شهدت الساحة المصرية مؤخرا جدلاً واسعاً، بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج التوك شوز، حول ما يسمى “صناعة المحتوى” على الشبكة العنكبوتية، وذلك من زاوية ما هو مسموح ومرفوض منها وفقا لأعراف المجتمع وقوانين الجمهورية.
مثار الجدل بدأ عندما تعقبت الأجهزة الأمنية المختصة بالجرائم الاليكترونية، عددا من البلوغرز والمشاهير على شبكة الانترنيت خاصة تطبيقي إنستغرام وتيك توك، بتهم تتعلق بـ”خدش الحياء، والخروج على الآداب العامة، والسبّ والقذف”، وذلك بعد رصد مجموعة من الفيديوهات المنشورة لعدد من المدونين.
وانقسم الناشطون على الشبكة حول حدود المسموح والمرفوض، قانونا وعرفاً، في هذه المسائل التي تعد حديثة، لا سيما وأن القوانين الضابطة الإعلام التقليدي لم قادرة على استيعاب الوسائط الحديثة في التواصل والإعلام، ذلك لأنها لا تتبع لمؤسسة إعلامية، وأصحابها أيضا ليسوا مرتبطين بأي جهة مهنية، وليسوا ملتزمين بأي طابع وظيفي أو نقابي ضابط للنشاط.
ظلال العبارات وإشكالية الإطار الدلالي
يرى الناقد الفني طارق الشناوي، في إفادته لـ«الأيام نيوز» أن عبارات: “الآداب العامة وخدش الحياء، تظل عبارات فضفاضة، لا يمكن ضبطها بشكل دقيق ومجرد”، مؤكدا أن “هذه الظواهر المستحدثة قد لا تجد نصاً قانونيا يستوعبها بشكل محدد ودقيق، لكن يمكن إخضاعها لروح القانون التي يُحظر ـ من خلالها ـ نشر ما يتم إفشاؤه الجلسات الخاصة، على منصة عامة دون استئذان أصحابه، ما يعني أن أي محتوى يعتمد على هذه الخاصية ونشره في أي وسائط يعد مخالفا لروح القانون وبالتالي يعرض صاحبه للمساءلة القضائية”.
ويوضح الشناوي قائلا: “الأمر لا يتعلق فقط بالكلمات التي تستخدم بمعناها الظاهر، بل أيضا ما يمكن تسميته بظلال الكلمات والعبارات أو بالإطار الدلالي لها، فما كان اعتياديا في السابق قد لا يكون كذلك الآن، لأن المعنى الدلالي للكلمة يتغير ويتحوّر من وقت لآخر، وبالتالي قد يتجاوز المعنى الترجمة اللغوية البحتة للكلمة، نحو معنى دلالي آخر”.
وفي رده على سؤال «الأيام نيوز» بشأن القواعد الضابطة للمعنى وكيف يمكن الحكم على ذلك، يقول الشناوي: إن “ذلك يعود إلى تقدير القاضي، وفقا للثقافة السائدة، وهذا ما قصدته بظلال الكلمات ومعناها الدلالي، فالنصوص القانونية في نهاية الأمر هي قواعد مجردة، والبشر هم من يحكمّون ويحيلون المعنى لإسقاطه على الحالات المنظورة”.
لا عودة إلى الوراء
ويشّدد الشناوي أنه: “لا يمكن إلغاء الوسائط الحديثة ولا السيطرة عليها بأي شكل، حيث لا يمكن جر عجلة التاريخ إلى الوراء، لكن الفيصل دائما هو القانون”، ويشبه الناقد ـ في سياق حديث “ما يسمى بصناعة المحتوى على شبكة الانترنيت بأغاني المهرجانات التي لا يمكن إلغاؤها من ذاكرة الناس، لأنها جزء من الذائقة العامة، لكن ينبغي ضبطها حتى لا تتضمن عبارات خارجة”.
ويضيف الشناوي: إن “الأمر لا يتعلق بفئة البلوغرز فحسب، بل حتى بالفنانين الذين تحولوا إلى نشر أعمالهم وتصريحاتهم ومواقفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحوا أكثر حضورا فيها، بحكم شهرتهم، كذلك بالنسبة للرياضيين والشخصيات العامة”.
ويربط الشناوي بين الفيديوهات التي تعتمد على الإثارة وبين هدف الشهرة، مشيرا أن “أغلب الفيديوهات التي أثارت غضب بعض الناس، وحتى استدعت التدخل القضائي والأمني، تعتمد على نشر أمور مثيرة، بغرض الشهرة… وحصد أكبر عدد ممكن من المشاهدات التي تتحوّل إلى أموال”.
فمن “يريد اليوم أن يتوجه إلى التمثيل” ـ يوضح الشناوي ـ “ليس بحاجة إلى الذهاب إلى معهد أو ورشات فنية، بل يمكن اختصار الطريق عبر نشر فيديوهات مثيرة وغريبة لتحقيق الشهرة، وبالتالي الوصول لأبصار ومسامع الناس وبالتالي للمنتجين وصناع السينما والدراما”.
