لقد أصبحت الدبلوماسية الدولية في عصرنا الحديث أداة استراتيجية لا تقتصر على السياسة فحسب، بل تجاوزتها لتصبح عاملًا أساسيًا في دعم الاقتصاد وتعزيز مكانة البلدان على الساحة العالمية. الجزائر، التي تدرك تمامًا هذا التحول، تستثمر شراكاتها الاستراتيجية واتفاقياتها التجارية لضمان تدفق الاستثمارات وتوسيع أسواقها، مما يعزز من قوتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي والدولي. في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو دبلوماسية تجمع بين الاستقرار السياسي والمصلحة الاقتصادية، مما يفتح أمامها آفاقًا واسعة على الساحة العالمية. فهل ستكون هذه الديناميكية الاقتصادية الجديدة قادرة على تحويل الجزائر إلى لاعب رئيسي في النظام العالمي القائم على المصالح المتبادلة؟
تُعدّ الدبلوماسية الاقتصادية حجر الزاوية في استراتيجية الجزائر لتوسيع مكانتها التجارية وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومع تصاعد التحديات الاقتصادية العالمية، أصبح من الضروري على الدول تبني سياسات مرنة ترتكز على بناء شراكات اقتصادية استراتيجية، مما يسمح لها بتوسيع أسواقها وتنويع مصادر دخلها. في هذا السياق، سعت الجزائر إلى استغلال علاقاتها الدولية لتعزيز المبادلات التجارية، فضلًا عن إقامة استثمارات مشتركة تدعم تطور قطاعاتها الإنتاجية.
لقد لعبت العلاقات التجارية بين الجزائر وشركائها الدوليين دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد الوطني، خصوصًا فيما يتعلق بتصدير المحروقات التي تعتبر المصدر الرئيس للعملة الصعبة. فقد عززت الجزائر مكانتها كأحد أبرز مزودي الغاز لدول الاتحاد الأوروبي، حيث أبرمت اتفاقيات طويلة الأمد مع دول مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، لضمان استقرار تدفق إمدادات الطاقة. هذا التوجه عزز من الثقل الاقتصادي للجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
إضافةً إلى ذلك، شكل انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) خطوة استراتيجية نحو تعزيز حضورها في السوق الإفريقية. هذا الانفتاح يتيح للجزائر توسيع صادراتها وتنشيط التبادلات التجارية مع دول القارة الإفريقية، التي أصبحت تمثل سوقًا واعدة للمنتجات الجزائرية.
وعلى صعيد موازٍ، تركز الجزائر بشكل مكثف على استقطاب الاستثمارات الأجنبية كوسيلة رئيسية لتحديث بنيتها الاقتصادية ودعم القطاعات الإنتاجية غير النفطية. تَجَسَّدَت الإصلاحات التي تبنتها الحكومة في تحسين مناخ الأعمال، من خلال تعديل الإطار القانوني للاستثمار. حيث تم إلغاء بعض القيود، مثل قاعدة 51/49 التي كانت تحدّ من مشاركة المستثمرين الأجانب في بعض القطاعات. كما قامت الجزائر بتقديم حوافز جديدة، مثل تسهيل الإجراءات الإدارية وتقديم ضمانات قانونية لحماية المستثمرين، مما ساعد على جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي تجاوزت 10 مليارات دولار في بعض القطاعات خلال السنوات الأخيرة.
وبينما تواصل الحكومة الجزائرية توسيع نطاق شراكاتها الاقتصادية، تبقى التحديات المتمثلة في ضمان استدامة هذه الجهود قائمة. لا يزال من الضروري تعزيز قدرات الإنتاج المحلي وتوفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات طويلة الأجل. وفي هذا الإطار، يظهر السؤال: هل ستتمكن الجزائر من ضمان استدامة هذه الاستثمارات وتحقيق التنوع الاقتصادي المنشود؟
كيف عززت الجزائر مكانتها في أسواق الطاقة؟
لطالما كانت الطاقة عنصرًا أساسيًا في السياسة الاقتصادية الجزائرية، حيث تمتلك البلاد احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والبترول، مما يجعلها من بين أبرز موردي الطاقة في العالم. استغلت الجزائر هذه الميزة لتعزيز دبلوماسيتها في الأسواق الدولية، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي القريب من أوروبا، ومن الطلب المتزايد على موارد الطاقة، خاصة بعد التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
مع تفاقم أزمة الطاقة العالمية، برزت الجزائر كفاعل أساسي في ضمان إمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية. فقد أبرمت الجزائر اتفاقيات استراتيجية مع عدة دول أوروبية لتعزيز صادراتها الطاقوية. هذه الاتفاقيات عززت مكانتها كمزود موثوق للطاقة، خاصة في ظل سعي أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي بعد الأزمة الأوكرانية. نتيجة لهذه التحركات، حققت الجزائر زيادة ملحوظة في عائداتها من المحروقات، ما انعكس بشكل إيجابي على ميزانها التجاري، وساعد في تحقيق فائض في احتياطياتها من النقد الأجنبي.
لكن دبلوماسية الجزائر الطاقوية لم تقتصر على أوروبا فحسب، بل امتدت أيضًا إلى القارة الإفريقية. تسعى الجزائر إلى تعزيز التعاون الطاقوي مع دول الجوار من خلال مشاريع استراتيجية مثل “أنبوب الغاز العابر للصحراء”، الذي يربط الجزائر بدول غرب إفريقيا، وصولًا إلى نيجيريا. هذا المشروع الضخم يعزز من نفوذ الجزائر الجيو-اقتصادي في القارة، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة من قوى اقتصادية كبرى مثل الصين وتركيا.
إلى جانب تصدير الغاز والبترول، تبنت الجزائر سياسة جديدة تهدف إلى تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة. في إطار هذه الاستراتيجية، أبرمت الجزائر شراكات مع دول مثل ألمانيا والصين لإطلاق مشاريع ضخمة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذا التوجه يعكس رغبة الجزائر في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، ويُسهم في تقليل الاعتماد على المحروقات التقليدية، استعدادًا لمتطلبات الاقتصاد العالمي في المستقبل.
وبذلك، يمكن القول إن الجزائر نجحت في توظيف موارد الطاقة كأداة لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. من خلال تأمين أسواق دائمة لصادراتها الطاقوية وتنويع استثماراتها في مجالات الطاقة النظيفة، تواصل الجزائر العمل على تطوير بنيتها التحتية الطاقوية، مما يضمن لها دورًا محوريًا في مستقبل الطاقة العالمي.
هل تنجح الجزائر في تحقيق أمن غذائي مستدام؟
يعدّ الأمن الغذائي أحد القضايا الاستراتيجية التي تحتل مكانة بارزة في أولويات السياسة الاقتصادية الجزائرية، خاصة في ظل الأزمات العالمية المتكررة التي أثرت على سلاسل الإمداد الغذائي وأسعار السلع الأساسية. ومع اعتماد الجزائر بشكل كبير على استيراد المنتجات الغذائية، لا سيما الحبوب، فإن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية قد عملت على تأمين مصادر مستقرة للغذاء من خلال بناء شراكات استراتيجية مع الدول المنتجة وتعزيز الاستثمارات الزراعية.
وفي هذا السياق، أبرمت الجزائر اتفاقيات طويلة الأمد مع عدد من الدول المصدرة للحبوب مثل روسيا وأوكرانيا والبرازيل، لضمان تدفق مستمر للمحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح. فقد شهدت واردات الجزائر من القمح الروسي ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، لتصبح موسكو أحد أكبر مزودي الحبوب للسوق الجزائرية. هذا التوجه ساعد الجزائر على تقليل التأثيرات السلبية الناتجة عن الاضطرابات في الأسواق العالمية. رغم التوترات السياسية بين الجزائر وفرنسا، تحافظ الجزائر على علاقاتها التجارية مع فرنسا في هذا المجال.
إلى جانب تأمين الإمدادات الغذائية عبر الاستيراد، تبنّت الجزائر نهجًا استباقيًا لتعزيز إنتاجها الزراعي المحلي وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية. وقد سعت الحكومة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي، من خلال تقديم تسهيلات للمستثمرين، لاسيما في المناطق الصحراوية التي تمتلك إمكانيات زراعية واعدة.
وفي ظل تزايد المخاوف بشأن شح المياه والتغيرات المناخية، عملت الجزائر على تعزيز شراكاتها مع الدول المتقدمة في مجال التقنيات الزراعية الحديثة. حيث دخلت في مفاوضات مع دول مثل إسبانيا وهولندا للاستفادة من خبراتها في الزراعة الذكية وتقنيات الري الحديثة، بهدف تحسين الإنتاجية الزراعية وترشيد استخدام الموارد المائية. كما تبنّت الجزائر مشروعًا وطنيًا لاستصلاح الأراضي الزراعية، يشمل توسيع المساحات المزروعة في الجنوب الجزائري، مما سيساهم في زيادة الإنتاج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد على المدى الطويل.
