العبودية العميق ويحقق نتائج ملموسة في تقديم تعويضات للأضرار الناجمة عن ذلك؟ وكيف يمكن معالجة آثار العبودية التاريخية بفعالية؟ وهل هناك إمكانية لإيجاد حلول حقيقية للعدالة العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية؟
العبودية في أمريكا الاستعمارية..
رؤية جديدة بمنظار قديم
بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني
في أمريكا الاستعمارية بدأت العبودية -بمفهومها المتعلق باستعباد المستعمرين الإنجليز البيض للأفارقة- عام 1640 في مستعمرة جيمستاون بفرجينيا، غير أن تبني سياستها تم بالفعل قبل هذا التاريخ مع استعباد وترحيل السكان الأمريكيين الأصليين.
تشير تقارير قادمة من جيمستاون منذ عام 1610 إلى أن المستعمرين استعبدوا السكان الأصليين. كما أن حرب البيكوات في مستعمرات نيو إنغلاند (1636-1638) انتهت بانتصار المستعمرين، مما أدى إلى استعباد وترحيل أفراد قبيلة البيكوات. ورغم أن قوانين الاستعباد لم تُعتمد رسمياً في فرجينيا حتى عام 1660، إلا أن ممارسات الاستعباد كانت موجودة بالفعل، حيث أدخلها الإسبان والبرتغاليون إلى الأمريكيتين قبل وصول المستعمرين الإنجليز.
تمت ممارسة العبودية في الأمريكيتين بشكل واسع من قبل القبائل المحلية، فقد استعبدوا أسرى الغارات والحروب، أو أولئك المُتاجر بهم بين المجموعات لأسباب مختلفة. ولكن لم تكن هناك تجارة عبيد بالمعنى الحرفي لها، والعبودية بمفهومها التملكي للعبد لم تُقدم إلا بعد وصول كريستوفر كولومبوس (1451-1506) في عام 1492، وتطور مفهومها من قِبل الإسبان والبرتغاليين بحلول عام 1500. وكانت بالفعل جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الاستعماري الإسباني والبرتغالي بحلول عام 1519.
ترسخت العبودية وأصبحت قائمة على العرق عندما استعمر الإنجليز أمريكا الشمالية بين 1607-1733. وعادةً ما كان يتم بيع السكان الأمريكيين الأصليين المأسورين عبيدا لملاك المزارع في جزر الهند الغربية، بينما تم استيراد العبيد الأفارقة فيما يعرف الآن بالتجارة الثلاثية بين أوروبا وغرب إفريقيا والأمريكيتين. احتجزت كل واحدة من المستعمرات الإنجليزية عبيداً، لكن أسلوب حياتهم اختلف بشكل كبير بينها.
ورغم أن بعض المستعمرات، مثل مستعمرة بنسلفانيا، اعترضت على هذه الممارسة، إلا أن المواطنين ظلوا يمتلكون العبيد. اكتسبت حركة إلغاء العبودية بعض الزخم الذي أدى إلى حرب الاستقلال الأمريكية (1775-1783)، لكن لم يتم بذل جهود متضافرة لإلغائها حتى حلول القرن التاسع عشر. وكان إعلان تحرير العبيد، المنشور في جانفي 1863، أول ضربة جوهرية ومقننة للعبودية حيث حرر العبيد في الولايات الكونفدرالية، لكن العبودية لم يتم القضاء عليها في الولايات المتحدة حتى تم التصديق على التعديل الثالث عشر للدستور عام 1865. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال آثار سياسة العبودية العرقية تؤثر على الثقافة الأمريكية حتى اليوم.
ويبحث الآن مجلس النواب “قرار رقم 40″، وهو مشروع قانون لإنشاء لجنة فدرالية لدراسة إرث العبودية في الولايات المتحدة وأضرارها المستمرة، ووضع مقترحات للتعويض عن الأضرار الواقعة.
تم تقديم مشروع القانون لأول مرة إلى الكونغرس منذ أكثر من 30 عامًا، وأُعيد تقديمه كل عام منذ عام 1989. وقالت المنظمة إنه “يحقق الآن تقدمًا تاريخيًا”، مشيرة إلى أنه للمرة الأولى، في 14 أفريل 2021، صوتت اللجنة القضائية بمجلس النواب على مشروع القانون رقم 40، ويمكن الآن مناقشته أمام مجلس النواب بالكامل.
وفي فيفري الماضي، أدلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بشهادتها دعمًا لمشروع القانون رقم 40 أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب. وفي اليوم نفسه، قالت السكرتيرة الصحفية للرئيس جو بايدن في المؤتمر الصحفي اليومي إن إدارة بايدن تدعم تشكيل لجنة لدراسة التعويضات.
وحثت المنظمة الكونغرس على إقرار مشروع القانون رقم 40 “فورًا والبدء بدراسة فدرالية شاملة للعبودية وآثارها المؤسسية والثقافية، وأن يبدأ بتقديم مقترحات لمعالجة أضرارها المدمرة”، لافتة إلى أن “العدالة لا تنتظر”.
وبرزت هذا العام المحادثات حول عدم المساواة والعدالة العرقية في الولايات المتحدة، في حين أدى استهداف السود المتكرر إلى إحياء حركة وطنية في الربيع والصيف الماضيين مع اندلاع الاحتجاجات عقب وفاة جورج فلويد.
