رسالة امرأة من غزة إلى كل المسلمين: “يا رسول الله لا تشفع لهم”!

بحسرة أُمٍّ ونكبة عروس ودموع طفلة في أُمّة انشطرت إلى شطرين: شطر متخاذل وآخر ما زالت فلسطين هي قضيّته وقبلته الروحية والعربية.. شطر الأمة المُتخاذل انتهى إلى القاع ولم يبق منه إلا ما سلَف من “معتصم” يقيم في كتب التاريخ، “معتصم” أصيل النَّخوة والرجولة وتلبية النداء. وبفجيعة حُرَّة مكلومة ومحاصرة ومَسحولة في ساح “غزّة”، سألوها وهي تحتضن حقيبتها فرارا من موتٍ سكن كل الأمكنة، أن توجّه رسالة إلى العرب، فقالت غير مُستعصمة إلّا بربّها: “بل أوجّه رسالتي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم”، ثم تضيف ووجهها إلى السماء: “يا رسول الله، لا تشفع لهم؛ لقد خذلونا”..

صرخة بل دعوة مرفوعة إلى السماء، هي حمم البركان الذي صهر جسد الحرائر في “غزّة”، ليصرخن في وجه شطر الأمة المتخاذل الذي مسّ العار حُكّامه، وبـ “كرة” ورقص مهرجانات شعوبها، أن: لا بارك الله في كل من خذل غزّة وساند أعداءها.. والرسالة في محتواها و”مُبتلاها” الواضح، أن نسوة “غزّة” من حرائر فلسطين.. وصلن في نهاية “سحلهن” وانتهاك شرفهن وحياتهن من طرف كيان “العجل” الهجين، لأن يرفعن بضفائرهن إلى السماء طلبا للقَصاص من أمّة “الإبل” (الشطر المتخاذل)، وذلك قبل أن يطلبن من السماء نصرةً على رهط “العجل” وما نفخ “السامري” من خذلان وخيانة وخيبة في أعماق “عروبة” كانت هي النخوة والشهامة والسؤدد، يوم كان لها من الرجال: “عنترة” في جاهلية ذوده عن العرض، و”عقبة” و”خالد” و”ابن العاص”، في إسلام.. “لبيك يا أختاه”، أينما كانت صرخة الضفائر..

صرخة تلك الـحُرّة في أرض فلسطين، حيث “غزّة” لا زالت عنوانا لصمود عربي، قد يكون الأخير، من طرف ذوات الضفائر بعد أن عَدِمَ ذلك الشطر من الأمة “شنبات” رجاله، لم تكن فقط صرخة ابنة “الإسلام” استجدَت رسولها الكريم ألّا يشفع في هكذا “بقايا” حكّام وشعوب في “صحاري الإبل”، ولكنها صرخة، من استغنى عن أهل الأرض وتعلّق بسقف السماء في تمسُّك، أنَّ “غزّة” من يومها الأول ومن قطرة طوفانها الأولى، كانت قضية سماء لا علاقة لها بمخذولي الأرض..

والمهم في عنوان، ما حدث، وما رمت به الأحداث في ساح الرجال والحرائر في “غزّة”، أن ذلك الشطر من أمة “الكرة” والمهرجانات الفنية والرقص المفتوح على شرف “كوكا كولا” و”بيبسي”.. قد انتهت، أي تلك الأمة (الشطر المتخاذل)، إلى تجاوز مرحلة “غزّة” ودمارها ومأساة أطفالها ونسائها، لتستعيد الشعوب والشعاب الأعرابية على جغرافية ذلك الشطر من الأمة، حياتها ورقصها، غير مبالية بأخبار القتل والسّحل والقصف..

فـ “غزة” في عرف شعوب “الكرة” وشعوب “بوس الواوا” وشعوب “عوض، حوش صاحبك عني”، لم تكن، في عرف الأعراب، إلا لحظة تعاطف إنساني، لا تختلف عن التأثر بحادثة سيارة دهست قطًّا في الطريق، والنتيجة: “يا رسول الله لا تشفع بهم ولا فيهم”، فإنها أمّةُ الخذلان من باعت قبل “غزة”، شرف النّخوة وقيمة ومحتوى ومقام  العروبة، فحتى أضعف الإيمان في مقاطعة مشروب “كوكا كولا” و”بيبسي” وغيرها من بضاعة “آل صهيون”، انتهى إلى مضاعفة حجم الطلب عليهم، ولنا واسع النظر في إدمان للخذلان  كان عنوانه: أنه قبل أن تهزمنا “غزّة” بصمودها، هزمتنا “كوكا كولا” بإدمانها ، واللهم انجنا من الصراط الذي لن يكون غده إلا “غزة” واقفة في وجه مُسلمي العالم، ولسان حالها من لسان حال تلك الحُرّة ووراءها ألف ومليون حُرّة، يردّدن: “يا رسول الله ..لا تشفع لهم”.

المؤلم كما الغريب فيما انتهى يوم “غزة” من خيبة أعرابٍ في صحاري الإبل، أنّ الخذلان الذي كان، في شهور “الطوفان الأقصى” الأولى، يختصّ ببعض الحكّام والأنظمة العربية، تحوّل في الشهر التاسع إلى خذلان كثير من الشعوبِ تمّ ترويضها وتسطيح عقولها، لتصبح في عُرفها، أخبار القتل والإبادة في: غزة ورفح، مجرد “عواجل” روتينية على شريط القنوات  الفضائية، يمرّ عليها العابرون مرور الكرام، ليتمّ تغيير القناة، إلى حيث “ماتش” كرة، بين إسبانيا وفرنسا مثلا، أو بين فريق فلان الذي راوغ علان و”لقمان” وحتى “سبايدر مان” سجّل هدفا “ملحميا” تصفه تلك الشعوب الأعرابية “المُكوَّرة” بالهدف التاريخي والبطولي والمعجزة..