وبذلك، تكون الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية قد أثبتت فاعليتها في مواجهة التحديات الغذائية العالمية، حيث نجحت في تأمين مصادر إمداد موثوقة للحبوب والمواد الغذائية الأساسية، مع التركيز على تطوير الإنتاج الزراعي المحلي لضمان الاكتفاء الذاتي. ومع استمرار الجزائر في تعزيز شراكاتها الدولية والاستثمار في التكنولوجيا الزراعية، فإنها تضع الأسس لتحقيق أمن غذائي مستدام، وهو ما يعد عاملًا رئيسيًا في استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
تعزيز التكامل الإقليمي ودفع التعاون الإفريقي
لطالما آمنت الجزائر بأن الاستقرار الاقتصادي لا يتحقق إلا من خلال التنمية الداخلية التي تمتد إلى بناء شراكات قوية مع الدول المجاورة، وخاصة في القارة الإفريقية التي تُعد امتدادًا استراتيجيًا للبلاد. ومن هذا المنطلق، ركزت الجزائر في دبلوماسيتها الاقتصادية على تعزيز التكامل الإقليمي من خلال تطوير مشاريع بنية تحتية تربطها بالدول الإفريقية، بالإضافة إلى تعزيز المبادلات التجارية والاستثمارية، بهدف تحويل الجزائر إلى بوابة اقتصادية رئيسية للقارة.
أحد أبرز المشاريع التي تعكس هذا التوجه هو مشروع الطريق العابر للصحراء، الذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر دول الساحل الإفريقي، مما يسهل حركة البضائع والأفراد ويعزز التجارة البينية بين الشمال والجنوب. هذا المشروع هو جزء من رؤية شاملة تهدف إلى جعل الجزائر مركزًا للتبادل التجاري بين إفريقيا وأوروبا، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي. وإلى جانب هذا المشروع، تعمل الجزائر على توسيع شبكات السكك الحديدية والموانئ لتسهيل نقل البضائع إلى عمق القارة الإفريقية، مما يعزز قدرتها التنافسية في المنطقة.
كما أن الجزائر لم تقتصر جهودها على مشاريع البنية التحتية فحسب، بل عملت على تعزيز الاستثمارات الإفريقية في مختلف القطاعات. فقد كثفت مشاركتها في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وهي أكبر سوق اقتصادية موحدة في القارة، حيث تسعى إلى تعزيز صادراتها إلى الأسواق الإفريقية وتوسيع نفوذها التجاري. وقد بدأت الشركات الجزائرية، خاصة في قطاعي الصناعات الغذائية والصيدلانية، في دخول الأسواق الإفريقية بقوة، مستفيدة من التسهيلات التي توفرها هذه الاتفاقية.
إضافة إلى ذلك، تلعب الجزائر دورًا محوريًا في دعم الاستثمارات الطاقوية في إفريقيا، وخاصة في مجالات النفط والغاز والكهرباء. فقد وقعت الجزائر اتفاقيات مع عدة دول إفريقية لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، حيث تسعى إلى تصدير الكهرباء إلى دول الساحل، كما تستفيد من إمكانياتها في مجال الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في القارة. كما تعمل الجزائر على توسيع شبكة أنابيب الغاز نحو إفريقيا، مما يمكنها من لعب دور رئيسي في تأمين الإمدادات الطاقوية لدول الجوار.
تعكس هذه الجهود حرص الجزائر على ترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية قادرة على التأثير في مسار التنمية في القارة الإفريقية. فبدلاً من الاكتفاء بدور المصدّر التقليدي للمواد الخام، تسعى الجزائر إلى بناء علاقات اقتصادية متكاملة مع شركائها الأفارقة، قائمة على تبادل المصالح وتطوير مشاريع استراتيجية مشتركة.
الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية: مفتاح التنوع الاقتصادي وبناء المستقبل
لطالما اعتمدت الجزائر على قطاع المحروقات كمصدر رئيسي لعائداتها، حيث تشكل صادرات النفط والغاز أكثر من 90% من إيراداتها الخارجية. ومع التقلبات الحادة في سوق الطاقة العالمي، أصبح من الضروري البحث عن مصادر جديدة للنمو الاقتصادي تضمن استقرار الاقتصاد الوطني. ومن هنا، برزت الدبلوماسية الاقتصادية كأداة رئيسية لدفع عجلة التنويع الاقتصادي، من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز القطاعات غير التقليدية مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.
في هذا السياق، كثفت الجزائر جهودها لجذب الاستثمارات الصناعية الأجنبية، حيث نجحت في إبرام شراكات مع كبرى الشركات العالمية لإنشاء مصانع محلية في مجالات عدة، أبرزها صناعة السيارات والصناعات الدوائية. فقد شهدت السنوات الأخيرة دخول شركات دولية مثل فيات ورونو وهيونداي للاستثمار في قطاع السيارات، مما أدى إلى خلق فرص عمل جديدة وتقليل فاتورة الاستيراد. كما توسعت الجزائر في دعم قطاع الصناعات الدوائية، حيث باتت شركاتها تصدر منتجاتها إلى الأسواق الإفريقية والعربية، مما عزز حضورها في هذا المجال الواعد.
إلى جانب القطاع الصناعي، أولت الجزائر اهتمامًا خاصًا لتطوير القطاع الزراعي كجزء من خطتها لتنويع الاقتصاد. بفضل المساحات الزراعية الشاسعة التي تمتلكها، بدأت الجزائر في تعزيز إنتاجها المحلي من الحبوب والخضروات وتقليل الاعتماد على الاستيراد. وقد ساعدت الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع دول مثل البرازيل وروسيا على إدخال تقنيات زراعية متطورة، ساهمت في رفع الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل. وفي خطوة أكثر طموحًا، تعمل الجزائر على تشجيع الاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي، خاصة في المناطق الجنوبية التي تمتلك إمكانيات كبيرة، لكنها لا تزال غير مستغلة بالكامل.
من جهة أخرى، تسعى الجزائر إلى ترسيخ مكانتها في قطاع التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، حيث بدأت في استقطاب استثمارات في مجالات البرمجيات والذكاء الاصطناعي، مع التركيز على دعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال. فقد تم إطلاق عدة مبادرات تهدف إلى جذب المستثمرين في هذا المجال، بالتعاون مع دول متقدمة مثل الصين وألمانيا، التي تمتلك خبرة كبيرة في الصناعات التكنولوجية. ويُعد هذا التوجه أحد الركائز الأساسية التي تسعى الجزائر من خلالها إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة، يمكنه المنافسة على المستوى العالمي.
وبذلك، أثبتت التجربة الجزائرية أن الدبلوماسية الاقتصادية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق التنويع الاقتصادي إذا تم توظيفها بشكل صحيح. فمن خلال تعزيز الشراكات الدولية وجذب الاستثمارات في القطاعات غير التقليدية وتطوير البنية التحتية الاقتصادية، تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد أكثر تنوعًا. ومع استمرار هذه الجهود، يمكن للجزائر أن تتحول إلى نموذج اقتصادي جديد في المنطقة، قادر على التكيف مع التحولات العالمية والاستفادة من الفرص المتاحة.
تحديات تواجه الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية
رغم النجاحات التي حققتها الجزائر في توظيف دبلوماسيتها الاقتصادية لتعزيز تجارتها وتأمين مواردها الطاقوية ودعم التكامل الإقليمي، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي لا تزال تعيق تحقيق الأهداف المرجوة بشكل كامل. تتنوع هذه التحديات بين العوامل الداخلية، مثل البيروقراطية والإصلاحات الاقتصادية، والعوامل الخارجية مثل التوترات الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية العالمية.
أحد أبرز التحديات التي تواجه الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية هو تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية. فعلى الرغم من الإصلاحات التي تم إدخالها، مثل إلغاء قاعدة 51/49 في بعض القطاعات، إلا أن البيروقراطية لا تزال تشكل عائقًا أمام المستثمرين، مما يؤدي إلى تردد بعض الشركات الأجنبية في الاستثمار طويل الأجل. لذلك، تحتاج الجزائر إلى المزيد من الإصلاحات التي من شأنها تسهيل بيئة الأعمال، وتعزيز الثقة لدى المستثمرين الدوليين.