وقالت المنظمة إن السود، إلى جانب المجموعات المهمّشة الأخرى في الولايات المتحدة، يعدون الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا والوفاة به، مما يسلط الضوء على كيفية خلق العنصرية المنهجية لفوارق عنصرية كبيرة في الصحة والإسكان والتوظيف وغيرها من المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
تبنت لجنة في الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يتعلق بتقديم تعويضات مالية لتصحيح جرائم العبودية في الولايات المتحدة، في تصويت تاريخي هو الأول في بلد ما زال يشهد تمييزًا عنصريًا. وتبنت لجنة الشؤون القضائية في مجلس النواب النص بأغلبية 25 صوتًا مقابل 17 صوتًا، وصوت جميع الديمقراطيين لمصلحة النص الذي عارضه الجمهوريون.
ومن المتوقع أن يوافق مجلس النواب، الذي يشكل الديمقراطيون أغلبية فيه، على النص في جلسة عامة في موعد غير محدد، لكن مصيره غير مؤكد في مجلس الشيوخ حيث سيتعين على الديمقراطيين الحصول على أصوات عشرة جمهوريين على الأقل ليتم اعتماده نهائيًا.
وينص مشروع القانون على إنشاء لجنة خبراء تكلف بتقديم مقترحات بشأن دفع الحكومة تعويضات لأحفاد حوالي أربعة ملايين إفريقي تم جلبهم قسريًا إلى الولايات المتحدة بين عامي 1619 و1865، تاريخ إلغاء العبودية.
ويهدف المشروع إلى معالجة “الظلم والقسوة والوحشية واللاإنسانية التي شكلت أساس العبودية”، وكذلك اللامساواة التي لا تزال الأقلية الأمريكية السوداء تعاني منها اليوم. وقال رئيس اللجنة القضائية الديمقراطي جيري نادلر قبل التصويت إن الهدف من هذا التصويت “التاريخي” هو “مواصلة النقاش الوطني حول كيفية مكافحة سوء المعاملة التي عانى منها الأمريكيون من أصل إفريقي أثناء العبودية والفصل العنصري والعنصرية البنيوية التي لا تزال متفشية في المجتمع الأمريكي حتى اليوم”.
الأمين العام للأمم المتحدة دعا إلى تقديم تعويضات عن الاتجار بالعبيد عبر المحيط الأطلسي باعتبارها إحدى وسائل معالجة إرث تجارة الرقيق في مجتمعنا المعاصر، بما في ذلك العنصرية الممنهجة.
وخُطف ما لا يقل عن 12.5 مليون إفريقي، في الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، وجرى نقلهم قسراً بواسطة السفن والتجار الأوروبيين وبيعهم عبيدا، وانتهى الأمر بأولئك الذين نجوا من هذه الرحلة القاسية إلى العمل في المزارع في الأمريكيتين، وكان معظمهم في البرازيل ومنطقة البحر الكاريبي، بينما استفاد آخرون من عملهم.
واقترح تقرير للأمم المتحدة، في سبتمبر، أن تدرس الدول دفع تعويضات مالية عن فترات الاستعباد، وتثار فكرة دفع تعويضات عن العبودية أو تقديم شكل آخر من الترضية منذ وقت طويل، لكن الأمر اكتسب زخما في جميع أنحاء العالم مؤخرا.
بناء مجتمعي يوشك على الانهيار..
هل تكفي التسويات التاريخية الرخوة لمواجهة الصدمات المتوالية؟
بقلم: حاج جيدور – باحث سياسي جزائري
تُعتبر مقاربة شيخ علماء الاجتماع البشري عبد الرحمن بن خلدون حول نشوء الدول وانهيارها صائبة وصحيحة وذات أثر واقعي ملموس، مع إمكانية النظر إلى الأمد الزمني المرتبط بها بعين “الهامش المتباين”، بمعنى أن كل مدة زمنية تطبع حقبة معينة من حياة الدولة قد تزيد أو تنقص حسب معايير محددة مثل قوة تلك الدولة أو مستوى رخائها أو حجم التهديدات التي تتعرض لها.
لكن نظرية “ابن خلدون” تبقى صحيحة بشكل عام، فلكل دولة فترة ضعف خلال التأسيس وبداية النمو، وأخرى تقوى فيها وتزدهر ويزيد مستوى رُقيّها ورفاهية سكانها، ثم تعقبها فترات ضعف متلاحقة قد تؤدي إلى اضمحلالها أو استمرار ضعفها على مدى فترات طويلة أو قصيرة.
يُعتبر المجتمع السياسي الأمريكي حديث البناء والنشأة، بل ويُعتبر بناؤه مزيجًا من لبنات غير متجانسة وغير أصلية جاءت من مجتمعات أخرى أقدم تكوينا، فظهر وكأنه دولة هجينة تتنازعها ارتباطات مجتمعية تحرص من خلالها كل لبنة على استدامة ارتباطها باللبنة الأم لها. لذا، كان من الطبيعي أن يظهر عوار البناء المجتمعي بعد بضع سنوات من نشوء الدولة في عام 1776، وكان طبيعيًا أيضًا بروز التمحور حول الإثنيات التي تشكل منها البناء الأمريكي رغم بلوغها ذروة التطور في مجالات عديدة.
حاول الأمريكيون تصويب أخطاء البناء منعا لأي انهيار أو انزلاق من خلال استحداث مصطلح “التسويات التاريخية” لمختلف القضايا التي شكلت في وقت ما حلقة ضعف كادت أن تؤدي بالدولة إلى منزلق الانهيار. وبرزت قضايا الرق وتجارة العبيد كواحدة من أمهات قضايا الأخطاء الأمريكية، وحاول الكثيرون إعادتها إلى ساحة التداول سياسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا وحتى اقتصاديًا من خلال الاعتراف بأن كثيرين يستحقون تعويضات عما أصابهم وما فرطت به الدولة من حقوقهم.
