كان طه حسين أحد أعلام الفكر بمصر ـ والشرق الأوسط ـ وهو أوّل أديب عربي تمّ ترشيحه لجائزة نوبل للأدب، خاض معارك فكرية لا حصر لها، وأثار كتابه “في الشعر الجاهلي” أزمة شديدة فُصل على إثرها من الجامعة، وأحيل على المحاكمة أمام القضاء، وبعد مرور نحو 50 عاما على وفاته أثار الحديث عن إزالة مقبرته ونقل رفاته خارج مصر ضجة كبرى.
اسمه بالكامل “طه حسين علي سلامة”، مولود بعزبة الكيلو ـ مركز مغاغة بمحافظة المنيا ـ صعيد مصر، يوم 14 نوفمبر 1889، ترعرع في عائلة فقيرة من الطبقة المتوسطة وكان واحدًا من 13 طفلًا، وكان والده يعمل موظفا صغيرا في شركة السكر بصعيد مصر.
في سن مبكرة جدًا، أصيب طه حسين بعدوى في العين، وبسبب سوء العلاج وعدم تلقي الرعاية اللازمة، أصبح كفيفا عندما كان عمره 3 أعوام. بالرغم من ذلك، تعلم حفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره.
درس في الكتّاب خلال سن الصبا، وفي عام 1902 تم إرساله إلى جامعة الأزهر بالقاهرة، وهناك اكتسب معرفة دقيقة بالنحو والفقه والبلاغة وتأثر بتعاليم الشيخ محمد عبده بشكل كبير.
في عام 1908، التحق بجامعة القاهرة، وفي عام 1914، وفي عام 1914 حصل طه حسين على درجة الدكتوراه عن أطروحته عن الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري، كما منحته جامعة السوربون الدكتوراه الثانية عام 1918 عن أطروحته حول المؤرخ الجزائري ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث. وفي عام 1919، حصل على دبلوم في الحضارة الرومانية من نفس الجامعة.
أثناء دراسته في جامعة مونبلييه بفرنسا، التقى طه حسين بسوزان بريسو، التي ساعدته في القراءة بفضل عملها بالكتب بطريقة “برايل” المصممة خصيصًا للمكفوفين، وتطورت العلاقة بينهما، وفيما بعد أصبحت سوزان زوجته وأم أطفاله.
أثرت الثقافة اليونانية في البداية في الأسس الفكرية لـ”طه حسين” وأصدر كتابًا بعنوان “الصفحات المختارة” من الشعر اليوناني الدرامي عام 1920، ومجلدا آخر بعنوان “النظام الأثيني” في عام 1921، و”قادة الفكر” في عام 1925.
أربع محطات فكرية
كان المفكر الإسلامي الراحل الدكتور محمد عمارة، قد تناول مراحل التطور الفكري لطه حسين حين قسمها ـ في كتابه “طه حسين.. من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام” الصادر عام 2014 ـ إلى 4 مراحل.
- المرحلة الأولى (1908-1914): في هذه الفترة الأولى، شهد فكر طه حسين تردٍّدًا بشأن هويته الحضارية في مصر. وجد نفسه بين منجزي “حزب الأمة” ومفكره أحمد لطفي السيد، الذي كان يدعو إلى الوطنية المصرية المستقلة بعيدًا عن العروبة، والقائد “الحزب الوطني” مصطفى كامل، الذي كان من أتباع الهوية الإسلامية ومؤيدين للجامعة الإسلامية والخلافة.
- المرحلة الثانية (1914-1932): خلال هذه المرحلة، أخذ طه حسين ينجذب بشدة إلى الثقافة الغربية وشهد انخراطه في كتابة “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ علي عبد الرازق. ثم كتب مؤلفه “في الشعر الجاهلي” الذي كان مميزًا وقد أظهر تأثره بالأفكار والقيم الغربية. في هذه الفترة، قدم انتقادات حادة للشك العبثي ولبعض المقدسات.
- المرحلة الثالثة (1932-1952): خلال هذه المرحلة، تحولت كتابات طه حسين فباتت تخلو من أي إساءة للمقدسات، إذ بدأ يكتب في مجال الإسلاميات ويدافع عن الدين الحنيف ضد التنصير مؤكد على أن الإسلام هو منهج شامل للحياة، وشدد على نقده للسياسة الاستعمارية الغربية ودعمه لحركات التحرر الوطني.
- المرحلة الرابعة والأخيرة (1952-1960): في هذه المرحلة الأخيرة، أكد طه حسين مسألة “حاكمية القرآن الكريم” وأظهر انتمائه إلى العروبة والإسلام كمصدر للهوية بعيدًا عن الفرعونية التي تبناها في المراحل السابقة.
