لم تكد معدّلات التضخم في العالم تبطئ من وتيرة ارتفاعها نتيجة تداعيات جائحة كورونا، التي كان لها أثرها البالغ على استقرار السوق العالمية، حتى عادت لتسجل أرقاما فلكيّة متأثرة بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ليتصدّر بذلك ملف الاقتصاد العالمي المشهد من جديد، خاصة مع انهيار سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية كالطاقة والغذاء.
ودفعت تطورات الصدمات المتتالية خلال 2020-2022 معدل التضخم العالمي نحو الارتفاع، ووصل إلى 7.8 بالمائة في أبريل/نيسان 2022، وهو الأعلى منذ أزمة 2008، وارتفع إلى 6.9 بالمائة في الاقتصادات المتقدمة، وهو أعلى مستوى له منذ 1983، و9.4 بالمائة في الاقتصادات الناشئة والنامية، وهو أعلى مستوى له منذ 1995.
وبذلك كان معدل التضخم أعلى من المستويات المستهدفة في جميع الاقتصادات المتقدمة وفي نحو 88 بالمائة من الاقتصادات الناشئة والنامية التي تستهدف معدلات التضخم التي يبلغ عددها نحو 81 دولة، حسب أرقام كشف عنها صندوق النقد الدولي.
وفي ظل هذه المعطيات، تسعى مختلف دول العالم بما فيها الجزائر للتخفيف من حدة انعكاسات التضخم على اقتصادها، وذلك من خلال بذل جهود حثيثة للخروج بأقل الأضرار من تداعيات هذه الأزمة التي عصفت بأقوى اقتصادات العالم.
الإنتاج والتوقيف المؤقت للتصدير نحو إفريقيا قد يكون حلاً
يرى الخبير في الاقتصاد الجزائري عبد الرحمان عية: أن ” الجزائر تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجات مواطنيها من مواد غذائية وغيرها من المواد الاستهلاكية، وتشهد أسعار مختلف هذه السلع ارتفاعا قياسيا في السوق العالمية نتيجة تداعيات ارتفاع معدلات التضخم، ما انعكس سلبا على أسعار هذه المواد في السوق الجزائرية، خاصة استيراد الأدوية والحليب بالإضافة إلى السكر، وهي سلع تُكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الدولارات، وذلك نظرا لارتفاع الطلب الداخلي عليها وعدم إنتاجها وصناعتها محلياً بكمية تحقق الاكتفاء”.
وتابع عبد الرحمان عية في تصريح لـ “الأيام نيوز”: “بما أن الجزائر تعتمد على الاستيراد من الأسواق الخارجية فمن المؤكد أنها ستستورد بالموازاة “التضخم”، وهذا ما نلمسه في ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية ما عدا تلك المواد المدعّمة من طرف الدولة، الأمر الذي يُشكل عائقًا حقيقيًا أمام مسعى السلطات العليا في البلاد للمحافظة على القدرة الشرائية للمستهلك الجزائري، بالرغم من وجود مداخيل إضافية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا”.
في سيّاق ذي صلة، ذكر الخبير في الاقتصاد، أن التخفيف من حدة تداعيات التضخم العالمي على اقتصاد الجزائر، يقتضي بالضرورة وجود إنتاج حقيقي، فيما يتعلق بالمنتجات الاستراتيجية على غرار مادتي القمح والذرة، خاصة وأن الإمكانيات التي تزخر بها الجزائر تؤهلها لتحقيق الأمن الغذائي والتخلص من التبعية في هذا المجال على الأقل، ضف إلى ذلك، التفكير بجدية أكثر في توقيف مؤقت لتصدير بعض المواد الاستهلاكية نحو السوق الإفريقية لتفادي الوقوع في إشكالية الندرة التي تعصف باستقرار السوق الجزائرية في كل مرة.
إجراءات الحكومة الاستثنائية خفّفت من حدّة الأزمة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور إسحاق خرشي، أنه أمام تنامي معضلة التضخم وتداعياتها الوخيمة على أقوى اقتصادات العالم، ارتأت الدولة الجزائرية اتخاذ جملة من الإجراءات الاستعجالية في محاولة منها للحد من الآثار السلبية لارتفاع معدلات التضخم على القدرة الشرائية للمستهلك الجزائري.
وفي هذا السيّاق، ذكر الدكتور خرشي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، قرار تأجيل دفع بعض الضرائب وإلغاء بعضها الآخر، وكذا تنظيم السوق الجزائرية، خاصة من ناحية التوزيع، ما سمح بتوفير بعض المنتجات الاستراتيجية التي شهدت ندرة وارتفاعا قياسيا في الأسعار قبل أسابيع وأشهر فارطة فقط، إضافةً إلى عدة إجراءات أخرى، على غرار رفع النقطة الاستدلالية، تخفيض الضريبة على الدخل، وغيرها من الإجراءات التي ساهمت بشكل إيجابي في تخفيض معدلات التضخم في السوق الوطني مقارنة بعدة دول أخرى.
وفي حديثه عن هذه النقطة، أشار خرشي، إلى تكفّل الدولة الجزائرية بتغطيّة الفارق في سعر القمح الذي ارتفع في السوق العالمي بثلاث مرات، وهذا ما انعكس إيجابًا على أسعار المنتجات التي يعدّ القمح مادة أولية في تصنيعها، كالعجائن التي استقرت أسعارها مؤخرا بعد ارتفاع جنوني في وقت سابق.
هذا، وأكد الخبير الاقتصادي خرشي في حديثه لـ “الأيام نيوز”، أن الواضح هو وجود حرص شديد من الدولة الجزائرية لمعالجة إشكالية التضخم الموجودة والتي مست بالدرجة الأولى المنتجات الاستراتيجية، (الحليب، الزيت، السكر، اللحوم، الحبوب) لأن أي ندرة أو ارتفاع قياسي في أسعار هذه المنتجات الحيوية قد يمس بالاستقرار الاجتماعي وحتى السياسي لأي بلد.
جدير بالذكر، أن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدل النمو العالمي سيتباطأ إلى 3.2 بالمائة في 2022، و2.9 بالمائة في 2023، في مقابل ذلك، تشير التوقعات إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 8.3 بالمائة في 2022 و5.7 بالمائة في 2023.
في حين جاءت توقعات البنك الدولي أكثر تشاؤما، إذ تشير إلى تباطؤ معدل النمو إلى 2.9 بالمائة في 2022 و3 بالمائة في 2023.
وفيما يتجاوز المدى القريب، فمن المحتمل أن يتباطأ النمو العالمي بشكل أكبر خلال العقد الجاري، ودون المتوسط للعقد المقبل، مما يعكس اتجاها سائدا يتمثل في ضعف معدلات النمو، في مقابل ذلك ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى من المتوسط.