ومع ذلك، فإن أي حديث عن تحصين البناء المجتمعي الأمريكي حيال أخطاء الماضي ومنع أي تصدع قد يصيب أساسات وجوده ويهدد مستقبله، يجب أن يرتبط بثلاث أساسيات أراها ضرورية:
أولا: أساس مرتبط بنبل بعض الفكر وعمل السياسيين:
يجب النظر بإيجابية قد تبدو الأكثر إشراقًا في وسط تجارب سياسية وأفكار طبعَت السيرورة الأمريكية حيال القضايا الكبرى، حيث إن سياسة الرئيس “أبراهام لينكولن”، التي طُرحت خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 1860 والتي قادها الجمهوريون آنذاك وجسدها “لينكولن”، كانت من أبرز السياسات المتعلقة بالعبودية وتجارة البشر.
وكانت حملة الحزب الجمهوري بعنوان “ضد العبودية في جميع أراضي الولايات المتحدة”، وأفكار الرئيس لينكولن التي ضمنت لها الأساس السياسي تُعد واحدة من أنبل ما قُدِّم إنسانيًا في العالم. وقد أسفرت عن نتائج تُعد مبهرة قياسًا بحجم انتشار تلك الظاهرة وخطورة ما وصلت إليه، وأنذرت باندلاع الحرب. اعتُبرت الحملة جزءًا من خطة إلغاء الرق بشكل نهائي، وشكّلت أساسًا لكل محاولة لاحقة للقضاء على العبودية نهائيًا في تلك الدولة.
ثانيا: أساس مرتبط بتمجيد التاريخ وتعبيد الطريق به:
يجب المحافظة على تواريخ مرجعية تُعبّر بحق عن ارتباط المجتمع الأمريكي بحقبة ما كانت ستكون أساسًا لانهياره، فالمحافظة هنا تأخذ معنى استذكار التاريخ وحفظ الدروس. مثل ذكرى “جونتينث” التي تُحتفل بها أمريكيًا في 19 جوان من كل عام، والتي تعتبر مرجعًا تاريخيًا لأولئك الذين تحرروا من العبودية.
وتعد هذه الذكرى فرصة للاحتفال بحرية الإنسان والتأمل في الإرث الخطير لظاهرة العبودية، وهي بالنسبة لهم ولعموم الأمريكيين فرصة متجددة تاريخيًا لاستذكار مآسي الأمس وتذكر عذابات الذين عانوا ويلات الرق واكتووا بنار العبودية وورثوها جيلاً بعد جيل بلا رغبة منهم أو قبول. بل أدت في مراحل زمنية إلى اشتعال حرب أهلية بين عامي 1861 و1865 عندما انفصلت 11 ولاية جنوبية عن الدولة في بداية جانفي من سنة 1861 بتأثير مباشر وكامل من أولئك الرقيق الذين ثاروا على وضعهم، وهددوا كيان المجتمع السياسي الأمريكي برمته يومها. ولا تزال تعتبر حتى اليوم الحرب الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة.
ثالثا: أساس مرتبط باستقراء تجارب عالمية ناجحة وصناعة فضاء تفاعلي يحاكيها محليا:
يبرز في هذا السياق تعاطي الأديان السماوية مع ظاهرة تجارة الرقيق والعبودية والإرث المرتبط بهما. وعلى رأس هذه الأديان، يُمكن النظر إلى الدين الإسلامي باعتباره أكثر انفتاحًا تجاه هذه الظاهرة بشكل إيجابي، إذ لم تأتِ النصوص الدينية زاجرةً للفعل باعتباره كان ممارسةً سائدة قبل ظهور الدين، وقد يصعب القضاء عليها مباشرةً لتجذرها في المجتمع الإنساني آنذاك.
لكن النصوص الدينية وتفسيراتها تشير إلى وجود سعي لاجتثاث الظاهرة تدريجيًا، مع تطبيق سياسات ملموسة في وقت وجودها كممارسة تجارية لتقليل الإحساس بالضيم الذي يصيب هؤلاء والحفاظ على حقوقهم. بل إن الدين نظم هذا الفعل بالشكل الذي لا يظهر فيه امتهان قاس لآدميتهم أو انتقاص من كرامتهم، وجعل الأمر يبدو وكأنه جزء من طبيعة الأشياء مع وجود نصوص تشجع على عتق هؤلاء ومنحهم حرياتهم من خلال عقوبات تُفرض على من كانوا يملكون تلك الرقاب.
وعليه، يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الانفتاح على التجربة الإسلامية في معالجة التصدع الذي قد يهدد بناء المجتمع من خلال التعاطي بفعالية مع ملف التسويات التاريخية، لأنه ضروري لترسيخ لحمة المجتمع وضمان استمرارية الدولة.
لحظة الصدمة..
أمريكا تعترف بعارها التاريخي علنًا
بقلم: جدو فؤاد – أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة
يُعتبر موضوع العبودية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية من بين المواضيع الجدلية في الأوساط الشعبية والسياسية والنخب المثقفة. فمسألة العبودية في الغرب تعد جزءًا من الثقافة الغربية ونمطًا أنثروبولوجيًا ارتبط بمتغيرات عديدة، من بينها الاستعمار الذي سعى للبحث عن الموارد البشرية والطبيعية لبناء حضارته واقتصاده، وذلك على حساب الكتلة البشرية التي كانت تتواجد في إفريقيا، حيث تم نقلها عبر خطوط بحرية بين ضفتي إفريقيا وأمريكا الشمالية، قاطعةً الأطلسي في رحلات قائمة على تجارة مربحة لأصحابها، لكنها تمحو إنسانية الإنسان من خلال الظروف القاسية التي كان يُنقل فيها العبيد عبر البحر.
الرّق ليس ظاهرةً ارتبطت بالغرب وحده، بل وُجدت بوجود الإنسان وتعاقبت عليها حضارات وأزمنة. وإن كان الإسلام قد وضع أُسسًا لتحرير الإنسان من الرّق، فإن الظاهرة بقيت واستمرت بأشكال أخرى. إلا أن الفرق بين الرّق في الحضارات الأخرى والرّق عند الغرب يكمن في انعدام البعد الإنساني حتى في ممارسة الرّق، حيث استخدم الغرب الأطفال والنساء في الأعمال الشاقة، وكانوا يُساومونهم حتى في لقمة العيش، دون وضع حد لعدد الساعات التي يجب أن يعملوها. كما تعرض العبيد للتعذيب والعقوبات القاسية التي كانت تصل في كثير من الأحيان إلى القتل والإعدام.
إن العودة إلى طرح التعويض عن سنوات الرق لا يرتبط فقط بالجانب المادي، بل إن الأمر مركب ومعقد ولا يزال موجودًا داخل المجتمع الأمريكي حتى الآن. ومهما اختلفت صورها إلا أن العبودية لا تزال جزءًا من البنية العقائدية والمجتمعية الأمريكية التي تنظر إلى الرجل الأبيض على أنه الأكثر تفوقًا وذكاءً وقدرة مقارنةً بالآخرين، ليس فقط من السود بل حتى من العرق الأصفر أيضًا.
فإذا عدنا إلى التوزيع الديمغرافي في الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن هناك ولايات بها نسب عالية من السكان السود، وفي المقابل نجد نسبًا مرتفعة من الفقر وتدني الخدمات الصحية والاجتماعية والمؤشرات الاقتصادية، كما هو الحال في أتلانتا. ليس هذا فحسب، بل تتزايد مؤشرات العنف والاعتداءات على المواطنين.
إضافةً إلى ذلك، تنتشر تجارة المخدرات والجريمة المنظمة داخل أحياء السود مقارنةً بالأحياء الأخرى، وذلك حسب المؤشرات الأمريكية التي تصدر سنويًا. وهذا يفسر أن توجه السياسات العامة الأمريكية تجاه السود لا يحظى بالاهتمام الكافي، رغم توحيد القوانين الفيدرالية والمحلية، إلا أن مسألة تطبيق القانون لا تزال تعرف ازدواجية فيها.
ولا يتوقف الأمر هنا، بل يشمل أيضًا كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع السود خلال المداهمات أو الاحتجاجات، حيث يتم استخدام القوة المفرطة وغير المبررة، والتي تصل إلى حد القتل دون معاقبة أو متابعة. وهذا يدل على أن المجتمع الأمريكي، رغم التخلي عن قوانين العبودية، لا تزال فيه ممارسات تمييزية بدرجات متفاوتة.
وإذا عدنا إلى المبادرة التي تقدمت بها منظمة هيومن رايتس ووتش لإعادة الاعتبار للذين تعرضوا للعبودية والرق، فهي مبادرة لها مدلول اجتماعي أكثر من سياسي، إذ تقدم اعترافًا رسميًا واعتذارًا حكوميًا للذين تعرضوا للرق. إلا أن الممارسات قد لا تتغير لأسباب عديدة.
ويمكن اعتبار دعوة مجلس النواب الأمريكي لطرح مشروع القرار رقم 40 نقطة إيجابية لصالح ضحايا الرق في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً وأن هذا المشروع يتناول الأضرار التي لا تزال مستمرة. وهذا اعتراف صريح ورسمي بمدى تفشي العبودية بشكل أو بآخر داخل المجتمع الأمريكي، وإن كانت تختلف عن العبودية القديمة، إلا أن الممارسات التمييزية لا تزال واضحة للعيان.
وإذا ما تطرقنا إلى أصل هذه المبادرة، نجد أنها طُرحت سابقًا، حيث تم اقتراحها من قبل الحكومة للتعويض عن أضرار العبودية في الولايات المتحدة. يتعلق الأمر بالأمر الميداني الخاص رقم 15 الذي أصدره جنرال الحرب الأهلية ويليام شيرمان أثناء الحرب الأهلية الأمريكية.
صدر أمر شيرمان، الذي قاد جنود الاتحاد، ليمنح مساحات من الأراضي لبعض عائلات السود المحررة حديثًا في عام 1865، إلا أن هذا الأمر أُلغي من قبل أندرو جونسون، خليفة الرئيس أبراهام لنكولن. وفي عام 1862، منح لنكولن تعويضات مالية لحوالي 3,185 من ملاك العبيد في مقاطعة كولومبيا عن خسارتهم للممتلكات البشرية نتيجة التحرير، ولكن لم يكن هناك تعويض للأفارقة المستعبدين الذين عانوا من الاستغلال الوحشي والعنف والقسوة.
تم طرح هذا الاقتراح مرة أخرى في عام 1989، إلا أن القانون لم يعرف تقدمًا على الصعيد القانوني بسبب تضارب المصالح داخل الولايات المتحدة في تلك الفترة، وتغير النظام الدولي مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وطرح الولايات المتحدة فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد حاولت الجمعيات المنظمة للسود أن تطرحه على الصعيد الرسمي، لكن الأمور لم تسر بشكل إيجابي، خاصةً مع دخول الولايات المتحدة في مسارات التغيير في الشرق الأوسط. تم طرحه مرة أخرى في عام 2021، حيث تم التصويت عليه أمام اللجنة القضائية في مجلس النواب لمناقشته وتوسيع دائرة النقاش والإثراء على مستوى الكونغرس الأمريكي.
مسألة إعادة الاعتبار لمن تعرضوا للرق في هذا القانون ليست مرتبطة فقط بالجانب المادي، بل تطرح المنظمة إشكالية أساسية، وهي استدراك التأثيرات التي يعاني منها المجتمع الأمريكي من آثار العبودية والرق، والتي ترتبط أساسًا بتصاعد التيار اليميني المتطرف في الغرب عمومًا، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. هذا التيار يحارب المثلية من جهة، وأيضًا السود والملونين كما يسميهم، مما يعيد إلى الواجهة عقدة تفوق الرجل الأبيض الأوروبي على الأجناس الأخرى.
ولهذا، تدعو المنظمة إلى إعادة توزيع الثروة على الشعب الأمريكي، وخاصةً من تعرضوا للعبودية، من خلال الاهتمام بالمناطق المهمشة التي تعاني من الفقر وانتشار الجريمة، وكذلك التركيز على تعزيز التعليم وغرس قيم التسامح في الثقافة الأمريكية. كما تدعو إلى رصد ومعاقبة الأجهزة التي تعاقب السود بدون مبرر. فالأمر لا يتعلق فقط بالتعويض المادي، بل بإصلاح التداعيات الاجتماعية والقانونية للعبودية في الولايات المتحدة.
وفي رأيي، لن يكون لهذا القانون الأثر البالغ على واقع السود في الولايات المتحدة بسبب تعقيد الأسباب وتداخلها. لا يزال يُنظر إلى السود على أنهم منقوصون من حيث الحقوق، رغم وجود النصوص القانونية. إلا أن الممارسة العملية تظل أمرًا آخر، سواء فيما يتعلق بالمشاريع الموجهة للمناطق التي يقطن بها أغلبية سوداء، أو من حيث آليات معالجة الجريمة المنظمة ومعدلات التعليم وغيرها من القضايا.
كما أن المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي نتيجة الأزمات الدورية تحدّ من المبادرات المقترحة للمشاريع التنموية، لأن الارتباط بين السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة وثيق جدًا، مما يجعل أي مشروع تعويضي مكلف للخزينة غير قابل للنقاش. ومن جهة أخرى، عدم القدرة على تنفيذ مشاريع لصالح المناطق ذات الكثافة السكانية للسود يعزز من صعوبة تطبيق هذا القانون فعليًا بسبب حجم التعويضات المالية المتوقعة.
إلى جانب ذلك، يلعب دور وسائل الإعلام السمعية البصرية ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا في تغذية العنصرية بشكل غير صريح، بما في ذلك التنمر على أصحاب البشرة الملونة، وخاصة السود، والسماح لخطاب الكراهية بالانتشار داخل هذه الوسائل. ويحدث كل ذلك نتيجة غياب الرقابة على المحتوى الإعلامي في ظل تصاعد التيار اليميني المتطرف، ما يجعل تصحيح الأفكار المجتمعية تجاه الرق والعبودية أمرًا صعبًا، بسبب ما تم غرسه من قيم عبر أجيال داخل المجتمع الأمريكي.
العدالة العرقية في أمريكا..
الأكاذيب تلمع والواقع قاتم
أبرز علي الطواب الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية، أنّه مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد رمزًا للعبودية في العالم. فالمشهد الذي يحدث ويتكرر بصفة شبه يومية هو تلك المعاملة الدونية من البيض للسود، ما يُفسر وجود خلل واضح في النظام الاجتماعي الأمريكي.
فمن المهم ألا ننخدع بأن الأمريكيين هم أصحاب الحضارة والتعامل الراقي وبلد الديمقراطية والتعددية الحزبية والبلد الذي يُحترم فيه القانون، وغيرها من الشعارات الرنانة التي بقيت مجرد مظاهر سوقتها أمريكا من خلال استخدام السينما وغيرها من الوسائل. فعلى سبيل المثال، نجد في أحد الأفلام الأمريكية مشهدًا يُظهر قوات الدفاع المدني والشرطة تتحرك لإنقاذ قطة حبيسة في منطقة ما، وهو مثال على الكذب والنفاق المفضوح وأمور لا تخرج عن إطار تجميل الصورة الذهنية لأمريكا.
وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ الطواب، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن الحديث عن إرث العبودية في الولايات المتحدة يقودنا إلى الحديث عن مشروع تم طرحه قبل أكثر من ثلاثين عامًا، أي منذ ربع قرن وخمس سنوات، ما يضعنا أمام حقيقة أن هذه الجهود مجرد أكاذيب لم تتعامل معها المنظمات الدولية بجدية تامة كما ينبغي.
وفي الوقت ذاته، نجد هذه المنظمات، مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، تسارع إلى التنديد بممارسات في بعض البلدان العربية، في حين تتغاضى عن الممارسات نفسها التي تراها عادية وغير مناهضة لحقوق الإنسان في أمريكا أو غيرها من الدول الغربية.
وأردف قائلًا: “حينما نُراجع ثقافة هذه المنظمات، نُدرك بما لا يدع مجالًا للشك أنها تكيل بمكيالين. فعندما تتناول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان في عالمنا العربي، نجد أن العويل والصراخ يعلو صوتها وتنقلب الدنيا ولا تقعد لأن المشهد في بلادنا العربية مُهين على حدّ وصف هذه المنظمات. إلا أن المؤسسة نفسها أو المنظمة تتعامل بطريقة مُغايرة تمامًا عندما يرتبط الأمر ببعض الدول الأوروبية والغربية.
فعلى سبيل المثال، في أمريكا، نجد أنها تطالب بأدب وباحترام، أما في محيطنا العربي فهي تشجب وتدين وتستخدم الكثير من المصطلحات الكارثية وغير اللائقة. إذ استخدمت عبارة “نطالب بتعويضات على المستويين الوطني والمحلي بسبب إرث العبودية في الولايات المتحدة”، أي أنها استعملت أسلوب اللين المتعمد، فهي في واقع الأمر لا تجرؤ على استخدام مصطلح آخر غير ذلك”.
إلى جانب ذلك، أفاد محدثنا أنه، وبالعودة إلى هذه المعطيات، يتضح لنا بشكلٍ جلي أن مثل هذه المشاريع والقوانين لا تسري في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تتم مناقشتها وربما إحالتها إلى لجان متخصصة وغيرها من الإجراءات، ويأتي ذلك ضمن ما يسمى “فن الذكاء” في التعامل مع هذه الأزمة أو غيرها. فهذه المنظمة تدرك حجم المشكلة، لكنها لن تجرؤ على الاصطدام أو تعكير صفو الصورة الأمريكية، هذه الصورة الذهنية التي عملت أمريكا على تسويقها في العالم.
على صعيد متصل، أشار الخبير في الشؤون السياسية إلى أنه يتم استقبال هذه المطالب وتُرفع إلى الكونغرس وتناقش وتحلل وتبقى قيد الدراسة سنة، اثنتين، ثلاث، أو حتى ثلاثين عامًا. هذا هو اللعب بالحقائق والكذب بصوره الاحترافية. وبالتالي، إذا تحدثنا عن قوانين أو مشاريع على شاكلة قوانين التعويضات وما إلى ذلك، نجد أن هذه القوانين ستبقى حبيسة الأدراج ولن تخرج عن السياق المعروف أو المتعارف عليه. أي أنها لن تُطبق أو تترجم على أرض الواقع. فهل وجدنا يومًا أسودًا حصل على حقه أو مطلبه داخل الولايات المتحدة الأمريكية؟ الإجابة بالتأكيد لا. بل تم اغتيال وقتل كل من طالبوا بتعديل أوضاعهم الإنسانية والمجتمعية.
في السياق ذاته، أبرز الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن هناك حالةً من الفشل الذريع في التعامل مع مثل هذه الملفات، لأن العنصرية طاغية في المجتمع الأمريكي. وبالتالي، إذا أردنا أن نتحدث عن إيجاد حلول حقيقية للعدالة العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، فلن نجدها. فأمريكا ستظل كما هي: مجتمع في منتهى القسوة في التعامل مع السود، ويتجلى ذلك بصورة واضحة من خلال الأوضاع المعيشية والصحية المتردية التي يعيشونها في الأحياء الفقيرة المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
فيما يتعلق بملف العدالة العرقية وعدم المساواة في أمريكا، يُوضح الأستاذ الطواب أن هذا الملف يُعطي صورةً قبيحة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي في واقع الأمر الصورة الحقيقية. حيث نلاحظ أن هناك ارتفاعًا لافتًا في نسب تفشي الأمراض والأوبئة في مناطق بعينها يسيطر عليها السود، الذين لا يتلقون الأهمية الطبية والمجتمعية والعلاجية نفسها التي يتلقاها البيض في مناطق أخرى.
وهناك روايات عديدة لشهود عيان عرب هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل أربعين عامًا وأسسوا حياتهم هناك، وأبناؤهم أصبحوا أمريكيين بالفطرة، ولكن ما منحهم ميزةً نسبية هو أنهم من ذوي البشرة البيضاء. فانخرطوا في المجتمع الأمريكي مع أصحاب البشرة البيضاء من أصول أمريكية، وكانت هناك حالة من الترقب حتى جاءت اللحظة الفارقة، وهو ما جرى مع إحدى المذيعات المصريات في راديو أمريكا الدولي.
وفي هذا الإطار، ذكر محدثنا أن المذيعة المصرية عند عودتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد زيارة قادتها إلى بلدها الأم، أخذت معها بعضًا من الإرث الثقافي الخاص بوطنها، مثل بعض الأطعمة وما إلى ذلك، لتجد أن ما أتت به تمت مصادرته كما قامت الشرطة باستدعائها بحجة أن الطعام الذي أتت به يشكل خطرًا على البيئة الأمريكية.
هكذا كانت التهمة، تهمة معلبة وجاهزة. فالطعام في الأصل كان عبارة عن نوع من أنواع الخبز، ونوع من أنواع الجبن، والفواكه الطازجة والمحفوظة. وبعد تحليلها، ثبت أنها كانت سليمة مائة بالمائة، ولكنه العناد الأمريكي إزاء كل ما هو غير أمريكي، خاصةً عندما علموا أن المذيعة من أصول عربية مسلمة وتعمل في مكان راقٍ جدًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي حاصلة على الجنسية منذ أربعين عامًا.
من باراك أوباما إلى كاميلا هاريس..