التحدي الآخر يتمثل في ضرورة تنويع الاقتصاد بعيدًا عن المحروقات، حيث لا يزال الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز. ورغم الجهود المبذولة لتنمية القطاعات غير التقليدية مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، فإن هذه القطاعات لا تزال في مراحلها الأولى، وتحتاج إلى استثمارات كبيرة وتعاون دولي مكثف للوصول إلى مرحلة النضج الاقتصادي. وفي هذا السياق، يجب أن تركز الدبلوماسية الاقتصادية على البحث عن مزيد من الشراكات مع الدول المتقدمة لجلب التكنولوجيا والخبرات اللازمة لتطوير هذه القطاعات.
أما على المستوى الإقليمي، فتواجه الجزائر منافسة متزايدة من دول أخرى في القارة الإفريقية التي تسعى بدورها إلى توسيع نفوذها الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، تشهد القارة دخول فاعلين اقتصاديين كبار مثل الصين وتركيا، اللتين تعملان على تعزيز وجودهما من خلال الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية والتجارة. ومن هنا، تحتاج الجزائر إلى تسريع وتيرة مشاريعها الاقتصادية في إفريقيا، وتعزيز وجودها كشريك استراتيجي موثوق للدول الإفريقية، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعات التحويلية.
أما على الصعيد الدولي، فإن التوترات الجيوسياسية والتغيرات في أسواق الطاقة تشكل تحديًا مستمرًا للدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية. فعلى سبيل المثال، تؤثر السياسات الأوروبية المتعلقة بالطاقة على صادرات الجزائر من الغاز، كما أن التقلبات في أسعار النفط قد تؤثر على ميزان المدفوعات الجزائري. وبالتالي، يتطلب الأمر من الجزائر تعزيز استراتيجياتها لمواجهة هذه التحديات، من خلال توسيع قاعدة زبائنها في مجال الطاقة، والبحث عن أسواق بديلة لتعزيز صادراتها.
مواجهة التحديات واستثمار الفرص
رغم هذه التحديات، فإن الجزائر تمتلك إمكانيات هائلة تمكنها من الاستفادة بشكل أكبر من الدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة. فمن خلال تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وتبني استراتيجيات مرنة لجذب الاستثمارات، وتوسيع شبكة علاقاتها التجارية، يمكن للجزائر أن تتحول إلى قوة اقتصادية إقليمية قادرة على منافسة الدول الكبرى. كما أن الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة يمكن أن يشكل عاملًا رئيسيًا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وجعل الجزائر لاعبًا رئيسيًا في التحولات الاقتصادية العالمية.
في النهاية، تبقى الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أداة فعالة بيد صناع القرار، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني إذا ما تم استغلالها بالشكل الأمثل. ومع استمرار الجهود الحكومية في تعزيز التعاون الدولي ودعم الشراكات الاستراتيجية، فإن المستقبل يبدو واعدًا لدور الجزائر الاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ارتفاع الاستثمارات الأجنبية في الجزائر.. ما سر الجاذبية الجديدة؟
تحدث يزيد مقران، أستاذ متخصص في الإحصاء والاقتصاد التطبيقي بكلية العلوم الاقتصادية، التجارية وعلوم التسيير – جامعة أمحمد بوقرة بومرداس، في تصريح ل “الأيام نيوز” عن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية في تحقيق مكاسب ملموسة، مستندًا إلى مؤشرات إحصائية توضح مدى تأثير العلاقات الخارجية على التجارة والاستثمار. وأكد أن الجزائر استطاعت، من خلال تعزيز شراكاتها الدولية، تحسين صادراتها خارج قطاع المحروقات، وزيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تحقيق تحسن في بيئة الأعمال بفضل الإصلاحات الاقتصادية التي أقرها الرئيس تبون منذ توليه رئاسة البلاد سنة 2019. كما تطرق إلى كيفية استخدام النماذج الاقتصادية لتقييم فعالية الاتفاقيات الدولية، والقطاعات التي استفادت بشكل واضح من هذه الديناميكية الجديدة، مما يعكس نجاح الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية في تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية المستدامة.
وأكد يزيد مقران، أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أثبتت فعاليتها خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تعكسه المؤشرات الاقتصادية التي تسلط الضوء على مدى نجاح العلاقات الخارجية في تحقيق مكاسب اقتصادية فعلية.
وأوضح أن أحد أبرز المؤشرات التي تعكس هذا النجاح هو ارتفاع الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات بنسبة 15%، وهو تطور يعكس توجه الدولة نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الموارد الطاقوية التقليدية.
وأضاف أن هذا الارتفاع شمل المنتجات الزراعية مثل التمور وزيت الزيتون، إضافة إلى المنتجات الصناعية التحويلية، مما يعكس تحسن القدرات الإنتاجية المحلية وانفتاح الأسواق الخارجية أمام المنتجات الجزائرية.
وأشار إلى أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت 1.5 مليار دولار في سنة 2023، وهو ما يعكس تزايد اهتمام الشركات الأجنبية بالسوق الجزائرية، خاصة بعد توقيع عدة اتفاقيات تعاون مع شركاء دوليين، من بينهم الصين، تركيا، وإيطاليا.
واعتبر أن هذه الاستثمارات تعكس نجاح الإصلاحات القانونية والإدارية التي سهلت إجراءات إنشاء الشركات وقلّصت العقبات البيروقراطية التي كانت تعيق تدفق رؤوس الأموال الأجنبية نحو الجزائر.
وأضاف أن تحسن ترتيب الجزائر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال إلى المرتبة 157 عالميًا يعكس التقدم الذي أحرزته الدولة في تحسين بيئة الاستثمار، مشيرًا إلى أن الإصلاحات التشريعية الأخيرة، وعلى رأسها قانون الاستثمار الجديد وتبسيط الإجراءات الإدارية، ساهمت في جعل السوق الجزائرية أكثر جاذبية للمستثمرين.
توسع العلاقات الدبلوماسية يعزز المبادلات التجارية والاستثمارية
من جهة أخرى، شدد يزيد مقران على أن توسع العلاقات الدبلوماسية الجزائرية كان له أثر مباشر على التجارة والاستثمار، خاصة مع دول القارة الإفريقية. وأوضح أن الانضمام الفعلي للجزائر إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) فتح المجال لزيادة المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية، حيث شهدت هذه المبادلات ارتفاعًا بنسبة 20%، وهو ما انعكس بشكل واضح على قطاعات المنتجات الزراعية والسلع الغذائية، التي أصبحت تجد طريقها بسهولة أكبر إلى الأسواق الإفريقية.
وأضاف أن التعاون مع الصين وتركيا لعب دورًا حيويًا في تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وهو ما ساهم في تعزيز قدرة الجزائر على تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على تصدير النفط والغاز.
وأكد أن مثل هذه الشراكات تمنح الجزائر ميزة تنافسية، حيث تسهم في نقل التكنولوجيا وتعزيز قدرات الإنتاج المحلية، بما يساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض القطاعات وتحسين الجودة التنافسية للمنتجات الجزائرية الموجهة للتصدير.
التحليل الإحصائي لقياس فعالية الاتفاقيات التجارية والاستثمارية
وفيما يتعلق بآليات قياس مدى فعالية الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، أوضح يزيد مقران أن استخدام الإحصاءات والنماذج الاقتصادية يعد أمرًا ضروريًا لتحديد الأثر الفعلي لهذه الاتفاقيات على الاقتصاد الجزائري.
وأشار إلى أن تحليل البيانات الاقتصادية قبل وبعد توقيع الاتفاقيات يُظهر أن الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأوروبية ساهمت في زيادة الصادرات الجزائرية غير النفطية بنسبة 12% سنويًا، مما يعكس نجاح هذه الاتفاقيات في إيجاد أسواق بديلة وتعزيز الحضور الجزائري في السوق الأوروبية.
وأضاف أن نماذج المحاكاة الاقتصادية تُستخدم لتقدير التأثير المتوقع لأي اتفاقيات مستقبلية على الناتج المحلي الإجمالي، حيث تتيح هذه النماذج لصانعي القرار وضع سياسات اقتصادية أكثر استباقية وفعالية.
وأكد أن هذه الأدوات التحليلية توفر نظرة أكثر دقة حول مدى استدامة هذه الاتفاقيات على المدى الطويل، وما إذا كانت تحقق مصالح الجزائر الاقتصادية فعليًا أم تحتاج إلى مراجعة وتعديل.
القطاعات الاقتصادية الأكثر استفادة من الاتفاقيات الدولية
أما فيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية التي استفادت بشكل مباشر من الاتفاقيات الاقتصادية والدبلوماسية الجزائرية، فقد أكد مقران أن قطاع الطاقة كان أحد أكبر المستفيدين، حيث أبرمت الجزائر شراكات استراتيجية مع شركات أوروبية وآسيوية في مجالات التنقيب، والإنتاج، ونقل التكنولوجيا، مما ساعد في تعزيز القدرات الإنتاجية الوطنية وتحقيق مردودية اقتصادية أعلى.
وأضاف أن القطاع الزراعي شهد نموًا ملحوظًا بفضل التسهيلات التي قدمتها الاتفاقيات التجارية، حيث ارتفعت صادرات التمور والزيوت بنسبة 18% خلال سنة 2023، وهو ما يعكس تحسن فرص المنتجات الزراعية الجزائرية في الأسواق الإفريقية والأوروبية.
أما على مستوى الصناعات التحويلية، فقد شهد هذا القطاع تطورًا كبيرًا من خلال استثمارات مشتركة في الصناعات الدوائية والغذائية، مما ساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية الصناعية داخل الجزائر.
وأشار إلى أن هذه التطورات تمثل خطوة مهمة نحو تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على عائدات المحروقات، مما يعزز من استقرار الاقتصاد الجزائري على المدى الطويل.
وفي ختام حديثه، شدد المتحدث على أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أصبحت ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني. وأوضح أن نجاح الجزائر في توظيف علاقاتها الخارجية لتعزيز التجارة والاستثمار يعكس أهمية تبني سياسات قائمة على البيانات الاقتصادية، مما يضمن استدامة النمو الاقتصادي.
وأكد أن تعزيز التعاون مع الأسواق الإفريقية، وتنويع الشراكات الاقتصادية، وتحسين البيئة الاستثمارية، كلها عوامل ستساهم في جعل الجزائر لاعبًا اقتصاديًا أكثر قوة على الساحة الإقليمية والدولية.
وأضاف أن استخدام الإحصاءات والنماذج الاقتصادية سيظل عاملًا رئيسيًا في توجيه القرارات المستقبلية، بما يضمن تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

من عدم الانحياز إلى الشراكات الاستراتيجية.. كيف تعزز الجزائر نفوذها الاقتصادي؟
اعتبر البروفيسور حبيب بريك الله، أكاديمي ومحلل سياسي، في تصريح ل “الأيام نيوز” أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت ركيزة أساسية لتعزيز المكاسب الاقتصادية، حيث نجحت في الجمع بين ثبات المواقف السياسية والانفتاح على الشراكات الاقتصادية الدولية. وأكد أن التزام الجزائر بمبادئ عدم الانحياز واحترام السيادة الوطنية جعلها تحظى بمكانة دولية مرموقة، ما فتح أمامها آفاقًا واسعة لتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية، خاصة في القارة الإفريقية. كما أشار إلى أن التحديات التي تواجه الدبلوماسية الجزائرية تدفعها إلى تطوير أدواتها لتعزيز حضورها في الأسواق الدولية، مستفيدة من تحولات النظام العالمي والتقارب مع قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين وروسيا والهند.
وأكد حبيب بريك الله، أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت أحد المحركات الأساسية لتعزيز العلاقات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأوضح أن السياسة الخارجية الجزائرية، التي تقوم على نصرة القضايا العادلة واحترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، منحت الجزائر مكانة دولية متميزة، مما عزز من جاذبيتها كشريك اقتصادي موثوق.
وأضاف أن هذا الحراك الدبلوماسي لم يظل حبيس الخطابات السياسية، وانما تم ترجمته إلى سياسات اقتصادية ملموسة، عبر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والتسهيلات الإدارية والضريبية التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. مشيرًا إلى أن الجزائر تعمل على ربط سياستها الخارجية بمشاريع اقتصادية استراتيجية تخدم التنمية الوطنية، مع الحفاظ على استقلالية قرارها الاقتصادي والسياسي.
التحديات الدبلوماسية وتأثيرها على الاقتصاد الجزائري
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه الدبلوماسية الجزائرية في تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر، أشار بريك الله إلى أن أحد أبرز التحديات هو كيفية تحقيق التوازن بين التمسك بالمواقف الثابتة للجزائر تجاه القضايا العادلة والرهانات الجيوسياسية، وبين تعزيز المصالح الاقتصادية في ظل عالم يشهد تغيرات متسارعة.
وأوضح أن هذا التحدي يتجلى في كيفية تعامل الجزائر مع الضغوط الدولية التي قد تنشأ نتيجة مواقفها الداعمة لقضايا مثل تقرير المصير والاستقلال الوطني، مع ضمان استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية وتعزيز العلاقات التجارية.
وأضاف أن التحدي الدبلوماسي الآخر يتمثل في تعزيز حضور الجزائر داخل القارة الإفريقية، حيث كان الحصول على منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أحد الأهداف الاستراتيجية للدبلوماسية الجزائرية، لما يمثله من أهمية في التأثير على القرارات الاقتصادية في القارة.
وأكد أن هذا النجاح يعكس قدرة الجزائر على تحقيق مكاسب دبلوماسية تعزز مكانتها كفاعل اقتصادي داخل إفريقيا، مما يفتح الباب لمزيد من المشاريع الاستثمارية والتجارية داخل القارة.
وأشار إلى أن هذه التحديات الدبلوماسية ستساهم في تطوير الأداء الدبلوماسي الجزائري، مما يمكنه من تحقيق نتائج أكبر على المستوى الاقتصادي، من خلال تعزيز التفاوض الفعّال مع الشركاء الدوليين والتكيف مع التغيرات الجيوسياسية بما يخدم المصالح الاقتصادية للبلاد.
عدم الانحياز.. مبدأ دبلوماسي يعزز النفوذ الاقتصادي
وفي حديثه عن دور مبدأ عدم الانحياز في تعزيز النفوذ الاقتصادي الجزائري، أكد البروفيسور بريك الله أن التزام الجزائر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترامها لمبدأ السيادة الوطنية جعلها تحظى باحترام دولي متزايد، مما انعكس إيجابيًا على علاقاتها الاقتصادية والتجارية.
وأضاف أن السياسة الخارجية الجزائرية القائمة على الحياد الإيجابي واحترام القانون الدولي جعلت العديد من الدول ترى في الجزائر شريكًا اقتصاديًا موثوقًا لا يخضع للضغوط الخارجية، وهو ما سهل توقيع اتفاقيات تعاون وشراكات اقتصادية مع العديد من الدول دون قيود سياسية.
وأشار إلى أن هذه السياسة عززت من مكانة الجزائر كمحور استقرار في المنطقة، حيث أصبحت وجهة مفضلة للعديد من الشركات الدولية الراغبة في الاستثمار في بيئة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا.
وأوضح أن هذا الاحترام الدولي للمواقف الجزائرية مكّنها من لعب دور الوسيط في العديد من النزاعات الدولية، وهو ما انعكس إيجابيًا على علاقاتها التجارية والاستثمارية، حيث استطاعت الجزائر استغلال هذا الدور لتعزيز حضورها الاقتصادي في مناطق مختلفة، لا سيما في إفريقيا وآسيا.
التحولات الدولية.. فرصة لتعزيز الشراكات الاقتصادية
أما عن كيفية استفادة الجزائر من التحولات في النظام الدولي لتعزيز نفوذها الدبلوماسي وتحقيق شراكات اقتصادية أوسع، أوضح بريك الله أن الجزائر تمتلك موقعًا استراتيجيًا على خارطة الاقتصاد العالمي، خاصة في سوق الطاقة، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا يمكن استغلاله لتعزيز علاقاتها الاقتصادية.
وأضاف أن الجزائر تستفيد من علاقاتها القوية مع الصين وروسيا والهند في توسيع نطاق شراكاتها الاقتصادية، وهو ما يعكس توجهها نحو بناء علاقات اقتصادية متوازنة بعيدًا عن الضغوط الغربية.
وأشار إلى أن تطلع الجزائر للانضمام إلى مجموعة “البريكس” والهيئات الاقتصادية الدولية الأخرى يعكس رغبتها في تنويع شراكاتها وتعزيز دورها في الاقتصاد العالمي، بما يضمن لها تحقيق مصالحها الوطنية في بيئة اقتصادية عالمية متغيرة.
وأكد أن الحكامة الدبلوماسية التي تتبناها الجزائر، والتي تقوم على مبدأ عدم الانحياز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، جعلتها تحظى بثقة عدد كبير من الشركاء الاقتصاديين، مما سيمكنها من توقيع المزيد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية خلال السنوات المقبلة.
وشدد على أن هذه الاستراتيجية ستساعد الجزائر في بناء شراكات اقتصادية قوية، معتمدة على أسس ثابتة ومستقلة، مما سيعزز من دورها كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الدبلوماسية الجزائرية اليوم أصبحت محركًا اقتصاديًا قادرًا على تحقيق مكاسب حقيقية، وهو ما سيظهر جليًا في المستقبل القريب من خلال الشراكات الاقتصادية التي سيتم إبرامها، والمكاسب التي ستجنيها الجزائر من انفتاحها المدروس على العالم.

من هنا يبدأ الطريق إلى التكامل الاقتصادي
تُعد الدبلوماسية الاقتصادية واحدة من الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها الدول لتحقيق أهدافها التنموية وتنويع مصادر دخلها. في حالة الجزائر، وفي ظل اعتماد اقتصادها بشكل كبير على قطاع الطاقة، أصبحت الحاجة إلى توظيف أدواتها الدبلوماسية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز أكثر إلحاحًا، حيث تعمل على تفعيل وتطوير دبلوماسيتها الاقتصادية لخدمة أهدافها السياسية والخارجية، من خلال تعزيز حضورها الاقتصادي والتجاري على المستويات القارية والمتوسطية والدولية. وتسعى لتحقيق ذلك إلى ربط جهازها الدبلوماسي بالقضايا الاقتصادية للدولة، بما يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، ومن خلال استخدام استراتيجيات مدروسة وتنويع الشراكات الدولية والإقليمية ضمن إطار العلاقات الدولية، تسعى لإيجاد أسواق جديدة للمنتجات الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية، دون اهمال التحديات وتجاوز المعوقات.
تعتمد الجزائر على دبلوماسية اقتصادية نشطة لتعزيز مصالحها الاقتصادية، من خلال تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات الأجنبية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات الوطنية. وتشمل أدواتها الدبلوماسية المفاوضات التجارية لإبرام اتفاقيات تهدف إلى تخفيض الحواجز الجمركية وتسهيل تدفق البضائع والخدمات، بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، مثل اتفاقيات التجارة الحرة التي تلعب دورًا محوريًا في توسيع الأسواق وجذب الاستثمارات. كما تعمل على تعزيز دور بعثاتها الدبلوماسية، من خلال الملحقات التجارية التي تدعم الشركات الوطنية عبر جمع المعلومات عن الأسواق الخارجية وربطها بالشركاء المحتملين. كما تستغل الجزائر المؤتمرات والزيارات الرسمية لبناء شبكات العلاقات وعرض الفرص الاستثمارية، إلى جانب المشاركة في المعارض الاقتصادية الدولية واستضافة المؤتمرات التجارية لتعزيز صورتها كوجهة استثمارية جاذبة. وتعتمد أيضا على القوة الناعمة من خلال استغلال تاريخها الثوري ومكانتها السياسية في العالم العربي والإفريقي لتحسين صورتها وجذب الاستثمارات، كما تعمل على تحسين بيئة الأعمال عبر السياسات المحفزة والدعم المالي، مما يسهم في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق العالمية.
دور العلاقات الدبلوماسية في البحث عن أسواق جديدة
تلعب العلاقات الدبلوماسية دورًا جوهريًا في تمهيد الطريق نحو توسيع الأسواق وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول، إذ تسهم بشكل فعال في إزالة العقبات التجارية وتسهيل المفاوضات حول الاتفاقيات الاقتصادية. فمن خلال بناء الثقة بين الدول، تعزز الدبلوماسية فرص الاستثمار وتطمئن الشركات حول استقرار البيئة الاقتصادية. كما تتيح السفارات والممثليات الدبلوماسية معلومات حيوية حول الأسواق المستهدفة، بما في ذلك القوانين التجارية والثقافة الاقتصادية، مما يساعد الشركات على اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة. إضافةً إلى ذلك، تعمل الدبلوماسية على حماية المصالح الاقتصادية للشركات الوطنية العاملة في الخارج، سواء من خلال التفاوض لحل النزاعات التجارية أو ضمان معاملة عادلة في الأسواق الأجنبية. كما تسهم في تحسين الصورة الدولية للدولة، مما يجذب الاستثمارات الأجنبية ويفتح مجالات أوسع للتعاون الاقتصادي. ومن خلال الانضمام إلى المنظمات الاقتصادية الدولية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، توفر الدبلوماسية منصات لتعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز فرص الوصول إلى الأسواق العالمية، مما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. لذلك يجب على الدول أن تعمل على تعزيز أدواتها الدبلوماسية وتطوير استراتيجياتها لتكون أكثر مرونة واستجابة للتغيرات المتسارعة في السوق العالمي.
الفرص الاقتصادية عبر التكتلات الإقليمية
تعد الجزائر فاعلًا رئيسيًا في التكتلات الإقليمية والقارية، حيث تلعب دورًا مهمًا في الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنطقة التجارة الحرة الإفريقية، وتسعى من خلال هذه التكتلات إلى تعزيز موقعها الاقتصادي وتوسيع نفوذها الإقليمي. ويتيح لها موقعها الجغرافي الاستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية فرصة كبيرة لتطوير التعاون مع الدول الإفريقية، مما يسهم في زيادة حجم التجارة والاستثمار المشترك. ومن خلال منطقة التجارة الحرة الإفريقية، تعمل الجزائر على استغلال إمكانياتها في مجالات البنية التحتية والنقل والطاقة المتجددة لتحسين الروابط الاقتصادية بين الدول الإفريقية، وتعزيز قدرة المنتجات الجزائرية على المنافسة في الأسواق القارية. وتوفر هذه التكتلات فرصًا متعددة لدعم الاقتصاد الوطني للجزائر وتحقيق فوائد متعددة منها تعزيز صادراتها الصناعية والزراعية والاستفادة من الفرص التي تتيحها الاتفاقيات التجارية العربية للوصول إلى أسواق أوسع، كما تساهم عضويتها في الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) في تعزيز دورها القيادي ضمن مجالات حوكمة الموارد الطبيعية والأمن الغذائي، مما يساعدها ذلك في جذب شركاء دوليين وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط والغاز.
إلى جانب ذلك، يمثل تحسين البنية التحتية الإفريقية أولوية بالنسبة للجزائر، فحسب تقرير التنمية الاقتصادية في أفريقيا 2024 فان فجوات البنية التحتية في النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تؤدي إلى ارتفاع تكاليف التجارة بنسبة 50٪ فوق المتوسط العالمي، مما يقلل من القدرة التنافسية، وعليه قامت الجزائر باتخاذ إجراءات في هذا الشأن لسد هذه الفجوات منها تعبيد الطريق الرابط بين ولاية تندوف وولاية الزويرات (شمال غرب موريتانيا) حتى تتمكن من الوصول إلى أسواق غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا. كما تم الانتهاء من الاشغال على الجانب الجزائر للطريق الرابط بينها وبين نيجيريا عبر النيجر، والذي يتفرع نحو مالي غربا وتشاد شرقا. لتقليل تكاليف التجارة المرتفعة التي تؤثر سلبًا على التنافسية الإقليمية. كما أن خفض التعريفات الجمركية والإصلاحات اللوجستية في إطار منطقة التجارة الحرة الإفريقية من شأنه تعزيز التكامل بين الدول الأعضاء وخلق فرص جديدة للمنتجات الجزائرية، مما يزيد من تنافسية الصادرات الوطنية ويفتح أسواقًا جديدة أمامها. ضف الى ذلك، ضعف إمكانيات التصنيع لدى العديد من الدول الإفريقية، يعطي الجزائر فرصة كبيرة لتعزيز وجودها الاقتصادي في القارة من خلال تقديم منتجاتها كبديل محلي قادر على تلبية احتياجات الأسواق الإفريقية. وقد بدأت الجزائر خطوات عملية في هذا الاتجاه، حيث قامت بافتتاح معرضين دائمين وبنكين في كل من موريتانيا والسنغال، إضافة إلى تعزيز وجودها التجاري والاستثماري في السنغال وكوت ديفوار، بهدف تسهيل تصدير منتجاتها إلى دول غرب إفريقيا. وتأتي هذه التحركات ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى ترسيخ موقع الجزائر كمركز تجاري واستثماري إقليمي، بما يدعم جهودها في تحقيق التنمية المستدامة وتنويع اقتصادها الوطني، ويعزز مكانتها كفاعل رئيسي في القارة الإفريقية.
