أحدثت الزيارة التي قادت رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، إلى الجزائر، زلزالا سياسيا في أوروبا وصلت ارتداداته إلى إسبانيا، التي عبرت عن مخاوف بشأن هذا الاتفاق وتأثيراته على تزودها بالغاز، والحال كذلك بالنسبة لفرنسا التي أوفدت وزير خارجيتها، جون إيف لودريان، الأربعاء إلى الجزائر.
وكالة بلومبرغ الأمريكية المعروفة قالت إن دبلوماسيين إسبان تواصلوا مع نظرائهم من إيطاليا، بشأن مخرجات زيارة دراغي إلى الجزائر، وكذا طبيعة الاتفاق المبرم بين الجزائر وروما بشأن توريد كميات كبيرة من الغاز الجزائري نحو إيطاليا.
وتحدثت الوكالة الأمريكية عن مخاوف كبيرة لدى الطرف الإسباني من الاتفاق الموقع بين الجزائر وإيطاليا، الذي لم يترك هامشا للمناورة بيد مدريد، غير أن الصحافة الإسبانية والمتابعين يحمّلون المسؤولية لمدريد فيما يحصل بين البلدين، بسبب الموقف الخطأ في الوقت الخطأ، لرئيس حكومة هذا البلد، بيدرو سانشيز من القضية الصحراوية.
وينص الاتفاق المبرم بين الجزائر وإيطاليا على تعزيز التعاون في مجال الاستكشاف عن النفط، والرفع من صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا بواقع تسعة ملايير متر مكعب في السنة عبر أنبوب ترانسماد (أنريكو ماتيي)، بما يجعل الجزائر المزود الأول لإيطاليا بالغاز بعدما كانت في المرتبة الثانية.
الهلع لم يتوقف عند إسبانيا بل طرق أبواب باريس، التي سارعت إلى إيفاد وزير خارجيتها إلى الجزائر، لمحاولة معرفة ما حصل خلال زيارة المسؤول الإيطالي، وهي الزيارة التي لم تتحدث عنها الصحافة الفرنسية، وكانت حكرا على بعض وسائل الإعلام الوطنية الناطقة بالفرنسية التي لها علاقات خاصة مع السفارة الفرنسية في الجزائر.
ولم تكن زيارة المسؤول الفرنسي معلنة مسبقا، وقد جاءت بعد زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، وهو ما يضعها في خانة التوجس من التقارب الجزائري الإيطالي، الذي يعتبر تقليديا، لكن ظرفيته أخافت غرماء الجزائر وإيطاليا معا في القارة العجوز.
ولا تنظر باريس إلى الدور الإيطالي في الجزائر بعين الارتياح بالنظر لخصوصية العلاقة مع “المستعمرة السابقة”، ففي الوقت الذي توجد فيه العلاقات على محور الجزائر باريس في واحدة من أسوأ فتراتها، يشهد محور الجزائر روما حركية غير مسبوقة وفي ظرف جد حساس، يطبعه التهاب سوق الطاقة في العالم، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية تأتي بعدما رفضت الجزائر في أكثر من مرة زيارة الوزير الأول الفرنسي، جان كاستاكس، والتي كانت آخرها في 31 مارس المنصرم، وهو ما يرجح أن الجزائر قد شطبت اسم كاستاكس بالأحمر منذ إلغاء زيارته الأولى التي كانت في أفريل من السنة المنصرمة، بعدما عمد هذا الأخير إلى تخفيض الوفد الذي كان سيرافقه إلى الجزائر، واقتصره على بعض رؤساء القطاعات غير المهمة.
وبالمقابل يبدو أن لودريان بات يلعب دور رجل المطافئ في علاقات بلاده مع الجزائر، إذ يعتبر المسؤول الفرنسي الوحيد الذي استقبل في الجزائر، منذ تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي كان شكك من خلالها في وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي، وكان ذلك في ديسمبر الأخير، بعد تصريحاتها المتعددة بشأن حرص باريس على تهدئة التوتر واحترام سيادة الجزائر.