لماذا فشلت محاولات تحقيق العدالة العرقية في الولايات المتحدة؟
يرى الدكتور العيد زغلامي، المختص في السياسة وأستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، أنّ مشروع قانون التعويضات لا يمكن أن يتغلب على إرث العبودية العميق والمتجذر في المجتمع الأمريكي، ليس فقط لأن مظاهر هذه العبودية والعنصرية ما زالت قائمة في هذا المجتمع إلى يومنا هذا، بل لأن هذه الاختلالات الاجتماعية تتجسد في الفروقات الواضحة بين شرائح المجتمع الأمريكي، بما في ذلك بين الأحزاب السياسية.
فعلى سبيل المثال، نجد أن الحزب الجمهوري، أو بالأحرى مرشحه دونالد ترامب، يدعم بقوة هيمنة البيض على السود، رغم ادعائه الديمقراطية في الظاهر. بناءً على ذلك، يبدو أن تقديم هذا المشروع في هذا التوقيت تحديداً يهدف إلى أغراض انتخابية بحتة، دون أن يطرأ تغيير حقيقي على قضايا العبودية أو العنصرية التي لطالما عانى منها المجتمع الأمريكي.
في هذا السياق، أوضح الدكتور زغلامي في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز” أن تحليل طبيعة المجتمع الأمريكي يكشف أن الأغلبية البيضاء تستحوذ على أكبر الشركات والمشاريع ورؤوس الأموال في البلاد. في المقابل، لا يزال السود ضحايا للقمع والتهميش والإقصاء من المناصب والمسؤوليات الرفيعة. فعدد قليل جداً منهم يتولى المناصب القيادية في الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي.
في سياق متصل، أشار محدثنا إلى أنه بناءً على هذه المعطيات، من الواضح أن هذا المشروع لن يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، نظراً لأن القضية تتعلق بتاريخ وطبيعة المجتمع الأمريكي التي تمتد جذورها لسنوات طويلة. وأضاف قائلاً: “لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بتقديم تعويضات على المستويين الوطني والمحلي بسبب إرث العبودية. ما يمكن القيام به حالياً هو تفعيل القوانين التي وُضعت مسبقاً في هذا الصدد، مثل قوانين التوظيف، حيث لا تزال مظاهر التفرقة العنصرية قائمة. وهذا يعكس انقسام المجتمع الأمريكي، ويستدعي ضرورة وضع قوانين جديدة لمواجهة هذه التحديات”.
وأشار إلى أن هذا التناقض يتجلى بوضوح في حالات مثل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي جاء من أصول إفريقية وتقلد السلطة لفترتين رئاسيتين متتاليتين، ولكنه لم يتمكن من إحداث تغييرات جذرية. وكذلك الحال مع المرشحة عن الحزب الديمقراطي الأمريكي، كاميلا هاريس، التي تنحدر من أصول هندية وجنوب إفريقية، ومن المحتمل أنها لن تتمكن أيضاً من إحداث تغيير ملحوظ.
أوضح أستاذ علوم الإعلام والاتصال أن المجتمع الأمريكي يعتمد بشكل مفرط على الرمزية، بينما الواقع يكشف صورة مغايرة تماماً. فعلى سبيل المثال، يمكن ملاحظة مواقف الأمريكيين، سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين، تجاه ما يحدث في غزة من قتل وتنكيل وجرائم حرب بشعة تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، إذ تتسم هذه المواقف بالضعف والهزال.
هذا ينطبق أيضاً على العديد من المواقف الأمريكية تجاه الأزمات في بلدان أخرى حول العالم. أما فيما يتعلق بمسألة العبودية، فلم يظهر الحزبين الجمهوري والديمقراطي أي جدية حقيقية في معالجة هذه القضية، والسبب يكمن في أن الاهتمام الحالي بات منصباً على كيفية استمرار الولايات المتحدة في فرض هيمنتها وسيطرتها على مختلف أنحاء العالم.
وأردف المتحدث لصحيفة “الأيام نيوز” قائلاً: “إن الولايات المتحدة الأمريكية تُلقي محاضرات طويلة وتقدم دروساً حول حقوق الإنسان، والعدل، والمساواة، وحرية التعبير لكل دول العالم، لكنها تتجاهل هذه المبادئ عندما يتعلق الأمر بقضايا محورية مثل القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره”.
في السياق ذاته، أشار الخبير في السياسة إلى أن تراجع هيمنة الولايات المتحدة وسيطرتها على الساحة العالمية بات أمراً ملحوظاً للجميع، وذلك نتيجة لهذه السلوكيات والتناقض بين الشعارات المعلنة والتطبيق العملي على أرض الواقع. وأضاف أن مشروع قانون التعويضات ليس سوى أداة ذات طابع انتخابي، تهدف إلى كسب أصوات معينة، دون أن يحمل في طياته نية حقيقية لإحداث تغيير فعلي.
وأضاف أن حقوق السود، وخاصة الأفارقة الأمريكيين، لم تشهد تغيراً كبيراً، حيث لا تزال الغالبية العظمى منهم تعيش في أقليات دون تحقيق اندماج حقيقي في المجتمع الأمريكي. فعلى سبيل المثال، تُظهر مدينة نيويورك، التي تعتبر نموذجاً مصغراً للمجتمع الأمريكي، أن الأمريكيين من أصول إسبانية، وآسيوية، وأفريقية يعيشون في مجتمعات منفصلة، تحافظ كل منها على لغتها وثقافتها وتقاليدها الخاصة، مما يعكس غياب التمازج الحقيقي بين هذه الفئات المختلفة.