تحديات الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية
تواجه الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي تحد من قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. فمن الناحية الداخلية، تعاني البيئة الاستثمارية من تعقيدات بيروقراطية وتشريعات غير محفزة، كما يشكل غياب سياسة مالية ومصرفية مرنة أحد العوامل التي تعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب ضعف جودة المنتجات الوطنية وعدم توافقها مع المعايير الدولية، مما يقلل من قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية. أما على الصعيد الخارجي، فتعترض الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية تحديات أمنية متزايدة، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، أدت إلى إغلاق بعض المعابر الحدودية وتعطيل حركة التجارة الإقليمية. كما أن المنافسة الشرسة من قوى اقتصادية كبرى مثل الصين وتركيا، إلى جانب تصاعد السياسات الحمائية عالميًا، تجعل من الصعب على الجزائر تعزيز موقعها في الأسواق الدولية. وتبقى السوق الإفريقية تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تمثل فضاءً اقتصاديًا واعدًا للمنتجات الجزائرية وفرصة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وللتغلب على هذه العقبات، يتطلب الأمر إصلاحات هيكلية تشمل تحديث القوانين الاستثمارية، تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين جودة المنتجات الوطنية، بالإضافة إلى تبني استراتيجية واضحة لتعزيز الاندماج الإقليمي والدولي، بما يسهم في جعل الجزائر وجهة استثمارية أكثر جاذبية، ويدعم دورها كلاعب اقتصادي محوري في القارة الإفريقية.
في الأخير، تعد الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية ركيزة أساسية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على قطاع الطاقة، رغم التحديات الجيوسياسية والإقليمية تسعى الجزائر لتوسيع نفوذها الاقتصادي عالميًا من خلال الاتفاقيات التجارية، جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الصادرات نحو الأسواق الإفريقية والعربية، إلا أن نجاحها يعتمد على مدى قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وكذا تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وتكامله مع الأسواق الدولية، مما يجعل الدبلوماسية الاقتصادية أداة حيوية لتحقيق التنمية المستدامة والاستقلالية الاقتصادية.
بقلم: الأستاذة بسعود حليمة – كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة زيان عاشور – الجلفة
الدبلوماسية الاقتصادية.. سلاح الجزائر الجديد في معركة الاستقلال المالي
لم يعد الانفتاح الاقتصادي أو بمفهوم أدق العولمة الاقتصادية خيارا من بين عديد الخيارات، بل هي حتمية وتوجه مفروض عالميا منذ سقوط جدار برلين، وأخذ مساره التسارعي مع بداية القرن الحالي ولا يزال مستمرا إلى يومنا هذا، خاصة مع تزايد هيمنة المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك العالمي)، والشركات عبر الوطنية، والمنظمة العالمية للتجارة على الحياة الاقتصادية الدولية.
هذه الهيمنة- التي تعد خرقا قويا لمبدأ السيادة الذي تتمسك به دول العالم الثالث كونه خط الدفاع الأخير الذي بقي في حوزتها- تتجلى من خلال مظاهر كثيرة، أهمها: تأثير المنظمة العالمية للتجارة على المجال التشريعي للدولة وعلى حريتها في استغلال مواردها الاقتصادية وحريتها التعاقدية.
أما الشركات عبر الوطنية فتأثيرها على السيادة الوطنية أخطر بكثير من سابقتها نظرا للنفوذ المالي والاقتصادي والتكنولوجي الذي تمتلكه، فكل هذه المعطيات تمكنها من الضغط على الدول المضيفة لها من خلال نقل التكنولوجيا، وتهميش النظام الأمني الداخلي للدولة، وتخطي نظامها القضائي بالاعتماد على التحكيم الدولي عند حدوث نزاع بينها وبين الدولة المضيفة لها، بالإضافة الى تغلغلها داخل محيط اتخاذ القرار في الدول والضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات تخدم مصالحها. هذا من ناحية، ومن الناحية الموازية، لا تزال اقتصاديات الدول النامية ومن بينها الجزائر اقتصادات ريعية تعتمد على عائدات تصدير المادة الأولية الخام، وبالتالي فهي غير قادرة على المجابهة الحقيقية إن بقيت في هذا النمط.
وبالعودة الى الجزائر، فقد كان انفتاحها الاقتصادي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أين رافقته حركية قانونية تعكس التوجه الجديد للدولة، بدأت بإصدار القانون التوجيهي للمؤسسات الاقتصادية رقم 88/01 في عام 1988، وتعزز بدستور سنة 1989، لتتوالى بعد ذلك ترسانة النصوص القانونية ذات السياق الاقتصادي كقوانين الاستثمار وقوانين المالية وتعديلات القانون التجاري لتتماشى مع النمط الاقتصادي الجديد للدولة بعد القطيعة التامة مع النظام الاشتراكي.
والملاحظ أن بداية الانفتاح الجزائري على اقتصاد السوق لم تكن سهلة، لتزامنها مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية داخليا، وضغوطات صندوق النقد الدولي بسبب الاستدانة خارجيا.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الجزائر قادرة على تقوية موقعها التفاوضي على المستوى الدولي، وبالتالي لم يكن هناك مجال واسع للدفاع عن السيادة الوطنية خاصة في ظل الاملاءات والشروط الإجبارية للمؤسسات المالية الدولية تحت غطاء التصحيح الهيكلي للاقتصاد والمؤسسات.
ومع بداية القرن الحالي، أخذ المناخ السياسي والاقتصادي في الاستقرار نوعا ما مقارنة مع الفترة السابقة، ساهم فيه بشكل قوي حلحلة الأزمة الأمنية وانتعاش السوق النفطية بارتفاع أسعار البترول، ورغم ذلك فان أول خطوة استراتيجية قامت بها الجزائر حتى تستعيد امتلاك قرارها السيادي هو تمكنها من تسديد مديونيتها الخارجية.
ومع تخلص الجزائر من قيود المؤسسات المالية الدولية، أصبح المجال متاحا لبناء نمطها الاقتصادي الخاص بها بعيدا عن أي ضغط خارجي، وصار من الممكن التشبث بالدرع السيادي والمحافظة على السيادة الوطنية بتقوية عدة مستويات:
المستوى الأول: اختيار النمط الاقتصادي المتوافق مع الخصوصية الجزائرية:
إن استيراد نماذج اقتصادية أجنبية أثبت فشله الذريع حتى وإن كان النموذج المستورد ناجحا جدا في بيئته إلا أنه لا يصلح للتطبيق في البيئة الجزائرية، نظرا للخصوصية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الداخلية، إلا إذا تم تكييفه وتعديله وصياغته بما يتلاءم مع كل هذه العناصر.
المستوى الثاني: تحسين مناخ الاستثمار:
تحسين مناخ الاستثمار بما يمنح الثقة للمتعاملين الوطنيين والأجانب على حد سواء لخوض تجارب التصنيع والإنتاج دون مخاوف إدارية أو قانونية أو مصرفية، وذلك بالتجسيد الفعلي لمفهوم الأمن القانوني والاستقرار التشريعي، مع إصلاح الماكينة الإدارية والتسييرية وتطهيرها من آفاتها القديمة والحالية.
المستوى الثالث: تجسيد الأمن الغذائي:
وهو نتيجة للمستوى الثاني، ويتمثل في تعزيز الأمن الغذائي بتقوية البعد الصناعي والزراعي والفلاحي، فالدولة التي لا تمتلك غذاءها لا تمتلك قرارها السيادي، فليس هناك سيادة سياسية دون تحقيق السيادة الاقتصادية، والجزائر تملك من المقدرات ما يؤهلها لتحقيق أمنها واكتفائها الغذائي وحتى تأمين دول الجوار في ذلك، الا أن المتاح حاليا يظل بعيدا عن المأمول.
المستوى الرابع: الدبلوماسية الاقتصادية:
وهو الأهم، اذ يعتبر أولا محصلة للمستويات السابقة، وثانيا يتوافق بشكل كبير مع ما تجيد الجزائر فعله على المستوى الخارجي، وهو العمل الدبلوماسي.
فالجزائر تمتلك رصيدا زاخرا فيما يخص الدبلوماسية السياسية، ولا ضير أن توظف رصيدها وثقلها السياسي في المجال الاقتصادي كذلك، وهذا ليس بالأمر المخزي ولا المشين فهناك دولا كبرى تعمل باستماتة في إطار الدبلوماسية الاقتصادية من أجل حماية متعامليها الاقتصاديين للنجاح خارجيا.
والجزائر بالمثل، عليها تقوية اقتصادها الداخلي بالعمل على المستوى الخارجي، فالأمر لا يختلف كثيرا عن مبدأ ” الدفاع عن الحدود الإقليمية أمنيا”. فالتسيير الاقتصادي المتقدم يعتمد الآن على توظيف القوة السياسية للدولة من أجل تقوية اقتصادها عن طريق حماية متعامليها الاقتصاديين الوطنيين داخليا، وفتح مجالات وآفاق جديدة لهم خارجيا.
فالدبلوماسية الاقتصادية سلاح بحدين، ونضرب مثالا مسح الديون الخارجية عن الدول المدينة يمكن أن يستبدل بشكل آخر يتمثل في السماح للقطاع الاقتصادي العام أو الخاص بالاستثمار في تلك الدول نظير الديون المستحقة الوفاء.
