يوم الجمعة الماضي، وجّه السفراء العرب في لندن رسالةً إلى رئيسة وزراء بريطانيا، ليز تراس، يحثّونها على “عدم المضيّ قُدما، بشأن نقل السفارة البريطانية إلى القدس”. وجاء الردّ، خلال حفل مع “أصدقاء إسرائيل” في بريطانيا، فقد أعلنت تراس بأنها “صهيونيةٌ كبيرةٌ”، وسوف تنقل علاقة بلادها مع الكيان الصهيوني من “قوة إلى قوة أكبر”.
قالت ليز تراس: “في هذا العالم، حيث نواجه تهديدات من أنظمة استبدادية لا تؤمن بالحرية والديمقراطية، فإنه يجب على ديمقراطيتين حرتين، المملكة المتحدة و(إسرائيل)، الوقوف جنبا إلى جنب لتحمّل مسؤولية أن نكون أكثر قربا وتعاونا في المستقبل”. وأضافت: “صدقوني، لن تسمح المملكة المتحدة أبدًا، مع حلفائنا، لإيران بالحصول على سلاح نووي”.
سفارة في القدس.. هديّةُ صداقة
من جانبها، طالبت سفيرة الكين الصهيوني في لندن، تسيبي حاتوبلي بمراجعة نقل السفارة البريطانية من “تل أبيب” إلى القدس المُحتلّة، وقالت: “لا شيء يمكن أن يكون أكثر أهمية لإظهار الصداقة بين (إسرائيل) والمملكة المتحدة من هذه الخطوة، هناك عاصمة واحدة فقط للمملكة المتحدة، وهي لندن، وهناك عاصمة واحدة لـ (إسرائيل) هي القدس”.
أما الوزير البريطاني “روبرت جنريك”، فقد أشار إلى مساحة الأرض المحجوزة حاليا لسفارة بريطانية جديدة في القدس المحتلة، وقال إنه “مسرور لسماع رئيسة الوزراء.. ويلتزم بالمراجعة لنقل سفارتنا إلى القدس”. وأوضح: “لدينا موقع في القدس ينتظر الانطلاق، لقد حان الوقت لأن نتحمل المسؤولية، وأن نبني تلك السفارة ونعترف بأن العاصمة الحقيقية لدولة (إسرائيل) هي القدس بوضوح”.
شكراُ صديقتي..
يُذكر بأن رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس أعلنت، منذ أيام، بأنها ستقوم بنقل السفارة البريطانية من “تل أبيب” إلى القدس المُحتلّة، وقد أبلغت رغبتها إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني “يائير لابيد”، خلال لقائهما الأخير في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. وقد أجاب “لابيد”، في تغريدة، قائلا: “أشكر صديقتي العزيزة، رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، التي أعلنت أنها تدرس بإيجابية في إمكانية نقل السفارة البريطانية إلى القدس، وسنواصل العمل لتعزيز الشراكة بين البلدين”.
“ليز تراس” تتجاهل رسالةَ السفراء العرب
أثارت، تصريحات “ليز تراس” بنقل السفارة، السفراءَ العرب في لندن، فوجّهوا رسالة إلى رئيسة وزراء بريطانيا، تضمّنت، بحسب ما ذكرته صحيفة “الغارديان”، أن “المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، والتي من المقرر أن تكتمل هذا العام، قد تتعرّض للخطر، على خلفية خطة نقل السفارة”.
برغم أن رسالة السفراء العرب قد حظيت بتأييد جميع الدول العربية، حتى تلك التي وقّعت اتفاقيات “إبراهيم” مع الكيان الصهيوني، فإن الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، وتمتلك ممثليات ديبلوماسية في لندن، لم يصدر عنها أيّ موقف، حتى الآن، سواءٌ بتأييد الرسالة أو بالاعتراض على رغبة رئيسة وزراء الحكومة البريطانية.
يجب قولُ كلمة.. القرار سيكون كارثيا
وفي هذا السياق، قال السفير الفلسطيني لدى لندن، حسام زملط: “أيّ نقل للسفارة، سيكون انتهاكا صارخا للقانون الدولي، والمسؤوليات التاريخية للمملكة المتحدة. إنه يُقوض حلّ الدولتين، ويُؤجّج وضعا متقلبا بالفعل في القدس وبقية الأراضي المحتلة، وبين المجتمعات في المملكة المتحدة، وفي جميع أنحاء العالم.. هذا القرار سيكون كارثيا”.
ليز.. كارثةٌ حتى على بلادها
في سياق آخر، أظهر استطلاع للرأي، تم الإعلان عنه يوم الجمعة الماضي، بأن أكثر من نصف البريطانيين يعتقدون بضرورة استقالة ليز تراس من منصب رئيسة وزراء المملكة المتحدة، ويرون بأن سياستها “تفيد الأغنياء أكثر من أصحاب الدخل المنخفض”، وخطتها الاقتصادية سوف تقود على “أزمات غير مسبوقة، تُهدّد المملكة المتحدة”. ويُشار إلى أن 191 ألف مواطن بريطاني وقّعوا على عريضة تدعو إلى إجراء انتخابات عامة فورية في البلاد.
وإذاً، ما الذي ينتظره السفراء العرب من سياسية “منبوذة” في بلادها، ويراها نصف شبعها بأنها كارثة عليهم، وتعلن بأنها “صهيونية كبيرة”؟ وهل يجب التذكير بأن “وعد بلفور” هو رسالة أرسلها وزير خارجية بريطانيا الأسبق “آرثر جيمس بلفور” عام 1917 إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية اللورد “ليونيل روتشيلد”، يتضمّن تأييد بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
هل تتخلّى بريطانيا عن “رسالتها الصهيونية”؟
حفظ ذلك “الوعد” هو مهمة بريطانية بالدرجة الأولى، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومن السذاجة الاعتقاد بأن لندن سوف تتخلّى عن “رسالتها الصهيونية”، وتتطهّر من روحها الاستعمارية، وتتنازل عن تقاليدها في ممارسة الهيمنة والوصاية على بلدان كثيرة في العالم.
من المُجدي أن تتوجّه المُساءلة إلى الدول التي طبّعت مع الكيان الصهيوني، فهي التي وقّعت بأنه ليست كل مساحات الأقصى إسلامية، بل بعضٌ منها فقط. وأما بريطانيا، فهي راعية للكيان الصهيوني، وليس مُنتظرا منها أن تقوم بخطوة تخدم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، في أدنى شيء.