ختاماً، أشار الدكتور العيد زغلامي إلى أن المجتمع الأمريكي، من الناحية الواقعية، لا يُعد مجتمعاً متقدماً فيما يتعلق بالاندماج والعدالة بين مختلف فئاته. كما أوضح أن الاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة جورج فلويد أكدت بشكل قاطع أن العنصرية وعدم المساواة لا تزال متجذرة في عمق المجتمع الأمريكي. وعلى الرغم من اختلاف حجم هذه المشكلات بين المناطق، فإن الكثير من الأمريكيين في الجنوب، خاصةً من الأقليات والسود، يعيشون في ظروف حياتية متواضعة للغاية.
على الرغم من وجود بعض الاستثناءات، مثل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي ينحدر من أصول إفريقية، إلا أن الغالبية العظمى ممن يتحكمون في مراكز القوة بالولايات المتحدة هم من ذوي البشرة البيضاء. فمعظم المسؤولين التنفيذيين وصنّاع القرار في الحكومة الأمريكية ينتمون إلى هذه الفئة. وبالتالي، فإن النقاش حول القوانين والمشاريع التي تدعم الأقليات يبدو في كثير من الأحيان مجرد محاولة لتهدئة الانتقادات دون إحداث تغيير حقيقي في أوضاع الفئات المهمشة في المجتمع الأمريكي.
فهم أعمق لفكر الاستعباد..
كريستوف كولومبوس واستعمار أورشليم الجديدة
يرى الدكتور صالح الشقباوي الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” ليست قادرة على معالجة قضايا حقوق الشعوب المضطهدة والمستعبدة بفعالية. ويشير إلى أن إرث العبودية في الولايات المتحدة هو جزء من تراث العبودية الاستعمارية والعهد الإقطاعي الذي قسم العالم إلى مُلاك وفلاحين وعبيد. وأن الفكر الاستعماري الذي شكل تاريخ الولايات المتحدة، خاصة في جوانبه الأنجلوسكسونية، لا يزال متجذراً. فالأشخاص الأنجلوسكسون، الذين جاءوا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قاموا باستعباد الهنود الحمر والسيطرة على الأراضي الأمريكية.
في هذا السياق، أوضح الدكتور الشقباوي في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز” أن “كريستوف كولومبوس” بدأ حملته الاستكشافية بهدف الوصول إلى أورشليم القديمة، وكان يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستشكل قاعدة انطلاق نحو “أورشليم الجديدة”. وعندما طلب كولومبوس تمويل رحلته من ملكة إسبانيا، قال لها: “إني ذاهب لاكتشاف أورشليم الجديدة”. بناءً على ذلك، يشير الدكتور الشقباوي إلى أن الفكر الاستعماري والاستعبادي مرتبطان بشكل وثيق؛ فلا يوجد استعمار بدون استعباد، ولا استعباد بدون استعمار.
وأردف قائلاً: “إذن، هناك نمط فكري نخبوي يجزئ العالم إلى دوائر مختلفة: دائرة المالكيين، دائرة الأسياد، ودائرة العبيد. تستحضرني هنا مقولة لـ “هيغل” عندما قسم المجتمع إلى أسياد وعبيد، قائلاً: ‘إن الطبيعة هي التي أفرزت استعبادها للعبيد وهي التي زودتهم بميكانيزمات استعبادهم الذاتية’.
هذا المنطق العنصري غير صحيح وفقاً لهيغل، حيث كانت إحدى الثغرات الكبيرة في فكره هي هذه النقطة تحديداً، لأنه أباح استعباد الإنسان للإنسان وأجاز تقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة من النبلاء والأسياد والعبيد والمفكرين. وبالتالي، هذا الفكر الألماني أو الهيغلي، بما يحمله من تفاصيل مملة، تم تطبيقه في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قاد الأنجلوسكسونيون حملة إبادة منظمة وإبادة عرقية ضد الهنود الحمر، واحتلوا الأراضي الأمريكية، وقضوا فعلاً على الشعب الهندي الأحمر في أمريكا”.
في هذا السياق، أشار محدثنا إلى أن القرار رقم 40 في مجلس النواب الأمريكي، الذي يهدف إلى إنشاء لجنة فيدرالية لدراسة إرث العبودية وتقديم مقترحات للتعويض، يبدو صادقاً في ظاهره. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد غيرت من ميكانيزمات استعبادها. وفي الوقت الحالي، تستعبد العالم بطريقة غير مباشرة، وبطرق تختلف عن النظام الإقطاعي الذي كان يستعبد الإنسان والآلة بشكل مباشر. فهي تستعبد الشعوب والأوطان والثروات بوسائل ملتوية وغير مباشرة، مما يجعل فكرة الاستعباد مستمرة، معتمدة على لغة القوة والنمط الاستهلاكي والنخبوي وغيرها من الأساليب.
خِتاماً، قال الدكتور الشقباوي: “إن العدالة العرقية لا يمكن أن تتحقق في مجتمع رأسمالي أو عولمي أو حتى ما بعد عولمي، إذ أنها مسألة تتعلق بالإنسان ذاته. الإنسان في جوهره قد يكون مستعبداً لذاته، مما يجعل مفهوم الحرية نسبياً وليس مطلقاً. وإني من موقعي أكاديميا فلسطينيا ومناضلا يسعى لتحقيق حرية وطنه وشعبه، أؤكد أنه يجب محاكمة الاستعمار بكافة أشكاله وصوره على الجرائم التي ارتكبها ضد الشعوب. على سبيل المثال، الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة في الجزائر يجب أن يُحاسب على ما اقترفه من انتهاكات وقتل وعدوان ضد الشعب الجزائري. يجب أن يُخضع المحتل للمحكمة ويُطلب منه تعويضات مادية ومعنوية عن تلك الجرائم”.