المستوى الخامس: تعزيز وتقوية التعاون الدولي:
ويكون ذلك عن طريق تعزيز العمل والتفاوض الجماعي إما بشكله الثنائي أو بشكله الإقليمي، أين تكون الحاجات متماثلة والمستوى الاقتصادي متقارب، فالتعاون الإقليمي يسمح بالتبادل التجاري والاستثماري بين دولتين أو أكثر حسب حاجة كل منها، ويظل أقل خطورة على السيادة من محاولة الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة أو التشارك مع تنظيمات دولية أخرى تفرض املاءات قاسية على الاقتصاد والمنتوج الوطني كالاتحاد الأوروبي مثلا، هذا من جهة،
ومن جهة ثانية، فان الندية في التعامل مع الأطراف الخارجية والتي تسعى القيادة الحالية لتجسيدها، جزء منها كامن في تقوية الموقف الدبلوماسي التفاوضي في المجال الاقتصادي وهذا لا يتأتى إلا من خلال تقوية الاقتصاد، فالقوة الآن أصبحت للمتمكن اقتصاديا أكثر من المتمكن عسكريا، فالاقتصاد القوي هو أقوى سلاح ولا أدل على ذلك من الأزمة الصينية الأمريكية.
وفي الختام، نؤكد على ضرورة التحكم في مفاتيح العملية التنموية الاقتصادية الداخلية فهي بمثابة درع الدفاع الأقوى من أجل صيانة وتقوية السيادة الوطنية والقرار السيادي على المستوى الخارجي، فإذا كانت العولمة الاقتصادية مسارا مفروضا دوليا بلا مناقشة فان الأهم هو التكيف مع الحفاظ على الخصوصية الوطنية.

التكامل الإقليمي والدبلوماسية الاقتصادية.. سر الصعود الجزائري
يرى الدكتور لحول عبد القادر، أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد، نائب رئيس المنظمة الدبلوماسية العالمية مكلف بالشؤون المالية، ومدير لجنة التنمية المستدامة التابعة للمنظمة، في تصريح ل “الأيام نيوز” أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أصبحت أداة استراتيجية لتعزيز النفوذ الجيو-اقتصادي للبلاد، خاصة في ظل التحولات الدولية التي تفرض ضرورة تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل التبعية للأسواق التقليدية. وأوضح أن الجزائر تمتلك مقومات قوية لتوظيف علاقاتها الدبلوماسية في دعم اقتصادها من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والاستثمار في البنية التحتية والانخراط في التكتلات الاقتصادية الدولية، مما يتيح لها توسيع صادراتها وجذب استثمارات جديدة. كما شدد على أن نجاح هذا التوجه يعتمد على مدى قدرة الجزائر على تنفيذ إصلاحات هيكلية تعزز جاذبية مناخ الأعمال، وتطوير استراتيجيات تكامل اقتصادي مع الدول الإفريقية والمتوسطية، بما يضمن لها موقعًا تنافسيًا في الأسواق العالمية.
وأكد الدكتور لحول عبد القادر، أن الجزائر تمتلك إمكانيات واسعة لتوظيف دبلوماسيتها الاقتصادية لتعزيز نفوذها الجيو-اقتصادي في إفريقيا ومنطقة البحر المتوسط، من خلال تبني استراتيجيات شاملة تركز على التعاون الاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتفعيل التكامل الإقليمي.
وأوضح أن أحد الركائز الأساسية لهذا التوجه يتمثل في توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مع الدول المجاورة، بهدف تسهيل تدفق السلع والخدمات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يساهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر تكاملًا واستقرارًا.
وأضاف أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والموانئ وشبكات النقل يعدّ عاملًا محوريًا في تعزيز الترابط الاقتصادي، حيث يسهل حركة التجارة ويدعم اندماج الجزائر في الاقتصاد الإقليمي، خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء ودول المتوسط.
وأشار إلى أن الدبلوماسية الثقافية والتعليمية تلعب دورًا مهمًا في دعم هذا التوجه، حيث يمكن إقامة برامج تبادل ثقافي وأكاديمي لتقوية العلاقات الاقتصادية على المدى الطويل، ما يفتح المجال لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية والمتوسطية في مختلف المجالات.
وشدد على أن دعم الجزائر للمبادرات الإقليمية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي يشكل عاملًا آخر في ترسيخ حضورها الاقتصادي، إذ إن المناخ الآمن والمستقر يعدّ عنصرًا أساسيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في المناطق التي تعاني من تحديات أمنية تؤثر على النشاط التجاري والاقتصادي.
وأضاف أن نجاح الجزائر في تحقيق هذه الأهداف يعتمد على مدى قدرتها على تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، وإيجاد حلول عملية للتحديات التي تعيق تكاملها الاقتصادي مع جيرانها، سواء من خلال تطوير بنيتها التحتية أو تذليل العقبات الإدارية التي تواجه المستثمرين المحليين والأجانب.
التكتلات الاقتصادية.. رافعة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي
وحول أهمية التكتلات الاقتصادية في دعم المصالح الجزائرية، أوضح الدكتور لحول أن انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA) يوفر فرصة كبيرة لتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي على مستوى القارة، إذ إن إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الإفريقية يسمح بتوسيع نطاق الصادرات الجزائرية، خاصة في القطاعات غير النفطية، ما يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
وأضاف أن الاندماج في هذه التكتلات يسهم في جعل الجزائر وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث تضع نفسها ضمن شبكة اقتصادية واسعة، مما يعزز من قدرتها على جذب رؤوس الأموال والمشاريع الاستثمارية التي تبحث عن أسواق متكاملة.
وأشار إلى أن هذه التكتلات تلعب دورًا في تعزيز القوة التفاوضية للجزائر في المحافل الاقتصادية الدولية، إذ يتيح لها التواجد في هذه المنظمات صياغة سياسات اقتصادية مشتركة تحقق مصالحها الوطنية وترفع من قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.
وأكد أن التواجد النشط في هذه التكتلات يمنح الجزائر نفوذًا سياسيًا أكبر، حيث تمكنها مشاركتها الفعالة في هذه الهيئات من تعزيز موقعها كدولة قيادية في إفريقيا والمتوسط، والمساهمة في اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تؤثر على مستقبل القارة.
وشدد على أن الجزائر، من خلال مشاركتها في هذه المنظمات، قادرة على تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع مختلف الدول الأعضاء، مما يتيح لها فرصًا جديدة لتنويع علاقاتها التجارية والاستثمارية، خاصة في ظل التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ الاقتصادي في إفريقيا.
تنويع الشراكات وتقليل التبعية للأسواق التقليدية
وفيما يتعلق بالاستراتيجية الجزائرية لتقليل التبعية للأسواق التقليدية وتنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية عالميًا، أكد الدكتور لحول عبد القادر أن الدبلوماسية الاقتصادية تشكل أحد أهم الأدوات التي يمكن من خلالها فتح أسواق جديدة وتعزيز شبكة الشركاء التجاريين، ما يتيح للجزائر مرونة أكبر في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية.
وأوضح أن الاتجاه نحو آسيا، أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية يمثل خطوة ضرورية لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على أسواق محددة، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على استقرار العلاقات التجارية التقليدية.
وأضاف أن تحسين مناخ الأعمال وتقديم حوافز استثمارية في قطاعات واعدة، مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، يجعل الجزائر وجهة مفضلة للمستثمرين الأجانب، ما يساهم في تنويع مصادر الاستثمار وتعزيز التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن تعزيز الإنتاج الصناعي والصادرات غير النفطية يعدّ خطوة حاسمة في هذا المسار، حيث أن دعم الصناعات المحلية، وتشجيع الابتكار، وتحسين جودة المنتجات الوطنية سيمكن الجزائر من تحقيق استقلال اقتصادي أكبر، بعيدًا عن تقلبات أسعار الطاقة العالمية.
وأكد أن التعاون مع التكتلات الاقتصادية الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية، يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة أمام الجزائر للوصول إلى أسواق متنوعة وتعزيز شراكاتها التجارية.
كما شدد على أن التحول نحو الدبلوماسية الاقتصادية الرقمية، واستغلال التكنولوجيا الحديثة في التجارة الإلكترونية والتواصل مع الشركاء الدوليين، يمثل ركيزة أساسية في العصر الحالي، حيث باتت الأسواق العالمية تعتمد بشكل متزايد على التقنيات الرقمية في إدارة الأعمال والتجارة الدولية.
وشدد على أن إيجاد التوازن بين تعزيز العلاقات الاقتصادية التقليدية والانفتاح على أسواق جديدة يتطلب استراتيجية متكاملة تجمع بين الإصلاحات الداخلية والانخراط النشط في المشهد الاقتصادي العالمي.
وأضاف أن الجزائر مطالبة اليوم بتحقيق قفزة نوعية في سياساتها الاقتصادية، من خلال توجيه استثماراتها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والاستفادة من الفرص التي توفرها التحولات الاقتصادية الدولية لتعزيز مكانتها كلاعب اقتصادي إقليمي ودولي.
وختم الدكتور لحول عبد القادر حديثه بالتأكيد على أن الدبلوماسية الاقتصادية أصبحت أداة استراتيجية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي وتعزيز الأمن القومي، حيث أن بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعدّ اليوم أحد أهم عوامل الحفاظ على السيادة الوطنية والتأثير الفاعل في النظام الاقتصادي العالمي.
وأوضح أن الجزائر، بفضل موقعها الجغرافي وإمكاناتها الاقتصادية، تمتلك كل المقومات اللازمة لتوسيع نفوذها الاقتصادي عالميًا، وأن نجاحها في هذا المسار يعتمد على مدى قدرتها على تنفيذ إصلاحات هيكلية، وتعزيز تكاملها مع الأسواق الدولية، وتطوير علاقاتها التجارية والاستثمارية بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.

كيف تدعم الجزائر المقاولين الناشئين عبر الدبلوماسية الاقتصادية؟
تحدث إسكندر طورش، إطار وعضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولتية، في تصريح ل “الأيام نيوز” عن الدور المتنامي للدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية في دعم المقاولاتية وتعزيز ريادة الأعمال على المستوى الدولي، خاصة من خلال إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، التي تمثل أداة استراتيجية لفتح الأسواق الخارجية أمام المؤسسات الناشئة وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأوضح أن الجزائر، من خلال هذه المبادرات، تسعى إلى تجاوز العقبات التي تواجه المستثمرين ورواد الأعمال عند التوسع إلى الأسواق الخارجية، وذلك عبر توفير بيئة اقتصادية أكثر تنافسية وتحسين آليات التصدير وتذليل العقبات اللوجستية. كما أكد أن التوجه الجزائري نحو إفريقيا يعكس رؤية اقتصادية طموحة تهدف إلى تعزيز موقع البلاد كمركز رئيسي للمقاولاتية والاستثمار، عبر تفعيل اتفاقيات التعاون الثنائية، وتحقيق مبدأ “رابح-رابح” مع الدول الإفريقية الشريكة، مما يجعل من الدبلوماسية الاقتصادية إحدى أهم الأدوات لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع الاقتصاد الوطني.
وأكد إسكندر طورش، أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية تلعب دورًا متزايدًا في دعم المقاولاتية وتعزيز ريادة الأعمال على المستوى الدولي، خاصة من خلال إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.
وأوضح أن هذه الوكالة، التي تأسست في فبراير 2020 بقرار من رئيس الجمهورية، تضطلع بعدة مهام استراتيجية، من بينها ترقية العمل الإنساني والتضامن الدولي كوسيلة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتطوير التعاون مع المنظمات الدولية، إضافة إلى تقديم المتابعة التقنية والمالية للمشاريع الاستثمارية المشتركة. كما تلعب دورًا محوريًا في تكوين الجزائريين في الخارج واستقطاب الكفاءات الأجنبية إلى الجزائر، ما يساهم في تعزيز بيئة ريادة الأعمال وفتح آفاق جديدة أمام المؤسسات الناشئة لتوسيع نشاطها إلى الأسواق الخارجية.
وأشار إلى أن هذه الوكالة مدعومة بمجلس توجيهي رفيع المستوى يضم ممثلين عن وزارات الشؤون الخارجية، الداخلية، المالية، والدفاع الوطني، مما يعكس ثقلها وأهميتها في رسم السياسات الاقتصادية الجزائرية وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين.
وأكد أن الجزائر نجحت من خلال هذه المبادرات في إبرام اتفاقيات تعاون استثماري مع دول مثل النيجر ودول إفريقية وعربية أخرى، ما يعكس مدى تأثير الدبلوماسية الاقتصادية في دعم المقاولاتية وفتح أسواق جديدة للمنتجات الجزائرية.
تحديات تواجه المستثمرين الجزائريين في التوسع الخارجي
وفيما يخص التحديات التي تواجه المستثمرين ورواد الأعمال الجزائريين عند محاولتهم التوسع إلى الأسواق الخارجية، أوضح طورش أن تطوير الصادرات خارج المحروقات أصبح من أولويات الدولة الجزائرية، حيث تم تسخير كافة الوسائل لتحقيق هذا الهدف منذ أكثر من عقد. وأضاف أن السلطات العمومية وضعت عددًا من التدابير والإجراءات لتعزيز الإنتاج الوطني في الأسواق الخارجية، والتي تتماشى مع سياسة توسيع المبادلات التجارية والاندماج العالمي.
وأشار إلى أن أحد أهم العوامل التي تسهم في تسهيل هذه المهمة هو الوكالة الوطنية لترقية الصادرات الخارجية، التي تأسست بموجب المرسوم التنفيذي 174-04 الصادر عام 2004، والتي توفر الآليات اللازمة لدعم الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات.
وأضاف أن المستثمرين الجزائريين يواجهون العديد من التحديات، أبرزها ضرورة ضمان وصول المنتجات في الوقت المناسب إلى الأسواق الخارجية، وهو ما يتطلب توفر المادة الأولية في وقتها داخل الجزائر لتجنب تأخير عمليات الإنتاج والتصدير.
كما أشار إلى أن المشكلات اللوجستية والعراقيل البيروقراطية تؤثر سلبًا على كفاءة الصادرات، ما يستوجب تعزيز الجهود الحكومية لتهيئة بيئة أكثر مرونة وتكاملًا مع السوق الدولية.
وأكد أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية تعمل بفعالية على تذليل هذه العقبات، حيث تلعب الوكالات المتخصصة مثل “الجكس” دورًا رئيسيًا في مساعدة المستثمرين من خلال تقديم التسهيلات اللوجستية، وتوقيع اتفاقيات دولية لتحسين حركة الصادرات، مما يسهم في تحقيق أهداف رواد الأعمال الجزائريين وتعزيز تواجدهم في الأسواق الإقليمية والدولية.
تعزيز موقع الجزائر كمركز استثماري إفريقي
وحول فرص تعزيز موقع الجزائر كمركز رئيسي للمقاولاتية والاستثمار في إفريقيا، أوضح طورش أن الجزائر انخرطت في مساعي إصلاح الاتحاد الإفريقي، بهدف جعله أكثر استجابة لتطلعات الشعوب الإفريقية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز المبادلات التجارية.
وأشار إلى أن الجزائر سارعت إلى توقيع والمصادقة على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية، مما يعكس التزامها بتعزيز التبادل التجاري بين دول القارة ودعم التعاون الاقتصادي جنوب-جنوب.
وأضاف أن الجزائر تربطها علاقات قوية مع أغلب الدول الإفريقية، وتسعى إلى تعزيز هذا الزخم من خلال رفع مستوى التعاون الاقتصادي ليوازي جودة العلاقات السياسية.
وأكد أن الجزائر تعمل على تفعيل آليات التعاون الثنائي من خلال إنشاء لجان مشتركة بين الدول، وتنظيم مجالس أعمال ثنائية لتعزيز الشراكات الاقتصادية. وخلال الأشهر الستة الماضية، تم توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية جديدة تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري وفق مبدأ “رابح-رابح”، مما يجعل الجزائر شريكًا رئيسيًا للدول الإفريقية الباحثة عن تطوير اقتصاداتها.
وأضاف أن الجزائر نجحت في جعل نفسها وجهة استثمارية رئيسية في القارة الإفريقية، من خلال تعزيز التعاون مع دول مثل موريتانيا، تونس، النيجر، ودول الساحل الإفريقي، ما أدى إلى انتشار المنتجات الجزائرية في الأسواق الإفريقية واكتسابها سمعة عالمية.
وأكد أن القرارات الدولية الأخيرة، مثل وقف بعض المساعدات الأمريكية لدول إفريقية، دفعت هذه الدول إلى البحث عن شراكات جديدة قائمة على الإنتاج المحلي والتعاون الاقتصادي المستدام.
ونتيجة لذلك، بدأت العديد من الدول الإفريقية تتجه نحو الجزائر لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستفادة من خبراتها، خاصة في مجال تبادل المنتجات والاستثمارات الثنائية.
وختم إسكندر طورش حديثه بالتأكيد على أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أصبحت اليوم أداة استراتيجية لتعزيز مكانة الجزائر في القارة الإفريقية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، بما يعزز ريادة الأعمال ويتيح فرصًا جديدة للمستثمرين الجزائريين في الأسواق الإقليمية والدولية.