“ كتاب في الشعر الجاهلي”
أثار كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” عن النقد الأدبي – الذي صدر عام 1926- عاصفة كبرى في العالم العربي، حيث أعرب حسين عن شكوكه في أصالة كثير من الشعر العربي القديم، قائلا إنه “تم تزويره في العصور القديمة بسبب الكبرياء القبلي والتنافس بين القبائل”.
أحد أقوال حسين أغضب علماء الأزهر وهكذا تمت إحالته على التحقيق أمام النيابة العامة بتهمة “إهانة الإسلام”، وفقد منصبه في جامعة القاهرة، وحُظر كتابه، لكن القضاء حفظ القضية.
لم تكد تمضي 3 سنوات على صدور كتاب “في الشعر الجاهلي”، ثم صدور النسخة المعدلة له التي نشرت في العام التالي بعنوان “في الأدب الجاهلي” حتى انهالت مجموعة من المؤلفات تنتقد الكتاب وتهاجم صاحبه.
انبرى وقتئذ عدد من الأدباء والمفكرين للرد على حسين، أبرزهم مصطفى صادق الرافعي في كتابه “تحت راية القرآن”، والشيخ محمد الخضر حسين في كتابه “نقض كتاب في الشعر الجاهلي”، ومحمد فريد وجدي في كتابه “نقد كتاب الشعر الجاهلي”، وعلي الجندي في كتابه “تاريخ الأدب الجاهلي”، وناصر الدين الأسد في كتابه “مصادر الشعر الجاهلي”.
المؤلفات والجوائز
ألّف طه حسين نحو 60 كتابا بينها 6 روايات، ومن أبرز كتبه “الأيام” و”دعاء الكروان” و”المعذبون في الأرض” و”في الشعر الجاهلي”، وكتب نحو 1300 مقالة، وتُرجم أكثر من 12 عملا له إلى لغات عدة على رأسها الفرنسية.
رُشّح طه حسين لجائزة نوبل في الأدب 14 مرة أولها عام 1949، لكنه لم يفز بها طوال حياته، وقدم له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جائزة الدولة العليا، التي تُقدم عادة إلى رؤساء الدول، وفي عام 1973 حصل طه حسين على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
نشرت رواية ” دعاء الكروان” عام 1934، وقد كتب طه حسين في مقدمة هذه الرواية إهداء إلى “عباس العقاد”، وقد استوحى الشاعر اللبناني خليل مطران قصيدة من أجواء الرواية، وترجمت الرواية إلى اللغة الفرنسية عام 1949، وتم تحويلها لفيلم سينمائي عام 1959 من إخراج هنري بركات، وقد شارك طه حسين بصوته في نهاية الفيلم.
وفاته ثم عودة الجدل حوله
توفي طه حسين في 28 أكتوبر عام 1973 الذي وافق يوم عيد الفطر غرة شهر شوال عام 1393 للهجرة في العاصمة المصرية (القاهرة) عن عمر ناهز 84 عاما، وكانت تقارير قد أثارت جدلاً واسعا ـ في نهاية شهر أوت 2022، ـ إثر تداول معلومات تفيد بأن الحكومة المصرية تعتزم نقل مقبرة العالم المصري طه حسين إلى مكان آخر، وقد جاء هذا عندما بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتداول صورة تحمل عبارة “إزالة” على مقبرة طه حسين، ما أثار مخاوف بشأن نية السلطات المصرية هدم المقبرة والمقابر المجاورة لها، وذلك في إطار مشروع جديد يهدف إلى إنشاء طرق ومحاور جديدة بهدف التصدي لأزمة الازدحام واختناق حركة المرور في العاصمة المصرية القاهرة.
ووفقًا للتقارير، تلقت عائلة طه حسين عرضًا من السفارة الفرنسية في القاهرة لنقل رفاته إلى باريس. ولكن، أصدرت مها عون، حفيدة طه حسين، بيانًا نشرته عبر حسابها الشخصي على منصة فيسبوك، أكدت فيه رفض الأسرة بشدة هذا العرض، مشيرةً إلى أن رفات جدها لن تخرج من مصر.
من الجدير بالذكر أن السلطات المصرية قد بدأت بالفعل في هدم بعض العقارات في المنطقة، مع تعويض سكانها ببدائل سكنية أو تعويض مالي. ومع ذلك، نفت الصفحة الرسمية لمحافظة القاهرة على فيسبوك هذه الأخبار في بيان نُشر في الثاني من سبتمبر 2022، مؤكدة عدم صحة ما يتم تداوله عبر الإنترنت بشأن نية المحافظة في هدم مقبرة طه حسين.