سيتم هذا الخميس عرض رسالة كتبها الإمبراطورة الروسية كاثرين في 20 أفريل 1787 ـ حول أهمية لقاح «الجدري» في كونت مالوروسيا (أوكرانيا الحالية) ـ للبيع في مزاد علني بلندن.
ووفقًا لما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية فقد عُرضت هذه الرسالة، التي كانت محفوظة سابقًا في مجموعة خاصة مجهولة الهوية، مؤخرًا لأول مرة في موسكو وستطرح للبيع بدار مزادات «ماكدوغال»، وكانت الإمبراطورة كاثرين التي حكمت روسيا من 1762 إلى 1796، من أشد المدافعين عن التطعيم في وقت كان هناك الكثير من المقاومة العامة للفكرة، وفقًا لـ«ماكدوغال».
وفي عام 1768 أصبحت الإمبراطورة أول شخص في روسيا يتم تطعيمه ضد «الجدري»، وتم تطعيم ابنها بعد فترة وجيزة، وقد دمر «الجدري» العالم لمدة 3000 عام على الأقل، قبل أن تقضي عليه حملات التطعيم الحديثة في عام 1980، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية ففي القرن الثامن عشر في أوروبا، كان «الجدري» يقتل أحيانًا قرى بأكملها في وقت واحد، وفقًا لـ«ماكدوغال».
ولم يكن أول لقاح ناجح للجدري متاحًا حتى عام 1796، وكان الأطباء يقطعون شقوقًا في ذراع الشخص السليم ويدخلون خيوطًا من الأقمشة التي تحتوي على خلايا ميتة لشخص مصاب بـ«الجدري»، وقد أدت طريقة التطعيم البدائية هذه إلى مرض الناس لبعض الوقت وكان لديهم خطر الموت بنسبة 2%.
في مواجهة الموت
ومنذ صعودها على عرش روسيا عام 1762، حققت الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية المعروفة أيضا بكاترين العظيمة إنجازات خلدت اسمها كواحدة من أعظم القادة بالتاريخ الروسي.
وإضافة لنجاحها في قيادة العديد من الحملات وتوسعة الرقعة الجغرافية لبلادها، هذه الإمبراطورة حركة تطور العلوم ووضعت ـ وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها ـ حياتها على المحك من أجل إنقاذ روسيا من مرض قتل سنويا عددا كبيرا من الروس وعرف بـ«الجدري».
وتولت كاترين الثانية عرش روسيا عام 1762 عقب إزاحتها لزوجها بطرس الثالث (Peter III) من سدة الحكم، وقد ورثت حينها بلدا مزقته المشاكل الداخلية والفقر، وفي عام 1767، وجدت روسيا نفسها في مواجهة وباء «الجدري» الذي أنهك البلاد على مدار سنين.
الجدري يفتك بالروس
خلال ذلك العام، فارق حوالي 20 ألف روسي الحياة عقب تفشي «الجدري» بسيبيريا، وأمام هذا الوضع، اتجهت إمبراطورة روسيا كاترين الثانية للتحرك بهدف إنقاذ البلاد، فلجأت لخدمات الطبيب الإنكليزي توماس ديميسديل (homas Dimsdale) لمساعدتها في القضاء على «الجدري» وإنقاذ حياة الروس.
إلى ذلك، اعتبر الإنكليزي توماس ديميسديل أحد أبرز أطباء عصره إذ كان قد أجرى العديد من الأبحاث حول وباء «الجدري» وطريقة التطعيم، ولإقناعه بمساعدتها في خصوص روسيا، عرضت كاترين الثانية على ديميسديل مكافأة مالية هامة وأكدت استعدادها للتضحية من أجل بلادها واعدة بتوفير الحماية الكافية له.
سنة 1768، حلّ توماس ديميسديل بروسيا رفقة ابنه ناثانييل واتجه مباشرة صوب سانت بطرسبرغ، وهنالك، التقى الطبيب الإنكليزي بالإمبراطورة كاترين الثانية التي طلبت بأن تكون أول روسية تحصل على التطعيم ضد «الجدري»، وأكدت الإمبراطورة حينها أن نجاتها ونجاح التجربة ستقنع بقية الشعب الروسي على تجربة التطعيم ضد «الجدري».
تطعيم الإمبراطورة
في الأثناء، لم يكن ديميسديل واثقا من تأثير التطعيم على الروس بسبب طبيعة حياتهم وتخوف من نتائج قد تكون مخالفة لتلك التي ظهرت على الإنكليز سابقا، ولهذا السبب، فضّل الطبيب الإنكليزي تجربة التطعيم على عدد من أفراد الشعب لتجنب ظهور أعراض جانبية على الإمبراطورة ووفاتها وهو الأمر الذي قد يؤدي لإعدامه.
أمام هذا الوضع، قدّمت كاترين الثانية ضمانات للطبيب ديميسديل فأصرت على أن تكون أول روسية تطعّم ضد «الجدري» وجهّزت في المقابل موكبا من الأحصنة والعربات لنقل ديميسديل على جناح السرعة خارج البلاد في حال تدهور حالتها الصحية.
وخلال شهر أكتوبر 1768، أقدم الطبيب ديميسديل على تطعيم الإمبراطورة وابنها إضافة لأكثر من 100 فرد من أفراد القصر ضد «الجدري»، وخلال الأيام القليلة التالية، أظهرت كاترين الثانية علامات طفيفة للمرض قبل أن تشفى تماما ليحقق بذلك التطعيم نجاحا أسعد الروس.
لاحقا، انتشر التطعيم ضد «الجدري» بروسيا بفضل تجربة الإمبراطورة، ووافق كثيرون على الاقتداء بها لحماية أنفسهم من المرض لتشهد بذلك السنوات التالية تراجعا كبيرا في عدد الوفيات بسبب «الجدري».
من جهة ثانية، منحت كاترين الثانية الطبيب ديميسديل مكافأة مالية قدرت بحوالي 10 آلاف جنيه إضافة لنفقات أخرى بلغت قيمتها ألفي جنيه كما منحته رتبة بارون ومبلغا سنويا بنحو 500 جنيه.