ويؤكد الشناوي أن بعض الفنانين أصبحوا جزءًا من هذه اللعبة، قائلا: “هناك عدد من النجوم أصبحوا أيضا يجهزون الترند بشكل معين، سواء عبر محتوى استفزازي، أو مثير للجدل، من أجل البقاء في دائرة الضوء التي تجعلهم دوما في أذهان الناس، لا سيما صناع السينما والدراما”، مضيفا “هكذا ينتقلون من ترند إلى آخر”.
“كذلك أيضا بالنسبة للإعلاميين سواء عبر برامجهم أو من خلال تقطيع الفيديوهات وإعادة نشرها بشكل معين على موقعي تيك توك ويوتيوب وغيرها من الوسائط، لتسليط الضوء عليهم، وبالتالي حصد مزيدا من العروض والإعلانات”.
ويستحضر الشناوي عددا من الأمثلة لأشخاص لم يكونوا إعلاميين بالأساس لكنهم تحولوا إلى مهنة الإعلام وأصبحوا نجوما، من خلال الوسائط الحديثة، من بينهم الطبيب والإعلامي لاحقاً «باسم يوسف» الذي كان ينشر محتوى بسيطا وساخرا على يوتيوب، قبل أن يتحول إلى الإعلام ويصبح أغلى مذيع في مصر من حيث الدخل والمشاهدات”.
القانون بين الإفراط والتفريط
من جهته يرى المحامي محمد السيد: “أن المسألة لا تتعلق فقط بآليات تطبيق القانون بل بثقافة المجتمع ككل، وبالمستحدثات التي يشهدها العالم”، موضحا في إفادته لـ «الأيام نيوز»، أن “مواقع التواصل الاجتماعي قد اقتحمت كل المجتمعات دون وجود أرضية تشريعية وقانونية لتنظيم نشاطها، أو حتى وجود دراسات كافية لتأثيرها”.
ويرى “السيد” أنه: “على المستوى القانوني، فإن كل ما يُعدّ قذفا وسباً، أو إساءة سمعة أشخاص أو اقتحام حياة خاصة، فضلا عما يعتبر خروجا على الأعراف والآداب العامة المستقرة في المجتمع يعاقب عليه القانون”.
ولا يعتقد السيد “أن هناك قصورا على المستوى القانوني أو القضائي للنظر في هذه القضايا، بل إن القانون عموما لا ينص على الحالات بل ينص على قواعد ضابطة، ويتم إسقاط تلك القواعد على الحالات التي يتم نظرها في المحاكم”.
ويؤكد “السيد” أنه: “ليس عيباً أن يخضع ذلك لتقدير وسلطة القاضي، ففي كل القضايا عبر التاريخ، السلطة الأخيرة تعود إلى تقدير القاضي، فسلطة القاضي بالأساس قائمة على أساس صلاحيته لتقدير الموقف، من خلال دراسة التهم ومقاربتها بالأدلة الموفرة، وهنا القرار يعود لتقدير القاضي”.
ويعترف «السيد» “أن هناك إقحاما لقضايا كثيرة، لا تستحق النظر في المحاكم، وهذا عائد لأمرين أحدهما عدم إلمام الشاكي بحدود السب والقذف أو الآداب العامة، أو لأن هناك محامين مغمورين يخوضون بدورهم في سباق الترند لتحقيق مكاسب إعلاميةً”.
ويضيف «السيد» “هناك محامون نالوا شهرة كبيرة، من خلال تصيدهم للمشاهير والبلوغرز لأسباب تتعلق بتحقيق الشهرة على حساب المشكو به، سواء كان فنانا أو مشهورا كبلوغر في مواقع التواصل، مما يضمن لهم الشهرة والرواج الإعلامي”، وينصح «السيد» البلوغرز الاستعانة بمستشارين قانونيين حول المحتوى الذي يريدون تقديمه، حتى لا يقعوا في المحظور قانوناً وعرفاً.
ويضيف المتحدث “بعض هؤلاء يتعمد على الإثارة من أجل الشهرة وهو يعلم يقينا أن ما يقدمه يتنافى مع تقاليد المجتمع، ومع روح القانون، هؤلاء من لا يستحقون أن يفلتوا من العقاب”، مضيفا: “بينما هناك عدد كبير يقع فيما يمكن تصنيفه جرائم إليكترونية، نظرا لقلة ثقافتهم القانونية، أو انفعالهم خاصة إذا كان المحتوى تفاعليا على طريقة Live”.
وفي رده على سؤال حول المتابعات القانونية التي استهدفت بعض البلوغرز يتحفظ «السيد» على التعليق بشكل دقيق لعدم الاطلاع على المحاضر وعلى التهم الموجهة إليهم، لكنه يعتقد “أن هذه المتابعات قد لفتت النظر لأمر مهم، وهو أن توفر حساب إلكتروني على التطبيقات لا يبيح لك الحديث دون ضوابط وكأنك في مقهى شعبي، وأن هناك إمكانية لمتابعتك قضائياً، وهذا جزء من مهمة القضاء، لأن المؤسسة القضائية ليست مؤسسة عقابية فحسب بل هي مؤسسة ردع أيضا.