والبقية طبعا، مقاهي وشوارع وقنوات تحلِّل وتستفيض في قراءة مجريات المباراة وقدرة اللاعبين على الصمود رغم الظروف القاسية، والمفارقة المُتغاضَى عنها في عقل ذلك “القطيع” الأعرابي، أنّ “غزة” أصبحت “كرة” مُتلاعب بأرواحها في الساحة الدولية، فيما الوعي العربي، في أغلبه، مشغول بكرة “ميسي” و”رونالدو”، وكذا بحفلات ورقص و”شطح وردح” ليالي الصيف ومهرجانات: “إنّنا راقصون”، ولك الله يا غزّة الصمود وغزة: “يا رسول الله، لا تشفع بهم!”

في السياق ذاته، سياق “التَّكوير” العام، أنه بالتوازي مع كل ما تهاوى هنا وهناك في ساح الخيبة والخنوع و”النسيان”، فإنه في الضفة الأخرى للكيان الصهيوني، لا زالت معركة السقوط الصهيونية مستمرة، فرغم أن معظم العرب “أعراب” في ساحة “غزّة”، إلا أنّ تداعيات طوفان الأقصى وطوفان الرجال، لا زالت هي الحدث داخل بيت الكيان الصهيوني المتآكل من الداخل، وأخر ما تمخَّضَت عنهم هزائمُه إقرار  الجنرال الإسرائيلي المتقاعد “إسحاق بريك” أنه لا بديل لـ “نتنياهو” من قبول صفقة المقاومة في وقف إطلاق النار، وإلا فإنّ إضاعة هذا الفرصة سيكون: “بمثابة سقوط  قنبلة ذرية على رأس إسرائيل”..

ولنا أن نتصوَّر، أنه في الوقت الذي ما زالت “غزة” تصنع ملاحم الأمة التاريخية، فإن معظم شعوب الأمة العربية تنام وتستيقظ على أخبار الكرة، وأخبار نجوم ملاهي الرقص، غير مبالية أن المباراة الحقيقية تُلعب الآن في ساحة الدماء حيث التَّضحية.. بضعة آلاف، من أمّة مليار مسلمٍ، غيّروا وجه التاريخ.. لترفع الحرائر، من تلك الآلاف، أيديهن إلى السماء معلنات: إنه لا شفاعة لأمّة الكرة، وأن “غزّة” في يوم الناس ذاك، ستكون هي معيار: من هو أهل للشفاعة ومن لا شفاعة له في الدنيا والآخرة.

آخر الكلام وللتَّذكير لا الحصر، فإنَّ مَن يحاول أن يُخرج ملحمة “غزّة” من بُعدها العقائدي والديني، والذي يعني ورقة الشفاعة التي رفعتها حُرّة من ساحة الصمود في وجه أمّة تتآكل وتنشطر وتكاد أن تكون كلها هي الخذلان والكرة المتلاعب بها، من يفعل ذلك، عليه أن يتذكّر تصريح رئيس مجلس النواب الأمريكي “مايك جونسون”، حين قال عن قناعة “إنجيليّةِ” العقيدةِ والطرح والحقد التاريخي: “إسرائيل حليف بالغ الأهمية لنا، إنهم يقاتلون من أجل وجودهم، وبالنسبة للمؤمنين منا، فإن الوقوف مع إسرائيل هو وصية إنجيلية”..

ولنا أن نفهم الآن، ما معنى أن يكون السلاح الذي أباد الآلاف من أطفال الأمة الأمريكية: صليب ونجمة سداسية، فيما في ضفتنا الأخرى من شطر الأمة المتخاذل، حُكام العار وأنظمة الخنوع و”شعوب” الكرة، لا زال البعض، يُسَيّسُ ملحمة صمودٍ، ليجعل منهما معركة “فصيل” ضد “كيان”، فيما هي ملحمة أمة عنوانها كما رأيتها، معركة بين “هلال” و”صليب” وبينهما “سداسية” عِجل لا زال خواره يعلن في الناس، أنّ: عبدته هُم شعب الله المختار..

ومجمل القول ومنتهاه.. “طفل” ذاته مبتور الحياة ومكسور الجناح والدفن، حفظ التاريخ، أنه وقبل أن تُواري المؤامرة الكونية على أرض وتاريخ “دمشق”، جثةَ ذلك الطفل، سألوه عن آخر كلماته، ليقول لهم، وهو على أهبة الرحيل والدفن: “سأخبر الله بكل شيء”، ليتكرّر المشهد، لكن هذه المرة من امرأة كانت تحمل حقيبتها فرارًا نحو المجهول، ليسألوها: ماذا تقولين للأمة العربية؟ ويكون الجواب في فحواه المتواتر بين الحادثتين: “بعد أن أخبَر طفلي التليد اللهَ بكل شيء، سأقول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، لا تشفع لهم”…وصلت الرسالة، فاستعدوا للصراط، فإنّهم ها هناك يترقبون مجيئكم، وإنكم لراحلون وقادمون!

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا